| |
قمة
الاستهتار بتدريس الأمازيغية في الدورة التكوينية بالخميسات
بقلم: محمد بودهان
عندما كتبنا أن تدريس الأمازيغية يمثل أكبر
خدعة للقرن الواحد والعشرين (العدد 91، نوفمبر 2004)، لم يكن ذلك مبالغة أو مجانبة
للصواب، بل كان هو عين الصواب وعين الحقيقة المرة التي يؤكدها يوميا وهمُ تدريس
الأمازيغية.
فها هي "الدورة التكوينية" (21، 22، 23 و 24 فبراير 2006) التي نظمتها نيابة وزارة
التربية الوطنية بالخميسات لفائدة مدرسي الأمازيغية تتحول إلى مهزلة ومسخرة تمثل
منتهى الاستخفاف والاستهتار بالأمازيغية ومشروع تدريسها، استهتار يؤلم قلب كل غيور
على المغرب وأمازيغيته وهويته.
وقد نقلت يومية "صوت الناس" في عددها ليوم 25 فبراير 2006 بعض مظاهر هذه المسخرة
وهذا الاستهتار الذي نورد أهم عناصره مع تعليقنا على ذلك:
ـ من مجموع 280 مستدعى للاستفادة من "التكوين" (أي تكوين!)، 30% منهم غير ناطقين
بالأمازيغية، أي ما مجموعه 84 "مدرسا". أليس تلاعبا وهزلا واستخفافا مقصودا استدعاء
معلمين قصد إعدادهم لتدريس لغة لا يفقهون فيها حرفا ولا كلمة؟ كل هذا يدل على أن
الهدف من "الدورة التكوينية" ليس هو الإعداد لتدريس الأمازيغية، بل هو فقط تنظيم "الدورة
التكوينية" حتى يقال إن المسؤولين يعتنون بتدريس الأمازيغية، ولا يهم بعد ذلك اللغة
التي يتقنها من حضر هذا "التكوين"، وهل سيدرس الأمازيغية أم الصينية أم الفارسية أم
العربية...؟ وهذا ما يمثل قمة الاستهتار بالأمازيغية وتدريسها، وهو ما أكدنا عليه
مرارا في مقالات سابقة حول نفس الموضوع.
ـ إلا أن الحقيقة الرسمية، في ما يتلق بتدريس الأمازيغية، هي ما كشف عنها السيد
نائب وزارة التربية بالخميسات عندما اعتبر، وهو يخاطب المحتجين على سوء شروط
الإقامة والتغذية، أن مشروع تدريس الأمازيغية "مضيعة للوقت"، قائلا لهم: «هيوا غير
قريو هذا الأمازيغية واخّا غير ربع ساعة»، مضيفا: «هادشي ديال الأمازيغية مشكلة
لأنها كتعطل الأساتذة على الدروس ديالهوم»، كما نقلت ذلك "صوت الناس".
عندما يجاهر مسؤول على قطاع التعليم بالإقليم بمثل هذا الكلام في حق الأمازيغية
وتدريسها، فهو كممثل للوزارة الوصية على القطاع، يعبر عن الموقف الرسمي
الحقيقي،العملي والتطبيقي، وليس الموقف الديماغوجي أو الإركامي الاستمنائي. وهكذا
يكون تدريس الأمازيغية عبئا وعائقا يعطل تدريس المواد الأخرى ويهدر الوقت فيما لا
فائدة فيه ولا منه. لهذا يمكن التخفيف من هذا العبء "الأمازيغي" والتغلب على هذا
العائق بتدريس هذه الأمازيغية ولو في ربع ساعة أسبوعيا ما دامت الغاية ليست هي
تدريس الأمازيغية بالذات، بل هو التدريس في ذاته حتى يقال إن الأمازيغية تدرّس، ولا
يهم بعد ذلك من يدرّسها، هل يتكلم البردقيزية أم السريانية، ولا كم من حصص ترصد
لتدريسها.
ـ إذا كان هذا هو موقف نائب الوزير من تدريس الأمازيغية، فماذا سيكون موقف المديرين
الذين لا يكنون ودا للأمازيغية؟ طبعا سوف لا يلامون على إسناد تدريس غير الأمازيغية
إلى معلمي الأمازيغية وتكليف هؤلاء بمستويات أخرى لا تدرس بها الأمازيغية، مما أدى
إلى الإلغاء النهائي تقريبا، في كثير من المؤسسات التي سبق أن انطلق بها تدريس
الأمازيغية، للمستوى الثاني بعد أن ألغت الوزارة نفسها المستوى الثالث الذي كان
مقررا الشروع فيه مع الدخول المدرسي 2005 ـ 2006، بالإضافة إلى تراجعها عن تدريس
الأمازيغية كذلك بالثانوي الإعدادي والتأهيلي لهذه السنة الدراسية كما سبق أن أعلن
عن ذلك رسميا. فإذا لم يكن هناك ما يلزم نائب وزارة التربية الوطنية باحترام وتنفيذ
القرارات الخاصة تدريس الأمازيغية، فكيف سيلتزم المدير بتلك القرارات التي ليس لها
طابع إلزامي، وبالتالي لا يترتب عن الإخلال بها أي جزاء أو مساءلة؟ هنا يصدق قول
الشاعر:
إذا رأيت رب الدار للدف ضاربا ** فلا تلم الأطفال عن الرقص.
فالمشكلة إذن، كل المشكلة، في فشل مشروع تدريس الأمازيغية، وتنميتها تنمية حقيقية
وجدية، ورد الاعتبار لها كما كان يأمل الجميع منذ إنشاء "ليركام"، تكمن في غياب
نصوص تشريعية تنظم علمية تدريس الأمازيغية، تكون ملزمة للجميع. ويتمثل هذا الإلزام
في ترتيب الجزاء والمساءلة عن كل إخلال بتطبيق مضامين هذه النصوص، كما هو شأن كل
التشريعات القانوينة.
ـ ولما واجه بعض أطر "ليركام" الذين كانوا متواجدين كأساتذة مؤطرين، السيد النائب
بتذكيره يالمذكرات التي صدرت حول الموضوع مثل المذكرة 90، أجابهم بكل صلافة «بأن
المذكرة ليست وثيقة مقدسة وليست تنزيلا»، كما كتبت "صوت الناس". وجواب السيد النائب
سليم وصحيح ومنطقي. لماذا؟ لأن المذكرات المتعلقة بتدريس الأمازيغية هي بالفعل ليست
"مقدسة" ولا "تنزيلا". لماذا؟ لأنها بكل بساطة ليست ملزمة لأحد. فـ"قداسة" النصوص
التشريعية و"تنزيلها" تستمد، ليس من مضامينها، بل من إلزاميتها. وبما أنه لم يصدر
لحد الآن تشريع إلزامي بشأن تدريس الأمازيغية، فليس هناك ما يحمل هذا المسؤول أو
ذاك على احترام وتطبيق مذكرات "استئناسية" وغير ملزمة وهو يعلم أن عدم تطبيقها لا
يعرضه لأية مساءلة أو محاسبة، خصوصا في سياق سياسي معادٍ للأمازيغية.
لكن لماذا لا يستطيع السيد نائب الوزارة أن يعامل العربية بالمثل فيتصرف في
المذكرات الخاصة بتدريس العربية ويخفض من الغلاف الزمني الأسبوعي المخصص لهذه
المادة بناء على أن تلك المذكرات ليست "مقدسة" ولا "تنزيلا"؟ لأنه يعرف أنه سيتعرض،
لو فعل، للمساءلة والاستفسار عن ذلك الإخلال بالنصوص المنظمة لتدريس وحماية اللغة
العربية، باعتبارها نصوصا ملزمة. أما الأمازيغية فمتروكة لأمزجة المسؤولين يفعلون
بها ما شاءوا حسب هواهم ومواقفهم تجاهها.
ـ مع استمرار هذا التلاعب والاستهتار بالأمازيغية وتدريسها من طرف المسؤولين، يطرح
من جديد السؤال التالي: لماذا يستمر أعضاء مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية في مناصبهم واستمناءاتهم بإعدادهم لبرامج وكتب لتدريس الأمازيغية وعقد
اتفاقيات بين المعهد ووزارة التربية مع أن نواب هذه الوزارة يقولون بأن كل ذلك ليس
"مقدسا" ولا "تنزيلا"؟ لماذا استمرارهم إذن في تزكية هذا التلاعب وهذا الاستخفاف
بالأمازيغية وتدريسها؟ أيجهلون دورهم في التخلص من الأمازيغية كقضية سياسية بهذه
الطريقة الإركامية؟ أيجهلون جسامة مسؤوليتهم التاريخية التي قد تقرأها الأجيال
القادمة كبيع للقضية وتواطؤ ضدها مع أعدائها التاريخيين؟
ـ إن ما تحتاج إليه الأمازيغية، قبل تدريسها وقبل إصدار الكتب حولها وقبل تنظيم
دورات تكوينية بشأن تدريسها، هو توفر الإرادة السياسية، يصدق وجدية، لتنمية
الأمازيغية وتدريسها. وإلى الآن هذه الإرادة لا زالت غائبة ومنعدمة. وما يلاحظ من
غياب للجدية في تعامل المسؤولين الصغار مع تدريس الأمازيغية هو نتيجة لغياب هذه
الإرادة لدى المسؤولين الكبار وأصحاب القرار. وهو ما ينعكس في شكل احتقار كامل
لقرارات ومذكرات وزارية باعتباره غير "مقدسة" ولا "تنزيلا". والمسكوت عنه في هذا
الاحتقار، هو أن الأمازيغية مجرد مضيعة للوقت وتعطيل لتدريس العربية بالنسبة
للمسؤولين.
ـ كل هذه المواقف والممارسات الاحتقارية المرتبطة بتدريس الأمازيغية تعطي الصدقية
والمشروعية للمنسحبين من معهد اعتقال الأمازيغية. فالأسباب التي من أجلها انسحبوا،
ليست لا تزال قائمة فحسب، بل ازدادت استفحالا وتفاقما مع التراجع الرسمي عن
التزامات وتعهدات سبق لمسؤولين أن التزموا بها، خصوصا في ما يتعلق بموضوع تدريس
الأمازيغية.
|