| |
حوار مع حماد الرايس
أوماسّت حول بعض قضايا الأغنية الأمازيغية بالمغرب
حاوره: الحسين بوالزيت أوماسّت
سؤال: أزول، هل يمكن أن تعطينا بطاقة تعريفية خاصة بكم؟
جواب: الرايس حماد أوماست، ازداد سنة 1954 بدوار آيت إلياس بماست، بدأت مسيرتي
الفنية منذ سنة 1974، في حدود سنة 1976 دخلت مجال الحرف وامتهنت حرفة الخياطة. وفي
نفس الوقت تابعت مسيرتي الفنية وكنت أغني مع مجموعة من الروايس أمثال الرايس حسن،
جامع ابكريم، وكان ذلك إلى حدود سنة 1980 حيث التحقت بالرايس سعيد اشتوك و عملت معه
إلى حدود سنة 1987. وعندما افترقنا رجعت مرة أخرى إلى ماسّت وبها واصلت مسيرتي
الغنائية كالعادة. هذا وقد سافرت إلى فرنسا سنة 1984 وزرت سنة 1989 مجموعة من الدول
الأوربية مثل بلجيكا والبرتغال ثم قطر سنة 2003.
س: ألف الرايس حماد أوماست الغناء في فضاء أسايس حيث أدى مجموعة من أغانيه غير
المسجلة إلى حدود اليوم في نفس الفضاء الذي نعرف على أنه بمثابة اجتماع لكل عناصر
القبيلة. ما هي الأغاني التي كان حماد أوماست يؤديها داخل فضاء أسايس؟
ج: كنت أغنّي فقط أغاني الروايس من أمثال الحاج بلعيد، بوباكر انشاد، سعيد اشتوك
إلى أن التحقت بالرايس سعيد اشتوك حيث وجدت نفسي مجبرا على إبداع و أداء أغاني خاصة
بي.
س: لماذا؟
ج: لأنه لا يمكن أن أغني أغانيه وأغاني الروايس الآخرين أمامه أو بحضوره، وكان ذلك
سببا في إبداع أغاني خاصة من أجل أدائها في فضاءات اسايس التي خلقت في حماسة شديدة
من أجل الإبداع والعطاء.
س: إذا طلبنا منك أن تقيم مقارنة بين فضاء اسايس في الماضي وفي الحاضر، ما هي أوجه
الفرق؟
ج: هناك فرق شاسع. في الماضي كان اسايس يأتي إليه العقلاء والحكماء، ويرتاده عشاق
الكلمة الجيدة والأغنية الملتزمة التي تعبر عن معاناة الإنسان في الحياة اليومية،
وينشد فيه الروايس أمارك بكل ثقة في النفس وذلك بتناغم تام بين الكلمة الحية واللحن
العذب. ويكتفون في أداء أغانيهم بحناجرهم وتعابير أجسادهم ولا توجد كل هذه الوسائل
التكنولوجية الخاصة بالعزف والصورة. ورغم ذلك فالحضور يتابع بكل اهتمام وتركيز كل
الأغاني التي كنا نؤديها بهدف الاستفادة وتسجيل بعض المعاني الموجودة في أمارك
الروايس. بل أكثر من ذلك، كان هناك من الحضور من يربط بين ما سيقع له وبين ما سيقوم
به الرايس. وكان الرايس كذلك جد مراقب بحيث لا حق له في الخطأ، فالجميع ينصت إليه
وإذا قام بهفوة في الكلمة أو اللحن، فإن ذلك ينتشر بسرعة رهيبة داخل القبيلة بفعل
تداول الناس لذلك الخطأ ويصبح الرايس المخطئ محط سخرية الجميع. بمعنى أن الكل يعتبر
بمثابة عنصر من مجموعة الروايس والفرق الموجود هو أن الذي يغني في اسايس يتوفر على
قدر كبير من الجرأة والشجاعة لا غير.
س: نلاحظ اليوم أن الشباب بصفة عامة بدأ يهجر الأغنية الأمازيغية القديمة، ونعرف أن
العديد من العوامل ساهمت بشكل مباشر في ذلك ومنها القنوات التلفزية المغربية التي
تقدم فقط أغاني الشرق المائعة. أنت كواحد من الروايس كيف تنظر إلى انسجام الشباب مع
تلك الأغاني والتخلي عن أغانيهم الأصلية؟
ج: في الحقيقة ذلك يحز في نفسي كثيرا، خصوصا عندما ألاحظ أن معظم الشباب بما فيهم
ذوو الأصول الأمازيغية يتابعون الأغاني المشرقية السورية والمصرية... التي تؤدى
بلغة ليست لغتهم. هم يريدون بذلك الدخول إلى عوالم أخرى، عوالم مفترضة ووهمية، هي
موجودة فقط على شكل صور ذهنية لا علاقة لها بالواقع. وفي المقابل يهجرون الأغنية
الأمازيغية المؤداة بلغتهم الأصلية وتعبر عن ثقافتهم وحضارتهم وهم يعرفون أن
الآخرين لن يقبلوا بهم. إذن لنرجع إلى ذواتنا و لنكن من نكون: لنكن ايمازيغن. لذلك
يجب على الدولة أن تقوم بإحداث قنوات إذاعية وتلفزية أمازيغية لكي يتواصل ايمازيغن
فيما بينهم ويتصالح الشعب مع ذاته. والسبب الحقيقي الذي جعلني أنادي بهذه الأشياء
هو أن اسايس كفضاء ثقافي واجتماعي كان يحمي الأغنية الأمازيغية ويضمن لها الحياة
والاستمرار، ولكن بالنظر إلى حجم التطورات التي عرفها المجتمع الأمازيغي، ومنها
تراجع دور اسايس في تأطير المجتمع ومنه الرقص والأغنية، فإنه لا مناص لضمان
استمرارية الفن الأمازيغي من تحصينه بالوسائل التكنولوجية الجديدة في مجال الإعلام.
ولذلك يجب على الجميع أن يتفق على ضرورة إدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في المشهد
الإعلامي الوطني.
س: في نظري يجب أن تبقى الأغنية الأمازيغية الأصيلة كما كانت في السابق ودون أي
تغيير. وبالمقابل كذلك يجب أن تبقى الأغنية العصرية كما هي وأن تتواجد بجوار
الأغنية الأمازيغية الكلاسيكية. ولكن يجب العمل على عدم تداخل مستويات وجود كل نمط
على حدة. إذن يجب العمل بالنوعين لأن شباب اليوم يمكن أن يعجبه العزف على آلة
الرباب أو لوطار ولكن يمكن أن نستعمل الآلات الموسيقية الحديثة من أجل إيصال
رسالتنا. ولكن لا يجب التركيز أكثر على استخدام الآلات الموسيقية والإكثار منها.
والسبب في نظري راجع إلى غياب الكلمة الممتازة والمعبرة، وبالتالي يلجأ هؤلاء إلى
الاستخدام المفرط للآلات الموسيقية العصرية لتجاوز هذا العائق والضعف المتمثل في
غياب الكلمة الجيدة، التي هي أهم شيء في أمارك. ما هو مضمون رسالة الرايس حماد
أوماست الفنية؟
ج: في الأغاني التي أغنيها في اسايس أحاول قدر الإمكان أن أتحدث فيها عن كافة هموم
وانشغالات المجتمع المختلفة. كما أنني أغني من أجل الحب وكما تعرفون فالحب آنذاك
يوجد بصورة مختلفة عما هو عليه اليوم، على اعتبار أن الحب والجمال في ذلك الوقت
يعبر عنهما بطريقة رمزية جد عالية. في الماضي لا يسمح بلقاء مباشر بين الفتيان
والفتيات، ولكن تكفي نظرة واحدة لتنشأ بينهما علاقة حب خفية و عن بعد، وغالبا ما
تنتهي بالزواج بعد شهر أو شهرين. أما اليوم، وبسبب تسويق أفكار وقيم أجنبية غريبة
عن المجتمع الأمازيغي، فإن كل شيء تغير بشكل كبير، وانعدام الحياء والحشمة والوقار
في المجتمع بصفة عامة.
وبغية التواصل أكثر مع الجمهور الأمازيغي فإنني أفكر في إصدار ديوان شعري يضم كل
القصائد التي كتبتها منذ الخمسينات إلى اليوم. ولكن هناك صعوبات كبيرة كما تعرفون،
والتي تحول دون القيام بمثل هذه الأمور. ومنها على الخصوص غياب الدعم المادي.
س: كيف يشعر الرايس حماد أوماسّت وهو يشاهد فنانين دون المستوى وصلوا درجة كبيرة من
الشهرة دون أن يقدموا أي شيء للأغنية الأمازيغية؟ في حين أنك تستحق تلك المكانة
بالنظر إلى ما أسديته من خدمات كبيرة لعشاق أغاني الروايس.
ج: لا أخفي عليكم مدى المرارة التي أشعر بها عندما أقوم بمقارنة بسيطة بيني وبين
بعض الفنانين الآخرين الذين تسلقوا الدرجات بفعل ظروف معينة على حساب الفنانين
الموهوبين الذين عملوا على إعطاء الشيء الكثير للأغنية الأمازيغية. ولكن سأحاول أن
أتواصل مع جمهوري الخاص عن طريق إصدار ديوان شعري كما قلت سابقا.
س: ما رأيك في عمل الجمعيات الثقافية الأمازيغية؟
ج: باختصار شديد، إنها تقوم بعمل جبار جدا، وتنكب على قضايا في غاية الأهمية لصالح
الثقافة الأمازيغية بصفة عامة. ونحن على أتم الاستعداد للتعاون معها لتحقيق أهدافنا
المشتركة.
س: الرايس حماد شاركت إلى جانب فنانين آخرين في إخراج سمفونية أمازيغية إلى حيز
الوجود. ما هو دورك في هدا العمل؟
ج: قمت بأداء أغنية للرايس سعيد اشتوك وأردت بهذا العمل أن أقوم بتكريم رمزي عرفانا
له بالجميل. وقد كان دوري بارزا جدا في إخراج تلك السمفونية إلى حيز الوجود إلى
جانب ما يقارب 55 فنانا بذلوا جهودهم لخدمة الأغنية الأمازيغية بعيدا عن منطق
التجارة والمتاجرة. وقد دامت التداريب ثلاثة أيام، وكلفنا هدا العمل مجهودات خاصة
من أجل إنجاح هذا العمل الفني الأمازيغي.
س: ما هو مستقبل الأغنية الأمازيغية خصوصا إذا أخدنا بعين الاعتبار الغزو الثقافي
واللغوي الذي تعمل الأجهزة الإعلامية في المغرب على تسهيله؟
ج: بخلاف الآراء الأخرى، أنا أرى أن لا خوف على مستقبل الأغنية الأمازيغية، وأنا
واثق أنها سوف تعود إلى سابق عهدها. وبالتالي لا يجب أن نعير كبير اهتمام إلى ما
يحدث اليوم في المشهد الإعلامي الوطني على اعتبار أن الشعب سيبلغ درجة التخمة من
هذه الأغاني وسوف يمل وينفر منها ومن سماعها. آنذاك لن يجد أمامه إلا الرجوع إلى
أصله الفني. إذن هناك حتمية مفادها أن ايمازيغن سوف يعودون إلى الاستماع إلى
أغانيهم الأصيلة التي تعبر عن ذاتيتهم الثقافية. فالأغنية الأمازيغية سوف تحافظ على
الدوام على مكانتها في السوق الرمزية نظرا لعدة عوامل منها الكلمة المعبرة، فهي
تشكل بالنسبة إلي حجر الزاوية في صمود ومقاومة الأغنية الأمازيغية، وعلى الخصوص تلك
المتعلقة بالأغنية الكلاسيكية. وقوة الفنان الأمازيغي تكمن كذلك في إبداعيته بحيث
إن هذا الأخير يستطيع حين يعاين حدثا معينا أو ظاهرة اجتماعية محددة أن يعطي موقفه
ويعبر تلقائيا وفوريا عنها عن طريق إنتاج قصيدة تتناول هده الظاهرة أو هذا الحدث.
(حاوره: الحسين بوالزيت اوماسّت inigi2598@yahoo.fr)
|