|
|
الأسباب الحقيقية لاعتقال شكيب الخياري بقلم: محمد بودهان الكثيرون تلقوا خير اعتقال الحقوقي الأمازيغي شكيب الخياري بذهول واندهاش. لكن المستوعب لفلسفة الحكم المخزنية لا يرى في ذلك الاعتقال مدعاة للدهشة والذهول، لأنه شيء عادي ما دام أن الناشط الحقوقي شكيب الخياري فضح الفساد وندد بالمفسدين. والحال أن الفساد يعيش في المغرب كجزء ضروري من بنية الحكم المخزنية، وهو ما يعني أن القضاء عليه يعني القضاء على هذه البنية نفسها. وبالتالي فإن أي فضح للفساد وأي تنديد بالمفسدين بالمغرب يعني فضحا وتنديدا ببنية الحكم المخزنية. وهو ما تعتبره السلطة تشويها لصورتها و"تسفيها لمجهوداتها" (هذه هي العبارة نفسها التي استعملها بلاغ وزارة الداخلية الخاص باعتقال الخياري) لتلميع هذه الصورة. فالفساد يجب أن يبقى ويُمارس وينتشر ويهيمن، لكن دون أن يثير ذلك استياء أو تنديدا أو فضحا من أي أحد. فالسلطة هي وحدها "المحتكرة" للفساد، ولها وحدها الحق في "مراقبته" ورصده ومعرفة كل شيء عنه قصد استعماله، في الوقت المناسب، كأداة للضبط السياسي تهدد به من ينوي الخروج عن الطاعة بجره إلى المحاكم، وتثيب به المخلصين الأوفياء بالسكوت عما قد يقترفونه من فساد وارتشاء. ولهذا فإن هذه السلطة تعرف كل صغيرة وكبيرة عن المتورطين في الفساد من "خدامها" المخلصين. ومع ذلك فهي تغض الطرف عنهم وتسكت عن ذلك كنوع من المكافأة لهم على "خدماتهم" وولائهم وإخلاصهم. لكن في نفس الوقت يصبح ذلك السكوت سيفا مسلطا على رقاب هؤلاء "الخدام" الأوفياء قد ينزل عليهم كلما فكروا ـ مجرد تفكير ـ في التخفيض من مستوى "الخدمة". وهو ما يفرض عليهم، كضحايا لابتزاز المخزن، أن لا يغادروا "الخدمة" طيلة حياتهم. وهذا ما يفسر "الحملات" المناسباتية للسلطة، والتي تشنها من حين لآخر على بعض موظفيها أو منتخبيها الذين تقدمهم إلى القضاء بتهمة الاختلاس والفساد والارتشاء، انتقاما منهم وعقابا لهم على عدم انضباطهم السياسي لسياسة المخزن، كما حدث في "حملة التطهير" الشهيرة في 1996. قضايا الفساد وملفاته ينبغي، إذن، أن تبقى ضيعة خلفية خاصة بالسلطة، تراقبها وتوظفها حسب الحاجة، ولا يجب أن تكون موضوع مراقبة أو تدخل من طرف حقوقيين مثل شكيب الخياري الذي اعتقل لأنه تدخل في شأن لا يعنيه، وهو شأن خاص بالدولة وأجهزتها. فهي تعاقبه على غيرته الوطنية التي تعتبرها الدولة زائدة عن اللزوم، كما سبق أن فعلت مع الضابط مصطفى أديب الذي أدانته بالسجن بسبب وطنيته التي دفعته إلى فضح الفساد في بعض مصالح الجيش، ومع الجنديين خلطي وزعيم اللذين لا زالا يقبعان في السجن لكشفهما لفساد بعض المسؤولين العسكريين، ومع رقية بوعالي التي كشفت، بالصورة والصوت، عن الفساد لدى بعض القضاة. فكل مرة يرتفع فيها صوت يفضح الفساد ويندد بالمفسدين، تقدمه السلطة إلى القضاء، ليس عقابا له على وطنيته "الزائدة" فحسب، بل ردعا للآخرين حتى لا تسول لهم أنفسهم الاستنكار العلني والصحفي للفساد، وليكتفوا بالتفرج في صمت ورضا كشياطين خرساء. لكن ماذا ستفعل الدولة عندما يصبح كل المغاربة خياري وأديب وزعيم وخلطي...؟ أين ستجد كل القضاة وكل قاعات المحاكم لمحاكمتهم جميعا؟ إلا أن الخطير في هذا العقاب والردع هو أن السلطات تستعمل القضاء كما تفعل الأنظمة الشمولية مثل الاتحاد السفياتي السابق الذي كان يصفي معارضيه بناء على أحكام بإعدامهم يصدرها القضاء. وهذه مفارقة عجيبة في الأنظمة الديكتاتورية: فالمفترض في هذه الأنظمة، لأنها ديكتاتورية، أن لا تحتاج إلى قضاء ولا قانون لتصفية معارضيها. ومع ذلك فهي التي تستعمل هذا القضاء، أكثر من الدول الديمقراطية، للقضاء على خصومها وإسكات أصوات معارضيها حتى يقال إن الحكم الذي صدر عن القضاء "لا راد" له لأنه "نزيه" و"مستقل" ولا دخل للحكم فيه. لكن القضاء على القضاء يبدأ من استعماله من طرف السلطة لتعاقب من تشاء وتنتقم ممن تريد.
|
|