|
|
على هامش قطع المغرب لعلاقاته مع إيران: حين تُقدّم مصالح العرب على مصالح الوطن بقلم: محمد بودهان
لقد عوّدنا المسؤولون المغاربة على تبعيتهم للمشرق العربي في كثير القرارات والمواقف. لكن لم نكن نتصور يوما أن هذه التبعية ستصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران والتعامل معها كدولة معادية. لقد بررت وزارة الخارجية المغربية قرارها بأنه عمل "سيادي" جاء ردا على مواقف إيران غير الودية وغير اللائقة تجاه المغرب. لكن عندما نحلل خلفيات هذا القرار "السيادي"، ربما سنجد أنه لا يعبر عن السيادة بقدر ما يعبر عن التبعية والانقياد. فقد اتخذ هذا القرار، كما يعرف الجميع، كرد فعل غير على تصريحات مسؤول إيراني بخصوص دويلة البحرين التي قال بأنها كانت تشكل جزءا من التراب الإيراني. وفي الوقت الذي لم تقطع فيه أية دولة عربية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران تعبيرا عن تضامنها العربي مع البحرين العربية، سارع المغرب إلى قطع علاقاته مع الدولة الفارسية ليثبت للعرب أنه عربي أكثر من العرب أنفسهم. فهل السيادة هي تلك التي تخدم سيادة الآخرين، والتي (سيادة الآخرين) تحرّك قراراتها ومواقفها؟ فهذه تبعية تبدو معها السيادة غائبة أو ناقصة. وحتى عندما نريد تبرير هذا القرار "التبعي" ـ وليس السيادي ـ بما يجنيه منه المغرب من كسب ومصالح، لا نجد شيئا سوى ما يخدم التبعية للسياسة العربية المعادية لإيران. فماذا ربح المغرب من هذا القرار؟ خسر علاقته بدولة عريقة وكبيرة يضرب لها العالم ألف حساب لإرضاء دولة صغيرة لم تخرج بعدُ من نمط الحكم العشائري، والتي ما كان سيسمع عنها العالم لولا ما تملكه من نفط وغاز. ولنفرض أن هذه الدويلة سترد للمغرب جميله وتقرر مساندته عندما يحتاج إلى ذلك. فهل سيكون لموقفها ومساندتها، على المستوى الدولي، نفس الوزن والتأثير الذي سيكون لموقف إيران لو ساندت المغرب؟ وللتذكير فإن المغرب سبق له أن كان ضحية اعتداء عسكري من طرف الجارة إسبانيا على جزيرة "ثورا" المغربية في صيف 2002، حيث لم تكتف إسبانيا بالقول ـ مثل إيران بالنسبة للبحرين ـ بأن هذه الجزيرة جزء من التراب الإسباني، بل قامت بغزوها واحتلالها. فهل أقدمت أية دولة عربية آنذاك على قطع علاقاتها مع إسبانيا احتجاجا على غزوها للجزيرة المغربية؟ فلماذا يضحي المغرب بعلاقته مع إيران من أجل عروبة عرقية لا ترى في المغرب إلا سوقا للجنس والنساء؟ والمفارقة المضحكة أن دويلة البحرين، التي من أجلها قطع المغرب علاقته بإيران، سوّت في الحين خلافها مع الدولة الفارسية واستؤنفت بينهما علاقات التعاون وحسن الجوار. إن الصراع العربي الإيراني الذي اختار المغرب، بقراره قطع العلاقات مع إيران، الانخراط فيه ليؤكد انتماءه العربي المزعوم وينفي عنه "تهمة" انتمائه الأمازيغي المؤكد، يدخل في إطار لعبة يحرّكها الكبار من بعيد ويمثّل فيها الأدوارَ الصغارُ (الدول العربية) لحساب إسرائيل وأميركيا التي تلوّح بـالخطر الفارسي" كفزاعة" تخيف العرب حتى يقوموا بتنفيذ قرارات السياسة الأميركية المعادية لإيران لعزل هذه الأخيرة وحصارها من طرف جيرانها العرب. فالفارسوفوبيا (الخوف الوهمي من الفرس) العربية سياسية أميركية إسرائيلية ينفذها العرب لصالح أميريكا وحليفتها إسرائيل. ففي هذه السياسة المعادية لإيران، لا تتخذ الدول العربية ـ باستثناء سوريا ـ قراراتها باستقلال وسيادة، بل هي تابعة في ذلك لأجندة أميركية محددة. وإذا تساءلنا لماذا تضحي هذه الدول العربية بسيادة قراراتها واستقلالها لصالح التبعية للولايات المتحدة، سيكون الجواب بديهيا وواضحا: لأن أميريكا هي التي تحمي عسكريا هذه الدول ـ دول الخليج العربي على الخصوص ـ وتحرس سياسيا أنظمتها العشائرية الحاكمة. لهذا فهي تابعة لأميريكا تطبق سياستها المعادية لإيران مقابل ما توفره لها الولايات المتحدة من حماية عسكرية وسياسية. أما المغرب، فلو كان دخوله على الخط في الصراع العربي الإيراني، جاء كمقابل لحماية عسكرية وسياسية تمنحها له أميريكا كما هو الشأن بالنسبة للدول العربية "المعتدلة"، لوجدنا له عذرا ولقلنا إن تبعيته هي على الأقل تبعية للكبار وصنّاع القرار في العالم. أما وأن يتبنى الفارسوفبيا العربية تعبيرا عن تبعيته للعرب وليس لأميريكا، المستفيد الأخير من تلك الفارسوفوبيا، فذلك ما يجعل هذه التبعية مضاعفة ومزدوجة لأن المغرب يصبح معها تابعا للتابعين، أي تابعا للصغار وليس للكبار، للهامش وليس للمركز. وهذا مسّ باستقلال القرار السياسي بالمغرب الذي (القرار) ينبغي أن لا يراعي إلا مصلحة الوطن قبل مصلحة الاعتبارات العرقية التي كانت وراء قرار قطع العلاقات مع إيران. إن ما جعل المغرب، بقراره قطع علاقاته مع إيران، أن ينزل إلى مستوى تبعية مضاعفة كتابع للتابعين، هو تبعيته الهوياتية للعروبة العرقية التي تفرض عليه، حتى تقبل انتماءه إليها كدولة عربية عضو بالجامعة العربية، أن يكون خادما أبديا لهذه العروبة، يضحي بمصالحه في سبيلها ولأجلها. لهذا فإن الشرط الواقف لوضع حد لهذه التبعية المهينة، هو الحصول على الاستقلال الهوياتي للمغرب عن المشرق العربي بالإعلان أن المغرب دولة أمازيغية، أرضها أمازيغية وتحكمها سلطة أمازيغية.
|
|