|
حصة الأمازيغية في الإذاعة والتلفزة: "هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة" بقلم: يونس غاندي ـ 1 ـ من منكم، يوما، لم يشغل وقتا من أوقاته في تحريك زر الموجات بجهاز راديو من نوع ممتاز؟ فماذا يلاحظ يا ترى؟ الملاحظة الأولى هي أن لغات الأصوات المسموعة جد مختلفة. فهناك صوت هندي، وصيني، وفرنسي، وإنجليزي، و...و...وعربي... والملاحظة الثانية هي أن عدد الموجات التي تبث باللغة العربية هو أعلى بكثير من عدد الموجات التي تبث بكل اللغات الأخرى. والغريب في الأمر، هو أننا إذا ما قارنا الموجات التي تبث باللغة الصينية مثلا، نجد أن عددها قليل جدا أمام الموجات التي تبث باللغة العربية، مع العلم بأن عدد سكان الصين، الذي يقرب المليار وثلاثمائة ملايين نسمة، يفوق عدد السكان الأعراب، أينما كانوا، بعدة مرات. ونفس الملاحظة يمكن استنتاجها إذا ما قارنا الموجات التي تبث باللغة الهندية والموجات التي تبث باللغة العربية، مع العلم دائما أن عدد سكان الهند يفوق بكثير عدد السكان الأعراب. ونفس النتيجة يلاحظها أيضا من يقارن عدد جميع الموجات التي تبث بأية لغة كانت، سواء بالأنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو...أو...أو...بعدد الموجات التي تبث بالعربية. إن من يعد جميع الإذاعات الصوتية التي تبث باللغة العربية، سواء على موجات جهاز الراديو أو على قنوات الأقمار الاصطناعية، يلاحظ أنها تفوق المئات. إذن، فمجموع موجات الأعراب الإذاعية يفوق المئات. ومن منكم لم يسمع عن مطالب بعض الشعوب التي تتعايش مع الأعراب في بعض البلدان، كالأكراد مثلا بسوريا أو العراق، أو القبطيين بمصر، أو الأمازيغيين بالمغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريطانيا؟ إنهم جميعا يطالبون بحق الإيذاع بلغتهم الأصلية على موجات الراديو. ومن منكم لا يتذكر ما قام به الرئيس السوري، لما بلغه مطلب أبناء بلاده من الأكراد، في إعطائهم هذا الحق، وذلك قبل أشهر مضت؟ لقد لجأ إلى جارته تركيا. ولماذا يا ترى؟ ليطلب منها، هو الآخر من جهته، أن لا تعطي أي حق للأكراد. إنه يتعاون مع الأجانب، يا حسرة، ضد أبناء وطنه. هكذا يتعامل الأعراب مع إخوانهم بالوطن، بالمواجهة المشكوكة. -2- وماذا قام به الأعراب بالمغرب لمواجهة نفس المطلب من لذن إخوانهم الأمازيغيين؟ إنهم قاموا بأخس من ذلك. لقد استغلوا هذا المطلب فأرادوا زرع التفرقة بين الإخوان المغاربة، حيث قسموا الأمازيغية إلى ثلاثة أقسام، وهم الذين يصيحون بشبح التفرقة تجاه كل مطلب صدر من إخوانهم الأمازيغ، كدسترة اللغة الأمازيغية مثلا. إنهم لا يعيرون أي معيار فيما يخص شبح التفرقة لما يقسموا هم المغاربة إلى أربعة أقسام. كم خصص الأعراب للأمازيغية من وقت حقيقي لبث برامجها الإذاعية؟ بضع ساعات خلال بعض أيام الأسبوع فقط. على أية موجة؟ على موجة تنطبق مع موجات إذاعات أخرى تبث من طرف جارتينا الإسبان والبرتغال. لماذا هذا؟ لغرض التشويش على برامجها حتى يصعب الاستماع إليها. لماذا ذلك؟ لغرض المس باللغة الأمازيغية. ما هي التجهيزات المعطاة لمسيري هذه البرامج البثية، حسب زعمهم، بمختلف اللغات الأمازيغية؟ لقد رموا بهم في صحو بنهاية دهليز مظلم أعطوه اسم "استوديو"، جمعوا فيه المذيعين الثلاثة مع تقنييهم. ما هو مصير الترقي الإداري لهؤلاء العمال بالإذاعة؟ مصيرهم، إلى حد الآن، التهميش والدوام في نفس الدرجة مع التحقير. فكل من يمر على هذا الدهليز يتبرم بسخرية. إنهم ينتظرون متى يأتي اليوم الذي يفهم فيه هؤلاء المذيعون أنفسهم فيقدمون استقالتهم. ما هي البرامج الممكن بثها من طرف هذه الإذاعة المزعومة بالأمازيغية؟ ـ أخبار جد مختارة، أي نفس الأخبار التي تبثها الإذاعات العربية، عن الأعراب وأحوالهم ومشاكلهم ومواقفهم تجاه الظلم والعدوان الذي تواجهه بعض طوائفهم من طرف الأعداء العديدين. ـ أناشيد أمازيغية تبث بكيفية عشوائية. ـ بعض الاتصالات والاستجوابات مع الشعب المغربي عبر الهاتف، فقط. لا أقل ولا أكثر. يا للمهزلة. ويا لحقرة الفكر والعقل المغربي. -3- ماذا ينتج من هذا كله؟ ينتج من كل هذا أن عدد الإذاعات التي تبث باللغة الأمازيغية لا تتعدى 0.1 إذاعة. ما هو مفعول هذه الإذاعة على المغاربة؟ هل هو إيجابي أم سلبي؟ عند سؤالنا لعينة عشوائية تمثل السامعين بالمغرب (الذين يفوق عددهم العشرين مليون مستمع) يكون جوابهم، بالجمع، أن مفعول هذه الإذاعة، المزعومة بالأمازيغية، سلبي وتحطيمي للشخصية المغربية وللإنسان المغربي ككل. وعند سؤالنا عينة عشوائية تمثل غير السامعين (الذين لا يفوق عددهم العشرة ملايين نسمة حسب التقدير الشعبي الجاري) يظهر من أجوبتهم كلها أن مفعول هذه الإذاعة أيضا سلبي، حيث لا يهمهم ولا يمسهم بشيء. فهم لا ينصتون لها بتات. إذن، ما دامت هذه الإذاعة المشبوهة (أي شبه إذاعة) سلبية للمجتمع المغربي ككل، وما دام مفعولها كما تبث الآن سلبي بالمغرب، ليس فقط بالنسبة لغير السامعين، الذين لا يفهمون قط اللغة الأمازيغية، بل وأيضا بالنسبة للسامعين أنفسهم، الذين لا يمكنهم الاستماع لبرامج هذه الإذاعة، أولا، لسبب التشويش الذي يطرأ عليها من طرف الإذاعات الإسبانية والبرتغالية والعربية، وثانيا، لسبب ضعف برامجها، رغم بثها الاستمراري-المتقطع منذ أعوام، وحبس مجالاتها في مواضيع جد محدودة وضيقة قانطة إلا على من وسع صدره كالأمازيغيين أنفسهم، فلماذا يلح الأعراب إذن على بثها يا ترى؟ لأن هذه الإذاعة ليست سلبية للجميع بالمغرب. إنها سلبية فقط من ناحية الفرد المغربي. أما من ناحية الكينونة لبعض الأحزاب السياسية الأعرابية بالمغرب فهي إيجابية. إنها تستجيب في نظرهم والمطلب الأمازيغي. لقد أراد الأمازيغيون إذاعة تجمع شملهم، فأعطيناهم إذاعة تشتتهم. عجبا من هذا التناقض. هذا قولهم بينهم. إن الله تعالى يذكرنا بنفس الموقف، حين يقص علينا، من بين القصص الحسنى، تلك التي تتعلق بسيدنا داوود عليه الصلاة والسلام، لما دخل عليه الأخوان المتخاصمان المحراب، حيث أخبره أحدهما بقوله :"إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة" (صدق الله العظيم) (سورة "ص"، آية "23"). -4- ماذا كان حكم سيدنا داوود عليه الصلاة والسلام؟ لم يسألهما عن النعجة، ولا عن مزاياها أو ماذا يمكن لهما أن يفعلا بها، أو...أو...لا، بل كان جوابه بلا تردد عن هذا الوضع الإنساني هو الظلم. نعم، إن الجواب الوحيد عن مثل هذا الموقف هو الظلم بعينه ولا غيره. وإذا قارنا موقف الأعراب من مطلب الشعوب المتعايشة معهم، وإذا شبهنا النعجة بالإذاعة المطلوبة من لذن هذه الشعوب، فإن رفض الأعراب إعطاء هذه الشعوب حقها ظلم ما بعده ظلم. كيف وإذاعات الأعراب تفوق الألف، مقارنة مع الإذاعة الأمازيغية التي لا تبلغ0.1؟ ماذا أراد الله تعالى بالعددين تسعة وتسعين وواحدة؟ إنها فقط مقارنة بين عددين، أحدهما يعني الكثرة، والآخر القلة. ففي أمثلة الواقع البشري، قد تصبح 99 أحيانا ألفا، أو مائة، أو عشرة، أو...أو...وواحدة قد تصير نصف واحدة، أو ربعها، أو عشرها أو أقل من ذلك أو أكثر. إن العددين لا يهمان. ما يهم هو كثرة المكسب عند أحد الأخوين، وقلته عند الآخر، مع إصرار الأول وطمعه في مكسب أخيه. لقد أصر الله تعالى، في هذه القصة، أن يكون المتخاصمان أخوان. تماما كالأعراب والأمازيغيين. فهم دائما إخوة. إلا أن هناك خلطاء. والخلطاء يولدون البغي والظلم. والظلم يولد العداء والخصومة. والخصومة تتطلب العدالة. والعدالة تتطلب العادل. فمن يعدل هنا يا ترى؟ إن نفس المقارنة فيما يخص إذاعات الراديو نجدها في قنوات التلفزة. على أن عدد قنوات الإذاعات التلفزيونية التي تبث بالعربية تفوق المائة، أو أنها، للتدقيق، ثلاثمائة وست وثمانون إذاعة تلفزية، وعدد الإذاعات التي تبث بالأمازيغية لا تتعدى الصفر. ونفس الحالات يعيشها إخواننا الأمازيغ بالجزائر. على أنهم لما لم يحصلوا على أي إنصاف من الأعراب ببلادهم، طالبوا بخوصصة الإذاعة التلفزيونية، علهم وعساهم يتمكنون من بث برامج بالأمازيغية ولو على حسابهم. -5- فماذا كان جواب الأعراب ببلادهم؟ كان جواب الأعراب ببلاد جارتنا الجزائر على فم وزيرة الإعلام هناك إنها ألغت برنامج خوصصة التلفزيون بالجزائر. وماذا كان مبرر هذه الوزيرة يا ترى حين أوقفت البرنامج، وهو على وشك الخروج لقيد الحياة؟ إنها أحصت، على حد قولها، عدد اليوميات والجرائد بالجزائر التي أظهرت رفضها لهذا البرنامج، فلاحظت، حسب قولها، أنه يفوق 80%. لقد جعلت من هذا العدد مقياسا إحصائيا محضا، كما لو سألت الشعب الجزائري كله لأخذ رأيهم. إن الإحصاء لا يكون بهذا المفهوم أيتها السيدة الوزيرة. فأعداد اليوميات والجرائد التي وافقت أو رفضت البرنامج لا يمكنه، بتاتا، أن يكون عددا إحصائيا. إنك تقارنين أقوال الجرائد بأصوات الشعب الجزائري عند استشارته. يا لها من ديموقراطية. الديموقراطية، حسب المفهوم العام، هي صوت وإرادة الأغلبية. فلنأت إذن بهذه الأغلبية ولو بطريقة غير ديموقراطية، وعلى حساب الشعب. إنه المنطق الأعرابي المستبد والجاري به العمل في جميع بلدانهم. فلذلك لم يفاجئنا ما تقوله السيدة الوزيرة بالجزائر. إننا نريد فقط معرفة رأيها، أما المبررات الملفقة فلا تهم. إذن، ماذا كان ردها الحقيقي على هذا البرنامج؟ إن ردها الحقيقي على خوصصة التلفزيون متعلق بمستقبل الإذاعة التلفزيونية الحكومية. حيث أنها أخبرتنا بأنها تريد تقوية الإذاعة التلفزيونية الحكومية اللامركزية، ثم وضع قوانين للخوصصة. إنها لم تذكرنا عن ماهية هذه القوانين. إلا أننا إذا تساءلنا عنها، ماذا يمكننا أن نجيب يا ترى؟ إن السيدة الوزيرة، ولو لم تعلن عن ذلك، هي جد متخوفة من الإذاعة الأمازيغية، أو الرأي الأمازيغي، المعروف بالحرية ونصر الحق. فهي تريد قبل كل شيء، وإذا كان ولا بد من ظهورها، ولو خوصصيا، أن تضع لها حدا وتفقرها جد ما يمكن مسبقا. كيف يمكن ذلك؟ أولا، بمنعها البث السياسي، ولو باستجابة أحد الساسة. ثانيا، بمنعها البث الحر ولو لبرامج ترفيهية. ثالثا، لإعطائها الصلاحية في بث برامج موسيقية وإعلانات إشهارية فقط. -6- إنها تريد أن لا تعطي الحق للأمازيغيين في التعيير الحر، في إعطاء الخبر الحر، في تحليل الأحداث بحرية أمازيغية. إنها تريد، كمن كان قبلها، قمع الأمازيغية، ووراء ذلك قمع الأمازيغيين. إنها بذلك ظالمة، حسب معيار سيدنا داوود عليه الصلاة والسلام. فالمرجع، دائما، هو مقارنة عدد الإذاعات التلفزيونية العربية (الذي يعد بالمئات كما ذكرنا) بعدد الإذاعات التلفزيونية الأمازيغية (الذي يعد بالصفر كما ذكرنا). وهذا ظلم لا يمكن لأحد أن ينكره، إلا إذا كان غير مؤمن بالآيات القرآنية المذكورة في هذا الصدد ويتساءل، كما تساءلوا قبله: "ماذا أراد الله بهذا مثلا؟" ومن لم يؤمن ولو بآية قرآنية واحدة، فإيمانه بالقرآن ككل باطل. ولولا أن الله تعالى لا يهدي القوم الظالمين، لطلبنا لإخواننا الأعراب، سواء ببلادنا المغرب، أو ببلاد جاراتنا الجزائر، تونس، ليبيا ومورطانيا الهدى.
|
|