|
|
الحركة الأمازيغية والرهانات المستقبلية بقلم: مروان مصطفى
كثيرة هي الأحداث التي وقعت وما زالت تقع في مغرب ما بعد التنصيص الدستوري المشروط على رسمية اللغة الأمازيغية، فتعددت الرؤى ووجهات نظر مختلف الفرقاء السياسيين كل حسب مرجعيته ومنطلقاته الإديولوجية، أحداث يجب الوقوف عندها وإمعان النظر فيها من خلال نظرة استقرائية للمخيال الجمعي الأمازيغي أمام تنامي الحمولات الإديولوجية المعادية لكل ما هو أمازيغي، هي نظرة نقدية للذات المجتمعية المعاصرة الحاملة للهم الأمازيغي من أجل ثورة داخلية لتجديد تصوراتها وأفكارها ، تطوير آلياتها وأدائها من خلال الانفتاح على عموم المواطنين، تمهيدا لكسب رهانات الآتي من الأيام. الخطاب الثقافي السائد إن الفكر التقليدي المغربي بعد انتكاسته المتعددة بدأ يستأنس بمنظومة حقوق الإنسان حسب سجيته التجزيئية طبعا، وهو بذلك يؤطر لعملية تقنية بدون روح، بإعتماد ثنائية الخطاب، الخطاب القديم المبني على العاطفة والاستغلال المغرض للدين لمخاطبة عامة الشعب، الذين وللأسف ما زالوا لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي من جراء الأمية والجهل وسياسات التفقير والتجويع، ثم الخطاب المؤثث ببعض العلمية الملغومة، من أجل نصب الفخاخ لبعض الراديكاليين، من خلال النظرية البافلوفية ﴿مثير/ فعل﴾/ ﴿إستجابة/ رد فعل﴾ محاولين بذلك دفعهم إلى إرتكاب حماقات من خلال الغلو في الرد العاطفي، ومن ثم الركوب على ذلك وتبشير المغاربة من خلال خرجات شعبوية بدرجة الانحطاط والكفر الذي وصل إليه أعداء الإسلام، والذين يجب ₋وفقا لذلك₋ محاربتهم، فالأمازيغي المتشبث بهويته ملحد ومندس وعميل للأجندات الأجنبية ويسعى إلى تفريق أبناء الوطن الواحد، والداعي إلى قراءة المشهد الوطني قراءة حداثية، نقدية بناءة وقطع الطريق أمام مرتزقة الفكر العروبي البعثي الأحادي، الذين يعيثون في الأرض فسادا، ونحن نعلم جميعا ما قدمه ويقدمه الغيورون الحقيقيون من تضحيات في سبيل الدين الإسلامي لذاته، ونعلم أيضا ما حصل ويحصل عليه بالمقابل الذين يدعون أنفسهم حماة هذا الدين، وليسوا في الحقيقة سوى مستغلين يتاجرون بديننا الحنيف كما لو كان سلعة تباع وتشترى من أجل تحقيق مآربهم الشخصية والتي لا تخفى على أحد.إن الخطاب السائد في الحقل الثقافي المغربي، أسس لهيمنة إيديولوجية سلبية على المجتمع، مبنية على أسس إيديولوجية سلبية بآفاق ضيقة، أخذت من التحريض المنهجي على كل ما هو مختلف منهاجا لها ودستورها الأعلى، بتوظيف حوامل إيديولوجية شيطانية لا تمت للمنطق العقلاني العلمي بأية صلة، وهنا مكمن الخلل فهي بذلك لا تعكس الصورة المجتمعية الحقيقية للواقع المغربي وما يجب أن يكون، بل يتم تقزيم هذه الصورة واختزالها لصالح حسابات سياسوية ضيقة، وهي بذلك سائرة لا محالة إلى الاندثار والزوال، لأنها تحمل بين ثناياها منذ البداية كل الأسباب التي ستؤدي بها إلى نهاية مأسوية غير مأسوف عليها، بعدما يتم استنفاد مخزونها الذي أصبح لا يلائم ولا يساير طموحات المرحلة إذا أخدنا بعين الإعتبار التحركات المجتمعية الإقليمية والظرفية الدولية، بالإضافة إلى شيخوخة النخبة، واستهداف خطابها للفئات العريضة التي تعاني الأمية والجهل، والتي تشكل أكثر من نصف ساكنة المغرب، والآخذة الآن في التراجع على المستوى الكمي، مما سيخلف فراغا إيديولوجيا من حيث الثقل والكيف على مستوى الحقل الثقافي الوطني. رهانات الآتي من الأيام ومن هنا يجب أن يعي كل دوره والمسؤوليات المنوطة به من أجل تعميق الرؤى والسعي نحو بلورة مشروع مجتمعي متكامل مع مختلف القوى الديمقراطية تكون فيه الحركة الأمازيغية طرفا رئيسيا، فهي من خلال نضالها الطويل مع الآلة القمعية من جهة، ومع الإيديولوجيات العابرة للقارات من جهة ثانية، قد راكمت رصيدا هما من التجارب والأفكار، تستحق أن تجد لها بحق طريقا إلى عقول المغاربة إن أعطينا لها العناية اللازمة وكان كل الحاملين للهم الأمازيغي في الموعد. إن الدفاع عن الأمازيغية يجب أن يتم وفق منظور تكاملي منفتح للهوية، يستمد مشروعيته من خلال نظم قيمية كونية تتجلى في ترسيخ البعد الشعبي مما سيفتح للأمازيغية مجالات رحبة كإرث تاريخي ومستقبلي لكل المغاربة، وتنأى بها عن النظرة العرقية الصرفة والنزوعات القبَلِية المنغلقة التي يحاول بعض أعدائها إلصاقها بها ظلما وعدوانا، وهذا نابع بالأساس من استسلامهم للبديهيات الإيديولوجية القبلية المؤسسة على أساطير واهمة. وهنا يأتي الدور الأساسي الذي يجب أن تلعبه كل القوى الديمقراطية بصفة عامة والحركة الأمازيغية بصفة خاصة، من خلال التأسيس لمشروع الهيمنة الإيديولوجية الإيجابية على المجتمع، من خلال السعي لملء الفراغ الإيديولوجي بتعبئة موسعة من قبل كل الفاعلين الأمازيغيين كل من مركزه، وبناء تحالفات إستراتيجية مع كل القوى الديمقراطية المغربية، نستوعب فيها الآخر المختلف بالضرورة عنا، فالخطاب الأمازيغي يجب ألا يكون خطابا فئويا موجها للمثقفين والنخبة فقط، إنما ₋وهذا من الأهمية بمكان₋ يجب أن ينطلق من المثقفين أنفسهم كل حسب مجالات اشتغاله، باعتماد آليات ونظم فكرية وإبداعية متعددة ومتنوعة ومرنة في الوقت نفسه، تؤسس لممارسة مجتمعية خلاقة، تستوعب كل التناقضات السائدة والممكنة، تتواصل وتخاطب المجتمع من العمق، وتستجيب لمتطلبات المجتمع العصري المنفتح على الكل، ومن هنا الحاجة الملحة لخلق فضاءات إبداعية موجهة لعامة الشعب وخاصة الشباب لتسليحهم بما يلزم من وعي سياسي واجتماعي، وأيضا الحاجة إلى خلق تنظيمات مجتمعية مرنة تتأسس على دينامية تنظيمية وديمقراطية داخلية، وتبتعد بل وتتخلص من فكرة أن الأمازيغي هو الإنسان الذي لا يقبل سيادة أحد، لأن ذلك لم يكن يوما تعريفا للأمازيغ، إنما هو امتداد لمخططات الإديولوجية البعثية الناصرية، التي تسعى إلى جعل الإنسان الأمازيغي بدون تنظيم وبدون قيادات إستراتيجية، وبالتالي بدون آفاق، مما سييسر عليها مهمة أن تكون هي القائدة وتتحكم بسهولة في أمورنا السياسية بل وتفتي وتشرع وتحرم في أمورنا الحياتية، كما يجب علينا التخلص من فكرة القبيلة، الإقصاء والأنانية، شيطنة وتبخيس نضالات ومبادرات الآخرين، لأن ذلك سيحد من آفاقنا ويجعل منا مجرد مجموعات كرتونية مشتتة ومتصارعة فيما بينها.إن مشروع الهيمنة الإديولوجية الإيجابية على المجتمع، لن يؤتي ثماره إلا بتضافر الجهود وبالانخراط الواسع لشرائح واسعة من المجتمع وذلك من خلال تفعيل دور المجتمع المدني، الذي يقع على عاتقه تجسيد هذا المشروع من خلال تعبئة موسعة من قبل كل تنظيماته: من وسائل إعلام، جمعيات، تنظيمات اجتماعية خيرية، الأعمال التطوعية، طلبة، كتاب، فنانين، شعراء، حركات نسائية، نقابات، نوادٍ، تنسيقيات حرفية، لجن الأحياء...الخ، تتوغل في عمق المجتمع المغربي من خلال العمل على إرساء أنماط عيش إيجابية عبر: تنمية وتعزيز العلاقات الاجتماعية من خلال التواصل الفعال وحسن الإصغاء للآخر، إنتاجات إبداعية في كل الميادين، تمس كل الفئات العمرية وتؤسس لممارسة تعطي كل ذي حق حقه، وتفتخر بالانتماء للهوية الأمازيغية، ليس بالمفهوم العرقي الضيق وإنما بالمفهوم الهوياتي الترابي. أما فيما يخص الأحزاب فأي نزول لحزب أو أحزاب أمازيغية إلى معترك السياسة في صيغتها الحالية وفي إطار النسق السياسي الحالي المتسم بسيادة التربية المخزنية الأبوية، هو خيار محفوف بالمخاطر، باستحضار كل التجارب السابقة (تجربة “الإتحاد الاشتراكي” في “حكومة التناوب”، تجربة “الكتلة الديمقراطية” في “حكومة عباس الفاسي”، تجربة “العدالة والتنمية” في “الحكومة الحالية”)، وباستيعاب آليات اشتغال السلطة، فالمخزن يعمل على تذويب النخبة، سواء بدمجها في أجهزته (الاحتواء)، أو العمل على عزلها عن قواعدها بالضرب في مشروعيتها، من خلال دفعها إلى مناقضة البرامج والأسس التي سطرتها مع قواعدها، ما يدفع هذه الأخيرة إلى الثورة على قياداتها ثم إحداث قطيعة معها بعد ذلك، ما يجعل الثورة المزمع إحداثها على مستوى البنيات السياسية تأكل بعضها البعض، فيبقى الحال على حاله ولا تغيير، كما تجدر الإشارة إلى أن الفوز بالانتخابات توصل إلى الحكومة وليس إلى الحكم، والأمران ليسا بسيان. وعليه يجب الرهان على الشارع كمحرك للأشياء التي لا تريد أن تتحرك، والعمل على بناء قاعدة جماهيرية شعبية، ومن تم تأطيرها سياسيا والعمل على خلق تراكم كمي وكيفي، ينطلق من الذات المقهورة/ المتضررة ثقافيا، اجتماعيا وسياسيا لإسماع صوتها والمشاركة في صياغة مطالبها، يكون الهدف الأساس منه هو احتضان الروح المجتمعية وملامسة وتشخيص همومها ثم تقديم البدائل بإعطاء إجابات موضوعية من خلال تقديم مشروع مجتمعي مقرون بسلطة العقل والإقناع، يتم الرهان فيه على المشترك الوطني لتقعيد وعي جمعي ديمقراطي مشترك، مرتكز على ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان لتأكيد قيم العدالة والمساواة للجميع دون تمييز. (مروان مصطفى بتاريخ: 16-03-2012 21:19:29)
|
|