|
نظرة الغرب للقضية الفلسطينية الإسرائيلية: هل لا بد لكل شعب يتعايش مع الأعراب سلوك نفس المنهج لكسب حقوقه الأولية؟ بقلم: يونس غاندي 1- الشعوب التي تتعايش مع الأعراب وصبغتها: إن من بين الشعوب التي تتعايش مع الأعراب ببعض الدول نجد: -1) شعب الأكراد بسوريا والعراق. 2) شعب الإسرائيليين بفلسطين. 3) شعب القبط بمصر. 5) شعب الأمازيغ بليبيا، تونس، الجزائر والمغرب وموريطانيا. إن من الخاصيات المشتركة لهذه الدول أنها كانت كلها مستعمرة طيلة أوائل القرن الماضي، كما أنها حصلت على استقلالها - ولو المشروط، أي الجزئي - خلال أواسطه. إن ما يهمنا هنا هو مقارنة كيفية كسب هذه الشعوب لحقوقها الأولية من لغة وإدماج في الحكومة واندماج في المجتمع المدني من إدارة وصحافة وإذاعة وإنتاج فني وثقافي... أول ما تجب الإشارة إليه قبل البداية في هذا التحليل، هو إظهار إحدى الخصائص المهمة لهذه الشعوب في المعايشة مع الشعوب الأخرى. وللتوضيح يجب إعطاء شرح للخاصتين التاليتين ألا وهما: -1) يسمى الشعب "سلميا" إذا كان يفضل ويرجع فعلا في معاملاته ونواياه مع الشعوب الأخرى إلى الحلول السلمية مائة في المائة، كيفما كان الحال وحيثما أدى به الحل السلمي. -2) يسمى الشعب حربيا إذا ما ألف واستحب التطرق إلى الحل الحربي في سلوكه مع الشعوب الأخرى ولو بنيته فقط. وتبعا لهذه المعايير يجوز لنا القول بأن الشعب الأعرابي هو حربي محض، على أن الشعوب المتعايشة معه من أمازيغ وأكراد وأقباط هم سلميون مائة في المائة، باستثناء الشعب الإسرائيلي الذي هو أيضا حربي محض. 2- معاملة الأعراب لغيرهم من الشعوب السلمية بعد استقلال البلدان التي يتعايشون معهم فيها: والآن، وقد فهمنا هذه الحقائق لخاصيات هذه الشعوب، يمكننا فهم مجرى تاريخ تعايش هذه الشعوب مع الشعب الأعرابي وكذا فهم المنهج الذي سلكه كل شعب في معايشته مع الشعب الآخر. ولنبدأ تحليلنا هذا فقط منذ عهد استقلال كل بلد، ولنأخذه كمنطلق لبداية هذا التعايش ولو أن هذه الشعوب كانت تتعايش مع الأعراب منذ القدم. فماذا جرى إذن يا ترى عند استقلال سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، ومصر والسودان، وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريطانيا؟ لما استقلت سوريا وكان سكانها ينقسمون إلى أكراد وأعراب بنسبة خمسين في المائة لكل منهما تقريبا، قال الأعراب للأكراد آنذاك: سنأخذ اللغة العربية كلغة رسمية، فأجاب الأكراد وهم مسالمون: ولم لا؟ وقال الأعراب للأكراد: سنجعل الحكومة كلها أعرابية، فأجاب الأكراد وهم مسالمون: توكلنا على الله. وكذالك كان. أعضاء الحكومة كلهم أعراب واللغة الرسمية هي العربية. ولما استقلت العراق، سلك الأعراب مع الأكراد المسالمين نفس المنهج، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكان أعضاء الحكومة كلهم أعراب رغم أن نسبة السكان تبلغ خمسين في المائة لكل من الأكراد والأعراب. ولما استقلت لبنان، سلك الأعراب نفس المنهج مع غيرهم من السكان، المسيحيين والمسلمين منهم، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكان أعضاء الحكومة كلهم أعراب رغم نسبة السكان التي تبلغ خمسين في المائة لكل من الأعراب ومن غيرهم. ولما استقلت مصر، سلك الأعراب نفس المنهج مع الأقباط المسالمين، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية بأغلبية تفوق التسعين في المائة مع أن عدد الأقباط يبلغ ستين في المائة من سكان مصر. وكذلك فعل الأعراب السود مع غيرهم في السودان. فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية بأغلبية تفوق التسعين في المائة مع أن جل قبائل السودان الغير أعرابية تفوق نسبتها الستين في المائة. وكذلك سلك الأعراب نفس المنهج مع الأمازيغ المسالمين في ليبيا، مع أن نسبة سكانها من الأمازيغ البيض والسود يتعدى السبعين في المائة، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية بأغلبية مائة في المائة. وكذلك سلك الأعراب نفس المنهج مع الأمازيغ المسالمين في تونس مع أن نسبة سكانها من الأمازيغ البيض والسود يتعدى الستين في المائة، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية مائة في المائة. وكذلك سلك الأعراب نفس المنهج مع الأمازيغ المسالمين في الجزائر، ولو أن نسبة عدد السكان الأمازيغ البيض والسود تتعدى السبعين في المائة، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية بأغلبية تفوق التسعين في المائة. وكذلك سلك الأعراب نفس المنهج مع الأمازيغ المسالمين في المغرب مع أن نسبة سكان الأمازيغ تتعدى السبعين في المائة من بيض وسود، فكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكانت الحكومة أعرابية محضة. أما في موريطانيا، فقد بلغ قمعهم للأمازيغيين ذروته فكانت الحكومة أعرابية مائة في المائة وكانت لغة البلاد عربية. 3- سلوك الأعراب مع الإسرائيليين إبان استقلال فلسطين ونظرية الغرب للقضية الفلسطينية: هذا كان منهج الأعراب إبان استقلال البلدان التي يسكنوها في سلوكهم التعايشي مع جميع الشعوب الأخرى، ما عدا مع الشعب الإسرائيلي بفلسطين. فماذا جرى يا ترى بفلسطين لما حصلت على استقلالها؟ فحسب النظرة الغربية للقضية الفلسطينية الإسرائيلية، لما حصلت فلسطين على استقلالها، قال الأعراب للإسرائيليين، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن خاصية التعايش للشعبين حربية محضة: سنتخذ العربية كلغة رسمية وسنجعل الحكومة عربية محضة. فأجابهم الإسرائيليون: إن نسبة سكاننا تتعدى الثلاثين بالمائة، ولقد ضحينا بالكثير لكسب الاستقلال، فلا بد إذن من إدماجنا بالحكومة ولا بد من جعل لغتنا العبرية لغة رسمية كالعربية. أمام رفض الأعراب لهذا المطلب،عرض اليهود على الأعراب تقسيم البلاد وإعطاء كل منهما قسطا منها ليقيم حكمه فيها، وفرض لغته بها. وأمام رفض الأعراب لكل مطالب اليهود وإصرارهم لإقرار ما اتفقوا عليه بينهم، لم يجد اليهود بدا من اغتنام فرصة خلق المحكمة الدولية لغرض محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، لرفع دعوة ضد الأعراب مطالبين بحقهم الشرعي. واجتمع العالم لكي يحكم في الخلاف بين الفلسطينيين من الأعراب واليهود: ست وتسعون دولة، صوتت أغلبيتها (أربعة وسبعون) لصالح اليهود، حيث اعتبروا رغبة الأعراب في السطو على جميع معطيات الدولة ظلما وعدوانا على اليهود. خرج الأعراب من المؤتمر وهم يسخطون ويزمجرون ويتوعدون اليهود برميهم في البحار. كان إعجاب الأعراب وغرورهم بعددهم هو الذي أطمعهم في الأقلية الإسرائيلية ونسوا أن الله تعالى قادر على نصرة فئة قليلة على فئة كثيرة. وكانت غلطة الأعراب الثانية بعد الغلطة الأولى لما نسوا أن الله تعالى يأمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن. نفر الأوروبيون والأميريكان أمام هذا الوعد المزعج، وخافوا أن تحل بالإسرائيليين كارثة تشبه تلك التي حلت بهم من طرف الألمان. فسارعوا إلى تسليحهم. وهكذا انتصروا على الأعراب وحصلوا على نصيبهم من الأرض بقوة السلاح، وفرضوا لغتهم عليها. لم تقف الأمور عند هذا الحد بل استمر الجدال على حدته بين الطرفين، حيث لم يرض الأعراب بصمود الإسرائيليين أمامهم، بينما خضعت لهم، حسب تصوراتهم، جل الشعوب من أكراد وقبط وأمازيغ وغيرهم، إلى أن كانت حرب الستينات حيث صارت فلسطين كلها إسرائيلية إلى يومنا هذا. ومما يعجب له الإنسان هو إعطاء الإسرائيليين للأعراب بفلسطين، رغم انتصارهم عليهم ورغم قهرهم لهم، الحق في استعمال لغتهم حيث سمحوا لهم بالتعامل بها، كما عملوا على تشجيع جميع الوسائل والنشاطات التي تساعد على نموها والنهوض بها، فكان المسرح الفلسطيني وكانت السينما الفلسطينية، وساعدوا على كتابتها ونشرها وذلك بإعطائهم الحق في طبع الكتب والصحف والجرائد، كما ساعدوا على إذاعتها فكانت الإذاعة والتلفزيون القمرية الفلسطينية إلى يومنا هذا رغم المجادلة الدامية بينهما، بينما لم يحظ أي شعب متعايش مع الأعراب بأي شيء من كل هذا.4- فطنة الإسرائيليين مقارنة مع غباوة الأعراب: لقد فطن الإسرائيليون بأن أرذل جريمة يمكن أن يقترفها قوم ضد آخرين هي ابتغاء إبادة لغتهم وإزالتها من الوجود، ومنعهم من استعمالها في أي ميدان كان، اجتماعيا أو إداريا أو ثقافيا، والنيل منها كل النيل بتحطيمها وإعطائها صبغة ملفقة كتسميتها لهجة ومنعها من الكتابة والظهور على الجدران والأوراق. فهلا أتى الحين ليفطن الأعراب لنفس الشيء ويعطوا الشعوب التي تتعايش معهم الحق في ما لا نقاش فيه ولا مجادلة، وفي ما هو بديهي حتى عند الإسرائيليين؟ أم ألف الأعراب مجادلة الإسرائيليين فولجوا لنفس المنهج مع الشعوب السلمية التي تتعايش معهم في مختلف الأوطان، فهاهم يجادلونهم على أدنى الأشياء؟ إن على الأعراب أن يستجيبوا لأمر الله تعالى فلا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن. كما عليهم أن يعلموا أن من أول أهل الكتاب للمسلمين، الذين يتبعون أوامر القرآن الذي هو كتاب الله الحق. وليعلموا أن مجادلتهم، مهما زينت لهم شياطينهم خبثها، ما كانت لتلبي أمر الله تعالى وتكون هي الأحسن إذا لم يكن فيها تلبية لرغبة من يجادلون من أهل الكتاب، إذا خليت رغبتهم من كل ما يحثهم إلى الخروج عن الدين. وليعلموا أن في كل ما يلبون به أمر الله تعالى خيرا لهم، ولو خفي عليهم.
|
|