|
من هنا يبدأ الإصلاح بقلم: عسّو بحاج (الخميسات) لقد أثيرت أول زوبعة لمسألة "الزي الإسلامي" بفرنسا سنة 1989، حينما رفضت مؤسسة تعليمية استقبال ثلاث تلميذات مغاربيات محجبات بدعوى أن وظيفة المؤسسة التعليمية هي الحفاظ على ثوابت الجمهورية، أي حماية علمانية الدولة. كما توالت احتجاجات الأسرة التعليمية الفرنسية منذ ذلك الحين كلما ظهرت مثل هذه الحالة للدفاع "عن وظيفة المدرسة المحددة سلفا انطلاقا من قيم الجمهورية". وقد عبر الرئيس الفرنسي أن الحجاب الإسلامي أو الصليب... لا مكان لهما في المدرسة العمومية، لأنها تمس بالقيم اللائكية للدولة، والتي تعمل على حماية جميع المعتقدات الموجودة على التراب الفرنسي، أي إطلاق حرية الاعتقاد والتدين. وقريبا سيدخل حيزَ التنفيذ قانونُ "منع حمل العلامات الدينية البارزة التي تعكس الانتماء العقائدي للشخص بالمؤسسات التعليمية بأسلاكها الثلاثة: الابتدائية والإعدادية والثانوية". لماذا هذه المؤسسات بالذات؟ ولماذا تم استثناء السلك العالي؟ إن لهذا في نظري ارتباطا بالسن وبمستوى التكوين. فالتلاميذ الموجودون بهذه المؤسسات يعتبرون في حكم القاصرين ويحتاجون إلى رعاية الدولة وحماية المجتمع من أي تطرف ومن أي منزلق. أما من حيث التكوين فعقولهم لا زالت غضة طرية تحتاج إلى الإرشاد والتوجيه، وإلى التربية السليمة التي تنير عقولهم وتكسبهم قيما حديثة وقاعدة عليمة صلبة تعينهم على مواجهة أعباء الحياة وتقيهم من الوقوع في التطرف والانزواء. لذا كان من واجب الدولة الفرنسية حماية أبنائها من خطر الانغلاق والتطرف وتمكينهم من الفهم الصحيح لكل الثقافات الإنسانية والعالمية بعقلية متفتحة. اللائكية في فرنسا قضية جوهرية لأنها تحمي المعتقدات والثقافات المتعددة. يقول عالم الاجتماع ألات تورين": «لا زلت أؤكد على ضرورة تشجيع الفهم المتواصل للثقافات. لكن اليوم لا يمكننا أن نتجاهل الاعتداءات المتكررة ضد المبادئ العقلانية والمساواة بين البشر. إن الأولوية بالنسبة لنا تتمثل في التحرك من أجل رفض الممارسات التي تعمق دونية المرأة». وإذا حاولنا ربط هذا بالمذكرة التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية والشباب حول توحيد الزي بالمدارس العمومية والخاصة ابتداء من الموسم 2003/2004 ـ والتي لم تُفعّل بما يكفي ـ وجاء ذلك متزامنا مع أحداث 16 ماي الإرهابية حيث أصبحنا نرى في مدارسنا أزياء غريبة عن مجتمعنا، كتنامي ظاهرة الزي الأفغاني أو "حجاب الأميرة"، وهو نوع من سترة الرأس من أصل مشرقي (خليجي). فنحن لا ندعو إلى نزع سترة الرأس لأن هذا يدخل ضمن الحرية الفردية للأشخاص. ولكن من شأن هذه الأزياء أن تخلق نوعا من الانزواء والتطرف لدى ناشئتنا الصغيرة. فالتشبه برعاة الإبل بـ"قندهار" لا يمت إلى الدين بصلة من جهة ولا يخدم أهداف المدرسة الحديثة التي تتوخى إنجاز تعليم فعال ومنتج (عقلاني). إن المدرسة حرمة لا ينبغي أن يستبيحها الوهابيون لأغراض لا تمت للتربية بصلة. إن تفعيل مضامين المذكرة السالفة من شأنه أن يقلص من هذه الظواهر الغريبة، ولو على مستوى المظهر، الذي تراه العين، لأن للعين ثقافتها التي تؤثر على العقل والسلوك معا. فبعد ما أغرقوا سوق الكتاب والأشرطة بمنشورات لا تمت للمعرفة بصلة تباع بأثمنة زهيدة أو تعطى مجانا، منشورات تنشر التطرف والإقصاء. كل هذه المظاهر المتخلفة لا مكان لها في مؤسساتنا التربوية. إن شعار "العلم نور والجهل عار" هو الشعار الذي يجب أن تتبنّاه ناشئتنا وتعمل على تحقيقه وتجسيده على ذاتها لكي تكون نافعة لنفسها ولغيرها.
|
|