|
|
الوشم كلغة جسد لدى المرأة الأمازيغية بقلم: فاطمة فائز1
ما إن يهل شهر مارس من كل سنة إلا وتسارع الحركة النسائية بالمغرب، ومعها الفاعلون الحقوقيون، إلى إحصاء حجم المكاسب واستعراض أهم المنجزات التي حققها ملف المرأة في بلدنا. وفي المقابل توصيف العوائق والمشكلات التي ما تزال تحد من تقدم هذا الملف. ولعل نسب الأمية القرائية المرتفعة وتفشي الجهل والممارسات الخرافية تتبوأ رأس هذه المشاكل، والتي تجد مرتعا خصبا لها في هوامش المدن وفي القرى والمداشر. تبدو المرأة الأمازيغية المثقلة بهموم الحاضر والماضي، في بلدنا، عنوانا للجهل والأمية ووصمة عار في سجل إنجازات الحركة التحررية النسوية، وحجر عثرة في مسيرة البرامج التنموية. وقد وجدتني أهم إلى الكتابة طلبا لإنصاف هذه المرأة الأمازيغية التي حملت على جسدها صفحات وصفحات من التاريخ الإنساني، وكرست لها دمها الذي نزف ليخطّ عليه بوخز الإبر آلاما وآمالا ويكتب عليه تطلعات وملاحم. جسد هزيل استحال ذاكرة بالرموز والعلامات المثبتة فيه عبر طقوس الوشم، تختزل الكثير عن المجتمع وعن الإنسان، وتختزن الكثير من ملامح المجتمعات الأمازيغية العتيقة وتمتح من خصوصياتها الثقافية والقيمية ويحمل عبر الزمن رسائل عن المقدس والمدنس. كيف لا والوشم ممارسة طقوسية عريقة في معظم الثقافات الإنسانية، وفي مجتمعاتنا الأمازيغية على وجه الخصوص، حمل في طياته الملامح الكبرى للمنظومة القيمية والثقافية والعقائدية لهذه المجتمعات. ليس لأحد أن ينكر الدور التزييني الذي حظي به الوشم في الحياة الخاصة والحميمية للمرأة المغربية على مدى قرون من الزمن، غير أنه – الوشم- لم يختزل دوره أبدا في مجرد كونه زينة عادية تعوض غياب المساحيق الملونة التي يقصد منها التميز على الرجل، أو تشعرها بالثقة وبالرضى عن مظهرها الخارجي العام.فالوشم يدخل ضمن آداب السلوك الاجتماعي، يرتبط بالجسد الموشوم وبحياته، ويموت بموته، كما يشكل جسرا للربط بين ما هو روحي ومادي في الجسد ذاته. وللوشم كذلك رمزية اجتماعية وسياسية قوية، فهو يشكل أساس الانتماء الاجتماعي وركيزة الإحساس بالانتماء الموحد، والشعور بالهوية المشتركة والتي ساهمت في ضمان حد كبير من التناغم بين كافة أطراف القبيلة. كما أن الوشم يحيل على هُـــوية واضعه وانتمائه القبلي، شأنه في ذلك شأن الزخارف النسيجية المبثوثة بشكل خاص في رداء المرأة المعروف بـ "الحايك"/"تاحنديرت" عدا عن الزربية والحنبل التقليديين. ولأن الوشم يكتسي بعدا استطيقيا فهو يتغيى إبراز مفاتن المرأة وأنوثتها، ويصير خطابا يستهدف الآخر ويوظف لإيقاظ الشهوة فيه وإغراءه وإثارته جنسيا.والوشم كذلك تعبير عن الاكتمال والنضج الجنسي، كما أنه علامة العافية والخصوبة، بحيث لا تضعه إلا الفتاة المؤهلة للزواج، فهو دلالة على كمال المرأة أو اكتمالها جمالا، وقدرتها على تحمل أعباء الحياة الزوجية كما تحملت آلآم الوخز. في المقابل قد يكون طقس الوشم أيضا بكل ما يرافقه من آلام ونزيف خطوة لكبح جماح الغريزة وتدبير الطاقة الجنسية لدى الفتاة، خاصة حين تهم مواضع جسدية مستورة كالصدر والفخذين، وهو ما يزكي الدور الزجري للوشم في حالات الفوران الجنسي. كان إنجاز الوشم جزءا من طقوس الكهانة، تقوم به امرأة كاهنة، تكون قد خضعت لطقوس التكريس عند ضريح ولي متخصص، حيث ترى في منامها هناك بأنها تستلم إبرة الوشم. شأنها في ذلك شأن الشاعر الذي يبدأ رحلة إبداعه بالنوم إلى جوار ضريح أحد الأولياء، كما أنها قد تستلهمه من إحدى الممارسات العريقات اللواتي يحول سنهن المتقدم في الغالب دون الاستمرار بممارستها فيبحثن عمن يكمل مسيرتهن.من هنا فقد كان الوشم أيضا ينجز في أجواء طقوسية مفحمة بالرموز والدلالات التي تكفل الاتصال بعالم الماوراء، كان يقصد منها استجلاب نعم الآلهة ورضاها وإتقان نقمها وغضبها. من ثمة كانت ممارسات الوشم الطقوسية تتغيي طلب الزواج للعازبة وطلب الخصوبة للعاقر، كما أنه عموما يرجى منه التحصن من العين الشريرة ودرء كل الأضرار الواقعة منها والمتوقعة. *** 1 فاطمة فائز، باحثة في أنثروبولوجيا الدين والثقافة الشعبية، العيون. |
|