|
نقطة نظام على رسالة مفتوحة (الجزء الثاني) بقلم: عبد الحميد الطاوسي ـ أماينو (أكادير) المحور الثاني: حضور الذهنية الأمازيغية في المنظومات الفكرية والإيديولوجية بماذا يتميز الحضور الذهني الأمازيغي في المنظومات الفكرية والإيديولوجية الغيرية؟ هل هو حضور نسبي لخدمة الآخر في ثقافته ولغته وحضارته؟ أم أن حضوره لن يتجاوز مستوى المنطوق واللامكفر فيه؟ وعن أية منظومات فكرية وإيديولوجية نتحدث؟ ألم تشكل المنظومة الدينية الإسلامية بؤرة التوتر الحضاري للإنسان المسلم المعاصر؟ إن هذه الإشكالات وغيرها تدفع بنا إلى إعادة النظر في المعالجة الفكرية من داخل المنظومة الأمازيغية، هذه المعالجة النظرية استوقفتني من خلا ل المحور الأول بتأكيد الوجود الذاتي انطلاقا من الوجود الفكري، وبالتالي إثبات الوجود المزدوج للإنسان الأمازيغي: وجوده بذاته وفكره ووعيه بذلك الوجود بشكل خجول يحتقر الذاتي انطلاقا من نظرة الآخر إليه وإلى ثقافته وذهنيته.. وعليه، يتأكد لنا جليا وجود منظومة فكرية أمازيغية متمثلة في الوجود الفكري والهوياتي ولو حتى داخل منظومة الآخر الذي يمارس على الذات عملية الاحتواء الإيديولوجي بشكل خلص إليه الحضور الذهني الأمازيغي الذي يتصارع داخل الذات وبؤججها بين شحنات الآخر الغريب وشحنات الذات المتأصلة بصور عميقة في جذور الهوية الأصلية. وإذا كانت الذهنية الأمازيغية حاضرة في كتابات المثقفين والعلماء والمبدعين من ابن خلدون، وابن رشد، والشريف الإدريسي، وابن بطوطة... وهذا ما لا يسمح المجال للخوض فيه الآن، بقدر ما أهدف إلى اعتبار الذهنية الأمازيغية حاضرة بقوة المثاقفة والتأثير مع الحضارات السائدة في شمال إفريقيا سيادة السلطة والغزو بنوعيه المادي والمعنوي. هكذا مثل الغزو الثقافي نقطة التشابك المعرفي بين الحضارة الأصلية والحضارات الوافدة، مما سيمكن من فرض وجود الذهنية الأمازيغية بقوة الحضور داخل المنظومات الفكرية والإيديولوجية للآخر.. ومنها وجب، أخي المناضل، أختي المناضلة، عدم الإفراط في منظومة الذات وفي منظومة الآخر، حينما يتعلق الأمر بالنفعية أو حينما نسلك مذهبا برغواتيا، ليس ضد الهوية، بل لإعادة تفكيك خطاب الآخر بآليات اشتغال الذات. هذه العملية التفكيكية في خطاب الآخر يفرض بالمثل إعادة بناء منظومتنا الفكرية بآليات اشتغال أكثر نشاطا وديناميكية في بلورة وعي شامل ومتدرج ومتجدد وبحداثة نمطية موازية لعوامل التفكيك في خطاب الآخر الذي قد يضجّ أحيانا بسمات لا حداثية ولا ديموقراطية، ويطبعها العنف الرمزي وتقدس الحقائق النسبية وتجرح كرامة وكينونة الخطاب العقلاني بمجانية الكلمة ولمزة الإشاعة. هكذا، أخي المناضل، أختي المناضلة، يجب أن يكون التفكير الحر غير المقيد بشروط اللغة التي تحدد ذلك الفكر، لأن معنى اليقين الذي يبحث عنه التفكير هو ضرورة شمولية المعرفة، أو علمنة المعرفة قصد فك قيود العقل المدجج بسلاسل الأسطورة والميتولوجية الدينية التي أبعدت دوما العقل وخلقت أوهام العقل المتعالي، والعقل السفلي البشري... ومن هذا المنطلق، أخي المناضل/أختي المناضلة، تعيد الحركة الأمازيغية الآن طرح سؤال المعتزلة حول العقل ودوره في المعرفة الإنسانية، سواء في إطار المعركة الحضارية أو خارج إطار النمطي السلوكي للفرد المعاصر المتعطش لحرية التفكير والتعبير والاعتقاد. لا يمكن، أخي المناضل/أختي المناضلة، أنتِ التي يجب أن تكوني ركيزة التفكير الحر والعقلاني في إعادة صياغة دورك المجتمعي ـ على اعتبار أميسية المجتمع الأمازيغي ـ التراتبي في الثقافة الأمازيغية التي منحت لك رتبة شيخة القبيلة الصغيرة، أو "السلطة العليا في المنزل" من خلال الوظيفة الثقافية واللغوية: "تامغارت"، مذكره "أمغار" = شيخ القبيلة. إن هذا الحضور في الوعي الجمعي الأمازيغي سيمكن انطلاقا من الركائز الأخرى للفكر الأمازيغي، وللثقافة الأمازيغية مرتكزات أخرى أكثر شأنا. وليس المثال المصاغ بلا أهمية لبناء وتأسيس منظومة أمازيغية عقلانية تتخذ أشكال الأنساق الحضارية السائدة والحاضرة دوما في الحقل الدلالي والمعرفي للحركة الأمازيغية ذات البعد الجماهيري المتسع والحامل لمشعل العقلانية والحداثة. ولعل بعض الركائز الأساسية التي يمكن الإشارة إليها هنا هي: الأرض، والإنسان واللغة والعلاقة الجدلية في تأكيد سيادة الثالوث المحدد، إذ لا يمكّن ذلك أساليب تفكيكه، والتي هي من نتاج مدرسة تكوينية تزرع في الأجيال التحليل النقدي على عكس ما أصاب المدرسة المغربية من نكوص ونكسات. لذلك على المدرسة ـ في غياب أي ميثاق ديموقراطي ـ أن تلائم المرحلة الراهنة وتعانق الإنساني والكوني، خاصة في جانبه الفلسفي. هذه العلاقة تبعث على القلق لأن الارتكاز الفكري الأمازيغي الحالي على الثالوث الأرض، الإنسان، اللغة، يجعل من البديهيات استحضار عملية تفكيكية للبنيات المكونة لمثل هذه المنظومة. هذا إذا ما استدعينا بنيات منظومة غيرية لدى الآخر، المتصارع مع الذات، أي ذات الفكر الأمازيغي الحر. يشير الباحث محمد شفيق، كما غيره من المؤرخين المطلعين على التاريخ الأمازيغي، أن ذهنية ابن خلدون لم تكن لتنتج إلا بلغة عصره وبذهنية تدخل ضمن إطار الهوية الأمازيغية. وبالمثل يصدق الحكم على العديد من المؤرخين والأدباء والفلاسفة المنتمين حضاريا إلى الثقافة الغربية، والذين أعطوا الكثير للتراث الإنساني. هذا إذا ما أضفنا كون الازدهار الثقافي لدى المسلمين عرف انطلاقته الأولى من الغرب الإسلامي ومن مناطق لا انتماء حضاريا للعرب فيها. وعليه، فإن الثقافة المحلية تم تصديرها بقوة إلى العرب والمسلمين بقوة الحجة وتأكيد مركزية البنى التحتية على الفوقية وغلبة ثقافة الشعب على ثقافة النخبة المتسمة دائما بغلبة إيديولوجية المقدس، وعنصر الشرف كعامل تاريخي راكمته الأسطورة الدينية وفكر الانغلاق والسفسطائية. هذه هي منظومة الآخر ـ والتي لن تبرئ المنظومة الأمازيغية من وجود هذه الرواسب فيها لكونها تقاعست في كثير من الأحيان. لكن ذلك لن يجعلها دوما تنمحي وتذوب في ثقافة الآخر الدخيل كليا بعناصر القوة، والمتمثلة في الغلبة العسكرية والسلطة الدينية، ثم تقديس اللغة. هذا الثالوث المخيف يفرض حكم الإبادة بأي شكل من الأشكال وباسم أي قانون "عنفي". لكنه مع ذلك لا يمكن الحديث هنا على المنظومة الأمازيغية الفكرية والإيديولوجية على ما يجب أن تكون؟ أم أن قابلية الكمال بالنسبة للإنسان، كما يسميها جان جاك روسو، تنطبق عل قابلية المنظومة الأمازيغية لذلك الكمال حينما تستوعب الشروط التاريخية لإحياء الأعراف القبلية وما تحمله من انضباط علماني يميزه التحرر الفردي والاجتماعي في ظل مجتمع يستوعب الحداثة المعاصرة مع دحض قيم الآخر الأكثر عنفا وتعقيدا على القيم الأخلاقية المتزمتة. هذه الخصوصية المميزة تدفعنا إلى قراءة فلسفية وفكرية في منظومة يحسب لها أن تكون عقلانية في زمن الخطابات الحداثية والديمقراطية وحقوق الإنسان بمرتبها المتعددة وفروعها المختلفة. آنذاك نحتمل طرح ما يجب أن يكون الخطاب المرافق لمنظومتنا الفكرية في زمن العولمة. فأي خطاب فكري تفرضه الظروف الراهنة؟ وما هي أهم شروط التأسيس لمثل هذا الخطاب؟ وهل هناك معنى ما لوجود منظومة فكرية أمازيغية تربت وترعرعت داخل منظومات متناقضة وإقصائية بشروط الملاءمة والمسايرة لركب العصر وشروط العقل وأهمية العلمانية وضرورة العولمة؟ سنخصص المحور الثالث لهذه الإشكالات مستقبلا. بعض الإحالات: ـ محمد شفيق، "ثلاثة وثلاثون قرنا من تاريخ الأمازيغيين". ـ العفيف الأخضر (المفكر التونسي المعروف)، "أبعاد العقل داخل النظومة الإسلامية. ـ جان جاك روسو، ”قابلية الكمال لدى الإنسان“. ـ الأستاذة فوزية بنعبيد، "قيمة المدرسة بين الكونية والخصوصية" (قراءة في المرجعيات)
|
|