|
|
قراءة في مجموعة ayt iqqjdr d uxsayالقصصية للكاتب محمد أوسوس بقلم: عزيزة نفيع
صدر عن منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي كتاب جديد من القطع المتوسط بعنوان ayt iqqjdr d uxsay «أيت إيقجدر د أوخساي»، وهو عبارة عن مجموعة قصصية أمازيغية لمؤلفها الكاتب محمد أوسوس، تضم خمس عشرة قصة قصيرة من 100 صفحة كتبت نصوصها بالحرفين اللاتيني وتيفيناغ. 1ـ المؤلف: يعتبر مؤلف هذه المجموعة من كتاب الجيل الثاني للقصة الأمازيغية بجنوب المغرب إلى جانب أقلام شابة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كالراحل شيشونغ ابن عمر ومحمد الفرخسي وأفولاي وابراهيم العسري بعد أسماء كانت لها الريادة في هذا المجال من أمثال حسن إيد بلقاسم الذي أصدر مجموعته القصصية (إيماراين) سنة 1988 ومحمد أشيبان بمجموعة (أنزليف) سنة 1998، ومومن علي الصافي بقصته المطولة (تيغري ن تبرات). وقد سبق للمؤلف أن نشر محاولاته القصصية الأولى بمجلة أمود الصادرة عن نفس الجمعية سنة 1990. وتعتبر هذه المجموعة ثالث عمل قصصي لكتاب أكاديريين يصدر خلال السنتين الأخيرتين بعد amussu n umalu للأستاذ لحسن زهور (سنة 2008) وizmaz n tergin لمحمد أوحمّو بنفس السنة. كما يعتبر هذا الكتاب ثاني عمل أدبي للكاتب بعد نصوصه الفكرية الأمازيغية التي صدرت سنة 2006 بعنوان ixfawn d isasan عن منشورات تاماينوت ورابع مؤلف له خلال السنوات الثلاث الأخيرة بعد أن صدر له كتاب في مجال الدراسات الأنتروبولوجية بعنوان (دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي) وآخر في مجال المعجميات الأمازيغية وهو عبارة عن معجم حيواني أمازيغي ثلاثي اللغة صدر عن منشورات تاوات بعنوان amawal n imudrn. 2ـ العنوان: اختار الكاتب لنصوصه القصصية عنوانا مستوحى من التراث الأدبي السردي الشفوي الأمازيغي بسوس يحيل إلى حكاية معروفة يعمد فيها أب إلى التخلص من طفليه بإيعاز من زوجته الشريرة بحيث يرافقهما إلى غابة موحشة ليضلهما فيها، إذ تركهما خلفه وأقفل عائدا إلى بيته بعد أن علق يقطينا أجوف (أخساي) في شجرة وبجوفه عظاية نافقة (إيقّجدر)، وطلب منهما انتظاره حتى يعود جاعلا من مؤشرات عودته المرتقبة أن تدب الحركة في العظاية فتهتز اليقطينة، فكانت الرياح تهب بين الفينة والأخرى فتحرك اليقطينة فيتوهم الطفلان أنه قد آن أوان عودة الأب الغائب. وهكذا ظل الطفلان ينتظران الوهم حتى لاحت خيوط الفجر بلا جدوى، فسار موقفهم هذا مثلا يضرب في حالات الانتظار العبثي والتعلق بالأوهام. ويعود اختيار هذا العنوان من قبل الكاتب في تقديري إلى أمرين أساسيين: 1ـ الرغبة في استثارة ذاكرة المتلقي، واستثمار المتخيل الجماعي، وخلق إمكانية التواصل بين الأدب الشفوي الأمازيغي وتراثه السردي وتقليد الكتابة الذي بدأ يرسخ أقدامه في ساحة الإبداع الأمازيغي بعد التراكم النسبي الذي بتنا نلاحظه في الآونة الأخيرة مما خلق الانطباع لدى المهتمين بالشأن الأدبي الأمازيغي بوجود قطيعة بين جيل الكتاب المعاصرين والحداثيين والمتلقي الدارج على المحكي الشفوي والموشومة ذاكرته برموز ثقافته التقليدية. وهذا المنحى الهادف إلى وصل التقليد الكتابي السردي الناشئ نجده مجسدا في عدة نصوص سواء باستيحاء البنيات السردية الحكائية التقليدية المعهودة في التراث الشفوي واستلهام أو توظيف بعض الرموز الأسطورية الأمازيغية كحمو أونامير وتانيرت في نص يحمل العنوان ذاته (تانيرت) ص 20 2ـ كون قصص المجموعة تنطوي على مواقف متعددة متناثرة عبر الكتاب تتضمن انتظارات من النوع الذي يحيل عليه النص الشفوي رمزيا حتى أن العبارة المسكوكة المرتبطة بذلك الموقف تكررت في المجموعة في أربع قصص، وهي كالتالي: ـ قصة anu (ص-3): zun ittqql ad immass iqqjdr g uxsay ـ قصة bu ihidâr (ص- 19): ar ttqqlm ad immass iqqjdr g uxsay ـ قصة ayt tiggas (ص-38): ar ttqqlgh, ar akkw nttqql ad immass iqqjdr g uxsay ـ قصة ighrm n tusut (ص-45): zrint tasutin d tasutin ar sis ttqqln, ar ttqqln s iqqjdr ad immass g uxsay ويراد من تواتر وتردد هذه العبارة في النص انتقاد سلبية المجتمع والإنسان الأمازيغي التقليدي وانتظاريته القاتلة التي جعلت منه كائنا استسلاميا يعلق مصائره على مشجب القدر في استكانة وخضوع جعل وجوده مفعولا به لا فاعلا، وواقعه متأثرا لا مؤثرا، وهذه الفئة هي التي أطلق عليها اسم ayt iqqjdr d uxsay. 3ـ موضوعات وقضايا القصص: تتخذ قصص المجموعة طابعا سوسيوسياسيا نقديا لاذعا مغلفا بمسحة من السخرية المريرة، وتتناول موضوعاتها قضايا متعددة مما يهم المجتمع الأمازيغي التقليدي خصوصا في العالم القروي، منها على سبيل المثال تصوير بعض المفارقات الاجتماعية الصارخة في قصص مثل ur nnigh amar i tkrkas وtuccent وهيمنة السلطة المخزنية واستبدادها، وتغلغل الفكر الغيبي واستغلال السلطة الدينية ممثلة في طّالب في قصص مثل amgun وtirra ، واحتقار الإنسان وإهدار كرامته واستغلاله في قصص مثل arraw n iswak، وtawkka وتهميش العالم القروي والمناطق الأمازيغية اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، والفساد السياسي والانتخابي في ihidar و ighirdm. ويبدو أن الاهتمامات الانتروبولوجية للكاتب قد رانت بظلالها على نصوص الكتاب حتى أن بعضها اتخذ كمنطلق لفكرة القصة بعض المعتقدات الأمازيغية الضاربة في القدم، ويمكن أن نقدم مثالا عن ذلك القصص التالية: ـ قصة bihi tafullust ـ قصة ayt tiggas ـ قصة amgun ففي قصة bihi tafullust يشعر البطل (بيهي) بانجراح نرجسي جراء رفض كل فتيات القرية الزواج منه بسبب ما عرف به في القبيلة من زغاريد نسوية، حتى باتت رجولته موضع مساءلة لمجرد أنه كان يزغرد في حفلات الزفاف والأعراس بشكل يتفوق فيه على حناجر النساء الموهوبات، وبينما هو قابع في ركن غرفته كسير الفؤاد بعد أن صدته آخر فتيات القرية، دخلت عليه أمه حاملة دجاجة عدتها مشؤومة لكونها صاحت صياح الديك، فتوجب التخلص منها فورا، وهو ما لم يتوان عن القيام به، إذ استل سكينه وذبحها متشفيا، وعاد إلى غرفته ليستغرق في حزنه، وغير خفي أن البطل بيهي في هذه القصة لم يستطع أن يربط بين وضعه الاعتباري في المجتمع بسبب زغاريده وبين ما أصاب الدجاجة بسبب صياحها الديكي، إذ هو في واقع الأمر ضحية لنفس المنطق أو الفكر التقليدي الذي حكم على الدجاجة بالذبح لكونها خرقت الحدود الاجتماعية الصارمة الفاصلة بين الجنسين، فاستذكرت بينما قدرها الأنوثة، فقد أدانه المجتمع بدوره لكونه تأنث بزغاريده النسوية أصلا بدلا من تأكيد ذكورته التي هي رأسماله الرمزي، مما يجعل مصير الدجاجة مرآة لمصير البطل نفسه، وهو الأمر الذي جعل الكاتب يعنون القصة بعنوان bihi tafullust. ويلمس القارئ توجها فكريا في القصص يروم انتقاد الخطاب الديني السائد في المجتمع المغربي باعتباره يكرس التحجر والجمود الفكري، ويحد من إمكانيات تحرر العقل المغربي، يتجلى ذلك بوضوح في النصين(trrghi n tdggwat- وص:igherm n tusut)، حيث يحكي في الأول قصة مهاجر مغربي متزوج من أجنبية يعود إلى بلاده بقرية صغيرة من قرى المغرب في زيارة خاطفة بعد غياب دام سنينا طويلة ليكتشف أن لاشيء تغير فيها سوى تفاقم الفقر والبؤس والبطالة وقلة ذات اليد، وينضم إلى المصلين في مسجد القرية حيث الخطيب يطرح في خطبته على جمهور المصلين قضية جواز أو تحريم الجمع بين الأمة والحرة في فراش واحد، ويعرض مختلف مواقف الفقهاء منها، فيعود البطل بعد الانتهاء مهتما مشغول البال بهذه القضية إلى بيت أهله القديم بعد الصلاة، ويستسلم للنوم حتى يوقظه مساء، وهو مفزوع، صوت طائر يتشاءم منه الأهالي، فيهب إلى صحن معدني يطرقه لدرء الخطر الذي قد ينذر به في إشارة رمزية إلى نمط تفكيره الأسطوري الذي لم تغير منه سنوات الغربة شيئا بسبب عدم تمثله لفكر الحداثة رغم زواجه من فرنسية، وبغية معرفة الساعة يضطر إلى الاتصال بالزوجة في فرنسا بواسطة البورطابل لسؤالها بعد أن انتبه إلى توقف الساعة القديمة المعلقة على جدار غرفة البيت القديم للجد، وتوقف ساعة البورطابل نفسه منذ حلوله بالقرية. هذه القصة تقدم لنا نقدا لنمط التفكير السائد بالقرية الممثلة لبلده الأصلي حيث تهيمن العقلية الخرافية المتلبسة بالدين معرقلة بذلك أي تطور أو تحرر محتمل، مما يجعل الزمن في القرية يوحي بالتوقف التام والانشداد إلى الماضي مرموزا إليه بمناقشة قضية لم تعد مطروحة في الواقع الحاضر لانتفاء العبودية نهائيا، بينما عجلة الزمن تتطور في ديار الغرب حيث الحداثة والفكر العقلاني النسبي المنفتح. وفي قصة إيغرم ن توسوت لا يكاد الكاتب يبتعد عن نفس الانشغال، حيث يطرح مسألة التقديس الذي تم توسيع دائرته في بلداننا ليشمل ما هو غير قابل أصلا للتقديس لطابعه الزمني الدنيوي المدنس، مما يجعل العامة والمثقفين معا يقعون في الخلط بين القدسي والمقدس، رغم أن الأول sacré هو ما يكتسب قدسيته من النصوص الدينية ومن طابعها العلوي، بينما الثاني sacralisé هو ما تم تقديسه دون أن يكتسي دينيا طابع القداسة لكونه إنتاجا بشريا محضا، طارحا مسألة سلطة الأولياء igwrramen في المعتقدات الشمال إفريقية عموما، من خلال حكاية ولي أگرّام انتظره أهل القبيلة ردحا من الزمن ليلقي عليهم خطبة، لكنه أصيب بسبب عناء الطريق بالعياء وبنزلة برد جعلته يسعل طيلة وقوفه للحديث إلى الناس متقيئا وعاجزا عن التفوه بكلمة واحدة، فانصرف محمولا من قبل رفاقه ومحملا بهدايا أهل القبيلة الذين عادوا إلى ديارهم ينسجون حول سعاله الحكايات، وينسبون لموضع وقفته الكرامات، بل ويتبركون ببقايا قيئه، وانصرف الشعراء يكيلون لسعاله المديح، ويؤلف رجال الدين من الفقهاء حول معانيه وإيحاءاته التي لا يفهمها إلا الراسخون في العلم مئات المصنفات. 4ـ البنية السردية للنصوص: تتميز نصوص هذه المجموعة بتنوع أشكال وبنيات خطابها السردي، فهي وإن كانت الغلبة فيها للنصوص المكتوبة على المنوال القصصي الحديث إلا أن بعض القصص قد استلهمت الحكي الأمازيغي التقليدي كما في نص تيكركاس مّركسنين الذي يمتح شكله وبنيته وعنوانه ذاته مما يعرف في سوس بتيكركاس مّركسنين بّركسنين (الأكاذيب المختلطة المتشابكة)، وهي جنس من الحكايات العجائبية القائمة على خرق قواعد المنطق والواقع وخلخلة المألوف لغة ونظاما ونسقا طبيعيا واجتماعيا Contes mensongers، حيث نسج الكاتب على منوالها نصا يعد عبارة عن متواليات من الأحداث اللاواقعية الطريفة، ونصigherm n tusut الذي يستعير بنية الحكاية الشفوية الأمازيغية بجنوب المغرب بعباراتها الافتتاحية والاختتامية التقليدية، كما يستوحي طرائقها في الحكي من حيث الأساليب والصيغ والشخوص والحبكة ذاتها. بينما نص ayt tiggas يعتمد طريقة المذكرات الحديثة يكتبها معلمان من شخوص القصة، ونص توشّنت صيغ في شكل يوميات.
|
|