|
الحركة الأمازيغية ومقاطعة الانتخابات: توضيحات لا بد منها بقلم: محمد المساوي (أديمون) لابد من الإشارة في البداية إلى أن هناك دافعين أساسيين وراء كتابة هذا المقال، الأول هو بعض المغالطات ـ أو لنفترض حسن النية ونقول سوء الفهم - الواردة في مجموعة من القراءات والحوارات الصحفية حول موقف الحركة الأمازيغية بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة بالمغرب في شتنبر 2007، أما الدافع الثاني فهو إلقاء مزيد من الضوء على هذا الموقف السياسي للحركة الأمازيغية وتحليله بعمق أكثر، لتجنب سوء الفهم وكذا الحيلولة دون خبث التحليل... في هذا السياق، كان حوار الصحفي مصطفى عنترة مع جريدة الأفق الأمازيغي، والمنشور بالحوار المتمدن عدد 1939، الذي أورد فيه نقطتين أثارتا انتباهي: الأولى تتعلق بقوله "إن قرار مقاطعة الانتخابات القادمة ظهر بشكل رسمي من لدن بعض الجمعيات وخاصة تلك المقربة من الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي"، والثاني بمقولة عدمية فكرة المقاطعة وعدم استفادة الحركة الأمازيغية منها، وكذا مقولة "المجتمع المدني لا يجب أن يصدر قرارات مثل مقاطعة الانتخابات لأنها تدخل في صميم وظيفة الأحزاب السياسية التي يخول لها الدستور عملية التأطيـر والتعبئة والتنظيم". منذ بداية التسعينات، وخاصة بعد تشكيل مجلس التنسيق الوطني، بدأت الحركة الأمازيغية في الضغط على الأحزاب السياسية لتبني المطالب العادلة والمشروعة لهذه الحركة، غير أن الطابع العروبي لمعظم الأحزاب، والانتهازي لبعضها الآخر، وتبعيتها جميعها لقرارات القصر، جعل الحركة الأمازيغية تأخذ المبادرة كحركة مجتمع مدني وتراسل القصر الملكي في صيغة مذكرة مطلبية، لم تجد هي الأخرى أذانا صاغية من أعلى سلطة في الدولة وحاشيتها... فكان أن دعت معظم مكونات الحركة الأمازيغية إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية لسنة 1997، وانتخابات 2002، مع وجود بعض الأطراف داخل الحركة اعتبرت دور الضغط على الأحزاب السياسية من خلال التصويت العقابي حلا ناجعا في مثل هذه الظروف... غير أن الواقع أثبت لاجدوى هذه الفكرة وذلك باعتبار أنه "ليس في القنافذ أملس" كما يقول المثل، فكل الأحزاب مسؤولة عن وضعية الأمازيغية، فمن سنعاقب ومن سنكافئ؟؟؟ في هذا السياق، ليس من المستغرب أن تدعو الحركة الأمازيغية إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة في شتنبر 2007، من هنا كانت مبادرة الجمعيات الأمازيغية بالحسيمة، التي أعلنت في بيان فاتح ماي 2007 عن موقفها الداعي لمقاطعة الانتخابات القادمة. وهنا يجدر بنا فتح قوس للإشارة إلى خطأ نعتبره جوهريا ومحرفا للحقيقة، وقع فيه الأستاذ مصطفى عنترة عندما قال بأن هذه الجمعيات "مقربة من الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي "، فالواقع يشهد عكس ذلك تماما، فإذا كانت هناك جمعيات مقربة من هذا الحزب فهي لم تعلن بعد عن أي موقف سواء بالمشاركة أو بالمقاطعة... فالجمعيات الأمازيغية بالحسيمة بعيدة كل البعد عن الحزب الديمقراطي الأمازيغي، ويمكنني التأكيد بكل ثقة بأنه لا يتواجد من بين مناضلي الحزب أي من مسؤولي أو أعضاء هذه الجمعيات، بل إن التصور العام الذي ينم عنه خطاب هذه الجمعيات بعيد كل البعد عن التصور والخطاب السياسي ل PDAM ، دون أن ننسى الإشارة إلى أن هذه هذه الجمعيات ليست بعيدة فقط عن PDAM بل أيضا عن جميع التوجهات الحزبية بالمغرب، فهي تشتغل بشكل جد مستقل عن أي تأثير حزبي... هذا الموقف الداعي إلى مقاطعة الانتخابات لم يأت بمحض الصدفة أو تعبيرا عن رغبة ذاتية في الراديكالية والتجذر والتميز... بل جاء بعد نقاش مستفيض وقراءة موضوعية للوضع السياسي العام في راهنه وأفقه المنظور، خاصة في ظل وضع وواقع سياسي منحبس بشدة، تتمركز فيه كل القرارات المصيرية في أيدي غير منتخبة ولا تخضع للمحاسبة، وأساسا في ظل دستور غير ديمقراطي في شكله ومضمونه، يكرس ويشرعن الاستبداد السياسي والقمع السلطوي. هذا الدستور الذي لا يوفر أية حماية قانونية للأمازيغية هوية وحضارة وثقافة ولغة وأساسا كإنسان، أي الإنسان الأمازيغي الذي يلخص جوهر نضالات ومطالب الحركة الأمازيغية. هذا الدستور الذي لا يعير أية مكانة للأحزاب السياسية، بل يعتبرها مجرد دمى يحركها لتقديم صورة خارجية براقة توحي لكل ملاحظ غير متمعن بوجود حراك ديمقراطي حقيقي... في ظل مثل هذه الوضعية، وبالإضافة إلى هذا الوضع على المستوى السياسي، تجب الإشارة إلى الوضع الكارثي الذي يعيشه الشعب المغربي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي... في ظل هذا الوضع، وبناء على اعتبار أن الأحزاب السياسية لا محل لها من الإعراب في ظل لعبة سياسية اتفق الجميع فيها على إقصاء وتهميش الشعب المغربي وقواه الحية، ارتأت هذه الجمعيات ـ من منطلق دورها كطرف فاعل ومسؤول في المجتمع المدني- أن تدعو لمقاطعة هذه الانتخابات التي لن تأتي بجديد يذكر اللهم على مستوى الشكل والديكور الخارجي بتغيير نسب الأحزاب المشاركة، أما في الجوهر فلن تغير أي شيء يذكر... أما فيما يتعلق بعدمية فكرة المقاطعة وعدم استفادة الحركة الأمازيغية منها، فتجدر العودة أولا إلى بداية نشأة الحركة الأمازيغية وتطور خطابها في التسعينات، حيث –كما أوردنا أعلاه- كانت تتذلل للأحزاب السياسية وتتوسل إليها لتتبني مطالبها، كما فتحت قنوات تواصل مع القصر باعتباره الفاعل السياسي المركزي في النظام المخزني المغربي، كل هذه المبادرات باءت بالفشل... من هنا جاء يقين الحركة الأمازيغية ـ أو على الأقل التيار الديمقراطي والمستقل والمبدئي فيها- بعبثية ولاجدوى الاعتماد على الأحزاب أو منح السلطات العليا، من هنا كان تدقيق مطالبها والرفع من سقفها لتصل حاليا إلى مستوى المطالبة برسمية ووطنية اللغة الأمازيغية، وإعادة النظر في طبيعة الدولة من خلال المطالبة بدولة فيديرالية، وكذا الجهر بمطلب العلمانية... وغيرها من المطالب العادلة والمشروعة... من هنا نتساءل هل من له مثل هذه المطالب السياسية الواضحة هو عدمي أو ينتج مواقف عدمية، وهل موقف مقاطعة الانتخابات حقيقة موقف عدمي في ظل غياب الشروط الدنيا لأية ممارسة سياسية حقيقية، يعاد فيها الاعتبار للمواطن المغربي ولحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ يبقى هذا السؤال مطروحا على كل ديمقراطي ذي ضمير حي للإجابة عليه... أما فيما يتعلق باستفادة الحركة الأمازيغية من المقاطعة، فيجب طرح السؤال بشكل معكوس: ماذا ستستفيد الحركة الأمازيغية من المشاركة؟ غني عن البيان القول إن الحركة الأمازيغية لن تستفيد شيئا يذكر في حالة مشاركتها في هذه الانتخابات وتزكيتها للعبة غير ديمقراطية، بل ستخسر صورتها كحركة حداثية ديمقراطية تؤمن بالديمقراطية والعلمانية وتقاسم السلط... وبالتالي ستستفيد من مقاطعتها لهذه الانتخابات من خلال الحفاظ على صورتها النقية غير المساومة على مصالح الشعب المغربي وحقوقه المشروعة، كما أنها ستستفيد ـ في حالة تنظيم واع ومسؤول ومبدع لأشكال المقاطعة- من شعبية وأنصار جدد أدركوا الوضع الكارثي الذي يعيشون فيه ولم يدركوا خطاب الحركة الأمازيغية بعد... المقولة الأخيرة تتوخى التأكيد على منع قاطع للمجتمع المدني من التدخل في كل ما يتعلق بالانتخابات باعتبار أنها من اختصاص الأحزاب السياسية... لا يسعنا في هذا الصدد إلا أن نهمس في أذن الأستاذ مصطفى عنترة ونقول له إنه ليس هناك معيار أكاديمي أو سياسي ديمقراطي يشرعن مثل هذا الإجراء، فالباحث في العلوم السياسية يجب أن يكون أول من يعلم أن الكثير من النظريات والتحليلات –رغم اختلافنا معها- تعتبر أن الأحزاب السياسية جزء من المجتمع المدني، طبعا في مقابلة مع المجتمع العسكري. كما أن الإشارات التي أوردناها أعلاه تغني عن التكرار فيما يخص قصور وهامشية وتبعية الأحزاب السياسية بالمغرب... وبالتالي استحالة قيامها بأي دور إيجابي وفاعل... كما نشير إلى أن الحركة الأمازيغية تتجاوز في مطالبها مجرد موقف سياسي يتعلق بمقاطعة الانتخابات، حيث لا يخفى على أحد أنها تطالب وتسعى لتغيير الدستور شكلا ومضمونا، وكذا تغيير شكل الدولة من دولة مركزية يعقوبية موحدة إلى دولة فيديرالية تتقاسم فيها السلط الوحدات الفدرالية، حيث سيتمكن الشعب من ممارسة أكبر قدر من السلطة السياسية والتقرير في شؤونه الخاصة بنفسه في ولايته، كما أنها تطالب باعتماد العلمانية كضمان للتعايش والاختلاف... أظن أن هذه المطالب أكبر بكثير من مجرد الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات... فهل سيقال بأن الحركة الأمازيغية ليس لها الحق -باعتبارها جزءا من المجتمع المدني- في رفع هذه المطالب وأنها من اختصاص الأحزاب؟؟ كما تجدر الإشارة إلى أن المعايير يجب أن تكون موحدة، إذ أنه من غير المقبول، لا سياسيا ولا أخلاقيا، استعمال ازدواجية المعايير. مبرر هذه الإشارة هو الدعم الرسمي المقدم لجمعية "2007 دابا" للترويج للانتخابات التشريعية المقبلة بغلاف مالي باهظ، حيث أطلقت قافلة تجوب كل مدن المغرب لحث المواطنين على المشاركة وبكثافة... فهل جمعية "2007 دابا" حزب سياسي؟ أم جمعية فوق جميع الجمعيات؟؟ وكخلاصة، نود الإشارة إلى نقاط ثلاث: - الجمعيات الأمازيغية بالحسيمة، جمعيات أمازيغية ديمقراطية مستقلة عن الأحزاب السياسية والدولة وهوامشهما، وتتخذ قراراتها بكل استقلالية ومسؤولية وديمقراطية. - الجمعيات الأمازيغية بالحسيمة هي أول طرف في الحركة الأمازيغية أعلن بشكل رسمي ومسؤول قراره بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة في بيان فاتح ماي 2007، ثم تلاها الحزب الديمقراطي الأمازيغي، لتليه تنسيقية أزايكو مؤخرا... - الجمعيات الأمازيغية بالحسيمة تعتبر نفسها –كجزء لا يتجزأ من المجتمع المدني ومن الحركة الأمازيغية- مسؤولة عن إعطاء موقف واضح من الانتخابات المقبلة، وهذا ما فعلته... وفي الأخير، أعد القراء الكرام بتوضيحات أخرى في مسائل ومواقف أخرى، بعضها أوردها الأستاذ مصطفى عنترة والبعض الآخر أوردها غيره.
|
|