|
مطلب دسترة اللغة الأمازيغية: الإشكاليات السياسية والقانونية بقلم: محمد آيت بود باحث (تارودانت) «الدستور وسيلة للتثقيف المعنوي، أو الأدبي والسياسي» (ج بيرديو) يشكل مطلب إدراج اللغة الأمازيغية، كلغة رسمية في دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، أحد المطالب الحيوية، الملحة والعاجلة، للحركة الأمازيغية بمختلف تياراتها وأشكالها النضالية، بيد أن إدراج الأمازيغية في الوثيقة الدستورية كلغة رسمية، سوف يتحول بهذه الأخيرة من موقع التهميش والإقصاء إلى موقع الاعتراف الدستوري والمؤسساتي، فهل يمكن اعتبار مسألة الدسترة مدخلا هاما لإدماج الأمازيغية في الحياة العامة؟ وما مدى ارتباط الوثيقة الدستورية بالاستحقاقات المجتمعية، والحراك السياسي الذي يعيشه المجتمع على جميع الأصعدة؟ أي أفق لإدماج الأمازيغية كلغة رسمية بدل اللغة الوطنية التي تنادي بها بعض الدوائر المحسوبة على العداء للأمازيغية؟ هل سيغير ذلك من الوضع الاعتباري لهذه اللغة في غياب رؤية شاملة منسجمة للهوية المغربية؟ قبل الانتقال إلى تحليل الإجابة على الأسئلة المطروحة أرى أنه من الضروري الحديث عن الوثيقة الدستورية في علاقتها بالمكانيزمات السياسية الناظمة لها، ومن ثمة الدخول في معالجة إشكالية الدسترة والديمقراطية، ثم إشكالية الدسترة والهوية الوطنية، محاولا الإسهام في بلورة منطلق فكري، وفلسفي، يمكن للأمازيغية أن تتخذه كأساس لجعل الرهان الديمقراطي هو الأولى والأهم في سياق المعركة من أجل هوية أمازيغية للمغرب الحديث. I- مطلب الديمقراطية: أعتقد أنه، وبدون الدخول في تناول المفاهيم الأساسية للقانون الدستوري، ومختلف النظريات الفقهية التي تناولت الوثيقة الدستورية من حيث كونها ليست مجرد ورقة تقنية يضمنها المشرع ما شاء وقتما شاء،بل هي مرتبطة بالتحولات التي يشهدها المجتمع، والحراك السياسي المصاحب لتلك التحولات، إن لم نقل الدافع لها، كما لذلك من الصلة الوثيقة بطرق وضع الدستور وأنواعه،ذات الارتباط الوثيق بطبيعة الاستراتيجيات التي تعتمدها السلطة السياسية في إرساء دعائم النظام، وتثبيت أركان العملية السياسية،لا مجال هنا لمقارنة الأنظمة الديمقراطية الغربية بالأنظمة في بلدان العالم الثالث، من حيث طريقة صياغة المقتضيات الدستورية والآليات السياسية المتحكمة في ذلك،يكفي القول إن مطلب إدراج الأمازيغية في دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا لا يشكل مطلبا للحركة الأمازيغية وحسب، بل يمكن اعتباره شعارا لمرحلة من مراحل تاريخ المغرب، من حيث تركيزه على البعد الديمقراطي في المسألة،مما يشكل عبئا ينضاف إلى العبء الذي ينوء به كاهل السلطة السياسية المثقلة أصلا بالأغلال الإستراتيجية، والتوازنات السياسية، بيد أن المطلب الديمقراطي أصلا لم يتم بعد تأسيس المدخل السياسي السليم له في التجربة المغربية الغضة، والتي تراوح بين المنطق الثيوقراطي والانفتاح الخجول. وعلى هذا الأساس لابد من دراسة الشروط الموضوعية الناظمة لوضع الوثيقة الدستورية، ومحورها الرئيسي، بيد أن الثيوقراطية تلغي دينامية المشاركة، وتمحور المبادرة والقرار حول شخص الحاكم دون سواه، حيث تصبح الوثيقة الدستورية مناط فعل فردي لا مكان فيه لرأي المحكومين، إلا بواسطة آلية «المنحة» التي تفسح هامشا ضيقا لهؤلاء لإدلاء برأيهم حول مضمون الوثيقة الدستورية، عن طريق آلية الاستفتاء، تدخل في حسابات إعادة إنتاج المشروعية الكفيلة بتجسيد استقرار وديمومة السلطة. على خلاف الدستور التعاقدي في الفلسفة العقدية، الذي يفترض عنصر المشاركة في صياغة ووضع الوثيقة الدستورية، فالعقد شريعة المتعاقدين، وهو اقتران إرادتين، والحالة هنا إرادة الحاكم وإرادة المحكوم، وهو يشكل قاعدة الانتقال من التصور الثيوقراطي لوضع الدستور إلى الوضع الديمقراطي. فاعتبار مطلب ترسيم الأمازيغية مطلبا ديمقراطيا بامتياز، يفترض أن تكون الديمقراطية مطلبا للحركة الأمازيغية، مما يجعل الرهان-Enjeu على هذا المطلب لوحده بمثابة فصل الفرع عن الأصل، بيد أن الأصل هو المطالبة بترسيخ الممارسة الديمقراطية في النظام السياسي المغربي، وهذا المطلب بقدر ما هو مطلب سياسي ذو أهمية قصوى، ملحة وعاجلة، بقدر ما هو مطلب طوباوي على الأقل في المرحلة الراهنة، بيد أنه مرتبط، وربما على المدى البعيد، بعدة إشكاليات مرتبطة بتحول الدولة، والأحزاب السياسية، والمجتمع، ومدى استعدادهما لترسيخ قواعد الديمقراطية، في الممارسة السياسية، لا يجب أن يفهم من هذا السياق العدمية، غير أنه يجب إجراء مسح موضوعي، بنيوي للسياق السياسي المغربي، ومختلف مكوناته، وتفاعلاتها، وتناقضاتها الجوهرية، التي لا يجب إغفالها، لفهم خصوصية السلطة السياسية، والفاعلين الأساسيين، الذين يشكلون جوهرها، وميكانيزمات اشتغالها، والآليات السياسية والقانونية المتحكمة فيها. وعلى هذا الأساس، لابد من إلقاء نظرة على الوثيقة الدستورية، وتحليل مضمون فصل هام جدا من فصولها، اعتبره كل فقهاء القانون الدستوري مفتاح ممارسة السلطة السياسية بالمغرب، هذا الفصل هو الفصل 19، الذي قام مهندسه وهو الراحل الحسن الثاني، بمحورة كل مفاصل السلطة السياسية حوله بشكل لا يسمح لا للحكومة ولا للبرلمان بتجاوز ثلاثة أنماط من المشروعية: 1- المشروعية التاريخية، وتتجسد في كون الملك ضامن دوام الدولة واستمراريتها، 2-المشروعية الدينية، وتتمثل في إمارة المؤمنين، 3-المشروعية التعاقدية، وتتمثل في كون الملك ملكا دستوريا، تربطه رابطة البيعة بالشعب، هذه الرابطة لا يحول دونها أي حائل، بيد أن العلاقة بين الملك والشعب لا تحتاج إلى وسائط، بحكم كون الملك الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها، أي ان السيادة، يمارسها الملك، من حيث كون الدستور قد نص في الفصل الثاني على ان السيادة للأمة تمارسها بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية، أي انه يجعل السيادة من حيث المبدأ في يد الشعب، ولكن من حيث الممارسة في يد الملك، الذي له أن يحل مجلسي البرلمان، او احدهما، استنادا إلى المادة 71 من الدستور المعدل سنة 1996، الشئ الذي يفضي إلى وحدة السلطة السياسية بالمغرب وعدم قابليتها للتجزيئ، لان السلط يتم تفويضها ولايتم تفويتها، بيد انه لامجال للحديث هنا عن فصل للسلط كما جاء بها مونتسكيو، بل استنادا إلى الأحكام السلطانية كما جاء بها الماوردي. أعتقد أن مطلب دسترة الأمازيغية بقدر ما هو مطلب حيوي وجوهري وعاجل، يقدر ما هو مرتبط بمطلب جوهري آخر هو المطلب الديمقراطي، هذا الأخير يستدعي وضع تصور أيديولوجي للقضية الأمازيغية بالمغرب، يمنح الحركة الأمازيغية القوة اللازمة للدفع بهذين المطلبين نحو آفاق الوضع حيز التطبيق. فكيف ستتم صياغة التصور الإيديولوجي للقضية الأمازيغية بالمغرب؟ وما هي العناصر الفعالة التي يمكن إدخالها ضمن البعد الاستراتيجي لهذا التصور؟ اعتقد أن بعض هذه العناصر مرتبط بمفهوم الهوية الوطنية للمغرب الحديث، ومغرب المستقبل، فهل نستطيع أن نتحدث عن مفهوم الهوية المغربية كإطار فلسفي للأمازيغية؟ II- مطلب الهوية الوطنية: لا بد للانتقال بالأمازيغية من الوضع الذي تعيش فيه في الوقت الراهن، وهو وضع التهميش والإقصاء والاحتقار، إلى الوضع الأمثل وهو الوضع المؤسساتي، من تأسيس مفهوم جديد للهوية المغربية، كإطار عام، يمكن أن يشكل ليس المدخل لدسترة الأمازيغية وحسب، بل إطارا فلسفيا لإعادة الاعتبار لتاريخ المغرب وهويته الوطنية التي تشكل الأمازيغية قاعدتها الرئيسية، وذلك يستدعي جعل الصورة الحالية معكوسة، بمعنى جعل الهوية الأمازيغية، هي المقوم الأساسي للهوية المغربية، بينما تشكل باقي العناصر روافد هذا المكون الأساسي، وذلك لا شك سوف يؤدي إلى الدخول في صراع مباشر مع الأيديولوجية العربية- الإسلامية، مع ما تحمله من إرث تاريخي، وثقل كارزماتي، وما تدره للفئات المستظلة بها من منافع سياسية واقتصادية. هذا المطلب بقدر ما هو مطلب موضوعي، حتى تتبوأ الأمازيغية مكانتها التي تستحقها، ويعاد إليها الاعتبار في موطنها الأصلي، وبالتالي إعادة الاعتبار للإنسان الأمازيغي، بقدر ما هو مطلب يمكن أن يشكل بالنسبة للفئات التي تستفيد من الأيديولوجية العربية الإسلامية ، تهديدا صريحا ومباشرا لوجودها ومصالحها، خاصة مع استحضار مضمون بعض المقولات التي تندرج في هذا السياق، والتي تدعو إلى الاعتراف بالأمازيغية كتراث، ورفضها كهوية، لأن هذه الجهات تعرف حق المعرفة ماذا يعني أن تصبح الأمازيغية هوية للمغرب، إنه بكل وضوح ، قلب المعادلة، بحيث تصبح قاعدة المثلث في الأعلى بينما تنقلب القمة إلى الأسفل. وحتى لا يدعي أي مدعٍ أن هذا التحليل مجانب للصواب، فإني أدعوه إلى قراءة كتاب تحت عنوان: «الأمازيغية تشكل خطرا على العرش المغربي» لصاحبه محمد أديب، الذي يربط فيه صاحبه بين إعطاء الأمازيغية الفرصة في الرقي والتطور، وبين الجانب السياسي المرتبط باستيلاء الأمازيغ على السلطة والثروة بعد ذلك، وإقصائهم للنخبة الفاسية القابضة على زمام الأمر الآن، ولو أن صاحب الكتاب اشتط به القول بحيث لم يكن قد أسس تخوفاته على أسس علمية متينة، اللهم من فرط هواجسه الشخصية، تسنى له أن يذهب بعيدا في ذلك التحليل الذي قام بتعضيده من الأحداث التاريخية بشكل لا يخدم أهداف ذلك التحليل نفسه، غير أن ما يمكن أن يلاحظ في الكتاب هو تهافته الواضح والصريح، وكأن الأسرة العلوية الحاكمة للمغرب الآن لا تنحدر من أصول أمازيغية. لابد إذن من ترسيخ هوية بديلة، هذه الأخيرة سوف لن تكون مجانية، ولنقم باستخلاص درس من حدث الثورة الفرنسية 1789، الذي أسس لقطيعة مع نظام الحكم الملكي المطلق في فرنسا، بالانتقال للحكم الديمقراطي، والارتكاز على أسس فلسفية كانت ولا تزال تشكل القاعدة الأساسية للهوية الوطنية الفرنسية، التي صار يخشى عليها الفرنسيون أكثر مما يخشون على لقمة عيشهم، بطبيعة الحال فهي الماء والهواء والحياة بالنسبة لشعب، قدم دماء أبنائه في ثورة 1789 من أجل ترسيخ شعار: العدالة- الأخوة- المساواة، مع أن النموذج الاسباني هو الأقرب إلى التجربة المغربية، من حيث اعتماد نظام الحكم في هذا البلد على ديمقراطية فدرالية في إطار الملكية الدستورية. III- مطلب الدسترة: لا يعني اعتبار مطلبي الديمقراطية والهوية الوطنية، المقومات الأساسية لتتبوأ الأمازيغية مكانتها التي تستحقها في موطنها الأصلي الذي هو المغرب، إن مطلب الدسترة يجب أن يؤجل، بل على العكس من ذلك يجب أن يكون النضال من أجل هذه المطالب في إطار الاتساق والانسجام، بحيث لا يجب أن يتم تهميش هذه الإشكاليات، بيد أنه من الممكن أن ترسم الأمازيغية كلغة رسمية، لكن تحت أية شروط، وفي ظل أي دستور، هل من الممكن أن يكون هذا الدستور الذي سوف يضم بين دفتيه الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية ووطنية، دستورا ديمقراطيا شكلا ومضمونا؟ من المؤكد في تاريخ الدستور المغربي، كدستور جامد، أن قامت إلى جواره أعراف دستورية، صارت بمثابة النصوص القطعية، بحيث تعاملت معها جل المؤسسات الدستورية على حكم أنها تنتمي إلى الكتلة الدستورية، منها على سبيل المثال لا الحصر تعيين الملك للوزير الأول خارج الأغلبية البرلمانية، وقياسا على ذلك يمكن أن تنشأ ممارسات قد تفسر على أنها أعراف دستورية لا تأخذ التنصيص على دسترة الأمازيغية على محمل الجد، وقد تتعامل معه المؤسسات الدستورية أو الفئات المناوئة للأمازيغية باستخفاف وتحايل، هذا يدفع إلى الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاعتباري للغة الأمازيغية كلغة الشعب الأمازيغي الذي يشكل القاعدة العريضة للشعب المغربي، هذا الوضع الاعتباري، وضع التهميش والإقصاء والاحتقار، سوف لن يتغير بين عشية وضحاها بهذه اللغة إلى مستوى الاحترام والاعتراف لمجرد إدراج لهذا المطلب في الوثيقة الدستورية، ذلك أن الشروط المتحكمة في التعديلات الدستورية في البلدان المتقدمة هي شروط النضج السياسي الذي يعبر عنه الفرقاء السياسيون في سياق المعركة من أجل الديمقراطية، وقبل ذلك في سياق المعركة من أجل دستور ديمقراطي، هذا النضج هو بالضبط ما لا يمكن إيجاده في المغرب حيث لا تزال بعض الجهات مستعدة، وهي تعترف بذلك جهارا، من أجل الحيلولة دون الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، وأحرى جعل مقتضياته موضع التنفيذ والتطبيق السلس، والهادئ. هذا العداء الصريح للأمازيغية، الدرس الذي يمكن أن يستخلص منه هو أن الفئات المناوئة للاما زيغ، والتي تتخوف على مركزها السياسي والاقتصادي، لا تعبأ بقرارات الملك، ولا بالمقتضيات الدستورية، بل تعتبر أن ما حققته الأمازيغية من انتزاع لبعض حقوقها المشروعة، ولو في إطار المقاربة المخزنية، التي هي بالنسبة للأمازيغ لا تعبر عن كل تطلعاتهم، بات يشكل تهديدا صريحا وواضحا لوجودها ومصالحها، لذلك تراها مستعدة أيما استعداد لإفراغ كل المقاربات المخزنية لمعالجة القضية الأمازيغية من محتواها، وإبقاء الحالة على ما هي عليهStatu quo -، وهي تتمترس من أجل حماية وجودها ومصالحها، محاولة تعزيز مكانتها ضمن العديد من المواقع، السياسية والاقتصادية والثقافية، بل أضحت تقوي تحصيناتها، وقد شعرت أن «الشلوح» قد جعلوا شروط ولوج الحياة العامة مبتذلة جدا، وأن عليها أن ترتفع بمستواها، كسليلة للعائلات الموريسكية، الراقية، والمتحضرة، التي كانت تتمتع بالثروة والسلطة والأنس في ليالي الأندلس المجيدة، حتى لا تطاله الطبقات «البربرية» غير المتمدنة. aitboudmoh@yahoo.fr
|
|