| |
صراح مؤقت
لمدينة "أشّاون" بالصحافة المغربية
بقلم: بوغانم خالد (فنيدق)
على صدر الصفحة الأولى من جريدة الصباح (عدد
1849/ 19-18مارس 2006)، أثارت انتباهي مقالة صغيرة عنونها صاحبها بـ"500 امرأة
يتسلقن الجبل بابن سليمان لبناء مدرسة بالشاون"، ويخبر القراء من خلالها بأن ريع
تظاهرة رياضية للمشي في الجبل بمدينة ابن سليمان سيخصص لبناء وتجهيز مدينة فوق
الجبل بمدينة الشاون. التظاهرة من تنظيم جمعية "رونو ماروك" بتنسيق مع ولاية الدار
البيضاء والفدرالية الملكية للرياضة الجبلية.. ومصدر الإثارة في المقالة بالنسبة لي
ليس مضمونها الذي لا يختلف حول أهميته إثنان في ظل إهمال الدولة للنهوض بالبنيات
التحتية الأساسية للتربية والتعليم، وإنما في لجوء صاحب (أو صاحبة المقال)، الذي
رمز إلى اسمه بـ" ف.ي" إلى استعمال تسمية "الشاون" بدلا من تسمية "شفشاون"..
وأنا أتمعن في قراءة المقال، ساورتني العديد من الشكوك والتساؤلات من قبيل: هل
يتعلق الأمر بتلك المدينة الجبلية الريفية الواقعة بين إقليم الحسيمة وإقليم
تيطاوين، أم هي "اشاون " أخرى توجد في جهة أخرى من المغرب لا علم لي بها، قد تكون
قرية أو قبيلة أو دوارا... إلا أن ذكرها مقرونة بلفظ "مدينة" أزال شكي وجعلني أفكر
في السيناريوهات الممكنة حتى تتمكن الصباح من أخذ المبادرة، ولأول مرة في تاريخ
الإعلام الوطني (مع استثناء الإعلام ذي الاهتمام بالأمازيغية) وتسمي الأسماء
بمسمياتها. لأنه بصراحة لأول مرة أرى فيه صحيفة تستعمل هذه التسمية.
قلت في نفسي، ربما شخص ما من مدينة اشاون اتصل بمدير الجريدة أو بهيئة تحريرها
وأبلغهم أن "شفشاون" كلمة لا وجود لها في القاموس المتداول لدى عامة الناس سواء في
إقليم "اشاون" أو لدى سكان الأقاليم المجاورة.. فقط توجد في المؤسسات التابعة
للدولة وفي ملصقاتها وفي كل ما يخضع لأوامرها ونواهيها. ونصحهم إن هم فعلا يحترمون
قدسية مهنتهم أن يحتكموا إلى الواقع، فأخذوا بالنصيحة.
غير أن هذا الاحتمال سرعان ما تبين لي أنه لا أساس له من الصحة حينما نشرت الصباح
في عددها الموالي (عدد1855 ) مقالا/شكاية ضد رئيس جماعة متيوة imtiwen إقليم اشاون،
مشهرة التسمية التي اعتادت على استعمالها، أي "شفشاون".
إن الأمر إذن، خلافا لما توقعته في البداية، لا يعدو أن يكون مجرد تأثير الواقع على
الكاتب، أو أنه موقف شخصي متعلق به لوحده، استطاع أن يفوته على رقابة هيئة التحرير
وعلى الشخص المكلف بالمراجعة اللغوية.
بالنسبة للدولة، لا أحد بإمكانه أن ينكر العداء الذي تكنه للمجال الرمزي الوطني،
أتعلق الأمر في ذلك بالجغرافيا (الطوبونوميا) أو بالأسماء الشخصية الأمازيغية.. لكن
أن يتبعها الإعلام في ممارسة العداء نفسه، خاصة حينما يتعلق الأمر بإعلام يتغنى
بالاستقلالية عن الدولة وعن الأحزاب السياسية والجمعيات... فهذه أم المصائب. ففي
الوقت الذي يعقد المواطن آمالا بيرة على الصحافة المستقلة كي بحث عن الحقيقة، وتفضح
الواقع المزيف والمؤامرات الدسائس التي تحاك ضد ثروتنا الثقافية الاقتصادية
والرمزية، وتنقل الواقع كما هو، لا كما تراه وتسميه الدولة، نراها تنبطح وترضخ
وتستسلم لمعجم خاضع لإيديولوجية الدولة.
فحتى إلى عهد قريب كانت "شفشاون" هذه، "اشاون " في التعاملات الرسمية لإسبانيا
الاستعمارية، وما تزال اللوحة التذكارية التي تخلد لاتجاهات الحافلات وتوقيتها
بمحطة تطاوين الطرقية شاهدة على ذلك، وفاضحة للمخزن الذي ليس بمقدوره أن يغير أو
ينقص أو يضيف شيئا في اللوحة، لأن إسبانيا ترفض أن تتعرض مآثرها ورموزها للتشويه أو
الإتلاف.
لكن ما الفائدة التي تجنيها الدولة من وراء استبدال "اشاون" بـ"شفشاون" على المستوى
الرسمي، مع أن المواطن الشعبي العادي ما يزال وفيا لتسمية أجداده الأولى؟! فإذا
كانت قد نجحت إلى حد ما في تحريف الكثير من أسماء المدن والأماكن، إن جزئيا أو
كليا، وتمريره على الشعب، فـ"اشاون" بقيت وستبقى بعنادها ما بقي أبناؤها الذين
تمسكوا بها طوال مدة "الاستقلال". وكذلك، ولأن هذه المدينة الجبلية الرائعة الجمال
ما زالت معروفة في الخارج، كما عند أهلها، باسم "اشاون"، اختارت جل المؤسسات
الفندقية التي تتعامل مع السياحة الخارجية ترسيم المدينة على الخرائط المنجزة لهذا
الغرض باسمها الأصلي، وأيضا في لوحاتها الإشهارية. وهو ما يحدث شرخا في المفاهيم
والتسميات بين الجانب الرسمي الذي يعد العدة لاستقبال عشرة ملايين سائح في حدود سنة
2010، والمؤسسات السياحية الخاصة التي تعول عليها الدولة لتحسين خدماتها من أجل
بلوغ هذا الهدف. فكيف إذن سيتعامل سائح أجنبي لأول مرة تطأ قدماه أرض المغرب مع ما
تروج له المؤسسات السياحية حول وجود مدينة اسمها "اشاون"، في ظل انعدام هذه التسمية
على مستوى اللوحات الطرقية، وعلى مستوى الوثائق الإدارية، خاصة التي تصدر عن وزارة
السياحة؟! أكيد أن السائح سيتذمر ويصاب بالقلق، وربما سيختار للتو وجهة أخرى..
آنذاك ستكون "اشاون" هي الخاسر الأكبر من هذا التلاعب وهذه الحماقة التي تمارسها
الدولة في حق مجالها الرمزي.
وحتى على مستوى التربية والتعليم، فـ"شفشاون" سوف لن يفهم منها التلميذ الدارس للغة
الأمازيغية شيئا (هذا طبعا إذا توفرت إرادة صادقة لتدريسها وتعميمها على كل
المغاربة)، لأنها فعلا لا تعني شيئا، خلافا لـ"اشاون" التي ستساعده من خلال المعنى
المعجمي الذي تحمله على التعرف على طبيعة جغرافيتها بسهولة دونما أن يعرف أين تقع،
ومن أين تمتد، إلخ... فالطوبونوميا تحمل في ذاتها تاريخا وجغرافية وثقافة قد لا
نجدها في أمهات الكتب التاريخية والجغرافية والثقافية.
فمتى ستتوقف الدولة، ومعها الصحافة، عن إهانة وإبادة مجالنا الرمزي؟ لماذا "امازيغ"
و"إدير" معتقلان، بينما "العربي" و"يحيا" حران طليقان؟ ولماذا دمشق هي دمشق، وبغداد
هي بغداد، ومدريد هي مدريد، بينما "اشاون" هي "شفشاون"، و "إفري ن واضو" هو
"مغارة!" فريواطو، و"تيطاوين" هي تطوان ،وهلم جرا ؟!!.
|