|
الحركة الأمازيغية بالمغرب وإشكالية التنظيم السياسي: قراءة في الخطاببقلم: اليماني قسوح، آيث عبد الله (الحسيمة)يقول "ميشيل فوكو": «أفترض أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع هو في نفس الوقت إنتاج مراقب، ومنتقى ومنظم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته ومخاطره، التحكم في حدوثه المحتمل، وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة»(1). تقديــــــم: يلاحظ المهتم والمتتبع لمسار الحركة الأمازيغية بالمغرب، أن من بين المواضيع الإشكالية التي أصبحت تطرح باستمرار، وبإلحاح داخل وخارج هذه الأخيرة، منذ عقد التسعينات من القرن الماضي: "إستراتيجية العمل الأمازيغي"(2) و"الأمازيغية بين الثقافي والسياسي"(3) و "إشكالية التنظيم السياسي"(4). أفرز النقاش والاجتهاد، حول هذه المواضيع، خطابا سياسيا أصبح ينمو ويشتغل كشاشة عاكسة لعدد من الأحداث، والمعطيات، والظروف، والشروط الخاصة والعامة، التي تحكمت في رسم علاماته، وخصائصه. ولفهم هذا الخطاب يتطلب الأمر قراءة في مسير الحركة الأمازيغية وتطورها، ومراجعة لوضعيتها، من خلال وضعها في إطارها التاريخي، وماضيها الفكري، وسياقها الإيديولوجي، والثقافي، والسياسي، الذي نشأت وتطورت في ظله. ومثل هذه "القراءة" و "المراجعة"، هي التي ستحدد لماذا وجه الخطاب الأمازيغي المرتبط بالتنظيم السياسي وجهة معينة؟ أو لماذا سلك هذا المسار أو ذاك؟ ولماذا اتصف بهذه الصفات، أو تلك؟ أو غلب جانبا على آخر...؟ قد يبدو في الوهلة الأولى، أن إثارة مثل هذه الأسئلة، وبهذه الكيفية والصيغة، "تسطيح للمعرفة"، وهو ما لا يتماشى وجوهر الحقيقة والموضوعية، إلا أنه يجب التأكيد على أن الخطاب السياسي الأمازيغي في حاجة ماسة لعملية أو قراءة تحليلية نقدية سواء على الصعيد النظري، أو على صعيد الممارسة، عملية تتخذ طابع التشريح والتفكيك، لتعرية ما يكمن وراء الأفكار، والأقوال، والأفعال، والممارسات، من "الأوهام الخادعة"، "والآليات اللامعقولة" أو من "الألاعيب الخفية" و"المناطق المعتمة"، وتفكيك نظام التصورات الخاصة بهذا الخطاب، وكشف عمليات وأشكال التنكر، والتحريف والاحتواء والاختراق، والتعالي واللبس والغموض، والإقصاء والنفي والتكبيل، والفرملة والتلحيم والتوجيه، والتشويه والمنع التي يتعرض لها هذا الخطاب الناشئ. هكذا، وفي إطار تحليل ونقد يتجه صوب الذات المنتجة للخطاب، يمكن التساؤل عن الدور الذي تلعبه البنية الضمنية للفكر في إعاقة وفرملة ومراقبة وإضعاف الخطاب السياسي الأمازيغي، أو على الأقل التقليل منه. وهذا لن يتم إلا عبر تحليل تفاعلاته الداخلية بالوقوف عند لعبة المدلولات والتلاعب بالكلمات التي تدخل في إطار بنيات اللغة المستعملة والمنتجة لمفعول المعنى، ومواجهة مسألة المفردات والمصطلحات والمفاهيم المستخدمة من طرف منظري ومنتجي هذا الخطاب، مما قد يكشف الصياغة الصورية والموجهة له. مع تسليط الضوء على الجانب السلوكي للذوات الصانعة والمنظرة للخطاب الأمازيغي السياسي، وإبراز كيفية تحركها، والكشف عن انتماءاتها وموالاتها المخفية والمسكوت عنها، والتي تساهم هي الأخرى في عرقلة وإعاقة ومراقبة الخطاب وتلغيمه. وفي إطار تحليل ونقد ينصب حول الظروف والعوامل الخارجية المحيطة بهذا الخطاب، سيتم استحضار الظروف العامة الموضوعية التي يشتغل في ظلها هذا الأخير، والتي بدورها تساهم في عملية التقليل منه ومراقبة إنتاجه، والمبالغة في استعماله، أو على الأقل تحريفه وتلغيمه، والحد من تكاثره وانطلاق قدراته. يتعلق الأمر هنا، بالركام والمخلفات والحصيلة السلبية والسمعة السيئة للحياة السياسية بالمغرب بفاعليها الحزبي والمخزني، وبتدخلاتها مباشرة أو عن طريق العناصر المحسوبة عليهما لاحتواء، وتدجين، وحبس الخطاب الأمازيغي وضبطه وتعطيله. ولتجنب "الارتجال"، و "التهور"، و "الإسراع"، في إطلاق الأحكام، والتي قد تؤدي إلى الوقوع في متاهات اليأس والعدمية والضياع، وبالتالي زرع مزيد من الشكوك، والأشواك في طريق العمل السياسي الأمازيغي، تجدر الإشارة إلى أن هذه القراءات التحليلية النقدية تروم إحداث "قفزة نوعية" في التفكير والتحليل والممارسة لخلخلة "العقل الأمازيغي" المعاصر، وتنقيته من "الأفكار الملغومة التدميرية والهدامة" و "تجاوز" جوانب التمويه في الخطاب في أفق "عقلنته". وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن هذه الدراسة المتواضعة سوف تشتغل وتمارس قراءتها "الموضوعية" حول أحداث ووقائع معروفة ونصوص ووثائق موجودة ومتداولة بين أيدي المناضلين والفاعلين الأمازيغيين، وعموم المهتمين بهذا الحقل والمتتبعين له، بعد أن نشرت ووزعت أغلب هذه النصوص والوثائق، إما في ملتقيات وتجمعات، أو على أعمدة وصفحات الإعلام المكتوب(5). ورفعا لأي لبس قد يعتري فهم القارئ لعنوان الدراسة، التي تتضمن مصطلحات في حجم مفاهيم، نتساءل أولا: أولا - ما المقصود بالتنظيم بشكل عام؟ ولماذا التركيز على التنظيم السياسي بدل التنظيم الجمعوي المدني؟ وما الذي يضفي على الموضوع طابع المشروعية ليطرح كإشكالية في إطار صياغة عنوان الدراسة؟ ثانيا- ماذا يراد بالخطاب بشكل عام؟ ولماذا الخطاب الذي له علاقة بالتنظيم السياسي؟ ألا يبدو أن مقاربة هذا الخطاب تتطلب استحضار خطابات أخرى معارضة، مضادة ومنافسة، وبالتالي ما موقع الخطاب السياسي الأمازيغي ضمن هذه الخطابات، وما خصوصياته، وعناصر القوة والضعف فيه؟ 1. مفهوم التنظيم: أصبح التنظيم في العقود الأخيرة علما قائما بذاته، لـه خبراؤه ودارسوه في الجامعات، والأحزاب، والجيوش، وغيرها. وأضحى مستوى أي تنظيم ودرجة فاعليته رهينا بمدى تطور الأسس النظرية والقانونية التي يقوم عليها. ويمكن تعريف التنظيم بأنه: "تكاثف مجهودات أفراد وتوجيهه من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف في أقل فترة زمنية وأقل التكاليف الممكنة"(6). إن هذا التعريف المقترح لا يخفي اختلاف جل المدارس الفكرية حول تأصيل نظرية عامة للتنظيم، لاختلاف المرجعيات، ولعدم الاتفاق على مبادئ مشتركة للنظرية، ولتنوع وجهات نظر الباحثين، ومناهج البحث(7). يمكن أن يكون التنظيم منتجا فعالا، كما يمكن أن يكون مجرد بيروقراطية معوقة. فرغبة الأشخاص، والإمكانات المتاحة لهم، والظروف العامة المحيطة بزمان ومكان اشتغالهم... كلها عناصر أساسية في توجيه التنظيم، وتحديد مساره الذي ينتهي إما بالوصول إلى الأهداف المرسومة، أو بالفشل دون تحقيقها. في هذه الدراسة سيتم التركيز على الأشكال التنظيمية الأمازيغية ذات الطابع السياسي، والتي لا يزال أغلبها عبارة عن مشاريع نظرية ظهرت في بداية هذا القرن، كتتويج لنقاش انطلق منذ عقد من الزمن، والذي يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل وفق الجدول التالي: الجدول رقم: 1مراحل النقاش الذي عرفته الحركة الأمازيغية حول التنظيم السياسي:
إن تقسيم هذا النقاش إلى مراحل زمنية ثلاث لا يعني وجود انفصال أو قطيعة فيما بينها، وإنما هناك تدرج وتداخل وتزامن. 2. مفهوم الخطاب: كلمة "خطاب"، مصطلح لساني، يتميز عن نص وكلام وكتابة وغيرها باشتماله لكل إنتاج ذهني سواء كان نثرا أو شعرا، منطوقا أو مكتوبا، فرديا أو جماعيا، ذاتيا أو مؤسسيا، في حين أن المصطلحات الأخرى تقتصر على جانب واحد. وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية. فهو ليس ناتجا بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها أو يحمل معناها أو يحيل إليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرع معرفي ما(8). ويحظى موضوع الخطاب باهتمام كبير من طرف مختلف الفاعلين في أي مجتمع، حيث يتولاه دارسون ومختصون بالبحث والتتبع والمراقبة، فرغم بساطته كما يبدو في الظاهر، إلا أن أشكال المنع والمراقبة التي تلحقه تكشف باكرا وبسرعة عن ارتباطه بالرغبة والسلطة. وفي هذا الصدد يقول "برنار هنري ليفي"(9): "إن الخطاب شيء بين الأشياء، وهو ككل الأشياء موضوع صراع من أجل الحصول على السلطة، فهو ليس فقط انعكاسا للصراعات السياسية، بل هو المسرح الذي يتم فيه استثمار الرغبة، فهو ذاته مدار الرغبة والسلطة". وفي نفس السياق تساءل فوكو قائلا: "وما المستغرب في ذلك ما دام الخطاب – وقد أوضح لنا التحليل النفسي ذلك- ليس فقط هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة، لكنه هو ما يصارع من أجله وما نصارع به، وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها"(10). وللقيام بالمهام المحددة سلفا، سوف أقتصر في هذه الدراسة المتواضعة، على الخطاب الأمازيغي الذي له علاقة بالتنظيم ذي الطابع السياسي. 3. مسار التنظيم الأمازيغي الحديث بالمغرب: من التنظيمات الجمعوية الثقافية والتنموية إلى مشاريع حول إطارات/ تنظيمات سياسية. تعتبر الجمعيات الثقافية والتنموية الأمازيغية، شكلا من أشكال التنظيم ذي الطابع الثقافي، الذي عرف الانطلاقة الحديثة منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، مع تجربة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي تأسست سنة 1967م(11). لتتوالى تجارب أخرى في أواخر السبعينيات، وبداية الثمانينات من القرن 20، والتي توسعت أكثر واتسعت خلال التسعينيات، وهي لا زالت مستمرة في الاتساع أفقيا وعموديا إلى اليوم. وبالرغم من الاهتمام الذي حظي به العمل الجمعوي الأمازيغي من طرف بعض الدارسين والباحثين(12)، فالملاحظ أن الجانب التاريخي هو الطاغي، وقليلا ما نصادف دراسات تهتم بالجانب التنظيمي الذي يتطلب مقاربة علمية ميدانية للوقوف عند خصوصيات ومشاكل هذا التنظيم، مبادئه، ومرجعياته، وأسسه المادية والبشرية، وأساليب إدارة موارده واتخاذ قراراته، وهياكله وعلاقاته...إلخ(13) لقد عرف العمل الجمعوي الأمازيغي خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي عدة تطورات، سواء على مستوى توحيد وتدقيق المطالب والأهداف، أو على مستوى تطوير تجربة التنظيم عبر تبلور وتجسيد فكرة التنسيق التي اتخذت ثلاثة مناحي: المستوى الأول من التطورات التي عرفها التنظيم الجمعوي الأمازيغي تمثل في صدور "ميثاق أكادير للغة والثقافة الأمازيغيتين" بتاريخ 5 غشت 1991م، والذي وقعته في البداية ست جمعيات على هامش الدورة الرابعة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير(14). كان الميثاق بمثابة أرضية تحددت فيها المبادئ، والأهداف المشتركة بين مكونات الحركة الجمعوية المتواجدة آنذاك، و"لحظة انبعاث وعي حديث بالمسألة الأمازيغية، يعكس التعايش بين الثقافي والسياسي حيث يصبح الأول رهين تحقيق مطلب دستوري وسياسي يتمثل في الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية الذي يعد مدخلا لأجرأة المشروع الثقافي. بل إن هذه المرجعية ستفتح النقاش حول طبيعة الآليات المؤطرة للفعل الاحتجاجي، وعن ضرورة الانتقال من إطار "الجمعيات إلى إطار الحزب السياسي"(15) كما شكل الميثاق آنذاك مرجعية لتبلور فكرة التنسيق الذي يدخل ضمن المستوى الثاني من تطورات التنظيم المذكور. اتخذ هذا التنسيق ثلاثة مناحي: المنحى الوطني، من خلال ظهور مجلس التنسيق الوطني (1993/1994)، المنحى الدولي، بالمساهمة في تأسيس الكونكريس العالمي الأمازيغي (1995)، أما المنحى الثالث للتنسيق فيتمثل في ظهور التنسيق الجهوي مثل: كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالشمال، قاضي قدور، تازلغا، يفوس... كل هذه الأشكال التنسيقية عرفت مشاكل أثرت على مردودية ووضعية التنظيم الجمعوي الأمازيغي، كما سأكشف عن ذلك في إطار تحليل سيرورة الخطاب. لكن رغم ذلك، فالتجارب التنظيمية الجمعوية حققت عدة إيجابيات لا يمكن لأحد إنكارها اللهم إذا كان منطلقا من عدمية لن تجدي شيئا، أو مدفوعا ممن يريد استغلال الأمازيغيين من وجودهم في حالة فوضى كما يؤكد ذلك احمد الدغرني(16). وبعد فترة (أواخر تسعينيات القرن الماضي) سادها تبادل الاتهامات وتحميل للمسؤولية بين الأطر والفاعلين الأمازيغيين حول الوضعية التي أصبحت تعرفها الحركة الأمازيغية في ظل مشاكل التنسيق على مختلف مستوياته، والتي وصفت من طرف البعض "بالفشل"، بينما عبر عنها آخرون إما "بالأزمة" أو "التعثر"، في حين وسمها آخرون بحالة "التشرذم" و "الضعف" و "الخلل"، جاء بيان فاتح مارس 2000 بشأن الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب، الذي صاغه الأستاذ محمد شفيق في ظل ظروف وتطورات داخلية عبر عن بعضها صاحب البيان بشكل صريح، دون نسيان التطورات والظروف الخارجية، ليعلن على أن "الجمعيات الثقافية استنفذت جهدها دون جدوى،... وأن القضية الآن على وشك التحول من قضية اقتصادية ثقافية إلى قضية سياسية"(17)، مما أعطى الضوء الأخضر لانطلاق العمل السياسي الأمازيغي عبر عقد ندوات ومحاضرات جماهيرية... وخرجات إعلامية من قبل "الفاعلين" الأمازيغيين(18) الذين تمكن البعض منهم، وفي ظرف سنتين من إنجاز واستكمال إنجاز مجموعة من المشاريع النظرية التنظيمية ذات الطابع السياسي، والتي سأقدم ما نشر منها، ووزع في الإعلام والملتقيات، في شكل جداول تتضمن عددا من المعلومات التي ستساعد على القيام بعمليات القراءة والتحليل والتعليق. 1.3.معلومات عن مشاريع تنظيمية في شكل أحزاب سياسية (الجدول رقم:2و3) الجدول رقم:2
الجدول رقم: 3
2.3. معلومات عن مشاريع تنظيمية في شكل جمعيات ذات طابع سياسي(الجداول رقم: 4 و 5) الجدول رقم: 4.
الجدول رقم: 5.
|
|