| |
أمازيغية المغرب بين
العناية الملكية والعرقلة الحكومية
بقلم: الحسين أداي
الحركة الأمازيغية والسلطة: حوار الصم والبكم:
منذ أواخر الستينيات، وبالضبط منذ سنة 1967 تاريخ تأسيس أول جمعية أمازيغية، وهي
الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ما فتئت حركة المطالب الأمازيغية ترفع
ملفها المطلبي بشأن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية إلى السلطات العليا
بالبلاد وكافة الأطراف المعنية بالاستجابة لها، وبالخصوص القصر الملكي ثم مختلف
الحكومات المتعاقبة بمختلف تلاوينها الحزبية وغير الحزبية. وقد وفقت حركة المطالب
هاته في غشت 1991 في صياغة واضحة ودقيقة لمطالبها الأساسية، فكان آنذاك ميثاق
أكادير حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين الذي وقعته في البداية ست جمعيات أمازيغية،
غير أنه سرعان ما ستتبناه فيما بعد، وبالتدريج، العديد من الجمعيات الأمازيغية
المنتشرة في كل ربوع المغرب، وستكون في وقت لاحق، وعلى أرضية هذا الميثاق ما سمي
آنذاك مجلس التنسيق الوطني، والذي سيسير على نفس الخطى السابقة للجمعيات
الأمازيغية، خطى توجيه مطالب وبيانات للسلطات العليا. إلا أن هذه الأخيرة، لا
تستجيب بتاتا لها. لكن وفي 20 غشت 1994، وفيما اعتبر الرد الأول لهذه السلطات، قرر
الملك الحسن الثاني في خطاب له بمناسبة ثورة الملك والشعب تدريس "اللهجات
الأمازيغية" بالسلك الابتدائي. وبعد مرور خمس سنوات على ذلك القرار التاريخي، خمس
سنوات بالتمام والكمال، مات الملك الحسن الثاني دون أن يرى قراره مجسدا على أرض
الواقع.
الأمازيغية ومحمد السادس، عناية ملكية واضحة:
تولى الملك الشاب محمد السادس الحكم في يوليوز 1999 في مناخ وفي ظرفية عبر فيهما
الشعب المغربي عن أمل في التغيير في كل شيء، ولم تخرج أمال وانتظارات الحركة
الثقافية الأمازيغية عن إطار هذا الأمل، وتمنت استجابة فورية من لدن العاهل الجديد
لملفها المطلبي المتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية. هكذا، وفي أحد أيام
مارس من سنة 2000 سيتوصل الديوان الملكي بشكل غير مباشر وغير رسمي وعن طريق السيد
حسن أوريد بـ"البيان من أجل الاعتراف بأمازيغية المغرب"، وثيقة جد مهمة موجهة للعهد
الجديد أجابت عن سؤال ماذا يريد أمازيغ المغرب؟ وقام بصياغتها السيد محمد شفيق
ووقعها عطفا وتضامنا ومساندة مائتان من الشخصيات والفعاليات والناشطين الأمازيغيين
المعروفين وما يزيد عن مليون من غير المعروفين.
وكما كان منتظرا، وتماشيا مع الأمل المعبر عنه بقدوم الملك الجديد ورياح التغيير
التي هبت، لم يطل جواب المؤسسة الملكية هذه المرة عن مطلب الأمازيغيين. هكذا، وبشكل
فاجأ الأحزاب السياسية أكثر من غيرها، خرج الملك محمد السادس عن الصمت حين أعلن في
خطاب العرش ل30 يوليوز 2001 عن الطابع المتعدد للهوية المغربية واضعا البعد
الأمازيغي في أولوية عناصرها. أكثر من ذلك، أعلن عن إنشاء مؤسسة من أجل النهوض
بالثقافة الأمازيغية أطلق عليها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية التي ستؤسس فعليا
بمقتضى ظهير أجدير في أكتوبر 2001. وباستثناء إغراق المجلس الإداري لهذه المؤسسة
بكثير من الممثلين للمؤسسات والوزارات الحكومية الذين ظهر أنهم لم يكونوا أكثر
إيجابية في عملهم هناك، وباستثناء إضفاء طابع الاستشارة عليها، فقد متعها الملك
محمد السادس بعطفه وعنايته، ذلك أن ميزانيتها السنوية والبالغة ما يقارب سبع مليار
درهم تقتطع مباشرة من البلاط الملكي، كما أن الملك يوافق دائما على القرارات التي
يتخذها مجلسها الإداري. ليظهر بكل بوضوح وبشكل جلي أن الملك الجديد عازم على تجاوز
مشاكل اللغة والثقافة الأمازيغيتين التي تراكمت طيلة فترة ما بعد الاستقلال، ويظهر
أنه عازم فعلا وبفضل عنايته الخاصة جدا التي يوليها لموضوع الأمازيغية على تحقيق
المصالحة الثقافية للمغرب المعاصر.
الأمازيغية والحكومة المغربية، عرقلة وشرود الوزراء:
من المعروف مغربيا أن الوزراء أعضاء في حكومة صاحب الجلالة، غير أنه فيما يتعلق
بالملف الأمازيغي يبدو أن الأمر مختلف تماما، بل إن ممارسات بعض الوزراء وممثليهم
في الميدان تتجه إلى تدمير كل ما أنجز لصالح الأمازيغية في عهد محمد السادس،
وبالتالي تقويض وكهربة العلاقة القائمة حاليا بين الملك الجديد والحركة الأمازيغية
وتسميمها وهي العلاقة التي أسس لها الخطاب الملكي ل 30 يوليوز 2001 وزكاها ظهير 17
أكتوبر 2001 المعروف بظهير أجدير وزادها رسوخا التأسيس الفعلي للمعهد الأمازيغي
الذي يعمل في ظل عناية ملكية واضحة. والغريب أن تلك الممارسات والسلوكات صدرت عن
وزراء من المنتمين إلى الأحزاب "التقدمية"، وأساسا منهم الوزراء الذين يتحملون
مسؤوليات وزارات التربية الوطنية والإعلام والثقافة. فحسب الأخبار المتداولة إبان
فك الارتباط الذي قام به سبعة من أعضاء المجلس الإداري للمعهد الأمازيغي، أن
ممارسات هؤلاء الوزراء هي السبب الرئيسي وراء انسحابهم، فأن يصل الأمر حد عدم الرد
على مراسلات كل من مدير المعهد الأمازيغي وطلبات المجلس الإداري من قبل هؤلاء
الوزراء وعرقلة ممثليهم للعمل داخل المجلس الإداري إما بعدم الحضور أو بعدم تبليغ
القرارات باعتبارهم سفراء للقطاعات الحكومية التي يمثلونها، وعدم تطبيق فحوى ظهير
أجدير ومضامين الاتفاقيات المبرمة... فتلك قمة الاستخفاف وانعدام المسؤولية ووجود
النوايا السيئة ولو أننا لا نحب محاكمة النوايا.
وعلى المستوى الميداني، وكعناوين كبرى دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، حوّل وزير
التربية الوطنية المشروع الطموح للحركة الأمازيغية المتمثل في تدريس الأمازيغية إلى
سراب وهمي ومهزلة حقيقية. والواقع التعليمي لهذه اللغة حافل بوقائع يندى لها الجبين
مما لا يخطر على البال. أما وزير الإعلام، وفي الوقت الذي أقدم فيه على إطلاق
مجموعة من القنوات التلفزية كان فيها للأمازيغية حظ اليتيم أو حظ من لاحظ له كما
يقال، فقد أصر على التعامل مع الأمازيغية من منطلق فلكلوري ضيق في إطار مقاربة تهدف
إلى ترسيخ صورة "محماد الشلح" كمادة إعلامية صالحة فقط للاستهلاك الفرجوي والسياحي.
أما وزير الثقافة المهووس بالمهرجانات، وما أدراك ما المهرجانات، فقد أصر عن سبق
الإصرار والترصد على إقصاء الأمازيغية من جميع برامج وزارته.
لقد أقدم أمثال هؤلاء بممارساتهم تلك على النيل من مشروع المصالحة الثقافية مع
الأمازيغية الذي أطلقه الملك محمد السادس، وأساؤوا بذلك إلى التعاقد التاريخي
الموجود بين محمد السادس والحركة الأمازيغية والمسلسل الذي أطلقه من أجل ذلك. ذلك
أنه من المفروض، وحيث أنهم وزراء في حكومة صاحب الجلالة، أن ينفذوا تعليمات هذا
الأخير وليس تجاهلها وتجاوزها إلى الأسوأ.
حاشية البلاط، مشكلة أخرى وشرود آخر:
تنضاف إلى ممارسات بعض الوزراء، ممارسات أخرى للنيل من عقد أجدير التاريخي وهي
صادرة من محيط المربع الملكي، وأساسا من لدن بعض المستشارين والشخصيات النافذة.
ويكفي أن نذكر هنا مثلا أنه مباشرة بعد مرور بضعة أيام فقط من خطاب أجدير التاريخي،
خرج السيد عبد الحق المريني مدير البروتوكول الملكي ووزير التشريفات والأوسمة عن
التعليمات الملكية بخصوص الأمازيغية فكتب مقالا بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 29
نونبر 2001 استخلص فيه أنه "لا يمكن أن نجعل من اللهجات الأمازيغية لغة التدريس
والعلوم والإدارة، كما يطالب البعض مع العلم أن هذه اللهجات لا يمكن أن تعوض اللغة
الرسمية للدولة". ونجد ضمن هذه الطائفة كذلك مؤرخ المملكة ومحافظ ضريح محمد الخامس
السيد عبد الوهاب بن منصور الذي بقي وفيا على الدوام لرأيه القائل ب "انقراض
اللهجات البربرية من الوجود في غضون نصف قرن من الزمن بفضل سياسة التعريب" كما جاء
في كتابه حول قبائل المغرب. وللتذكير فإن السيد عبد الوهاب بن منصور هو الذي أنشد
ذات يوم في مجلس من مجالس الحسن الثاني البيت الشعري التالي:
رأيت آدم في نومي فقلت له
أبا البرية إن الناس قد زعموا
أن البرابرة نسل منك قال
حواء طالق إن صحّ الذي زعموا
أما السيد عباس الجراري فلا يخرج منظوره للأمازيغية عن منظور زميله المريني لها،
ففي تماهي تام مع ما سبق أن أورده المريني في مقاله السابق بالشرق الأوسط سنة 2001،
عبر الجراري عن نفس الأفكار تقريبا في مايو 2005 في إحدى ندوات أكاديمية المملكة
بفاس. وقد روى محمد شفيق في حواره الأخير مع مجلة تيلكيل المغربية، أن بعض أعضاء
الحاشية الملكية لما توصلوا بالبيان من أجل الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب، لم
يستأثر انتباههم سوى فقرة قصيرة جدا توقفت عند فترة العنف التي ميزت فترة حكم
المولى إسماعيل وقالوا للملك محمد السادس بأن يقرأ بنفسه ما يكتبه الأمازيغيون عن
أسلافه.
الأمل في المستقبل:
يظهر إذن أن بعض أعضاء الحكومة وبعض أعضاء حاشية الملك يوجدون في حالة شرود حين
يتعلق الأمر بتنفيذ التعليمات المولوية الخاصة بالأمازيغية. ووفق ذلك، هل ستتحرك
المؤسسة الملكية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بخصوص الملف الأمازيغي؟ وذلك من أجل الحفاظ
على العقد التاريخي لأجدير لما يعود بالنفع والصالح على المغرب. إن ذلك هو المأمول.
والأمل معقود على المستقبل القريب.
|