|
الأمازيغية في الإذاعة الوطنية بقلم: أمينة الخلفي لم نكن نتوقع أن تعطينا الإذاعة الوطنية عن الأمازيغية شيئا تفتقده. ولا أعتقد أنها ستزيد شيئا إضافيا عن الأمازيغية في الإعلام المغربي في الوقت الراهن، ولا قيمة إضافية يمكن أن تسجل لها ولا إضافة جديدة لتنوير المستمع، وإنما القيمة التي يمكن تسجيلها هي أن الإذاعة الوطنية تجعل المستمع الكريم يعيش سنوات الستينيات والسبعينيات.الكل يعلم الظروف التي يشتغل فيها الصحفيون والإطار العام الذي يؤطر عملهم، هناك من يعزو ضعف المنتوج الإيداعي الأمازيغي إلى الظروف التي يشتغل فيها الإعلاميون وسياسة الدولة في هذا الاتجاه من جهة، وضعف الكفاءة وانعدام التكوين من جهة أخرى، إضافة إلى الخط التحريري الذي يتم اعتماده. فبين هذا وذاك، سأحاول أن أعطي نظرة مختصرة حول بعض المضمرات عن هذا المرفق العمومي. إن تحرير الإعلام السمعي البصري أبان بجلاء عن ضعف الطاقم، سواء الفني أو الصحفي بالإذاعة الأمازيغية، وعن غياب سياسة واضحة بالفعل في هذا الاتجاه، وعدم القدرة على المنافسة للإذاعات الخاصة، هذه الأخيرة التي أصبحت مقبولة ومفضلة لدى المستمع رغم كونها فتية وما زالت في بدايتها، وذلك راجع ربما إلى كون طاقمها الفني والتقني أكثر مهنية واحترافية وأنه يشتغل في ظروف صحية مواتية لتقديم منتوج سليم يستجيب لرغبات مختلف الفئات العمرية.هذه الظروف التي تغيب في الإذاعة الأمازيغية بالبريهي في الرباط، ولا شك أن عزوف ولجوء المستمعين في الآونة الأخيرة إلى الاستماع إلى الإذاعات الخاصة راجع إلى كون المنتوج الذي تقدمه لا يلبي طلبات ورغبات المستمعين التي تتطور بتطور المجتمع، إضافة إلى قلة مهنية أصحابها وانعدام الموضوعية فيها، وإلى كونهم يريدون استبدال الروتين الذي يعيشونه منذ زمن طويل، فضلا عن صبغته الدعائية الظاهرة؛ دون الحديث عن احتقاره لهذه الملايين من المستمعين والمشاهدين المغاربة الناطقين بالأمازيغية والذين يستهويهم الاستماع إلى الإذاعة الأمازيغية ولو من غير الناطقين بالأمازيغية، وذلك بتقديم برامج لا فائدة فيها ولا هدف من تقديمها ولا تحمل أية حمولة سواء كانت فكرية أو علمية أو ثقافية أو غيرها، ثرثرة بعينها. إضافة إلى كونها تتسم بالرتابة والتكرار، وغياب إستراتيجية عمل، الشيء الذي خلق استياء لدى المستمع الذي يلقى نفسه مجبرا على البحث عن بديل لائق إما داخل الوطن أو الاستماع إلى الإذاعات الخارجية، ولا يختلف إثنان على أن المؤسسة تتوفر على إمكانيات مادية هائلة تستطع بواسطتها أن تحسن وترفع من مستوى البرامج، حينما يتم استعمالها بشكل معقلن وسليم. إذا كانت أسباب تدني مستوى المنتوج الإعلامي الذي تقدمه الإذاعة الأمازيغية بالإذاعة الوطنية تعود لأسباب تتعلق بالنظام الداخلي للمؤسسة، الذي طغت عليه الزبونية والمحسوبية... البيروقراطية التي أصبحت تشكل عائقا كبيرا يقف وراء تدني مستوى البرامج وضعف جودتها، فإن العنصر البشري غير المؤهل وغير الكفء يشكل العائق الأكبر في عدم تطور وتحسن مستوى الإنتاج الذاتي، المتسم بأسلوب تغيب فيه المهنية والجودة رغم ما راكمته المؤسسة من تجارب، والاعتماد على طاقم صحفي انتهت مدة صلاحيته والذي لا يستطيع مواكبة تطور المجتمع، والذي يمكن اعتباره في حالة وقف التنفيذ، وبما أن مستوى هؤلاء متدن فإنه يتم اعتماد وسائل محددة خاصة بهؤلاء للحفاظ على مكانهم بهذا المرفق العمومي، هذا الأسلوب الذي يعتمد (التبركيك) من جهة، ومحاولة الوقوف في وجه كل شخص له من الإمكانيات ما يتجاوز هذا الطاقم القديم. إن الجمود الذي تعرفه الإذاعة الأمازيغية مرتبط أساسا بالعقلية التي تحكم المسئولين، وكذا بالصراعات الداخلية بين رؤساء أقسام ومصالح هذا المرفق، وأن طغيان بعض المسئولين، ورغبتهم البقاء في مناصبهم، جعل البعض من هؤلاء يعتمدون أساليب غير مشروعة، حيث يتم استغلال أفكار أشخاص خارج الإذاعة في برامج تقدم لقسم الإنتاج قصد الاستفادة من دعم القسم الأمازيغي من الإذاعة الوطنية، ويتم منح وتقديم فكرتها لآخرين موظفين بالإذاعة يدمجون أفكار هؤلاء الأشخاص في برامجهم المتواضعة لعل وعسى أن يتم إغناء برامجهم بهذه الأفكار، وذلك محاولة منهم عدم إتاحة الفرصة لطاقات جديدة، وأفكار جديدة في قلب الإذاعة الأمازيغية. والمعروف على هؤلاء أنهم لا يملكون القدرة على الخلق والابتكار حيث إن هناك برامج تقدم خلال عقد أو أكثر من الزمن، وعلى هذا الخصوص فإن تعامل هؤلاء مع هذه الأفكار التي يتم السطو عليها، تقوم بالأساس على تشويه محتواها فقط أو تقزيمه، لغياب أي تخطيط ومنهجية مسبقة. ويمكن اعتبار تعيين مديرة جديدة للإذاعة الوطنية السيدة لطيفة خرباش، حدثا مهما في رسم وتخطيط منهج وخطة جديدة لإخراج الإذاعة الوطنية عامة والأمازيغية خاصة من المأزق الذي تتخبط فيه، وتنقيحها من الشوائب التي تعرقل العمل الجاد ووضعها على السكة الصحيحة. وتعتبر الإجراءات التي قامت بها على الصعيد الداخلي والتي تهدف إلى تنظيم عمل الإذاعيين ، وذلك بتدوين البرامج التي سيتم تقديمها وتحريرها على أن تقدم للمصلحة التابعة لها، إجراء جعل البعض يلتجئ إلى بعض الصحفيين ذوي الكفاءة، من أجل القيام بهذا العمل ومساعدتهم في تحرير برامجهم، وعلى أساس تقنين العمل داخل هذه المؤسسة، والخروج من الفوضى التي كانت سائدة فيها، والتي كان البعض يستغلها حتى يتوارى عن الأنظار. إلا أن هذا الإجراء غير كاف مقارنة بمستوى ما وصلت إليه الأوضاع داخل المؤسسة، وما وصلت إليه المؤسسة بسبب تصرفات بعض الأشخاص، ولا يختلف اثنان على أن هناك لوبيا انتهازيا لا علاقة له بمهنة الصحافة ولا بالإذاعة، همه الوحيد هو خلق صراعات والمساهمة في خلقها، لا أدري هل السيدة المديرة على علم بهذا الأمر أم أن الأمور تقدم لها في وجه مغاير؟ للأسف الشديد أقول إن المستمعين والمتتبعين لبرامج الإذاعة الأمازيغية بالإذاعة الوطنية أصبحوا يتناقصون بشكل كبير. لقد بدا جيدا بأن الصورة التي يسوقها سماسرة الإعلام بالإذاعة الأمازيغية لا تعدو أن تكون صورة بعيدة عن الحقيقة وعن المهنية، ولا شك أن الخطوات التي تتخذ في هذا المجال تتجه نحو طمس وقتل الهوية المغربية وأحد روافدها والوقوف أمام عدم تطويرها وذلك بكل مكوناتها وفسيفسائها، ولا أدل على هذا أن بعض الإخوان بالإذاعة تفطنوا أخيرا لخطط وسلوكات هؤلاء. وخلاصة هذا أن رؤساء المصالح وبعض الإعلاميين ذوي الخبرة والأقدمية استطاعوا أن يصوغوا للأمازيغية مكانة لها في هامش مستقبل الإعلام السمعي وفي إطار النهوض بالأمازيغية ومناصفتها في الإعلام العمومي وفي إطار تشبيب الإدارة المغربية يعقد المستمع الكريم آماله في المديرة الجديدة السيدة لطيفة أخرباش، من أجل بناء ما تم هدمه من طرف من يدعون أنهم يقدمون منتوجا إعلاميا أمازيغيا في الإعلام الوطني. وأعتبر أن الإذاعة الأمازيغية الوطنية استعملت كوسيلة لخدمة الإيديولوجيات والخطابات الإقصائية على غرار باقي وسائل الإعلام الأخرى. فإنصاف المواطن المغربي في الإعلام لن يتأتى إلا بدمج عناصره الثقافية واللغوية، الأدبية والفنية والإخبارية، وإحداث قنوات خاصة بذلك، واعتماد الكفاءة في اختيار الإعلاميين، وما رداءة البرامج المقدمة للمستمع إلا تعبيرا عن سلوكات بعض رؤساء المصالح. (أمينة الخلفي، أستاذة باحثة ومتخصصة في الإعلام، خريجة المعهد العالي للاتصال)
|
|