|
Biqcha ماتت مبتسمة: قراءة لشخصية بطلة رواية «être ou ne plus être» للراحل محمــد بحــري بقلم : بحـاج عسـو توطئــــــــة: تحمل رواية être ou ne plus être (نكون أو لا تكون) لمحمد بحري، والتي تدور أحداثها بأعالي الأطلس، كما تتوسع دائـرة تلك الأحداث وتنقـلات أشخاصها لتمتد إلى السهـل فـي معاناة يومية مـع متطلبات الحياة، بكـل أفراحها و مسراتها، أحـزانها و آلامها... شخـوص بسطاء يعتمـدون للحصـول على قـوتهم اليومـي على وسائـل بدائيـة موغلـة في القـدم، و يقطنون أكواخا مفتوحـة على الهـواء الطلـق بلا أبـواب ولا نوافـذ. يتمسكـون بأعرافهم المحلية في الحياة والممات، أمغـار، مجلس إجماعن، مرونـة البنيـات الاجتماعيـة وبساطة الحياة في Imi n taghzut (Imi يعني الفم وtaghzut : الولجة، والولجة عادة ما تكون خصبة، لكنهم يعيشون الفاقة والحرمان)، تضامن الناس فيما بينهم... كما تشير الرواية إلى جملة من القضايا من بينها: ـ الجنس (الدعارة) كوسيلة امتهنت للحصول على لقمة العيش من قبل بعض الفتيات المنحدرات من إدرار وغيره، في مواخير: Casa, Oued zem, Settat.... ـ قسـاوة سنيـن الحـرب ضد المستعمـر، وبسالـة المحـاربيـن بالجبـل و استماتتهـم لحمايـة الأرض والوطن، يقابله جبن كمشة من الانتهازيين الخونة، الذين عاونوا المحتل الغاشم ليحصل على ثروات هائلة، مقابل فتات جنوه من الاتجار في السوق السوداء في كل شيء حتى القيم الإنسانية. كما اعتمد الكاتب جملة من المعايير أثناء إنجازه عمله تتجلى في: ـ اعتماد الشخـوص البسيطة فـي التعبيــر عـن قضايا كبــرى وساخنــة من قبيـل التمسك بالأرض والاستماتة في الدفاع عنها بوسائل بدائيـة أمام مغتصب يستعمل أعتى الأسلحة، وكذا التمسك بالهوية tamagit والطقوس والتقاليد والحياة التي حيوها واللغــة التي لا يعرفــون الحياة بــل وحتى الموت بدونها. ـ إبراز دور هؤلاء البسطاء في صنع تاريخ الوطن، هؤلاء الذين لا تسلط عليهم أضواء المبدعين والكتاب مخافة الفشل والإحباط في العمل، وهذه جرأة كبيرة من الذي خاض هذه المغامرة مقتنعا بما يفعل. ـ الإسهاب في وصف التفاصيل الجزئية، بكل دقة ومهارة مما يدل على خصوبة معرفته بحياة هؤلاء البسطاء وبلسانهم وأشعارهم، طقوس أعراسهم، ووشم النساء، والوسط الذي يعيشون فيه: الغابة، المجاري المائية، المراعي، الثلوج، الطيور... تمهيـــــــــد تتصل بطلة الرواية بعلاقات حميمية وإنسانية عميقة، بكل أفراد الجماعة التي تنتمي إليها بدء من ساكنة imi n taghzut وانتهاء بأهل القرى الجبلية المحيطة به، أي أعالي جبال الأطلس، وبالوسط الذي تحيى داخله، بما فيه الجبال، الغابة، أشجار الأرز و الزيتون... المجاري المائية Ighbula d ighazaan، الفراشـات، الحيوانـات الأليفـة التـي كانـت ترعاهـا، كلبتها Zizawt، حيوانـات الغابـة، المطـر، الثلــج والشمس الدافئة، نهار وليل Imi الدافئ وحتى المقبرةIsandal التي تشكل خزانا للذاكرة الجماعية لأهلها. تكره العنف، عنف الرجال، تكره حياة الزاوية وليلتها الخالية من كل حس إلا... تكره الرجل الذي يستبيح جسد المرأة دون رضاها، تكره الأغبياء! تكره أيضا الفرنسي المستعمر الذي شرد أهل الأطلس، وتحقـد على كل مـن يعينهم على ذلك. Nannabi متيمة بقيم الجبل وعاداته وبليالي Imi الدافئة، مولعة بأغاني الجبل: Tamawayt, Izlan, ahidus... تحب هؤلاء البسطاء، الذين يحيون في بساطة تامة، هـؤلاء المتشبثون بأعرافهـم التي توفــر لهم الأمــن والطمأنينة والاستقرار. أمغار يتم استبداله كل عام، ومجلس إجماعن، حيث المساواة هنا في كل شيء، لا يؤثر فيها الفارق المادي أو الثروة... تعشق تمازيغت وقيمها التي ترسخت على أرضها منذ ماض سحيق لا تعلم له بداية، منذ أن وجد أول إنسان هنا.. تكره كما قلت آنفا: المستعمر وأعوانه الذين يعيثـــون في الأرض فسادا، هؤلاء الذين يغتنون من الاتجار في الخمور والسجائر، وحتى في أجساد النساء. الذين يتاجرون بالسلع الضرورية لحياة الإنسان في السوق السوداء غير آبهيــن بمستقبــل هــذا الكائــن ولا بكرامتهّ، تعشق الوطن حتى النخاع، فالوطن للجميع رغم أنها لا تملك بطاقة تعريف أو شهادة مقاومة باسلة! عندما يوقفها دركي وهي في سفر ويسألها عن بطاقة هويتها، تسخر منه ضاحكة، وهي محقة في ذلك، وهل يحتاج هذا الجسد الأطلسي الموشوم بحروف تيفناغ إلى بطاقة لتعرف به؟ كيف يسألها وهي ابنة رجل شجاع∗ قاوم الفرنسيين ببسالة تامة حتى مات وولج زمرة الشهداء الأحياء الذين هم عند ربهم يرزقون؟ امرأة عبقرية رغم أنها لم تلج المدارس يوما ما، التي اختص بها أبناء النخبة المحظوظة.. فيلسوفة عظيمة هذه المتمردة الشمطاء ذات الجسد النحيف كما يدل على ذلك اسمها، تحمل أفكارا عظيمة.. العجــوز التي خبرت حياة المواخيــر، تعرف الكثيــر عن الحضارة الأوربيــة، دون أن تسافــر إلى فاس أو باريس! دون أن تقرأ عنها في الكتب لبلزاك Balzac أو Victor hugo، دون أن تأكل في صحون نابليون أو تشرب كأسا من النبيذ المعتقة في باريس! دون أن يهديها أحدهــم وردة وهــو يقبل يدهــ ! دون أن تلبس الحذاء ذا الكعب العالي! لقد تعلمت الشيء الكثير في الماخور، عرفت من أين تؤكل الكتف، رغم أنها لم تجد أمامها طوال حياتها سوى البادنجان! بطلـــــة الروايـــة Biqcha ولدت Nannabi بـ Imi n taghzut مع قدوم المستعمر إلــى الأطلس ما بيــن 1923 و 1927، نمت وترعرعت وشبت وهرمت وماتت بـ Imi.Nanna Bi (tadjalt) شخصية عبقرية رغم أنها لم تلج المدرسة يوما، لم تتعلم لا القراءة و لا الكتابة، لكنها تعلمت الكثير في المواخير: Oued zem ; Bousbir (casa) ... لها معرفة وخبرة واسعة بشؤون الحياة، باللسان والأعراف بالثقافة، Biqcha امرأة ذات جمال أخاذ كما يصفها H’ddou « Biqcha est en effet un temple de beauté » p :17 H’ddou oumazine أبوه هو Aâddi Ouh’ddou n ayt khoub و أمه Rabha Ounbarch ولد في Tiziouchibane من عائلة تمتهن الرعي، ترحل بين Izayane و Ait H’didou. H’ddou راعي لا يعرف الكتابة والقراءة، يحسن أمور الزراعة ويتعاطى للتمريض الذي تعلمه رفقة الدكتور Lavale الذي صاحبه أثناء عمله بالجبال، يقول عن نفسه: « Analphabète mais pas bête, Analphabète mais pas inculte » p : 138 فمع مرور الزمن أصبح يتقن الفرنسية H’ddou أمدياز وعارف كمان بارع، لا يتحدث إلا بلغته الأم، علمه جده Sidi Aaddi n ayt Aali ركوب الخيل وضرب البارود، وكل ما يتصل بالطبيعة والحياة، علمه كيف يتجنب مضار الطبيعة قبل أن يفيد نفسه منها. تخظى Nannabi باحترام كل أفراد الجماعة التي تنتمي إليها: « Elle est respectée par tous »p:17 مــا معنــــــى Biqcha ؟ اســـم Biqcha بسيط خال من أية دلالة روحيـــة أو دينيــة، اسم حــر لا يشاركها فيه أحد وهذا ســر اعتزازها به. « Elle est fière de son nom qui ne cherche à être supérieur à aucun autre nom » p : 21 « وهي فخورة باسمها الذي لا يتعالى ولا يريد التعالي على أي اسم آخر، «هي الوحيدة في الكون التي تحمل هذا اللقب، هذا الاسم رغم فرادته فهو حسب H’ddou oumazine محبوب عند الله! « le nom de Biqcha doit signifier quelque chose pour dieu » p : 12 «اسمي «بيقشا» لا بد وأنه يعني عند الله شيئا ما» Biqcha الراعيـــة الصغيـــرة ككـل أطفال المناطق الجيلية (الأطلسية) وأطفال Imi n itaghzut، بدأت Biqcha تتبع قطيع الماعز منذ صغرها، ومنه أخذت الكفاءة وتعلمت معنى المسؤولية، فالفتاة قبل أن تطلب للزواج لا بد وأن تمر بتدريب في رعي قطعان الماعز والغنم! ولم لا؟ فحتى الأنبياء قبل أن يتحملوا المسؤولية يمرون بهذه المرحلة!؟ Tamara الشقاء والمحنة لا يدعان المرأة تحيى بسلام منذ صغرها. Nanna Bi عندما تتذكر طفولتها، تعرف أنها لم تعش سوى الليل والظلام، الذي لا ينيره البرق الذي يلمع في السماء من حين لآخر. الوشم: إعداد للزواج وخزان للذاكرة الجماعية: عندما تقبل الفتاة على الزواج، وهو غالبا ما يكون في سن مبكرة، حيث إن المرأة بالأطلس وغيره كانت تتحمل مسؤولية البيت والإنجاب منذ الصغر، فهي لا تعيش سوى مرحلتين من عمرها: الكبر والشيخوخة. و هذا حال Nanna Bi عندما أقبلت على الزواج، mina H’bi الواشمة لتحفر على جسدها نقوشا تحمل معها تاريخ الجماعة، تنقش على وجهها تيفناغ، فالوشم المنقوش على ذقن كل مراهقة يعني الاستعداد للزواج، هذا الوشم يحمل في طياته: اللغة، التاريخ، الكرامة، والعزة... لكي تقدمه الأم إلى أبنائها، وهذا جزء من تكريم إيمازيغن للمرأة وتكليفهم لها بمهام جسام. ينقش على الجسم حتى لا يطاله النسيان، وهذا جزء من المعركة التي يأخذها هذا الإنسان ضد النسيان. « chaque tatouage est une bataille gagnée sur les forces de l’oubli » « كل وشم يعد بمثابة معركة تنتصر على قوى النسيان» Minna H’bi تنقش على وجه العروس اسم Tuda مكتوبا بتيفيناغ تيمنا بزواج Tuda السعيد حتى يدوم مثله، هكذا حملت nanna bi على جسدها كباقي نساء الجبل إرثا من الثقافة الأمازيغية. Nanna bi مرتبطة بالجذور! ترتبط Nanna Bi بجذورها أشد الارتباط، ملتصقة بأرضها رغم أنها لا تملك بطاقة هوية! تعشق هذه الأرض حتى النخاع، تعيش العري والحرمان لكنها لا تطأطئ رأسها أبدا « … mais toujours la tête haute p :34 » « دائما رأسها مرفوع، «تملك عزة وأنفة شديدين. «لا تتحدث إلا بلغتها الأم، لم تفقد منها ولو كلمة واحدة، بليغة في الكلام، خبيرة بمعاني الكلمات والجمل أثناء حديثها تستفيض حتى لا يفوتها شيء، وكأنها تدرك أن الجمل القصار تخل بمعاني الكلام! وهي تحكي معاناتها وتجربتها في الحياة، تنتقي من المفردات ما يناسب أحزانها و أفراحها. tadajlt متمردة من نوع خاص! تحظى باحترام الجميع، امرأة متفائلة لا تتأسف أبدا على الماضي وما ضاع. Biqcha الطفلة الصغيرة: عاشت nanna bi طفولتها القصيرة كباقي أقرانها، تجري وراء القطيع، القدمان حافيان لم تعرف الحذاء أبدا، تلعب بالثلج، تتمرغ على العشب كجرو صغير في غاية السرور، لا تملك لعبا ولا دمى... كل ما يمكن أن تجده في يديها كسرة خبز الشعير، أو عصا تهش به على القطيع، تغني وتلعب ولا تبالي بشيء. كل الأيام عندها متشابهة! لا تعرف يوما مقدسا! أو يوم فرحة! تحملت مسؤولية الكبار منذ الصغر، يرافقها في أغلب الأحيان قطيعها، أو الرعاة مثلها، ربما كان h’ddou آن وقت « الحذاء»: Biqcha بدأت تكبر، وبدأت عيناها تتفتحان على أمور الحياة، أمها بالتبني لا تحرمها من الحرية، فهي تذهب إلى aghbalu لتلتقي هناك مع صديقاتها من بينهن h’buba ، مثال للمرأة / الوردة المتمردة على قوانين الجماعة. Biqcha تسمعها تتحدث مع الكبار عن أمور لا تفهم لها معنى، تستفسر عن كنهها! فهي تريد أن تعرف لأنها ستصبح قريبا امرأة، ولا تريد أن تكون امرأة، لا تعرف! و لا يخلو الوقت الذي يقضينه في aghbalu من استحمام بارد، وغناء ومرح... الجمال سلعة تباع في سوق النخاسة. الزواج من رجل غريب عن وسطها بالنسبة لـ Biqcha أشبه ما يكون بجرح الجسد والروح والعقل، النساء بما فيهن أمها يشجعنها على الارتباط بـ»شريف» ينتمي للزاوية لأن هؤلاء لا يجوعون ولا يعرون، يأكلون مما تشتهي الأنفس وتلد الأعين. وعلى أي فكل الترتيبات الخاصة بزواج Biqcha من الحاج أحمد hadj Ahmed قد تمت، ويوم خروج موكب العروس إلى بيت زوجها بالزاوية الشرقاوية ب Oud zem أحست الصغيرة المغتصبة كأنها نبتة تقتلع من جذورها، أو سمكة تحرم من وسطها المائي. أحست Biqcha أنها تزوجت دون Tamghra أو Islan لأنها زفت لرجـل غريب عن وسطها، وسـط لا يعترف بتقاليد أهل الجبل بل ويعتبرها مجرد تفاهات... Biqcha زفت بلا Ahidus ولا izlan ولا... لأن بيت أهل الزاوية لا يدخلها غناء، لقاء الحاج أحمد و Biqcha في ليلتها أشبه ما يكون بلقاء ذئب مسعور بفريسته. فهذا الرجل التقي! الذي يدعو الله أن يوفقه للخير، قد تعامل مع Biqcha بطريقة وحشية، فقد قيد يديها ورجليها لكي يدخل بها، وهذا غاية القسوة والعنف الممارس على المرأة. فهو لم يكترث باستعطافها ولا بآلامها وهي تنادي أمها « imanou ». فبعدما التهم فريسته وأشبع نهمه، خرج مرفوع الرأس، كأنه كسب معركة ما، وهو يحمد الله الذي وهبه على الكبر هذه النعم! الدم علامة الشرف، يجب أن يحمل السروال الملطخ بالدم ويطاف به في جميع أرجاء القرية مصحوبا بزغاريد النسوة وأنغام الغيطة و... « le créateur a doté chaque mâle de maintes femelles » pensa El hadj Ahmed » p : 74 Biqcha تزوجت في سن مبكرة لم تختبر بعد أمور الحياة، لا تحب زوجها الذي يكبرها بمسافة كبيرة جدا، ربما كانت ستمنحه لو تعامل معها بلطف عندما دخل بها، فحتى الحيوان لا يقيد أنثاه ليغتصبها، فالزوج في نظر Nanna bi ليس سوى مغتصب attacher « Un mari serait-il même un violeur légal » p :75 الحياة الزوجية لـ Biqcha : معاناة امرأة تزوجت قسرا. برود تام من قبل Biqcha يلف هذا الزواج المشؤوم، اغتصاب يومي يمارسه هذا العجوز كل ليلة، فعلاقة هذين الزوجين خالية من أية عاطفة، أو تبادل أحاسيس، أو أي شيء مشترك بينهما. «Hadj était un parfait phénomène. A part un Bismillah liturgique, il ne disait jamais rien. Pas un regard, pas une caresse, jamais un mot tendre d’amour» p : 111 في حال سعادته يسرد لها أمره اليومي، إن الله خلقها ووهبها إياه لتحفظه وتطيعه ولا تخونه... Nanna Biqcha المتفائلة تذكر بحسرة وألم شديد الأيام التي قضتها مع العجوز، لأنها أصبحت تؤمن بأن لا حب مع الإكراه، فلا حب دون حرية واختيار. ف biqcha كانت تعلم بشكل يقيني أن لا شيء يجبرها على حب Hadj ahmed، لا الأعراف الأرضية ولا القوانين السماوية لأنها تزوجته قسرا لا على اقتناع وحب. « le cœur ignore toutes les lois et tous les règlements » p : 121 تتذكر الليالي الطويلة المظلمة التي قضتها في الزاوية الكبيرة، حينما كانت متمسكة بنصيحة أمها، التي أوصتها بالصبر لأن الزوج سيمنحها كل شيء إلا «الحب» على حد تعبير Nanna Bi التي تكــره حياة الــذل والاستعباد والاغتصاب اليومي، فلا يواسيها حينئذ إلى ذكرى h’ddou الصديق اللطيف والخل الودود. جميل أن تعلم وتغوص بتفكيرك فيما تهوى وتريد، لا فيما يهواه السيد. « Merci bon dieu, dit Nanna Bi, qui nous a laissé cette liberté de penser… cette liberté de vivre autrement » p : 114 «قالت Nanna Bi شكرا يا إلهي، لأنك تركت لنا حرية التفكير... وحرية العيش بوجه آخر» Biqcha تعشق H’ddou، تتخيله كل ليلة بين جدران الزاوية... فعليها أن تفعل لتخفف من وطأة هذا السجن الكبير! Nanna Bi تكره الجدران، تكره شخير العجوز، تكره كل من يعتقد أنه يملك امرأة تكره الليالي البيضاء... غضــــب وفــــــــورة نفـــــــس كرهت Biqcha حياة العذاب في الزاوية، فقررت أن تكسر هذا القيد وتهجــر الحياة الزوجية إلى الأبـد، وتلتحق بتغسالين Tighessaline لعلها تحيى شيئا من الحرية من جديد. عندما وصلت Biqcha الى البورديل الصغير بئيمي التقت ب K’ttou وهي بمثابة صديقة وأخت وأم ثالثة بالنسبة لها. K’ttou تعرف المواخير بأسمائها التي خلفها المستعمر للمتاجرة في أجساد النساء، أجساد الفتيات ليرضين نزوات جنود هذا المستعمر ويدخلن السرور عليهم. تسير هذه المواخير من طرف ضباط عسكريين. البنات في الماخور يخضعن لمراقبة طبية. « Oued zem était l’arrière base de la lute contre les gens de la montagne » p : 129 «واد زم كانت القاعدة الخلفية لمواجهة أهل الجبل» وكأي حربا يكون لها ضحايا ومستفيدين، فمن بين الضحايا البنات المستعبدات قسرا في المواخير، Biqcha إذن هربت من عبودية إلى أخرى، رحلت من محنة إلى محنة أخرى. فهي الآن أصبحت تبيع جسدها للمراهقين والعزاب والمتزوجين الساخطين، تقول إنها تفعل بجسدها ما تشاء! فهي لا تبيعه إلا لأنها في أمس الحاجة إلى النقود. ولمن هو أيضا في حاجة! Nanna Bi قلب من ذهب لا تعرف الكذب والمجاملات، فالكذب اصطناع أما هي فامرأة طبيعية خالصة كتراب الجبل أو كشجرة الأرز. حبها بسيط لا يحتاج إلى اصطناع لا تمنحه إلا لـ H’ddou، وفية له بروحها حتى النخاع، وإن كانت تخونه بجسدها، لكن «الله غالب»، فكل شيء مقدر ومكتوب. امرأة حيوية تنبض بالحياة، تحب الحياة، تعشق Imi n taghzut وأهله. تحب صديقاتها h’buba, yedjouga, yamna,k’ttou وأيضا كلبتها zizawt ولا تنسى الجديان Ighejden ... تربت بين أحضان الجبل والغابة والمياه الجارية، تعشق الورود والأزهار والفراشات والطيور، تفعل كما يفعله أقرانها، تهوى Ahidus و tamawayt . Biqcha تهوى H’ddou وهو أيضا يعشقها وهما يشكلان حبا طبيعيا لا ينضب، فهي وفية له بروحها وإن لم تستطع أن تضمن له وفاء بجسدها، فالظروف هي التي جعلت من Tadjalt، هذا إن كان وصمة عار بالنسبة للمرأة فالرجل أيضا شريك أساسي فيه. لكن ما يقلق راحتها أن اللواتي يمتهن هذه الحرفة لا ينعمن بالنعيم في الحياة الأخرى كما سمعت من أحد العارفين. « Le savant y avait semble t-il inscrit en belles lettres de la péniscule : Biqcha vivra qu’en impie, elle n’ira pas au Paradis » p : 183 فالدعارة كما تقول Nanna Bi فن تجيده النساء، فلا جدوى من إبرام أية وثيقة... « mer issin sidi r’bbi ca ar iga i badat folonti » p : 183 و بخبرتها في الحياة تعلمت Nanna Bi أن المرأة خلقت لإرضاء نزوات الرجل. اليتــــــــــــــــــم « Immut bba, t’mmut yu, z’rini d you » Biqcha فقدت أباها منذ كانت صغيرة، Bari Oucherrou رحل إلى الأبد دون أن يعرف الوضعية التي ستؤول إليها ابنته، tadjalt بين المواخير تنتقل، وهو دافع الحرية والكرامة! Biqcha تعلم أن أباها يخرج حاملا سلاحه كل ليلة للصيد دون أن يعود بأية طريدة كما يفعل عادة معظم الصيادين. Nanna Bi التي حرمت من عطف وحنان أبيها تكن كراهية لكل من تسبب في موته، رغم أن «الفقيه» قال لها بأن أباها عند الله حي يرزق. ولكنها أيضا تفتخر بما يردده أهل القرية عن شجاعة أبيها، فلا أحد يخاف من الموت لأجل قضية عادلة» « personne n’a peur de mourir pour une bonne cause » P :89 «لا أحد يهاب الموت لأجل الدفاع عن قضية جليلة» Biqcha لن تنسى ذكــرى أمها التي رحلت عنها دون سابق إعلام في أيام الشتاء الباردة، Nanna Bi تقول إن أمها امرأة مثالية كأبيها، فلم يسبق لهما أن تخاصما، تذكر أن أباها كان يحب أمها، ويعاملها بلطف، يحبها ويحميها من كل الأخطار. أما أمها فامرأة بسيطة كبقية أهل Imi n taghzut، فأقصى ما تحلم به هناك: الصحة والسلامة والزواج إنجاب الأبناء. Nanna Bi امـــــرأة أصيلة Biqcha تؤمن أنها لا يمكن أن تنسى من أين أتت؟ لأن من لا يعرف من أين أتى لا يدري في أي اتجاه يسير. فهي لم تفرط في جذورها بسهولة كما فعل H’ssi Oumazine، تشتغـــل في البستــان، تطعـــم بهائمها، وتقوم بكل ما يلزم. تقرأ أحوال السماء، تنتظر قدوم المطر، الذي يتلوه تفتح الزهور... فالمطر رغم قساوته مرحب به دائما من قبل أهل الجبل، فهو هبة من الله تدفع عنهم الجوع. Nanna Bi رحلــت ضاحــكـــــة كان وقع رحيل Nanna Bi على Ha Dadda أي h’ddou كالصاعقة، kh’djou n Ayt Bahouch العجوز التي نقلت له الخبر يعيونها قبل أن ترسمه بفمها، عيون المسنين لا تكذب dadda Ha قرأ في عينيها حزنا عميقا، لا بد وأن دوحة عظيمة قد سقطت، لا بد وأنها Nanna Bi، قلبه يكاد يتوقف عن الخفقان. عيون تلقائية طبيعية لا تكذب، وتجاعيد وجه حنكتــه ضروب الزمان، عندما يفرح يرقص رقصة أحيدوس وعندما يحزن يبدو شاحبا مصفرا. أخبرته بأنها رحلت إلى الأبد،« Tedda Dattessa » p :307 رحلت وهي تضحك. Dadda Ha الذي نطق لأول مرة بأنه يحبها « je t’aime Biqha » لا يريد أن ينطقها في حياتها، لأن الكلام ينقص من المشاعر، قال بأنها تضحك له: “ Ku ca g ddunit illa udbib udbib ness ghas isndal d tayri ur lin asafarr” p: 308 “كل داء في الدنيا له دواء إلا الموت والحب لا دواء لهما” كل الناس يرحلون نعساء إلا Nanna Bi، هذا الملك الوديع رحل سعيدا! رحلت بعدما عانت الظلم في الحياة بالزاوية، في المواخير... فلم لا تضحك؟ عاشت أصيلة، رأسها مرفوع نحو السماء، لم تفرط في شيء يخصها، كما فعل h’ssi، لم تتعال على أحد، لم تفكر أن تتسلخ من نفسها وتغير جلدها كالحرباء أبدا. Dadda ha الذي يعيش هول المصيبة لوحده، في بيته منعزلا، لا يريد أن يعيش برودة الشتاء القادم، يريد أن برحل هو أيضا، ليس له شيئ يكافح من أجله، فالأفضل له أن يغادر « combattre ou partir » p : 312 (Endnotes) ∗ أبوها هو Bari oucherrou n BAZZA ينتمي إلى عائلة في Asun n Imi، رجل شهم يخدم الجماعة بإخلاص، مات في معركة Kh’dda ضد الفرنسيين المتمركزين بتادلة. استخدم الأسلحة التالية: Buchefer، Buhablu، Aberzigu ، يحمل رتبة An’bbad أي قائد حرب.
|
|