|
الأمازيغية والصراع الثقافي بالمغرب بقلم: إدريس اعزيزو طوال العقود الأخيرة من تاريخ المغرب المعاصر، اعتبر الصراع الثقافي بالمغرب، من وجهة نظر الإيديولوجيا العربية الإسلامية، كصراع بين الثقافة العربية الإسلامية التي تقدم بوصفها إطارا ثقافيا حضاريا أوحد للمغرب، وبين الثقافة الغربية المسيحية، حيث ساد الحديث عن ضرورة تحصين المجتمع المغربي من الغزو الإعلامي والثقافي الغربي وخطر الدعوات التبشيرية والفرنكفونية والعولمة وغيرها من الأشياء التي غدت بمثابة الوجبات الدسمة التي تتغذى عليها هذه الإيديولوجيا، واتخذت عملية التعريب كوسيلة أساسية في وجه هذا الغزو الثقافي الأجنبي. هذه النظرة المغلوطة للصراع الثقافي المغربي، تندرج في إطار سياسة ثقافية ذات هاجس أمني واضح: هاجس الأمن الثقافي، الأمن اللغوي، الأمن الإيديولوجي. هذه النظرة المتوجسة، استهدفت بالأساس إبعاد سؤال الثقافة الأمازيغية المزعج بالنسبة لها، عن دائرة النقاش والتداول الثقافي والفكري العام، وحصرها في خانة التأثيث المتحفي والتسييح الفلكلوري المحض، وتكريس مفهوم أحادي للثقافة المغربية، ينم عن إرادة تثبيت مركزية ثقافيــة متعاليــة على الواقـع، تضمنت في ثناياها مكــرا ثقافيا وسياسيا وموقفا إيديولوجيا مصدره عقلية لا تؤمن بالديمقراطية في العمق، تتأرجح بين تقليدانية متسترة وعصرنة شكلية فارغة. تأسست هذه السياسة الثقافية الأمنية على ذرائع وآليات إيديولوجية متحايلة أبرزها: 1ـ الوحدة الوطنية:تأسيس الوحدة الوطنية على وحدة اللغة، مما أفاد، من الناحية السياسية، أن التعدد اللغوي مسألة من شأنها أن تهدد المغرب بالتفرقة وأن تمس بمكسب الوحدة الوطنية التي يبدو واضحا أنها انبنت على خلفية هيمنة ثقافية وسياسية، اشترطت منذ البداية تسييد اللغة العربية وتقديسها. وفي المقابل، تكريس فكرة اللهجنة والقصور والدونية بالنسبة للأمازيغية. هذه الوحدة،انت توحيدا قسريا فوقيا، وظف عدة وسائل إيديولوجية للبرهنة على شرعيته، وفرض نفسه على مختلف شرائح الشعب المغربي.فكثيرا ما فرضت هذه الوحدة باسم الإسلام والسنة، وباسم حاجة المغرب إلى الاستقرار السياسي،وباسم مستلزمات تحديث المجتمع ومسايرة ركب الحضارة، باسم «التزامات» المغرب تجاه القومية العربية، لكن ما تخفيه هذه الاستدلالات هو أن التعريب كواقعة إيديولوجية لم يكن مجردا عن إستراتيجية الصراع حول السلطة. نتيجة لهذه الاعتبارات الخاطئة، أضحت الوطنية في المغرب وطنية عربية، أي تقاس بمدى تشبث الفرد بالعروبة وبالقضايا العربية، في حين تحولت الأمازيغية إلى عنصر تشويش على هذه الوطنية المفبركة. ولعل شعار «التنوع داخل الوحدة» وشعار «الأمازيغية قضية وطنية»، اللذين رفعتهما الحركة الأمازيغية منذ نشأتها، يعتبران بمثابة دعوة لجميع الأطراف لإعادة النظر في المنطلقات/ الأساطير المؤسسة لمفاهيم الوحدة الوطنية واللغة والثقافة والهوية، وإشارة تفيد أن التماسك الاجتماعي والوحــدة الوطنية لا ينبغي أن تكون على حساب جزء من الثقافة المغربية. فما لا يستسيغه منطق الفكر هو أن يتم التشكيك والإقصاء للأمازيغية باسم الوطنية، فلا معنى للوطنية بدون احترام الوطن بكل أبعاد هويته. 2 ـ الغطاء الديني:إلباس الصراع الثقافي طابعا دينيا بغرض القفز على النزاع الرمزي بين الايدولوجيا العربية الإسلامية السائدة والثقافة الأمازيغية المسودة، وتحويله إلى صراع ديني عقائدي بين المسلمين عربا وأمازيغ وبين المسيحيين، الخصم المختلف ثقافيا ودينيا، لصالح هوية دينية تختزل العربي والأمازيغي في إطار إيديولوجيا دينية إسلاموية تنحاز في الأخير للعربية. نلاحظ على سبيل المثال، أن في ضوء هذه الهوية الدينية المختزلة، تأطرت المقاومة ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني دون استحضار لسؤال الأفق الثقافي لمغرب ما بعد الاستقلال، يمكن تفسير غياب هذا الاستحضار بالسياق الثقافي الديني التقليدي السائد في تلك الفترة، والذي اندرجت فيه النخبة الأمازيغية حيث اعتمدت على الشعار: المسلمون في مقابل «الكفارة» أو «ءيرومين». 3ـ الصمت الثقافي: لجوء المثقف المغربي العربي إيديولوجيا وذهنيا، في كثير من الأحيان، في ما بعد الاستقلال، إلى توظيف آلية الصمت أمام الأسئلة التي تطرحها الأمازيغية باعتبارها لغة وثقافة وطنية وباعتبارها هوية، ووضعها في دائرة المسكوت عنه، لأن الدخول في حوار ثقافي ديمقراطي حول تمازيغت يعد بالنسبة إليه انزلاقا فكريا من شأنه أن يزحزح مختلف «اليقينيات» و «الثوابت» التي ساهم في خلقها، والتي ألف ترديدها والدفاع عنها إلى حد العمى الفكري. هذا الصمت الثقافي المقصود، ليس في حقيقته إلا تعبيرا عن الانصياع المطلق والتبعية اللامشروطة للسياسي، وتبريرا لما يقوم به، فلا غرابة، إذن، إذا لاحظنا أن أغلب هؤلاء المثقفين منتمون حزبيا، وغير متحررين فكريا. تمازيغت و تأزيم الخطاب العربي: غير أن نشوء نخبة ثقافية أمازيغية، وإعادة طرحها للمشكل الثقافي بالمغرب من منطلقات معرفية عصرية، كسر طوق هذا الصمت، وعرى على عورات المثقف العربي إيديولوجيا، وأثار حفيظة « حراس الماضي وكهنة أصنامه المحنطة» ، فتعالت الأصوات مبحوحة، وانبرت الأقلام محذرة مما أسمته بـ" النعرة العرقية» و»الطائفية الأمازيغية» و»إحياء الظهير )البربري( « و «النزوع الثقافوي»... إن المتوقف عند هذه التحذيرات، سيستنتج بدون عناء، أنها تستبطن لاشعوريا فكرة عبد اللطيف الصبيحي عن ظهير المحاكم العرفية لسنة930 1 . هذه التحذيرات تصطدم بخطاب أمازيغي صلب، توسل بمعطيات علم التاريخ والأنطربولوجيا واللسانيات وعلم السياسة والقانون، مؤسسا لمفاهيم مغايرة تعكس واقع المغرب الثقافي واللغوي والتاريخي، مفككا، بذلك، للمنطلقات الميتافيزيقية التي انبنى عليها فكر الخطاب العربي الإسلامي، مبرزا في الأخير، حقيقة الإطار المرجعي الحضاري للمغرب الذي يستوعب كل الثقافات الوافدة من الغرب ومن الشرق، كمعطيات ثقافية تاريخية تفاعل معها الأمازيغ واحتكوا بها عبر قرون مضت. في مقابل بروز الوعي الحديث بالأمازيغية وتبلور الخطاب الثقافي الأمازيغي اعتمادا على أسس معرفية حديثة، انتهى الخطاب العربي الإسلامي إلى نوع من المصالحة مع النصية المرجعية المغيبة لأسئلة الواقع والعلم والتاريخ، نافيا لكل مفاهيم وأسس الحداثة باسم العقل نفسه، تكفي الإشارة هنا إلى منع البحث الميداني بعد سنوات قليلة من الاستقلال، وإغلاق شعبتي الفلسفة والسوسيولوجيا غير ما مرة مما يدل على انعدام الإرادة في التعاطي المعرفي مع الواقع السوسيوثقافي المغربي. مع تفكك وانهيار أسس الخطاب العربي الإسلامي، بدأ المثقف العربي يستنجد بحليفه السياسي ويحرضه على ما أسماه بإحياء العرقية والنزوع الأمازيغي دون اللجوء إلى المقارعة الفكرية والحوار الهادئ. ونظرا لتصاعد الوعي الأمازيغي، لجأ السياسي إلى التفكير في احتواء القضية الأمازيغية عن طريق تدجين النخبة الأمازيغية وعبرها الوصول إلى إضعاف الحركة الأمازيغية، مما يدل على تجديد في آليات تدبير القضية الأمازيغية، وعلى دهاء سياسي نجح إلى حد ما في تقليص وتيرة عمل الحركة الأمازيغية، لكن ذلك لا يعني توقف هذا العمل، وفي اعتقادي أن ما يعتمل في الواقع الحالي، لاشك سينتج معطيات جديدة في المستقبل، لاسيما وأننا بدأنا نلاحظ تقدما في المواقف الحاصلة بصدد الأمازيغية –نتمنى أن تكون صادقة - الشيء الذي لن يكون إلا لفائدة تعايش ثقافي وسياسي، ولفائدة تنمية الإنسان المغربي في كل أبعاده، لذلك، في اعتقادي، أنه لا محيد عن حل شمولــي لقضية يستحيل الحسم فيها عـن طريق الصمت أو الإقصاء أو الاحتواء. (إدريس اعزيزو، aazizoudriss@yahoo.fr )
|
|