|
افتتاحية: ميليشيات من "الجانجويد" بالجامعات المغربية بقلم: محمد بودهان "الجانجويد" ميليشيات أعرابية مسلحة ومتخصصة في تصفية السكان الأصليين، أي غير الأعراب، بمنطقة "دارفور" بالسودان، وذلك لحساب حكام الخرطوم الأعراب، الذين يدعمون ويسلحون ويحمون هذه الميليشيات من القتلة والمجرمين. ولشدة ما تسببه هذه الميليشيات من رعب وفزع وترهيب للسكان الأصليين، فقد سماهم هؤلاء بـ"الجانجويد"، أي الشياطين (الجان) التي تمتطي جيادا. وقد أصبح أمر المجازر التي ارتكبها هؤلاء "الجانجويد" في حق سكان "دارفور" معروفا لدى الجميع في العالم. مما جعل مجلس الأمن بالأمم المتحدة يفكر في التدخل العسكري لحماية سكان "دارفور" وتقديم المسؤولين عن تلك المجازر، بما فيهم حكام الخرطوم، إلى المحكمة الجنائية الدولية TPI. لا يوجد بالمغرب ـ على الأقل حاليا ـ "جانجويد" على الطريقة السودانية، أي ميليشيات أعرابية مسلحة مهمتها إبادة السكان الأصليين، أي الأمازيغ. لكن كان يوجد دائما، وخصوصا منذ الاستقلال، "جانجويد" إيديولوجي ثقافي ولغوي، يرمي إلى القضاء على الأمازيغيين، ليس كوجود فيزيقي، بل القضاء عليهم كهوية ولغة وثقافة وتاريخ. وهو ما نجح فيه هذا "الجانجويد" الثقافي اللغوي إلى حد بعيد من خلال سياسة التعريب الإجرامية التي نهجتها الدولة العروبية بالمغرب غداة الاستقلال. لكن يبدو أن الأمور في طريقها إلى التحول من مجرد "جانجويد" ثقافي ولغوي إلى "جانجويد" حقيقي ومسلح بدأ يظهر ببعض المواقع الجامعية بالمغرب في الشهور الأخيرة، بغرض محدد هو القضاء على الطلبة المنتمين إلى الحركة الثقافية الأمازيغية، كما حصل ذلك في كل من جامعات تازة وأكادير وفاس ومراكش والدار البيضاء ومكناس و"إيمطغرن" (الرشيدية)... حيث أصبح الطلبة الأمازيغيون "أهدافا عسكرية" لميليشيات "الجانجويد" المكونة من بقايا البعثيين القوميين من قاعديين ومتياسرين، أي حاملي الفكر القومي الشمولي الذي يرفض الحق لمن يختلف عنه ومعه بالعيش بجانبه. هذا "الجانجويد" الجامعي المغربي الجديد لا يختلف عن "الجانجويد" السوداني الأصلي، سواء في الأهداف أو الوسائل، إلا في الدرجة وليس في الطبيعة: ـ فهو مثل "الجانجويد" السوداني، تحركه إيديولوجيا قومية أعرابية عنصرية معادية لكل ما هو أصلي أمازيغي. ـ وكما أن "الجانجويد" السوداني ينظر إلى السكان الأصليين لـ"دارفور" غير الأعراب كعدوه الأول تجب إبادتهم والقضاء عليهم لأنه ذو إيديولوجيا قومية أعرابية عنصرية، فكذلك "جانجويد" الجامعات المغربية ينظر إلى الطلبة الأمازيغيين كعدوه رقم واحد تجب محاربتهم لأنهم يختلفون عنه هوية وانتماء، وبالتالي فكرا وإيديولوجيا كذلك، وهو الذي لا يؤمن بالاختلاف والتعدد، ولا يقبل إلا ما كان واحدا ووحيدا لا تعدد فيه ولا اختلاف انسجاما مع فكره القومي البعثي الستاليني المتياسر. ـ مثل "جانجويد" "دارفور" المرتبط بحكومة الخرطوم التي تدعمه وتسلحه وتحميه، فكذلك "جانجويد" الجامعات المغربية يرتبط، ولو بطريق غير مباشر، بأصحاب الإيديولوجية العروبية المهيمنة بالمغرب، الذين يلتقي معهم في العداء للأمازيغية كعدو مشترك لكليهما. فإن لم يكن هناك تمويل ولا تسليح مباشر من طرف أصحاب هذه الإيديولوجيا "للجنجويد" المغربي كما في السودان، فهناك، وربما هذا أخطر، تمويل وتسليح إيديولوجييان لهذا "الجانجويد"، ينميان لديه الحقد على كل ما هو أمازيغي، ويحرضانه على محاربة مناضلي الحركة الأمازيغية بالجامعة المغربية. ـ وكما أن لا واحدة من الدول العربية نددت بما يجري في "دارفور"، وفي ذلك تضامن معلن منها مع الحكومة الأعرابية للخرطوم، فكذلك بالمغرب، لم يندد أي حزب ولا أية منظمة حقوقية بما يتعرض له الطلبة الأمازيغيون من اعتداء من طرف ميليشيات "الجنجويد" ببعض الجامعات، لأن هذه الأحزاب والمنظمات كلها عروبية تشترك مع ميليشيات "الجانجويد" العروبية في عدائها لكل ما هو أمازيغي. وفي الوقت الذي كان فيه على السلطات أن تتدخل لحماية الطلبة الأمازيغيين من ميليشيات "الجانجويد" المغربي، اكتفت بالتفرج دون تقديم مساعدة لأشخاص في خطر، في نوع من الحياد السلبي يطرح أكثر من سؤال، ولم تحرك ساكنا إلا عندما تعلق الأمر بمداهمة مساكن الطلبة الأمازيغيين واعتقالهم لتقديمهم للمحاكمة. مع العلم أن ميليشيات "الجانجويد" تحالفت في بعض الجامعات مع الطلبة الصحراويين لتشكيل جبهة "جانجويدية" قوية وموحدة لمحاربة الطلبة الأمازيغيين. هذا دون الكلام عن الاستفزاز المتعمد للطلبة الأمازيغيين، وذلك بتسميتهم بـ"أولاد الشليحات"، وبالدوس على علم/رمز الأمازيغيين والبصق عليه ووضعه بجانب العلم الإسرائيلي تأكيدا من "الجانجويد" الصغار أن عداءهم للأمازيغيين هو في نفس مستوى عدائهم لأسرائل، وكل ذلك على مرأى ومسمع من السلطات وإدارة الجامعة. وعلى ذكر إسرائيل، أقول لهؤلاء "الجانجويد" الذين يقارنون، كأقصى شتم وتحقير للأمازيغ في رأيهم القاصر والغبي، الحركة الثقافية الأمازيغية بإسرائيل، أقول لهم بأن هذه المقارنة مفخرة لهذه الحركة لتشبيهها بإحدى أكثر الدول ديمقراطية وعدلا وتقدما وقوة في العالم، تعتمد العقلانية والعلم والديموقراطية في تخطيطها لمستقبل شعبها، بدل الاستبداد والطغيان والغوغائية والتكفير ومشاعر الكراهية والاستعلاء على الآخر كما في الديكتاتوريات البعثية والتيوقراطية بالمشرق العربي، والتي تشكل الغذاء الروحي والأيديولوجي "لجانجويد" الجامعات المغربية. ومن مكر الصدف، أنه في الوقت الذي كان فيه "الجانجويد" القاعدي المتياسر يمارس اعتداءاته على الطلبة الأمازيغيين، كان السيد عمر حسن البشير، رئيس جمهورية السودان، المسؤولة عن المجازر العنصرية التي اقترفها "الجانجويد" بـ"دارفور"، يُستقبل في المغرب بالترحاب الحار كصديق حميم وأخ شقيق، وهو المنبوذ من طرف المجتمع الدولي الذي يتهيأ، من خلال مجلس الأمن، لإرسال وحدات من القبعات الزرقاء لحماية سكان "دارفور" وتقديم المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في حق هؤلاء السكان إلى المحكمة الجنائية. فهل جاء ماس عمر حسن البشير إلى المغرب، في هذا الوقت بالضبط، لتقديم نصحه الثمين للسلطات حول كيفية التعامل مع السكان الأصليين، مقترحا نموذجه "الجانجويدي" المطبق بنجاح منقطع النظير على السكان الأصليين بـ"دارفور"؟ ومن عجيب الصدف الأخرى، التي لا مكر فيها هذه المرة وقد لا تكون فيها صدفة كذلك، أنه في نفس الوقت الذي كان "الجانجويد" البعثي القاعدي بالجامعات المغربية "يناضل" في "أبناء الشليحات"، كان هناك استدعاء للأستاذ عبد العزيز الوزاني، رئيس جمعية أوزكان للتنمية ببويزكارن، للحضور يوم 09 ـ 07 ـ 2007 إلى المحكمة الابتدائية بكلميم لمحاكمته بتهمة تمجيد عهد السيبة والتشكيك في السيادة الوطنية، استنادا إلى ما قاله في محاضرة كان قد ألقاها في ندوة دولية نظمتها العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان والكونغريس العالمي الأمازيغي وجمعية اوزكان للتنمية حول الحقوق المرتبطة بالأرض. بغض النظر عن لاقانونية التهمة وخلفيات تحريك المتابعة من طرف المافيا العقارية بالمنطقة، فإن الذي يهمنا في هذه المحاكمة الغير المسبوقة والفريدة من نوعها، سواء فيما يتعلق بموضوعها أو نوعية الأشخاص (ناشط أمازيغي ومناضل حقوقي) المتابعين فيها، ما يهمنا عنصران: ـ في الوقت الذي يعرف فيه المغرب تقدما ملموسا على مستوى حرية التعبير والرأي، التي أصبحت تطال طابوهات كان مجرد ذكرها يعرض من قام بذلك لسنين من السجن، وفي الوقت الذي يطالب فيه المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية بإلغاء فصول المتابعة المرتبطة بـ"المقدسات" لتوسيع مجال حرية الرأي والتعبير، تأتي محاكمة الأستاذ الوزاني لتشطب على كل ما تحقق فيما يتعلق بالحريات العامة، لترجع بنا هذه المحاكمة إلى عهد قطع الألسن حتى تصمت ولا تتكلم، وهو تراجع خطير، وخطير جدا، يكشف أن المغرب بقدر ما يتقدم خطوة إلى الأمام يتراجع خطوتين إلى الوراء. ـ إن هذا التراجع في حرية الرأي والتعبير لم يجد مجالا يطبق فيه ـ وهل هي مجرد صدفة؟ ـ إلا مجال الحقوق الأمازيغية، في شخص الأستاذ الوزاني الذي دافع في محاضرته عن حقوق الأمازيغ في أرضهم التي انتزعت منهم وفي ثرواتهم التي استحوذ عليها. وهذا المس بحرية الرأي والتعبير فيما يخص الأمازيغية، يشكل قهقرة، ليس إلى ماي 1994 عندما حوكم مناضلو جمعية "تيليلي" لرفعهم في تظاهرات فاتح ماي لافتات يطالبون فيها بدسترة اللغة الأمازيغية، بل إلى بداية الثمانينات (1981 ـ 1982) عندما حوكم المرحوم علي صدقي أزايكو بسبب عبارة "الغزو العربي لشمال إفريقيا" التي كتبها في أحد مقالاته. نلاحظ إذن، من خلال محاكمة السيد الوزاني، إلغاءً لأزيد من ربع قرن منحت فيه أشياء كثيرة للأمازيغية، وعلى رأسها إنشاء "ليركام" وتدريس اللغة الأمازيغية وإعطاؤها حصصا في التلفزة... إذن بجرة قلم في شكاية كيدية ضد الأستاذ الوزاني، يتم القفز على كل هذه المكاسب لنعود إلى نفس ظروف محاكمة أزايكو في 1981، كأن الزمن توقف والتاريخ يعيد نفسه، ولتتجدد مع ذلك المواجهة بين الحكم والحركة الأمازيغية مرة أخرى بعد كل ما قيل وكتب عن المصالحة بينهما. إن مجرد تقديم السيد الوزاني للمحاكمة بسبب ما قاله عن الحقوق الأمازيغية المرتبطة بالأرض، يكشف أن هناك رغبة في قطع الألسن الأمازيغية التي ربما بدأت تبدو للبعض من أصحاب القرار أنها أصبحت "طويلة" عندما تطالب بحق الأمازيغيين في أرضهم ومائهم ومعادنهم وغاباتهم وثرواتهم. فماذا تعني هذه المحاكمة؟ تعني أن خطاب المصالحة مع الأمازيغية ورد الاعتبار لها ليس إلا خطابا من نوع خطابات الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي بعد أن استقبل لمرتين وفدا من الكنكريس العالمي الأمازيغي وعبر له عن استعداده للاعتراف بحقوق الأمازيغيين في ليبيا ورد الاعتبار للهوية واللغة والثقافية الأمازيغية، أعلن بعد ذلك أن الأمازيغيين غير موجودين، وإذا كانوا موجودين فهم خونة تجب تصفيتهم. نفس الشيء في المغرب: هناك اعتراف بالحقوق الأمازيغية كمجرد خطاب وكلام فقط، لكن إذا طالبت بهذه الحقوق فستصبح مجرما تقدمك النيابة العامة إلى المحاكمة باستدعاء مباشر. هذه صدف من النادر أن تجتمع وتلتقي كلها في وقت واحد، لأن ذلك قد يحولها من مجرد صدف إلى مخطط مدبر وبرنامج مسطر. فبجانب هجمة "الجانجويد" البعثي القاعدي على الطلبة الأمازيغيين ببعض الجامعات المغربية، هناك محاكمة "أمازيغية" من نوع فريد، التهمة فيها تمجيد عهد السيبة، أي تمجيد عهد سيادة القبائل الأمازيغية على أراضيها وثرواتها، وهو ما لا ينبغي تمجيده ولا الدعوة إليه، لأن ذلك يعني المطالبة بعودة السيادة إلى أصحابها الشرعيين. ومن هنا يجب ردع كل من يمتدح ذلك العهد ويدعو إلى العودة إليه، أي العودة إلى السيادة الأمازيغية. هذه محاكمة خطيرة ـ وخطيرة جدا كما قلت ـ في مدلولها وغاياتها لأنها تعني أن كل أمازيغي قد يصبح غدا مهددا بالمحاكمة إن هو طالب بحقوقه ودافع عنها أو فضح انتهاكها. ولهذا ينبغي على كل أمازيغي، وعلى كل مناضل يدافع عن الحق في حرية التعبير والرأي، أن ينهض لمساندة الأستاذ الوزاني والتنديد بمحاكمته الجائرة. أشرنا إلى أن مجلس الأمن يعتزم محاكمة المسؤولين عن مجازر "دارفور" وإرسال القبعات الزرقاء Casques bleus لحماية سكان "دارفور" من "الجانجويد" المجرمين القتلة. وإذا استمرت هجمات "الجانجويد" المغربي على الأمازيغيين داخل الجامعات، والتضييق عليهم خارجها بمحاكمات ملفقة ومبنية على تهم سريالية كما في حالة الأستاذ الوزاني، تعصف بكل ما يقال عن رد الاعتبار للحقوق الأمازيغية، ودون أن تتدخل السلطات لحماية الأمازيغيين ووقف تلك الهجمات ووضع حد لذلك التضييق، فإن الأمازيغ، بدورهم، يكون لهم الحق الذي تضمنه المواثيق الدولية، في مطالبة الأمم المتحدة بحمايتهم عن طريق إرسال قبعات زرقاء إلى الجامعات المغربية لوقف اعتداءات "الجنجويد" البعثي القاعدي ضدهم.
|
|