|
|
رسالة
إلى آيت عبدي
بقلم: ميمون أمسبريذ
كنت نويت أن أغيب عن هذا العدد من «ثاويزا» رفقا بقرائها وخشية الإملال... ثم كانت محنة آيت عبدي، فلم أجد بدا من نفث هذه الزفرات وإن كنت أدري أنها لن تدفئ جسد رضيع ولن تغذي ثدي أم بحليب ولا جسد شيخ بسعرات حرارية تقيه الموت بردا... وإنما هي شهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه؛ والساكت عن الحق شيطان أخرس. يا آيت عبدي: موتوا بغيظكم في ثلجكم وبردكم، فهم في شغل عنكم بمن هم أولى بالانشغال منكم. يا آيت عبدي: لا تحملقوا في السماء، فلن تنطلق الطائرات العسكرية الضخمة محملة بأطنان الأغذية والأدوية والأفرشة من مكناس الأمازيغية، تلقي بها إليكم غوثا لصبيانكم وإنقاذا من الموت لشيوخكم؛ فتلك الطائرات لها وجهات أخرى هي أشرف من سمائكم. يا آيت عبدي: لا تطمعوا في مستوصف متواضع تداوون فيه جروحكم وقروحكم، فإنهم منشغلون ببناء «المشافي»1 لغيركم ممن هم أولى منكم بالحياة وبضرائب أهلكم. يا أهل أيت عبدي: لا تمنوا أنفسكم بإيصال آلامكم إلى مواطنيكم؛ فلن يهب مراسلو القناتين «العموميتين» للإقامة بين ظهرانيكم، ليقدموا يوميا آخر إحصائيات موتاكم؛ فلا أمجاد ترجى من ورائكم، ولا استطيقا في موتكم. أذ سحناتكم ليست مليحة، وأسماؤكم غير فصيحة2؛ ولو علمت الهيئة العليا للحالة المدنية بوجودها لأوصت بالتشطيب عنها من سجل ذاكرتكم (إذ ليس لكم غيرها سجلا). يا أيت عبدي: لا تشرئبوا بأعناقكم إلى ما وراء فجاجكم وجبالكم؛ فلن تروا وفود الأحزاب والنقابات والمثقفين والفنانين والحقوقيين يقدمون عليكم، يتدافعون بالمناكب أمام الكاميرات طلبا للفوز ببضع ثوان من البطولة على حساب فجيعتكم؛ فلا بطولات تجنى من الوقوف إلى جانبكم؛ إذ أرواحكم الأمازيغية رخيصة في سوق القيم العرقية لمضاربي القوميات أولائكم. يا أيت عبدي: بالأمس القريب دفنا إخوانكم من أهل أنفكو إذ حل بهم ما حل بكم وعوملوا بمثل ما تعاملون به؛ وبالأمس الأقرب تولت حكومة «الوطنيين» أمر إخوانكم أيت باعمران قمعا واضطهادا وإذلالا، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا الموت البطيء الذي برمج لنا. واليوم جاء دوركم لتفضحوا من جديد بالموت والآلام لاوطنيتهم وتقاعسنا. فتحية لكم أبطالا تراجيديين تقاومون، عزلا جوعى عراة حفاة، قوى الطبيعة والعناصر وقوى القمع والاضطهاد، وتعرون تواطؤنا. واعذروني إذ كلمتكم بلسان لا تفهمونه وليس بلسانكم؛ فما هو إلا الوجه الآخر لمأساتكم. هوامش 1 هكذا يسمي راضي الليلي، مقدم نشرة أخبار المساء، المستشفى تفاصحا في مراسلاته من غزة. 2 أوردت بعض قصاصات الصحافة المكتوبة أسماء أماكن وأشخاص هي من الأمازيغية بحيث لا بد أنها تسبب كوابيس لحراس النقاء اللغوي والعرقي.
|
|