| |
نصائح مجانية إلى الحكومة
المغربية
بقلم: مبارك بلقاسم (هولاندا)
لا شك أن قضية الصحراء المغربية شكلت لعقود محور السياستين
الداخلية والخارجية للحكومات المتعاقبة في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال. وإذا
كانت ظروف نشوء المشكلة مفهومة، جزئيا على الأقل، لدى الكثير من المغاربة، والتي
تتلخص في الاستعمار الإسباني والنظام الاشتراكي العروبي بالجزائر آنذاك، فالثابت أن
هذه المشكلة قد تسببت مباشرة، وما زالت، في استنزاف الاقتصاد المغربي كما أنها
مازالت لم تحل بعد.
إلا أن ما يثير الانتباه والعجب في آن واحد هو إصرار المغرب على "سياسته العربية"
في ما ما يخص الصحراء المغربية دون أي ذكر لأمازيغيتها من قريب أو بعيد. ولا يمكن
لأي أحد أن يبين ما الذي جناه المغرب من "عروبة صحرائه" ؟ هل هو الدعم المنعدم من "الأشقاء
العرب" الغارقين حتى الأذن في مستنقعات الديكتاتورية والفتن والإرهاب والصراع مع
إسرائيل؟ أم اعتراف أفريقيا الأنكلوفونية بـ"جمهورية البوليساريو" (جنوب أفريقيا
وكينيا) بسبب إدارة المغرب ظهره لإفريقيا كمجموعة واقتصاره على تطوير علاقات ثنائية
مع دول إفريقية فرنكوفونية؟
إن اكتفاء المغرب بالاعتماد والمراهنة على الولايات المتحدة وفرنسا وإهماله
لإفريقيا سوف يكلفه ثمنا غاليا. فالسياسات العرقوبية للولايات المتحدة والأوروبيين
أثبتت أنهم لا يهمهم كثيرا حل هذه القضية بقدر ما يهمهم إحداث "توازن رعب" بين
المغرب والجزائر يسوغ استمرار اعتماد المغرب عليهم اقتصاديا، وأيضا على مستوى
التسلح. وسوف تبقى قضية الصحراء شوكة في عنق المغرب تؤخر نموه الاقتصادي واندماجه
في اتحاد مع دول المغرب الكبير خصوصا بعد أن أصبحت الجزائر حليفا للولايات المتحدة
منذ سنوات، فأصبحت هذه الأخيرة تتلاعب بشمال إفريقيا كما يحلو لها، ومن ضمن ثمار
ذلك هي اتفاقية التجارة بين المغرب والولايات المتحدة.
كما أن فرنسا وإسبانيا لم تقصرا في حقهما. فقبضتهما على الاقتصاد المغربي لا تزداد
إلا اشتدادا بدء بشراء المؤسسات العمومية إلى احتكار جزء كبير من واردات المغرب من
البضائع المصنعة.
فكيف يمكن للمغرب الخروج من مأزق الصحراء دون زيادة تكاليف التسلح ولا شن أي حرب
ولا التخلي عن تحالفه مع الولايات المتحدة وأوروبا؟
يمكن تلخيص ذلك في ثلاث نقط:
1 ـ الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية للمملكة المغربية في الدستور بالمساواة
مع العربية. والاعتراف بجانب ذلك بأمازيغية المغرب تاريخا وثقافة وحضارة.
2 ـ الاعتراف بأمازيغية الصحراء المغربية رسميا وبدأ سلسلة من الأنشطة الاجتماعية
والثقافية التي تهدف إلى إبراز أهمية القبائل الصحراوية الناطقة بالأمازيغية وذلك
عبر:
أ- فك العزلة عن القبائل الأمازيغية والتجمعات السكانية الأمازيغية وتحسين ظروفها
المعيشية الصعبة.
ب ـ دعم المنطقة اقتصاديا عبر مشاريع اقتصادية واجتماعية (سكن، الماء الشروب،
مدارس، فلاحة،...)
ج- إنشاء مراكز ثقافية أمازيغية منتشرة على مختلف مناطق الصحراء وتعنى بتعليم
الأمازيغية وتشجيع الساكنة على ممارسة أنشطة ثقافية وفنية.
د- حث وزارة التربية الوطنية على الإسراع في برنامج إدخال اللغة الأمازيغية في
المدرسة المغربية وخصوصا بالأقاليم الصحراوية.
ه- أن توضح وتشرح الحكومة المغربية للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة والإتحاد الإفريقي أهمية البعد الأمازيغي (لغة وثقافة وحضارة وتاريخا) في
الصحراء المغربية وأن تبين الحكومة لهذه الدول والمنظمات مدى عنصرية البوليساريو
والجزائر في طرحهما للقضية لأنهما يصران أن شعب الصحراء هو شعب عربي خالص. فالاسم
الرسمي للدولة الورقية الموعودة هو "الجمهورية العربية الصحراوية"، وهذا الاسم يقصي
أمازيغ الصحراء ويعدمهم من الوجود. ونجد هذا دائما في"أدبيات" البوليساريو من
بيانات منشورة ومؤتمرات صحفية وغيرها. كما أن علم البوليساريو مثلا هو نسخة من
أعلام الأردن، الكويت، السودان والإمارات (مع بعض التعديلات) مما يبرز بوضوح التوجه
الأيديولوجي للجماعة.كما يجب أن توضح الحكومة المغربية لتلك الدول والمنظمات تشبث
أمازيغ الصحراء بمغربيتهم وأمازيغيتهم وعدم اعتبارهم لما يسمى بالبوليساريو ممثلا
لهم لا أدبيا ولا سياسيا.
و- أن تقوم الدولة بإدخال الأمازيغية مناصفة مع العربية بقناة العيون التلفزية
الفضائية لتمثيل أمازيغ الصحراء وتعريف بقية المغاربة والعالم بوجودهم وبثقافتهم.
3 ـ العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي
فالعودة إلى المنظمة الإفريقية ليس أبدا اعترافا بالبوليساريو العضو في المنظمة.
لقد خسر المغرب كثيرا بغيابه عن المنظمة وضعف علاقاته مع دول النصف الجنوبي من
أفريقيا الناطقة بالإنكليزية. وترك انسحاب المغرب من المنظمة المجال مفتوحا للجزائر
والبوليساريو للعمل الديبلوماسي بحرية. يجب أن يعود المغرب إلى أفريقيا ويجدد الصلة
بها لأنها تمثل أصله وامتداده التاريخي والجغرافي والثقافي.
لقد تراجعت ليبيا بشجاعة عن دعمها المالي والعسكري للبوليساريو بعد أن شعرت بعبثية
القومية العربية واتجهت بقوة إلى أفريقيا وأصبحت من أكثر الدول حماسا لإفريقيا حتى
حاولت مرارا الانسحاب من ما يسمى بالجامعة العربية. ويجب على المغرب (بثقله
الديموغرافي) أن يستغل هذه النقطة الإيجابية بعقد تحالف استراتيجي مع ليبيا (الغنية
بالنفط والمحتاجة للكفاءات البشرية) يتجهان بموجبه إلى بناء أفريقيا قوية. ويجب أن
يقنع المغرب الإخوة الليبيين بأن الاعتراف الرسمي بأمازيغ ليبيا ورفع الظلم عنهم
وإعطاءهم الحرية السياسية والثقافية واللغوية ينسجم تماما مع التوجه الأفريقي
لليبيا بل ويبرره. وإذا كان الأوروبيون والأمريكيون قد بدأوا يتزاحمون على البترول
الليبي والسوق الليبية فلماذا يقف المغرب موقف المتفرج من ليبيا الباحثة عن حليف
أفريقي قوي؟
من المؤكد أنه لو قامت الحكومة المغربية بتنفيذ هذه السياسة، ولو قامت بأي خطوة
أخرى تؤدي إلى الاعتراف بأمازيغية الصحراء وتعريف العالم بذلك، فستنسف بذلك أهم
ركيزة سياسية لدى البوليساريو وهي"عروبة كل الصحراويين" و" تمثيل البوليساريو
للصحراويين". إن الاعتراف بأمازيغية الصحراء وإعطاء الفرصة لأمازيغيي الصحراء
للتعبير عن أنفسهم سوف يفرغ أطروحة البوليساريو والجزائر من أية مصداقية، وسيكون
ذلك نصرا مؤكدا للدولة المغربية وللصحراويين جميعا.
إنني هنا لا أدعو لاستعمال الأمازيغية، وخصوصا أمازيغية الصحراء المغربية، كأداة
سياسية تهمش جانبا بعد استيفاء الغرض منها، بل هذه دعوة للحكومة المغربية لاعتراف
رسمي بالأمازيغية ستكون من بين نتائجه الإيجابية حماية الوحدة الترابية للمغرب.
|