| |
هل صحيح أن لفظ "تامازغا"
ذو "شحنة عرقية"؟
بقلم: محمد بودهان
في مقاله التحليلي النقدي، الهام والقيم، الذي كتبه الأستاذ
أنغير بوبكر بعنوان "مشروع خريطة الطريق الأمازيغية: من أجل وعي جديد بمتطلبات
المرحلة أمازيغيا"، والمنشور بالعدد 102 من "تاويزا"، تعرض الكاتب ـ من بين ما تعرض
له ـ لما سماه "المفاهيم التي من الضروري مراجعتها وتدقيقها"، والتي أدرج ضمنها
مفهوم "تامازغا"، موضحا أنه «عادة ما يستعمل الأمازيغ مفردة تامازغا للدلالة
جغرافيا على أماكن تواجد الأمازيغ بالعالم. إلا أن هذا المفهوم هو ذو دلالة عرقية
شبيه بالوطن العربي الذي ننتقده لأنه يحمل شحنة عرقية. فكيف نرفض الوطن العربي
ونقبل بالوطن الأمازيغي؟». فهل صحيح أن لفظ "تامازغا" يحمل شحنة عرقية كالتي
تتضمنها عبارة "الوطن العربي"؟.
1 ـ ليس صحيحا، على ما يبدو لي، أن اسم "تامازغا" يطلق على «أماكن تواجد الأمازيغ
بالعالم». ففرنسا التي توجد بها جالية أمازيغية مهمة، فرنسية الجنسية ومستقرة وليست
مهاجرة، ولكنها واعية ومتشبثة بهويتها الأمازيغية، لا تعتبر جزء من "تامازغا" ولا
أحد يعتبرها كذلك. فهؤلاء الأمازيغيون المتواجدون في مناطق مختلفة من العالم من غير
شمال إفريقيا، يطلق عليهم، كما هو معروف، "أمازيغيو المهجر" imazighen de la
diaspora.
2 ـ يدعونا الأستاذ أنغير إلى مراجعة استعمال "تامازغا" «لأن هذا المفهوم هو ذو
دلالة عرقية شبيه بالوطن العربي الذي ننتقده»، دون أن يوضح لنا أوجه الشبه هذه بين
التسميتين: "تامازغا" و"الوطن العربي". فهل اسم "تامازغا" شبيه بعبارة "الوطن
العربي" من حيث الدلالة العرقية لهذه الأخيرة؟
ـ "تامازغا" لفظ يطلق على الموطن ـ وليس الوطن ـ الأصلي للأمازيغيين، أي على منطقة
جغرافية محددة، وهي المعروفة بشمال إفريقيا، والتي تضم اليوم أقطارا عديدة. فكلمة "تامازغا"
إذن تسمية محايدة لمكان محدد ومعروف من الكرة الأرضية هو شمال إفريقيا كما قلت، مثل
اسم فرنسا أو اليابان أو الصين أو ألمانيا التي هي كذلك أسماء "جغرافية" محايدة
لأماكن محددة ومعروفة. فهي أسماء تعني الموطن الجغرافي للفرنسيين أو اليابانيين أو
الصينيين أو الألمانيين. وكذلك اسم "تامازغا" لا يعني أكثر من الموطن الجغرافي
للأمازيغيين. كل ما هناك هو وجود علاقة بين اسم الموطن وبين اسم الشعب الذي يسكن
ذلك الموطن: فاليابان يعني موطن الشعب الياباني، فرنسا تعني موطن الشعب الفرنسي،
الصين يعني موطن الشعب الصيني، ألمانيا تعني موطن الشعب الألماني، تامازغا تعني
موطن الشعب الأمازيغي... إلخ. فإذا كان الأستاذ أنغير يرى في هذه العلاقة بين اسم
الموطن واسم الشعب المنتمي لذلك الموطن دلالة عرقية، فستصبح كل أسماء الدول
الحالية، الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، أسماء ذات دلالة عرقية لأن كل اسم دولة هو
اسم للموطن الجغرافي لتلك الدولة، وفي نفس الوقت اسم للشعب الذي يعيش في ذلك الموطن.
ـ وحتى على فرض أن هناك دلالة عرقية في مثل هذه الأسماء التي تحيل على شعوب بعينها،
أي على أعراق دون أخرى، فإن ذلك سيكون شيئا عاديا وطبيعيا لأنه يدخل في إطار تسمية
الأشياء بأسمائها، ولا يحمل أي مضمون عنصري، هذا المضمون الذي لا يتمثل في تسمية
شعب باسم موطنه ـ كما هو الأمر بالنسبة لجل شعوب الدنيا ـ بل في ادعاء التفوق على
الشعوب والأعراق الأخرى. وهذا ما نجده في عبارة "الوطن العربي".
فـ"الوطن العربي" لا يدل على مكان جغرافي محدد ومعروف كموطن أصلي للعرب، بل يشمل
بلدانا وشعوبا لا علاقة لها بالعروبة سوى أنها تستعمل اللغة العربية، كمصر والصومال
والسودان وكل أقطار شمال إفريقيا، فضلا على أنه يحيل على العرق العربي وليس على
موطن جغرافي معين كما في الأمثلة التي ذكرناها أعلاه. ومن اللافت أن اللغة العربية
لا تتضمن أي اسم مفرد يدل على الموطن الجغرافي للعرب، مثل "تامازغا"، اليابان"، "فرنسا"،
"الصين"، بل لابد من التعبير عن هذا الموطن بصياغته كاسم منسوب إلى العرق العربي،
مثل "الجزيرة العربية"، "الجمهورية العربية"، "المملكة العربية".
لا يمكن، إذن، مقارنة اسم "تامازغا" بعبارة "الوطن العربي" لأن "تامازغا" لفظ ترابي
وجغرافي لا يحمل أية شحنة عرقية كما اعتقد الأستاذ أنغير، عكس عبارة "الوطن العربي"
الذي ينبني على مضمون عرقي، فيه نفي للأعراق الأخرى بإدراجها ضمن العروبة، وهو موقف
قوماني عنصري لا نجد مثيلا له في كلمة "تامازغا" التي تطلق فقط على منطقة محددة ولا
تدرج ضمنها شعوبا وأعراقا أخرى غير أمازيغية.
3 ـ يبدو أن الذي جعل الأستاذ أنغير يتخوف من أن يحمل لفظ "تامازغا" نفس المدلول
العرقي الذي تتضمنه عبارة "الوطن العربي" هو مماثلته ومساواته للفظ "تامازغا"
بعبارة "الوطن العربي"، على مستوى المدلول العرقي، مع أن لا شيء يجمع بين الإثنين
كما شرحنا ذلك. فهذه المماثلة وهذه المساواة كانت ستكون صحيحة وواردة لو أن الحركة
الأمازيغية تستعمل عبارة "الوطن الأمازيغي" قياسا على "الوطن العربي" الذي يحيل على
العرق وليس على الموطن. ولا نعتقد أن الأستاذ أنغير اختلط عليه الأمر بين "تامازغا"
و"الوطن الأمازيغي" لأن الفرق بين الإثنين واضح وكبير على مستوى الدلالة والمعنى.
ولهذا نرى أن قوله: «فكيف نرفض الوطن العربي ونقبل بالوطن الأمازيغي؟» غير ذي موضوع
لأنه لا قياس مع وجود الفارق، الفارق بين الاسم المفرد "تامازغا" ـ وليس "الوطن
الأمازيغي" ـ والعبارة المركبة "الوطن العربي" ذات الحمولة العرقية. لهذا لم أفهم
كيف ولماذا انتقل الأستاذ أنغير من كلمة "تامازغا" إلى عبارة "الوطن الأمازيغي" غير
المعروفة في منشورات وأدبيات الحركة الأمازيغية، حسب علمي المتواضع بها.
4 ـ بعض الذي يتبنون نفس هذا الطرح فيما يتعلق بلفظ "تامازغا" وما يمكن أن يتضمنه،
حسب زعمهم، من مدلول عرقي، يقترحون، تجنبا لكل تهمة بالعرقية، استعمال عبارة "شمال
إفريقيا" التي تبدو لهم أكثر جغرافية وترابية وموضوعية وحيادا. نعم إنها أكثر
جغرافية وترابية وموضوعية وحيادا إلى درجة لا تدل معها على هوية سكان هذا الشمال
الإفريقي. فقد يكونون يابانيين أو هنودا أو عربا أو أمازيغيين دون أن نتمكن من
معرفة انتمائهم الهوياتي انطلاقا من اسم "شمال إفريقيا". مع أن كل الشعوب تحمل اسما
مشتقا من اسم موطنها، وبالتالي فهو اسم يدل على المكان الجغرافي لذلك الموطن، وعلى
هوية تلك الشعوب التي (الهوية) تميز بعضها عن البعض، مثل "اليابان" الذي هو موطن "اليابانيين"،
"فرنسا" موطن "الفرنسيين"، "ألمانيا" موطن "الألمانيين"... وكذلك "تامازغا" موطن
"الأمازيغيين"، كما سبق أن أشرنا. فلو كان الصواب هو أن يسمي الأمازيغيون موطنهم
"شمال إفريقيا" بدل "تامازغا"، لسمى الإسبان موطنهم "جنوب أوروبا" بدل "إسبانيا"،
ولسمى السويديون موطنهم "شمال أوروبا" بدل "السويد"، ولسمى البريطانيون موطنهم "غرب
أوروبا" بدل "بريطانيا"، ولسمى الكنديون موطنهم "شمال أميريكا" بدل "كندا"... إلخ.
فهذه تسميات لجهات قارية لا تدل على هوية الشعوب التي تعيش بها كموطن أصلي لها، مما
يجعل هذه التسميات الجغرافية القارية تسميات نكرة فارغة من أي مضمون هوياتي يحيل
على نوع الشعب الذي يسكن تلك الجهات. لهذا فاسم "تامازغا"، كما يدل على منطقة من
القارة الإفريقية يدل كذلك على هوية الشعب الذي يستقر بهذه المنطقة، مثل اسم
إسبانيا الذي يدل على منطقة موجودة بجنوب أوروبا وكذلك على هوية الشعب الذي يقطن
هذه المنطقة، كما سبقت توضيح ذلك.
5 ـ أما كلمة "المغرب"، فهي لا تدل لا على المنطقة الجغرافية ولا على هوية الشعب
الذي يسكن تلك المنطقة: لا تدل على منطقة محددة لأن موقع "المغرب" ـ جهة غروب الشمس
ـ يتغير حسب الموقع الذي يتواجد فيه الشخص الذي يلاحظ "المغرب". كما أن الشعب الذي
يسكن "المغرب" ـ جهة غروب الشمس ـ يتغير يتغير الجهات فوق الكرة الأرضية. فأميريكا
الجنوبية هي "مغرب" بالنسبة لنا، ونحن مشرق بالنسبة لها. كل هذا يبين أن كلمة
"المغرب" لا معنى لها إلا بالنسبة للعرب الموجودين في جهة المشرق، والذين سموا هذه
المنطقة بالمغرب لأنها تقع جهة غروب الشمس بالنسبة لموقعهم فقط. مع أن هذا المغرب
يصبح بالنسبة للأوروبيين مثلا "جنوبا"، وبالنسبة للبرازيليين "مشرقا"، وبالنسبة
لسكان الساحل الإفريقي "شمالا". فكلمة "المغرب" لا تدل إذن على المسمَّى، بل على
المسمِّي، أي الذي أطلق التسمية. لكن اللفظ الأجنبي المقابل لكلمة "المغرب" (Maroc,
Morocco, Marruecos) يحتفظ على الأقل باسم أمازيغي أصلي هو Amur, Tamurt، أي الأرض،
وهي عناصر تشير إلى اللغة والشعب الذي يتكلم تلك اللغة ويسكن تلك الأرض. وهذا ما لا
نجده في كلمة "مغرب" لأنها كلمة أجنبية وضعها أجنبي ولا معنى لها إلا في معجم ذلك
الأجنبي. فالكلمات الأجنبية الدالة على "المغرب"، التي ذكرتها أعلاه، رغم أنها من
وضع الأجنبي إلا أنها انطلقت من التسمية المحلية المتداولة في اللغة المحلية.
النتيجة أن من بين العناصر التي تدخل في استرداد الهوية الأمازيغية "للمغرب" كاملة،
إلغاء كلمة "المغرب" الأجنبية، والتي لا تدل لا على الموطن ولا على الشعب المنتمي
لذلك الموطن، ولا على اللغة التي يتكلمها ذلك الشعب، واستبدالها بـ"تامازغا" التي
تعني الموطن والشعب واللغة، وهي المكونات الثلاثة التي تشكل مفهوم الهوية. وهكذا
يصبح المغرب هو "تامازغا الغربية"، تمييزا له عن الأقطار الأخرى التي تنتمي إلى
تامازغا. وهذه تسمية أصبحت مستعملة ومتداولة منذ الآن لدى الحركة الأمازيغية.
|