| |
الخطاب السياسي الأمازيغي:
الحقل والمفاهيم
بقلم: عبد الصمد المجوطي (جامعة وجدة)
يطرح الخطاب discours عادة، باعتباره مجموعة من المفاهيم
والتصورات التي تتمظهر في نصوص و»كلام وكتابة وغيرها باحتوائه لكل إنتاج ذهني سواء
أكان منطوقا أو مكتوبا، فرديا أو جماعيا، ذاتيا أو مؤسسيا.»(1)، بغاية الوصول إلى
أهداف معينة أو بدائل عن وضعية محددة أو مجموع القضايا المطروحة على الساحة
السياسية. وقد يتماهى الخطاب بين الدعوة إلى الإصلاح عبر آليات قانونية مؤسساتية من
خلال العمل على حشد وتوجيه الرأي العام الحامل لهم إيجاد وضعيات أفضل، أو الدعوة
إلى انقلاب كامل أو جزئي على المنظومة السائدة، انطلاقا من مفاهيم تجد في بعض
التجارب والمرجعيات أسسها النظرية.
والخطاب السياسي الأمازيغي الذي نريد طرحه هنا، لا يبتعد كثيرا عن هذه الاتجاهات
العامة وإن كان متميزا بانطلاقة من بعض المعطيات/القيم المغيبة داخل النسق السياسي
الوطني.
وتناولنا لهذا الموضوع ينبني على قناعات مبدئية، تدعو إلى ضرورة إيجاد مخرج من
الانتظارية التي تعيشها غالبية مكونات الحركة الأمازيغية، وذلك بطرح ليس بجديد
ولكنه قد يكون إعادة لصياغة مقومات حقيقية، لا تقصي أيا من التوجهات داخل الحركة
الأمازيغية.
الحركة الأمازيغية وتصحيح التصورات
سعت بعض الأطراف السياسية «الوطنية» إلى طمس الذاكرة الجماعية للمغاربة، عبر
استيراد مرجعيات جاهزة، اعتبرتها حلولا نهائية، من جهة، وإقصاء كل ما له علاقة
بالأمازيغية والوطن الحقيقي. وفي خضم هذه التحولات المفروضة، ظهر خطاب أمازيغي يهدف
إلى تصحيح هذه الطروحات السياسية السائدة، عبر طرح أسئلة حول مشروعية التوجه الداعي
إلى تأسيس دولة ومجتمع وفق مرجعية وخطاب غريبين ودخيلين عن الواقع الاجتماعي
المغربي، انطلاقا من إعادة النظر وتصحيح بعض التصورات عن الإنسان الأمازيغي،
حضارته، ثقافته، لغته، دون الانغلاق على الذات والاجتهادات الإنسانية في مختلف
الميادين والتخصصات.
كما أسس الخطاب الأمازيغي لثقافة المواطنة كما تعارفت عليها المجتمعات الإنسانية،
وكما نصت عليها المواثيق الدولية، بالعمل على إعطاء صورة حقيقية لمفهوم المواطنة
القائم على ازدواجية الحقوق والواجبات، مع رفض النزعة المتشكلة إبان ظهور الحركة
اللاوطنية، التي أعطت تصورا خاطئا لمفهوم المواطنة بعملها على استحضار وتقديس بعد
واحد على حساب أبعاد كثيرة ومتعددة، إضافة إلى عملها على تشويه بعض المحطات
التاريخية واستغلالها لها، انطلاقا من منطق سياسوي، يتناقض والمواطنة سواء كسلوك أو
كممارسة. ولعل أهم هذه المحطات التي تم استغلالها هو صدور ظهير 16 ماي 1930 المنظم
للمناطق ذات العوائد الأمازيغية مع أنه طبق حتى في المناطق «المعربة»، والاستمرار
إلى يومنا هذا في استحضار هذه الواقعة بهدف البحث عن مشروعية جديدة قائمة على
الماضي واستغلال المقدس. وكرد فعل عملت الحركة الأمازيغية على رفض هذا المنطق
التدجيني بالبحث عن الحقيقة – حقيقة ما جرى - ومحاولة إيصالها إلى جمهور المهتمين
والرأي العام مع فضح للممارسات الانفعالية والإقصائية لهذه الحركة المشكوك في
وطنيتها. وترجم هذا البحث عن الحقيقة في مقالات وكتابات عديدة ككتاب محمد منيب»الظهير
البربري أكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر"، ثم كتاب "الظهير البربري
السياق والتداعيات" لصاحبه عبد المطلب الزيزاوي. والقارئ المتمعن لهذه الكتابات يجد
أن هذا الظهير الحامل في داخله لتوقيع السلطان، إضافة إلى أنه استعماري بمعنى أنه
صادر عن المستعمر "الحامي"، لم يحمل في أي من بنوده أية دعوة إلى التفرقة بين
مكونات المجتمع المغربي. لتظهر شمس الحقيقة ويضيء الظلام، مما يمكن اعتباره بمثابة
فضح سياسي حقيقي لطروحات بعض القوى التي كانت تصطاد في الماء العكر بخلقها أكاذيب
للاستهلاك السياسي لا أكثر.تمظهرات الخطاب السياسي الأمازيغي
يمكن ملامسة هذه التمظهرات من خلال قيام هذا الخطاب على تقديم بدائل سياسية ومحاولة
مراجعة بعض المفاهيم الإقصائية السائدة. ويمكن اعتبار "البيان الأمازيغي" لفاتح
مارس 2000، بمثابة المنطلق الحقيقي للخطاب السياسي الأمازيغي، وذلك لما تمخض عنه من
نقاش كبير بين مختلف الفاعلين الأمازيغيين وما نتج عنه من تصورات وأوراق في مراحله
الخمس، دون إغفال للمذكرة الدستورية لـ 1996 من طرف مجلس التنسيق الوطني فيما يمكن
اعتباره بداية لعلاقة جديدة للأمازيغية مع النسق السياسي. فالدستور بتعبيره عن
طبيعة النظام السياسي تغافل اللغة الأمازيغية بحجة الوحدة الوطنية التي أقحمت بشكل
تعسفي، كمفهوم لا يعبر عن الواقع الحقيقي للأمازيغية ودورها التاريخي في الحفاظ على
هذه الوحدة. وبالرغم من النقاش الذي أثير حول سلوك الحركة الأمازيغية في علاقتها مع
النظام، والذي حاكى بوعي أو عن غير وعي مثيله الحزبي إلا أنه اعتبر بمثابة توجه
جديد حتى وإن اعتمد ثقافة الالتماس بدل الحقوق المرتبطة بالمواطنة. إنه تعبير عن
وعي جديد تجاه مخاضات المغرب السياسية. وفي ارتباط بالمسألة الدستورية يمكن الحديث
عن مبادرات جديدة للإصلاح الدستوري، انطلقت في غالبيتها من مكونات الحركة
الأمازيغية وبالخصوص الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة والحركة الجمعوية
الأمازيغية فـMCA مع مراعاة تقاطعاتها مع باقي مكونات الحركة الأمازيغية، رفعت شعار
«دسترة الأمازيغية» في دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا. وهذا التعبير الأخير، بمثابة
الدعوى إلى دمقرطة النظام السياسي عبر دستور ديموقراطي يضمن الحق للجميع بدون
استثناء. وقد عملت MCA على فتح نقاشات داخل الجامعة في ذات الموضوع، وكذا تنظيم
أنشطة إشعاعية، مؤطرة بدسترة الأمازيغية لغة رسمية كشعار مركزي إضافة إلى ندوات ضمن
أنشطها، معبرة بذلك كما كان الشأن بالنسبة للموسم الجامعي 2004-2005 عن جاهزيتها
للنضال الاحتجاجي في سبيل تحقيق مطالبها العادلة والمشروعة. فالتظاهرات الجامعية
التي تنظمها MCA تعبر عن احتجاجية حضارية، مع مشاركة قوية للجماهير الطلابية فيها،
مما يمكن اعتباره قوة ضغط حقيقية. ولعل الاستجابة لنداءاتها على مستوى الجامعة
مرتبط ارتباطا كبيرا بسمعتها النضالية، المؤسسة على مبدأ الوضوح والشفافية واستبعاد
«الدمغجة» والكذب كما هو الشأن بالنسبة لبعض مكونات أوطم.
أما فيما يخص الحركة الجمعوية الأمازيغية فيمكن الحديث عن بعض المبادرات المنظمة،
كما هو الشأن بالنسبة لميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف من أجل دسترة الأمازيغية،
والذي وقع عليه ما يقارب 30 جمعية إلى حدود الآن وطرح إلى جانب دسترة الأمازيغية
كلغة رسمية، إقرار الفدرالية كشكل لنظام الدولة، إضافة إلى العلمانية واعتماد العرف
الأمازيغي كمصدر للتشريع. ولعل الخطوة الأهم في مطلبية الحركة الجمعوية هو سعيها
الحثيث إلى تشكيل ورقة وطنية، بدأت بالتنسيق فيما بينها، فيما يمكن اعتباره توافقا
وطنيا حول الإصلاح الدستوري، خارج الإطارات السياسية – الأحزاب - التي ما تزال
مقارباتها للمسألة الدستورية محتشمة، في ظل انسداد أفقها النضالي واتجاهها أكثر نحو
مصالحها الضيقة.
وتشكل المسألة الدستورية تمظهرا من تمظهرات الخطاب السياسي الأمازيغي باعتبار
الدستور بمثابة الشكل التنظيمي والقانوني للدولة.
وبالعودة إلى البيان الأمازيغي لفاتح مارس 2000، وما تمخض عنه من تصورات ومقارابات
جديدة للقضية الأمازيغية نستشف أن الأمازيغية كانت تدخل في نطاق اللامفكر فيه لدى
التشكيلة السياسية المغربية. ولهذا نجد أن المطلب الأول للبيان الأمازيغي ينص على
ضرورة «أن تجعل الحكومة هذه المسألة المعروضة عليها موضوع حوار وطني واسع النطاق».
وهذا تأكيد على ضرورة تحمل أجهزة الدولة لمسؤولياتها تجاه القضية الأمازيغية، مع
ضرورة توجيه المشهد الحزبي نحو القضايا الحقيقية للمواطنين في الريف والأطلس وسوس
والصحراء بدل الاهتمام بقضايا المشرق البعيدة عن اهتمامات ومشاكل المغرب الحقيقية،
كما يحمل البيان بشكل واضح في المادتين الثانية والثالثة التهميش الاقتصادي الذي
تعاني منه المناطق الأمازيغية للدولة ويطالب في المطلب الثالث «بأن يخطط بجد
للتنمية الاقتصادية في المناطق الناطقة بالأمازيغية مع إعطائها الأسبقية لمدة
معينة، في ما يرجع للتجهيزات الأساسية». وهو ما يمكن اعتباره تحولا في الخطاب
الأمازيغي نحو مقاربة شاملة تمزج بين ما هو ثقافي بما هو اقتصادي واجتماعي دون
إغفال للجوانب الرمزية المتجسدة في العنف الممارس من طرف الدولة، بما في ذلك
الإعلام والإدارة، على إيمازيغن.
لنصل إلى خلاصة مفادها أن البيان الأمازيغي شكل بالفعل انقلابا في الخطاب ودعوة إلى
رص الصفوف بحثا عن بديل للخطاب والممارسة السائدين لدى الحركة الأمازيغية.
وفي خضم هذه التحولات ظهرت تصورات ومفاهيم جديدة أو مجددة في خطاب الحركة
الأمازيغية السياسي، فقاربت مفهوم الدولة إما انطلاقا من اعتبار الملكية معطى
تاريخيا تنظيميا أمازيغيا، وهذا ما يظهر بالخصوص في وثيقة «البديل الأمازيغي»، التي
دعت إلى «استبدال المرجعيات المتداولة في السوق السياسية بالمرجعة الأمازيغية ومن
ثم إعادة تشكيل «الدولة الأمازيغية» ذات نظام «تاكلديت» المدارة وفق قواعد «الأعراف
الأمازيغية»»(2). في ذات السياق طرح المشروع النهضوي الأمازيغي، لمحمد بن ميس
إمكانية التعايش بين المؤسسة الملكية والديموقراطية، في إطار فصلها – الملكية - عن
المؤسسات المنتخبة مع قيامها بحماية دستور البلاد»(3). في ذات السياق طرحت بعض
الفعاليات الأمازيغية فكرة الاستقلال الذاتي أو الفدرالية كإجابة تنظيمية عن مركزية
الدولة، إما انطلاقا من نماذج أمازيغية عريقة، أو بناءا على بعض التجارب الدولية،
بحكم تفاعل إقليمي معها. إلا أن هذا النموذج لم يطرح على المستوى الرسمي إلا من
خلال المبادرات الأخيرة الداعية إلى الإصلاح الدستوري والمتزامنة مع طرح الدولة
للاستقلال الذاتي كإجابة لمشكلة الصحراء، في أفق التعديل الدستوري المرتقب. غير أن
هذه النظرة تفتقر للأساس النظري، بحكم غياب اجتهادات وتراكمات في ذات
الموضوع.الحركة الأمازيغية والإشكالية التنظيمية
يمكن معالجة هذا المعطى من خلال استحضار طبيعة التنظيم الأولي للحركة الأمازيغية
باعتبارها ومنذ تأسيس أول جمعية سنة 1967 (أمريك)، لم تخرج كثيرا عن الإطار
الجمعوي. فحتى مع ميثاق أكادير لم تبحث الحركة الأمازيغية عن بديل تنظيمي بل بقيت
حبيسة سياقها المتأثر بتأسيسها الرسمي، ومع ظهور فاعلين جدد في الساحة الأمازيغية
MCA مثلا، واتساع نطاق الخطاب الأمازيغي، طرحت فكرة التنظيم من جديد بداية من سنة
2000، تزامنا مع النقاش المثار حول بيان فاتح مارس، وتفاعلا كذلك مع التحولات التي
عرفتها القضية الأمازيغية على المستوى الإقليمي والمتجسدة بالأساس في الانتقال إلى
العمل السياسي في الجزائر والمتجسد في تأسيس «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية»
باعتباره الحامل لهم القضية الأمازيغية.
فـ»البيان» فتح النقاش حول الآلية التنظيمية فطرحت أوراق تماهت بين الخيار الحزبي،
والجمعية السياسية وكذا حركة مؤثرة على المشهد السياسي وعلى القرار السياسي دون أن
تشارك من الداخل في اللعبة السياسية. وكان هذا الطرح من وجهة نظرنا علميا اعتبارا
لما كان يعيشه المشهد الحزبي من تناقضات مرضية لا يمكنه أن يقدم الشيء الكثير
آنذاك، باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه. فهده الحركة، طرحت كبديل تنظيمي للحركة
الأمازيغية يهدف إلى نقل الخطاب الأمازيغي من الطابع المطلبي إلى الاحتجاجي، وذلك
بعيدا عن سوق الصراع حول المراكز والكراسي الانتخابية، وهو ما يمكن اعتباره توافقا
وموقف معظم مكونات الحركة الأمازيغية الداعي إلى مقاطعة الانتخابات، واعتبار هذه
الأخيرة لا تمثل حقيقة التعبير السياسي للرأي العام، بحكم مشاركة نسبة قليلة من
الناخبين فيها، وهو سلوك سياسي نهجته الحركة الأمازيغية تماشىا مع التعبير
الاجتماعي الرافض لهذه المنظومة السياسية.
إحالات
1-ميشيل فوكو:«نظام الخطاب»، ص:9.
2-محمد أتركين: «الثقافة السياسية لدى نخبة الحركة الأمازيغية»، وجهة نظر، عدد 27،
شتاء 2005، ص: 12.
3-نفس المرجع ص: 13.
|