|
بكل بساطـة حالـة شرود بقلم: محمد بوزكَو غريب أمر هذا المغرب الذي نعتقد نحن الأمازيغ أنه وطننا، نولد فيه، نكبر، نموت ولا نعرف هل فعلا هو وطن لنا أم مجرد موطن لنا. فمجرد ما أن يصرخ جنين في أعالي الريف أو في سفوح الأطلس أو في سوس معلنا قدومه إلى هذه الحياة يكون بذلك قد أقدم على فعل مخالف للقانون. إننا كأبناء غير شرعيين لهذا الوطن، لأننا ببساطة خارج الإطار القانوني الذي يحدده أسمى قانون للبلاد. إن الوقوف على ما نص عليه الدستور المغربي من كون "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير"، يطرح أسئلة لها علاقة بوجودنا القانوني: أين نتموقع نحن الأمازيغ؟ لا اللغة المدسترة تشفع لنا كي نحظى بقانونية وطنيتنا، ولا الانتماء العربي الذي أريد لهذا الوطن يشرعن لنا هويتنا. هذا اللاانتماء وهذا الفراغ التشريعي يجعلنا في حالة شرود قانونية، أي خارج الدستور. ولا عجب إن استفقنا ذات صباح على نشرات أخبار تعلن أن جزء من هذا الشعب عليه أن يرحل لأنه شعب غير مدستر، وبالتالي شعب غير مواطن. فنغدو على الطريقة الكويتية كالبدون. أو نجد أنفسنا أمام الهيئة الدستورية نواجه بلادستوريتنا مادام أنها لم تتدخل لحد الآن لتعلن لادستورية الدستور في شقه السالف الذكر. فعلا، يمكن لك أن تنزل في أية مدينة مغربية تشاء، أن تتجول في كل شارع وزقاق، سوف لن تعثر على شيء ما يمكن أن تجد فيه هويتك بدء بأسماء المدن التي تم تعريبها أو خربقتها كي تمسح عنها مغزاها كتطاون التي تحولت الى تطوان أو افران التي أصبحت يفرن أو أشاون التي صارت شفشاون...الخ، أما إذا قمت باستعراض بصري للوحات الإشهار، وعلامات الطرق وأسماء المحلات فلن تحس ولو للحظة أنك داخل وطن أنت من صلبه؛ فإما أن تصدمك الحروف العربية في محاولة لتخذيرك استعدادا لإجراء عملية جراحية يستأصلون خلالها جذورك الدفينة في تراب هذا المغرب أو تستهويك لغة فولتير علك تتغرب بين ضلوعها وقواميسها فتنهار انهيار رجل في حضن مومس بعد الرعشة الكبرى. حتى السيارات عربوها وركبوا في مؤخرتها حرفا يحمل أسمى معاني الاحتقار لقوم يؤدون الضرائب على العربات ورسوم التأمين وفي قلبهم شيء آخر غير ذاك الحرف. إننا في حالة شرود، إننا خارج الوطن.. إننا مجرد أرقام مغلفة ببلاستيك بارد داخل بطاقة تعريف وطنية، الوطنية تعود على بطائق التعريف طبعا. إننا ضرائب نؤديها، وأصوات نعدها ولا نحسبها. نساهم في تمويل قنواتنا وحين ننظر في التلفزة لا نجد لنا صدى ونزداد غربة. وأنا أكتب هذه السطور لا زال شعور بالغبن لم يراوحني منذ أن تتبعت برنامج "ديوان" الذي تقدمه القناة الثانية. كانت الحلقة عن القصة القصيرة، وكان بين يدي قصصي الصغيرة أستعد للذهاب بها إلى المطبعة. كتبتها بالأمازيغية. تابعت الحلقة، كانت باللغة العربية طبعا. بحثت عن موقعي في الموضوع فلم أجد إلا صدى الفراغ، فراغ فرخ فيً سؤالا صداميا: هل تلفزتنا مواطنة أم أنا الذي لست مواطنا!؟ سؤال أجاب عنه معد الحلقة حين زف للمشاهدين بشرى تنظيم القناة لمسابقة في القصة القصيرة بالمغرب وتلا شروط المسابقة التي من أبرزها أن تكون القصص باللغة العربية. جواب أقصاني من المشاركة. نظرت إلى قصصي وفي قلبي غبن ونار أججتها وطنيتي. هكذا، تغتالنا تلفزتنا كل يوم ألف مرة ويدوخوننا بخردة نشرات تتم تلاوتها أمازيغية مبهدلة ومعربة. بحثت عني في أوراق الحالة المدنية فلم أجدني، صفحة بالفرنسية وأخرى بالعربية واسمي ونسبي وفصلي تائه بينهما. أدخلني أبي المدرسة كي أتعلم، وتحت تأثير صعق لغوي سرقوا مني كلماتي كي أنسى لغتي وأحيى بإعاقة فكرية أبديه. هكذا، عوض أن أعي مغزى ومضامين ما يلقن الي أجدني أحفظ أسماء ومفردات دخيلة علي وكأن ما سمعته وتعلمته من محيطي خلال سبع سنوات من ولادتي غير صالح للاستعمال المدرسي وما علي سوى أن أقلب صفحة من وجودي وأغسل دماغي مما تفتق فيه من إدراك طبيعي في انتظار تحقيق التحصيل العلمي! والحقيقة أني كنت خارج المدرسة وداخل المصبنة. فكرت في اسمي وأسماء إخواني فلم أجد لهم جذورا في بلدي، حاولت تدارك الأمر وقررت البحث لأبنائي عن أسماء من ترابهم فحاصروني بلائحة مفصلة تنبعث منها رائحة الإقصاء. قلت سألجأ إلى القضاء بحثا عن العدل فألزموني بإعداد شكاية مكتوبة بغير لغتي.. ضحكت وقلت مرحى، مرحي يا عدل. فتذكرت حين كنت ممثلا لإحدى الإدارات العمومية في المحاكم، كنت أجلس بين زملائي المحامين وأتتبع بينهم بعض القضايا التلبسية المعروضة أمام القضاء. ولكوني أقشر بعض الشيء في اللغتين الفرنسية والاسبانية يكلفني أحيانا رئيس الجلسة بترجمة أقوال بعض الأظناء الأجانب والعكس صحيح. كنت أفعل ذلك بشغف. إلا أن الذي كان يستفزني هو أن أكلف بترجمة تصريحات لأظناء مغاربة لا يتكلمون العربية ولا يجيدون غير الأمازيغية. كان القاضي أمازيغيا ووكيل الملك كذلك. أي أنهم يفهمون كل ما ينطق به الظنين ومع ذلك كنت مضطرا لترجمة أقوال هم يفهمونها. أي عبث هذا؟؟ محاكم مغربية تحاكم مغاربة بغير لغتهم! هناك خلل ما. أما إذا لم يكن هناك من يقوم بالترجمة، فإن المتقاضي مضطر لأن يعرب أمازيغيته لا ليفهمه القاضي ولكن لتكسب محاكمته قوة القانون. عَرِب! هكذا يتدخل القاضي فيخرس المتقاضي الذي يجد نفسه حبيس سلطة اللغة. يا له من عدل!. وذات حكومة طل علينا اليوسفي وقرر أن "ينعشنا" ظانا منه أننا في طريق الانقراض، وكالطفل الفرحان يوم العيد أطل علينا حبيبنا المالكي وقرر هو أيضا أن يجعل منا "مؤنسين" للغة العربية في برامجه التعليمية. تعجبنا ودخنا فتساءلنا: كيف لنا أن نؤنس ونحن في حاجة إلى إنعاش؟ عجبا. نحن الأمازيغ، لا دستور يحمينا، ولا إدراة تأوينا، ولا حكومة تتبنانا، ولا عدل ينصفنا... إننا فعلا في حالة شرود وجودية.
|
|