|
من مؤسسة المثقف إلى مثقف المؤسسة: المعهد الملكي وصورة المجد الموهوم بقلم: محمد زاهد لقد أثار الإعلان عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الكثير من المواقف والنقاشات والسجالات الحامية الوطيس التي حاولت ملامسة مختلف الجوانب المتعلقة بهذه المؤسسة، وما مدى استجابتها لطموحات الحركة الأمازيغية وكذا قدرة هذه المنشأة المخزنية على تلبية مطالب إيمازيغن بالمغرب، لا سيما بعد أن تصاعدت وتيرة نضالاتهم واحتجاجاتهم. واليوم، بعد مرور أربع سنوات على تأسيس هذه المؤسسة، وبعدما اتضحت بالملموس طبيعة الأدوار المنوطة بها و”الإنجازات” التي ظل أهل المعهد يروجون لها، أصبح يطرح بشدة سؤال الحصيلة، أو بالأحرى، سؤال “الحصلة” التي وقع فيها “ليركام” (مع قابلية تبديل الميم تاء). إن أهم ما يثيره سؤال الحصيلة، هو ما يتعلق بجانب طبيعة المعالجة الرسمية لسؤال الأمازيغية من خلال تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من طرف الدولة المغربية، كآلية عمدت إليها من أجل تكريس التدبير الرسمي والمخزني للأمازيغية وإفراغها من محتواها الحقيقي والجذري عن طريق ممارسة “التنويم الإركامي” باختيار نخبة على مقاسات محددة ومعينة كطرف في مسلسل “التسوية الثقافية” و”التوافق الثقافي” حول القضية الأمازيغية، التي تستوجب معالجة سياسية شجاعة ورائدة بعيدا عن كل أشكال الاحتواء والتطويع والاستقطاب. وإذا كان المعهد يشكل بالنسبة للبعض “إنجازا عظيما” و”مكسبا تاريخيا”، فإن الواقع أثبت أن هذا المكسب المزعوم يدخل ضمن إستراتيجية الاحتواء وتجفيف منابع نضال الحركة الأمازيغية كرهان للدولة قصد تثبيت خيار التعامل والمعالجة الثقافوية لهذه القضية لإقبار وطمس معالم جوهر الإشكالات الحقيقية التي تثيرها الأمازيغية بالمغرب. ومن بين هذه الإشكالات، نذكر ما يتعلق بمأسسة الأمازيغية من خلال مؤسسات وطنية فعلية، ليست بصيغة مؤسسة المعهد، تستمد روحها من قواعد قانونية تؤسس لسلطة التفعيل والإلزام. ولعل أبرز تساؤل يطرح في هذا الصدد، هو: لماذا أقدمت الجهات الرسمية على تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يكلف الدولة الملايير، وترفض ترسيم ودسترة الأمازيغية كمطلب جوهري والذي لا يكلف ولو سنتيما واحدا؟. إن الجواب الذي يغيب عن بال العديد من أهل المعهد ومثقفيه ونخبته الذين يحاولون خلق صورة المجد الموهوم، ومنهم “قيدوم المناضلين” و”العقل الأمازيغي” المعروف، هو أن المعهد ككل المؤسسات المخزنية الأخرى التي لا تخفى وظائفها والأدوار المنوطة بها وكذا طبيعة الإستراتيجية التي تدخل في إطارها. وفي هذا الصدد، لا بد من الوقوف عند ما أصبح يروج له من طرف بعض الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم كـ “محامين” للمعهد من قبيل القول بأن هذه المؤسسة لها “دور في الحياة السياسية والثقافية” وأن حصيلتها “ذات أبعاد سياسية وإستراتيجية” وهي “مؤسسة لتدبير الشأن الثقافي، ووضع الأسس والمبادئ الأساسية لتدبير الشأن الأمازيغي” ( إبراهيم أخياط، صوت الناس، 21-06-2006). لقد أصبح التباهي بتأسيس المعهد الملكي وما حققه من “إنجازات” واستهلاك الخطابات الرسمية حول ما اعتبر “ قرارا تاريخيا”، هو الهم الأساسي لأعضاء ومثقفي “ليركام”، كما أصبح خطاب أجدير والظهير المؤسس للمعهد، المرجعية الأساسية لهؤلاء وليس أدبيات الحركة الأمازيغية المعروفة منذ بداية مسلسل النضال الأمازيغي. والشيء الأخطر في كل هذا، ما ذهب إليه “محامي” المعهد حينما يربط بين مختلف مكونات الحركة الأمازيغية والمعهد الملكي، وكأن هذا الأخير واجهة من واجهات نضالات إيمازيغن في معركتهم من أجل تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة. (أحمد عصيد، العالم الأمازيغي، ماي 2006). إن من يشتغل من داخل فضاء جلباب المخزن، وفي نفس الوقت ينادي بتعديل الفصل 19 من الدستور، يبدو وكأنه يتقن لعبة ازدواجية الخطاب. وعلى ذكر هذه النقطة بالذات، لم يعد مفهوما ولا مستساغا القول، تارة، بأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مؤسسة أكاديمية وعلمية لا يسمح وضعها بالخوض في الأمور ذات الارتباط بما هو سياسي، وتارة أخرى، نجد أن نفس المؤسسة العلمية والأكاديمية تخوض في أمور هي أعمق مما هو سياسي وليست من اختصاص مثل هذه المنشآت! إن الموقف من “ليركام” ليس وليد لحظة معينة فقط، بل هو موقف مبدئي من الفكرة أصلا، ولا يتعلق بجانب معين في مؤسسة المعهد، مثل تشكيلة المجلس الإداري أو صلاحيات هذه المنشأة أو معايير التعيين...، ومن هذا المنطلق فلا يمكن أن نقبل بمثل الأفكار التي تقول بأن “المعهد وسيط بين الحركة الأمازيغية والسلطة”، وكأن النباهة السياسية لدى أصحاب هذا القول تتحدد بالارتماء في أحضان المخزن من خلال مؤسسات تفتقد لكل مقومات الشرعية والمشروعية. وإذا كان الحاصل هو العكس، فإن مدة أربع سنوات من العمل واستهلاك الميزانيات والخطابات تسعف رجال المعهد في رصد وتعداد حصيلة المنجزات، خاصة على مستوى التعليم والإعلام وهي القطاعات التي ما فتئ يقال بأن إدماج الأمازيغية فيها يصطدم بـ”جيوب المقاومة”، في وقت نجد فيه عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفي أوج الاحتجاج ضد سياسة المسؤولين بقطاع التربية والتعليم، يقول: “نحن راضون عن إدماج الأمازيغية ضمن المنظومة التربوية” (أحمد بوكوس في تصريح خلال نشرة الأخبار الزوالية ليوم 13/07/2004). فأين هي، إذن، حصيلة إدماج الأمازيغية في الفضاء الوطني والاجتماعي والثقافي؟ لقد بات من الواضح أن تأسيس “لإركام” وفعل المؤسسة بهذه الصيغة، كان من أجل هدف احتواء المطالب الأمازيغية وتجزيئها وكسر شوكة الحركة الأمازيغية وليس من منطلق تمكينها من وسائل رد الاعتبار، خاصة وأن أهل المعهد هم أول من يعلم بأنه في غياب حماية قانونية لا يمكن أن نتحدث عن أي مستوى من مستويات التصالح مع الذات. وعليه، فإن ما يسمى ب”المقاربة الاندماجية” وشعار “التشارك الأمازيغي” مجرد أقنعة لأدوار وظائفية يلعبها المعهد، كصوت المخزن ضد ضمير إيمازيغن، جاء الإعلان عنه في وقت كانت فيه وتيرة النضال الأمازيغي بالمغرب تسير وفق خطوات ثابتة نحو صنع ملحمة نضالية. وهكذا جاء “ليركام” كخطة لإقبار هذا الملف وتحوير مسار نضالات الحركة الأمازيغية، وهو الفتات – المعهد - الذي قبلت به النخبة على حساب القاعدة الجماهيرية، وتبين أن هذه الفئة كانت تتربص وتنتظر اللحظة المناسبة، بدليل أنها عرفت كيف تقطف وتجني ثمار الحركية والنضال الأمازيغي الاحتجاجي وتوسع دائرته، مثلما حدث مع الإعلان والاستعداد لتنظيم مسيرة “تاوادا” التي أقبرت، ولا أحد من أولئك مستعد لأن يسير في “تاوادا” أخرى أو أن يصنع ملحمة المسيرة المليونية لإيمازيغن كمشروع مجهض، وبذلك ظهرت حمى الوصولية والانتهازية على حساب تضحيات المناضلين الحقيقيين ونضالاتهم، حتى أصبحت صورة هؤلاء واضحة للعيان. إن الحركة الأمازيغية قوية بذاتها، وإذا ما عرفت نوعا من الفتور أو الجمود فذلك طبيعي بالنسبة لحركة تأخذ على عاتقها مهام كبرى، ولا يمكن لأي مخطط أن ينال منها. أما المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فلن يتجاوز حدود ما هو مرسوم له من طرف مهندسيه وهو يحمل الفشل في ذاته. أما المقاربة التي يحملها فلن تختلف في شيء عن المقاربات المخزنية الأخرى تجاه العديد من الملفات والقضايا التي ظلت عالقة، وهي المقاربات التي وجدت موقعا لها لدى نماذج من مثقفي المؤسسات الذين يسخرون أنفسهم لخدمة قضايا ورهانات السلطة بدل خدمة القضية ـ المبدأ. وفي انتظار أن تنتزع الحركة الأمازيغية كل مطالبها العادلة، وفي مقدمتها ترسيم الأمازيغية داخل دستور ديمقراطي، يبقى المعهد الملكي صورة من صور مخزنة هذه القضية على غرار المجد المزعوم والموهوم الذي يدعيه أشباه المناضلين والمثقفين.
|
|