|
رد على أحمد عصيد بخصوص الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة بقلم: أوعبيت في حوار خص به السيد أحمد عصيد العدد 85 من جريدة "العالم الأمازيغي" ليونيو2007، أشار إلى "وجود تباعد بين الطلبة وباقي تنظيمات الحركة الثقافية الأمازيغية مما أدى إلى عزلتهم في الجامعة، وأنهم تأثروا بخطاب أقصى اليسار بدرجة كبيرة، وأنه انبرى للخطابة في صفوف الطلبة مناضلون من خارج الجامعة يفتقرون إلى التكوين والفكر الإستراتيجي، ويعمدون إلى أسلوب التهييج، وظهرت في أوساط الطلبة الأمازيغيين توجهات ليست في صالح القضية كالعودة إلى التصريح بالانتماءات القبلية وإحياء النعرات الجهوية". يمكن القول إن هذا الكلام يكتسي سمة النقد. والنقد هنا كفاعلية إيجابية بناءة ومثمرة تقف عند النواقص وتنبه إليها لتجاوزها. ولغاية اليوم لم تراكم الحركة الثقافية الأمازيغية إلا رصيدا متواضعا من النقد لخطابها وما تطرحه للتداول من مقولات وأفكار. ومع ذلك لا ينبغي إكساب النقد رداء المهابة والتوقير، فبدوره يحتاج إلى نقد. ومن هذا المنطلق سأورد بعض المآخذ والملاحظات على ما تضمنه الكلام أعلاه. وأنأى بهذه المآخذ أن تفهم كأنها تنزيه للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة، ولا في إطار حساسية إزاء نقدها أشبه ما تكون بحساسية العليل الذي يخشى فتح النوافذ تحسبا للفحات الهواء. ويمكن إجمال أهم الردود في ما يلي: أولا: بخصوص التباعد بين الطلبة وباقي تنظيمات الحركة الثقافية الأمازيغية: من المشروع أن يحتفظ الطلبة بمسافة معينة تحفظ لهم الاستقلالية في رسم قسمات مسارهم النضالي وصياغة محطاته وفق حريـة الاختيار وتلقائيته، دون وصاية أو تبعية تجعله حصيلة إملاءات وقرارات تهبط عليهم بين الفينة والأخرى من الخارج. والاستقلالية هي الجاعلة منهم المكون الحامل للمواقف الأكثر جرأة وجسارة. والحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة لم تكن في يوم من الأيام في حضن مكون ما حـتى تنعت بالتباعــد. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنها ذات مواقف متميزة. وخير مثال على ذلك أنها كانت الاستثناء في مشهد تدبيج البيانات البليغة للتبجيل والإشادة بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والتهافت على مراكزه ومناصبه، والتبشير له دون ضمانـات، وتطويع الموقف حينها على شاكلة من يؤمن أن مقابل ضريبة النضال مرحلة سابقة هو مطاوعة السلطة والتوحد معها، ولو بالانقلاب على رفاق المبادئ والسلاح القدامى. وليس هذا أن الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة ضد أي مسعى أو مبادرة مفيدة للأمازيغية، متى كانت مكسبا حصل تحقيقه بالنضال لا بمنطق العطية والإنعام، وهذه المبادرة ينبغي أن تكون وفق ضوابط متفق عليها سلفا تضمن إطارا للعمل يسمح بتفجير الإمكانات والقدرات ودفعها إلى أقصى النتائج الخادمة للأمازيغية. فلن يكون الطلبة امتدادا للمكونات الأخرى ولا قاعدة خلفية لها، ولن يخلدوا إلى محاكاتها وتقليدها واجترار مقولاتها ومواقفها، والوقوف عند أعتابها طالبين الإفتاء وإشارات العمل، مع أن هذه المكونات لم تكن يوما منفصلة بعضها عن البعض بحواجز عازلة إذ هي بالرغم من الخصوصية التي تطبع كل مكون تنسج بينها صلات تفاعل حي وتبادل مثمر. ثانيا: الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة ليست في عزلة: لا مراء في أن القول بعزلة الطلبة الأمازيغيين بالجامعة ينطوي على جهل براهن الجامعة ومعطياتها إلا إذا انصرف إلى غير الحركة الثقافية الأمازيغية، لأنها تجتاز دينامية إيجابية من خلال مدها الجماهيري وفاعليتها عبر الحضور المتواصل بالساحة الجامعية واستطاعتها أن تجعل من سؤال الأمازيغية انشغالا مركزيا يحظى ضمن دائرة السجال بأهمية بالغة. ولكن، تجاوزا، ومنظورا إلى الجامعة من داخل بعض مكونات الحركة الأمازيغية يمكن الحديث عن العزلة من خلال تفرد شعاراتها ومواقفها وآلياتها النضالية من باب الاختلاف، والإيمان بأن التجانس التام مجرد خرافة ووهم يسعى إلى جعل الطلبة مجرد صدى لغيرهم. ثالثا: القول بأنه انبرى للخطابة داخل الجامعة مناضلون يفتقرون إلى التكوين والفكر الإستراتيجي. يجسد منظورا مغلوطا من ناحيتين: فمن ناحية أولى هو وصف للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة بالقصور والوهن، وكأنها غرارة يمكن لأي عابر حشوها ببضاعته الفكرية، والكل يتربص بها للتسلل إلى فراغها لتعبئته بأفكاره وشعاراته، وتفريعا على ذلك تحتاج إلى من يقوم بالاختيار عنها ومنظم لحركة المرور الفكري في مسالكها، لأنها فقط مجموعة شباب يغلب عليهم "الطيش" و"الاندفاع" وهم من ذوي الخبرة القليلة التي تنتج خواء قابلا لتلقى أية أفكار سواء الصائبة أو المنحرفة، وهي بذلك تحتاج إلى جهة ضبط وتحقيق تقدر الأفكار القمينة بالقبول. والحال أن الطلبة لهم من النضج ما يؤهلهم لإنتاج الأفكار الأكثر تنويرية وفي غنى عن أي محترف للخطابة. ومن ناحية ثانية هو تسويغ لمزاعم نخبوية قائمة على وجود طليعة تملك السلطة الرمزية ومفاتيح الخلاص، وهي بذلك جديرة بحمل اللواء وصياغة المقولات، ولها أن تمارس الوصاية طالما أنها تمثل العــقل والضمير. وهذا النزوع ليس مقصورا على ساحة الحركة الثقافية الأمازيغية وإنما له صدى داخل تجارب وفضاءات أخرى، غير أنه صار مهجورا لعدم جدواه لأن من يدعي الانتماء إلى النخبة يصير هو الأقل فاعلية وتأثيرا. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة هي الأقل إنتاجا لعاهات الجهوية والولاءات القبلية من خلال خطاب تطبعه الوحدوية، لا يترك أي مجال للخطابة أو التبشير بقدر ما يفتح مجالا لتوالد الأفكار.
|
|