|
كأس العالم 2006 واستمرار محنة الأمازيغ والأمازيغية بقلم: مبارك بلقاسم يبدو أن الإعلام المغربي الرسمي قد قرر أخيرا التخصص، بعد عقود من التدرب، في تعذيب المواطن المغربي إعلاميا ونفسيا عبر السير عكس آماله وحقوقه. فمع التعريب والفرنسة والتعتيم على الأحداث والانتهاكات والفساد، ومع قمع الأمازيغية وتكريس إعلام التزويق والمجاملة والنفاق و "العام زين" وبث سِقط المتاع مما تلفظه كراجات الإنتاج التلفيزيوني المشرقي.. مع كل ذلك تفتقت عبقرية دار البريهي والصورياد وفوقهما وزارة بنعبد الله عن بهتان ولا أعجب يتلخص في "عدم قدرتهم" شراء حقوق البث التلفزي لمونديال ألمانيا 2006 من أجل تمكين المواطن المغربي، دافع الضرائب، من متابعة المباريات مثله مثل بقية عباد الله! أي دولة هذه لا تستطيع دفع مبلغ 10 ملايين دولار من أجل شراء حقوق بث 64 مباراة من مستوى رفيع لا يتكرر إلا مرة كل أربع سنوات؟! ماذا كان بنعبد الله يظن بكأس العالم حينما قال في البرلمان إن كل الأبواب كانت مسدودة وأنه لا إمكانية لشراء حقوق البث؟! هل ظنها مباراة للديكة لا تستحق المبلغ الذي طلبته الشركة المحتكرة ART ؟ أم أنه قارنها بالبطولة الوطنية البائسة التي باعتها الحكومة ل ART بمبلغ بخس؟! هل أرادوا الاستمتاع بالطبخة الألمانية المحكمة والفرجة العالمية مجانا؟! هل حقا لم يقدر المغرب بإمكانياته المالية والاقتصادية على دفع مبلغ 10 مليون دولار؟ أم أن "طاجين" بنعبد الله يخبئ ما يخبئ؟ ماذا عن ملايير الدولارات (ليس هنا خطأ مطبعي) المختلسة من المال العمومي؟ ماذا عن السهرات والحفلات والمهرجانات التي ينظمها المخزن داخل المملكة وخارجها بالسفارات والقنصليات بملايين اليورو؟ وماذا عن مصاريف تنقل الوزراء وأبناء الوزراء وأعضاء الكوركاس والإيركام التي تصرف بمعايير أوروبية دون حسيب ولا محتسب؟ هل فكر الوزير والمسؤولون عن الأبواق الإعلامية، للحظة، في حجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق ويلحق المواطن المغربي بسبب عدم شراء حقوق البث؟ فالمواطن أصبح يهيم في الشوارع للبحث عن كراسي شاغرة في المقاهي ويصطف في طوابير تحت الشمس لشراء بطاقات الشيخ كامل المباركة التي تمكن من مشاهدة زيدان وبالاك ورونالدينيو! ومواطن آخر أمسى يحرث الأزقة لشراء بطائق القراصنة الملعونة ليشاهد القنوات الفرنسية! هل فكروا في أن ميزانيته المحدودة لا تتحمل ذلك إلا على حساب صحته وتغذيته وتعليم أولاده؟ في حين أنه كان من المفروض أن يشاهد المواطن المونديال في بيته مع عائلته وأصدقائه بكرامة بعد يوم طويل عصيب في مدارس (قل: كتاتيب) المالكي أو محاكم بوزوبع أو مخافر العنيكري أو قباضات ولعلو! لقد أصبح المواطن يحس بأنه لا يعيش في دولة ترعاه بل يهيم في سوق أسبوعي يختلط فيه مروض الأفاعي ببائع دواء بوزلوم وببائع الدجاج البلدي وأيضا باللصوص والنشالين. وكل ذلك في غمرة الضجيج الأبدي والعجاج المتطاير والروائح الكافرة! هاهي نفس القصة تتكرر! فالمغرب لا يملك تلفزة محترمة على الإطلاق. ومازال أرضا مشاعا للتلفزات الفرنسية والعربية تتصرف فيه كما تشاء ومن منطلق "الحق التاريخي الاستعماري" الثابت في أرض المغرب ومن عليها! وهاهم المعلقون الرياضيون الفرنسيون والعرب يزعقون أمام المغاربة بلغاتهم ويفرضون عليهم لكناتهم ويجبرونهم على العيش في عالمهم ورؤية العالم من منظارهم! أي استلاب وخضوع ثقافي أفظع من هذا؟! في أوروبا المواطن محمي من الاحتكار، لأنه هناك دول ومنظمات تحمى الصالح العام. في بريطانيا أمنت القنوات البريطانية مباريات المونديال للمواطن على الكيبل وعلى التلفزة الرقمية الأرضية. بل وبثت المباريات حتى على القمر الصناعي مجانا ليتمكن من مشاهدتها سكان أوروبا الغربية من غير البريطانيين. والقنوات الألمانية قامت بنفس الشيء، كما عودتنا دائما، بل وامتد بثها المجاني إلى خارج أوروبا. أما التلفزة الهولندية فقد أمنت المباريات للمواطن دون أن تزيد عليه سنتا واحد في مبلغ الاشتراك في الكيبل أو في تلفزة الADSL . أما بالمغرب فلم تجد Maroc Telecom توقيتا أفضل من هذا للانقضاض على جيوب المغاربة لتسويق تلفزة الADSL بعد التطبيل والتزمير والإشهار المجاني الذي قدمه الإعلام العمومي لها. هذه التلفزة "الجديدة" أرادتها Maroc Telecom أجنبية بامتياز في باقة قنواتها. أفلا يمكن أن يكون هناك طاجين مشترك يجمع بين الثالوث Maroc Telecom والART ووزارة الاتصال؟ كان من المفروض على نبيل بنعبد الله وحكومته إنشاء قناة تلفزية رياضية باللغة الأمازيغية من أجل تمكين المواطن المغربي من متابعة المباريات بتعليق أمازيغي والاستمتاع بكأس العالم بلغته الأمازيغية. فالرياضة عموما وكأس العالم خصوصا أفضل ألف مرة من خزعبلات المشرق من مسلسلات سورية وأفلام مصرية وفيديو سليبات لبنانية. فكرة القدم تجمع العائلة المغربية (وهي عائلة محافظة في المتوسط) وتخلق جوا من المتعة والحماس. زد على ذلك التشجيع المعنوي للمنتخبات الأفريقية المتألقة مثل غانا وأنغولا. فإلى متى هذا الاستهتار والاستخفاف بالأمازيغية والشعب المغربي؟! هل يجب على المغاربة شن إضراب مفتوح عن مشاهدة الدوزيم ودار البريهي؟ هل يتعين القيام بعصيان مدني إعلامي سلمي عبر مقاطعة Maroc Telecom ورفض التعامل مع الإعلام الرسمي المغربي؟ وكل ذلك لدعم المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية وترسيمها والمطالبة بإنشاء قنوات (وليس قناة واحدة) تلفزية عامة ورياضية وتربوية باللغة الأمازيغية. هل يجب على الجماهير المغربية أن تطالب بإحداث صندوق وطني لتأمين مشاهدة المنافسات الرياضية الأفريقية والعالمية القادمة وبالتعليق والتقديم الأمازيغي بالمجان للمواطن؟ ما ضاع حق وراءه مُطالب شرس!
|
|