|
حول ضرورة السعي لدى الأمم المتحدة لشطب المغرب من قائمة الدول العربية بقلم: مبارك بلقاسم تطلع علينا الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها عدة مرات في السنة بتقارير مفصلة حول وضع المغرب وبقية دول شمال أفريقيا في مجالات عديدة كالتنمية البشرية وحقوق الإنسان والتغذية والزراعة والمياه. ولا شك أن مثل هذه التقارير مهمة وتكتسي منفعة كبيرة نظرا لاحترافية وحيادية المختصين والإحصائيين الذين يعدونها. وبهذا يمكن للدول النامية كالمغرب والجزائر وليبيا وغيرها الاستفادة من هذه التقارير بمعرفة نقط ضعفها وقوتها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأيضا على مستوى الدمقرطة وصيانة حقوق الإنسان من أجل التخطيط لكيفية إنجاز تنمية حقيقية في كل المجالات. إلا أن ما يلفت النظر ويستوجب الاستنكار والرفض والتغيير هو "إصرار" بعض هذه التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها على تصنيف المغرب في خانة "العالم العربي" وتوصيفه بأنه "دولة عربية". فنقرأ في أحد التقارير مثلا عن تراجع حقوق الإنسان في "العالم العربي" ونجد أرقاما عن انتهاكاتٍ بالمغرب وليبيا مثلا. ونقرأ في تقرير آخر عن الصعوبات التي تواجهها التنمية البشرية في "العالم العربي" مرفوقة بإحصائيات عن نسب الأمية بتونس وموريتانيا وإحصائيات أخرى عن وضعية قطاع التعليم ووضع المرأة العاملة بالجزائر والمغرب وليبيا و... سوريا!!! هناك حتما خطأ مقصود أو غير مقصود تسبب في إدراج المغرب أو الجزائر أو ليبيا في خانة "الدول العربية" و"العالم العربي" لدى منظمة الأمم المتحدة. في حين أن الأمم المتحدة وجدت لحماية شعوب العالم من التمييز العرقي والقمع ومن أجل ضمان سيادة الأمن والسلام والمساواة بين الثقافات واللغات والشعوب وضمان كرامتها واحترام ثقافاتها ووقايتها من الطمس والتدمير. إلا أن الأمم المتحدة ومنظماتها تتجاهل عن غير قصد وجود الشعب الأمازيغي والثقافة الأمازيغية فتظن أن المغرب دولة عربية تنتمي إلى قارة خرافية اسمها: "العالم العربي". وإذا سألنا أنفسنا عن سر غياب اللغة الأمازيغية بالأمم المتحدة وضعف "الوعي الأممي والعالمي بالأمازيغية" فستتلخص أجوبتنا في 3 نقط: 1-سياسة الاستعمار الإسباني الفرنسي الإيطالي (الرومان الجدد) بشمال أفريقيا في خنق اللغة والثقافة الأمازيغية لصالح لغة المستعمر أولا ولصالح العربية ثانيا. فقد خرب الاستعمار الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين المقدرات الاقتصادية للأمازيغ وخلخل جزءا كبيرا من بنيتهم الاجتماعية ومنعهم من التعليم العصري لسبب رئيسي هو أنهم قاوموه وقاتلوه بالسلاح ولم يقبلوا بتدجين أنفسهم في محمياته المصطنعة. وبما أن جزءا كبيرا من النخب العربية أو المعربة في شمال أفريقيا قبلت بالتعامل مع المستعمر واندمجت في منظومته، فقد اعترف المستعمر الأوروبي بالعربية كلغة ثانية وسمح بتدريسها في الكتاتيب والمدارس الشعبية وباستعمالها في التعاملات الإدارية والقضائية في نفس الوقت الذي تجاهل فيه الأمازيغية كل التجاهل وبشكل متعمد، وذلك إمعانا في عزل الأغلبية الأمازيغية ومعاقبتها على نضالها ومقاومتها. أما اهتمام اللغويين الأوروبيين بدراسة اللغة الأمازيغية فكان غالبا يتم بشكل فردي يدفعهم في ذلك الفضول العلمي فقط. 2- مواصلة النخب العروبية التي تسلمت الاستقلال من الأوروبيين سياسة قمع الأمازيغية والتعتيم عليها إلى يومنا هذا. 3-العامل الثالث يتعلق بالدعاية الإعلامية والعلاقات العامة. فقد ساهم موظفو الأمم المتحدة الذين ينحدرون من أصول شرق أوسطية (لبنان، مصر، الأردن..) في الترويج لمصطلحات "العالم العربي" (The Arab World) و"الدول العربية" (The Arab countries) في أروقة الأمم المتحدة وثبتوا هذه المفاهيم في الوثائق المكتوبة والتقارير الموثقة والتصريحات الصحفية فأصبحت "حقائق طبيعية" لا غبار عليها خصوصا أن أي عمل ديبلوماسي أمازيغي كان غائبا في المغرب بعد الاستقلال وإلى الآن. وحتى المغاربة العروبيون والمعربون ظلوا يرددون، غالبا دون وعي، هذه المصطلحات العرقية اللاموضوعية في أروقة الأمم المتحدة مع المسؤولين وأمام الصحفيين. وإلى حد الآن ما زال موظفون ومسؤولون أمميون عرب ينحدرون من الشرق الأوسط يتولون مناصب لها علاقة بدول شمال أفريقيا، فيقومون بزيارات للمغرب يلتقون فيها الفعاليات المدنية المغربية ويتفقدون ويرصدون أوضاع التنمية البشرية والاقتصادية وحقوق الإنسان (باستثناء الحقوق الأمازيغية!!) ويكتبون تقاريرهم إلى الأمم المتحدة لتصدر في موعدها المحدد سنويا ولتخبرنا عن "وضعية العالم العربي"!!! وهكذا ترسخ لدى منظمة الأمم المتحدة تقليد تصنيف المغرب في خانة الدول العربية إلى جانب تصنيفه ضمن القارة الأفريقية وضمن الدول النامية والدول الفرنكوفونية...إلخ إلا أنه يجدر التذكير بأن الناشطين والمناضلين الأمازيغ من المغرب وليبيا والجزائر قد حصدوا مؤخرا بعض النجاحات المشجعة في إحدى مؤتمرات الأمم المتحدة بجنيف السويسرية حينما أفلحوا في لفت نظرها إلى وضعية اللغة والثقافة الأمازيغية في دول شمال أفريقيا والقمع البربري الذي تتعرض له الأمازيغية في ليبيا والمغرب والجزائر ومالي. فأصدرت الأمم المتحدة تقريرا ينتقد الانتهاكات التي يقترفها النظام الليبي في حق اللغة والثقافة الأمازيغية والأمازيغ الليبيين. ودون أن ننسى التوبيخ الذي استمع له وزير العدل المغربي محمد بوزبع من الأمم المتحدة حول سوء وضعية الأمازيغية بالمغرب والتوصية الأممية التي نصت على ضرورة الاعتراف الفوري بالأمازيغية لغة رسمية من طرف الدولة المغربية في أقرب تعديل دستوري مغربي وهو الشيء الذي لم تنفذه المملكة المغربية لحد الآن. لقد حان الوقت لكي توحد الجمعيات الأمازيغية المغربية من جهودها بالتعاون مع الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي والكونكريس الأمازيغي العالمي نحو السعي لدى الأمم المتحدة في قلب نيويورك من أجل أن تقوم بالتشطيب النهائي على المغرب ودول شمال أفريقيا من قائمة الدول العربية وأن تعاملها كدول أفريقية على قدم المساواة مع نيجيريا والسنغال و الكونغو. ومن المهم أن نشرح للأمم المتحدة أننا نفضل بل نريد أن تصفنا الأمم المتحدة في تقاريرها ونشراتها كأفارقة دون الإشارة لقومية عربية ولا بردقيزية. فالأمم المتحدة لا تنشر أبدا أي تقرير حول التنمية البشرية في الدول الأنكلوساكسونية ولا أي تقرير حول حقوق الإنسان في الدول الفرنكوفونية ولا عن الوضع الغذائي في الدول الإسبانوفونية! إن المنظمة الأممية تعامل كل مناطق العالم على أساس جغرافي بحت باستثناء منطقة شمال أفريقيا التي تلحقها بكائن هلامي خرافي اسمه "العالم العربي" يسبح نظريا بين قارتي أفريقيا وآسيا. هذا ما يجب أن يتغير بسرعة.كيف يمكن إقناع الأمم المتحدة بتجنب معاملة المغرب كدولة عربية؟ إن إقناع الأمم المتحدة بهذا يمكن فقط عن طريق التسلح بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن حفظ الحقوق اللغوية والثقافية لجميع شعوب الأرض. ويأتي بعد ذلك تبيان الحقائق اللغوية والتاريخية والحضارية والديموغرافية للمغرب ولبقية دول شمال أفريقيا. وبما أن ميزانية الأمم المتحدة تأتي مباشرة من أموال وموارد شعوب العالم ومنها شعب شمال أفريقيا الأمازيغي، فإن هذا الشعب يتوقع من الأمم المتحدة احترام لغته وثقافته الأمازيغية والاعتراف بهما وإدماجهما في المنظمة الأممية وبرامجها وأنشطتها. وأيضا يتوقع منها تجنب تصنيف المغرب ضمن كيانات عرقية عنصرية أجنبية مثل "العالم العربي" أو كيانات ثقافية استعمارية أجنبية مثل "الدول الفرنكوفونية". إن شعب شمال أفريقيا الأمازيغي يتوقع ويريد من منظمة الأمم المتحدة اعتباره شعبا أفريقيا ينتمي جغرافيا وحضاريا إلى قارة أفريقيا. أما إذا كانت مسألة اللغة والثقافة والعرق مطروحة للنقاش فعلى الأمم المتحدة أن تحاول أن تكون موضوعية أكثر وتعتبر المغرب والجزائر وليبيا وغيرها بلدانا أمازيغية لأن هذا تمليه حقائق تاريخية حية يبلغ عمرها أكثر من 5000 سنة. إن الأمم المتحدة هي المنظمة الأكثر حيادا ومصداقية في العالم التي يمكن أن تستمع لمطالب الأمازيغ بعد أن اتفقت أنظمة شمال أفريقيا على معاداة الأمازيغية وحصارها رغم اختلاف هذه الأنظمة فيما بينها في كل شيء آخر. أما فرنسا (صديقة العرب) فمصالحها متحدة مع أنظمة شمال أفريقيا التي تنشر وترعى الفرنسية والفرنكوفونية بقدر ما تنفخ في العروبة والقومية العربية. وبالتالي لا يمكن لفرنسا، الحريصة على نفوذها وأسواقها في المنطقة، إلا أن تنظر بعين القلق والرهبة نحو الأطروحة الأمازيغية التي تسائل الوجود الفرنسي العربي بشمال أفريقيا في حد ذاته. يجب على الفاعلين الأمازيغ في شمال أفريقيا والشتات أن يسعوا نحو إدخال الأمازيغية كلغة معتمدة في الأمم المتحدة مثلها مثل اللغة الإندونيسية أو البلغارية أو الإيطالية. كما أنهم مطالبون بأن يقنعوا الأمم المتحدة واليونسكو بتخصيص تمويل مناسب لبرامج تدريس اللغة الأمازيغية ونشر الكتب الأمازيغية بشمال أفريقيا وأن تشرح لها بأن الحكومة المغربية لا توجد لديها نية صادقة وحقيقية في تدريس جاد وشامل للغة الأمازيغية. ونفس الشيء ينطبق على الحكومة الجزائرية. أما النظام الليبي فلم يصل بعد إلى مرحلة "تخيل" تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس. وزيادة على ذلك هناك الخطر الماحق الذي يهدد اللغة الأمازيغية وهو حملة محو الأمية بالمغرب التي تستهدف محو اللغة الأمازيغية واستبدالها بالعربية والفرنسية. إن الأمم المتحدة تصرف أموالا كثيرة على محاربة المجاعة والأمراض وحماية اللغات والثقافات المستضعفة. وإن العربية نفسها تستفيد من برامج اليونسكو الثقافية والتربوية. إذن فاللغة الأمازيغية لأحوج اليوم إلى يد العون من الأمم المتحدة واليونسكو لكي تقف في وجه تسونامي التعريب والفرنسة المتوحش الذي لن يهدأ له بال حتى يجرف الأمازيغية من أرض تامازغا.
|
|