|
|
آذان صماء، عيون عمياء، ضمائر نائمة... ويستمر النضال. بقلم: حسن أبراهيم
«نذرت قلبي علانية للأرض العظيمة المعذبة، وغالبا ما عاهدتها في ظلمة الليل المقدس، على أن أحبها، مع ما تحمل من عبء القدر، حبا وفيا ودونما وجل حتى الموت، وعلى أن لا أقابل أي لغز من ألغازها بالازدراء. هكذا ارتبطت بها برباط مميت». (هولدرلين «موت أمبيدوفليس»). «فليمت آخر أمازيغي من أجل الأرض والكرامة» (محمد بن عبد الكريم الخطابي). منذ ما يناهز سبعة أشهر وأهالي اميضر معتصمون فوق جبل ألبان ولا أحد من مسئولينا، «إن كان لهم ضمير»، تحرك أو حتى تحدث عن هذه القرية المنسية. «اميضر» التابعة لإقليم تنغير الجديد، قرية صغيرة جغرافيا وكبيرة من حيث المخزون الفضي وما تحتويه من معادن نادرة في القارة السمراء. يعتبر منجم «Tawezzagt» الموجود فوق الرقعة الجغرافية لقرية اميضر أكبر منجم لاستخراج المعادن على مستوى إفريقيا، ويتضمن معادن ثمينة ومخزونا هائلا لسنوات عديدة، وتقدر العائدات اليومية بالملايين «وما خفي كان أعظم». وهنا لا بد أن ينتفض أهالي «اميضر» ويتساءلوا: أليس من حقنا أن توزع علينا بعض» العائدات» ؟ أليس من حقنا الاشتغال في منجم بمنطقتنا؟ ما العيب إن طلبنا العمل في المنجم؟ هل مطالبنا لا تبدو شرعية؟ لماذا تنهج الدولة سياسة الأذن الصماء تجاه مطالبنا؟ عذرا إن اختصرنا الطريق أمام الكم الهائل من التساؤلات، لأنه ببساطة ودون إطالة: مطالب ساكنة اميضر مشروعة وشرعية. فهم لم ينتفضوا (سكان اميضر) مجانا، - إيمانا بأن وراء كل مرض علة ووراء كل انتفاضة مسببات- لم يترك أطفالهم الصغار المدرسة عبثا، وهم الآن مهددون بسنة بيضاء، لم يتحملوا قساوة الظروف المناخية من برودة الشتاء وحر الصيف مجانا فوق جبل ألبان. جبل «ألبان»، الذي سيكتبه التاريخ كما كتب جبال «صاغرو، بوكافر، بادو...» قبله، كتب له أن يكون محطة اعتصام الأهالي، منذ انطلاق نضالهم المستميت، والذي قدر له أن يطول ويصبح حديث الصغير والكبير. هكذا علمنا التاريخ أن الإنسان الحر إذا أقدم على انتفاضه ضد الطغيان والاستبداد وسياسة اللامبالاة والتهميش الممنهج، من طرف من لا يعرفون ولا يعون أن الإنسان الأمازيغي أهون عليه ألف مرة أن يموت عزيز النفس على أن يعيش حياة الذل والانحطاط، لن يهدأ له بال حتى يحقق مطالبه كاملة أو يموت. إما أن يكون إنسانا معظما عظيما فوق أرضه أو عظاما تحتها. أرض نذر لها الأولون الحفاظ عليها، والدفاع عنها. سقوها بعرق جبينهم وقت السلم، وبدمائهم طاهرة في وقت الحرب. وعاهد اللاحقون من بعدهم السير على خطى سلفهم ولو كانت العواقب وخيمة. منذ بداية اعتصامهم، وأمطار الوعود تتهاطل عليهم، «تسويفات» من قبيل: سوف نلبي، سوف نشغل،... وهلم جرا. وعود انتهت صلاحيتها بمجرد وعي السكان أن هذه الأكاذيب لم تعد تغني ولا تسمن من جوع، إذ أنهم منذ سنوات وهم ينتظرون الوعود المعسولة التي أضحت حديث العجزة والصبيان. وحتى المحاولات اليائسة، التي بلغت حد استخدام طائرة «هلكوبتير» لتفريق وتشتيت شمل المعتصمين، باءت كلها بالفشل وتحطمت على صخرة العزائم القوية لأهالي اميضر. إن سياسة الآذان الصماء والعيون العمياء التي تنهجها السلطات دليل على لامبالاتهم وعدم اهتمامهم بمطالب الساكنة البسيطة- إذ أنهم لا يطلبون أجرة شهرية بدون عمل- هم يطلبون العمل في منطقتهم وتعويضات عن الأضرار التي يلحقها استغلال المنجم لأراضيهم. ولتتحمل السلطات ما ستؤول إليه الأحداث من عواقب وخيمة، وما إغلاق أحد صنابير المياه المستنزفة للمياه الجوفية للمنطقة، ومقاطعة التلاميذ للدراسة، تضامنا مع أهاليهم، إلا دليل على ما يختمر في ذهن الإنسان الإميضري. فبعد سنوات من اليوم، سيصبح الحاضر ماضيا أو تاريخا مكتوبا تتناقله الأفواه، وسيتساءل الخلف من صنع هذا التاريخ؟ آنذاك يبحث ويجد في قواميس سطرها «العظماء»: «الشعوب تصنع تاريخها». فنحن اليوم نصنع مستقبل أبنائنا وحفدتنا، كما نتحمل أيضا أعباء أخطاء السلف، وهنا يجب أن نصنع تاريخنا كما نريد له أن يكون، وليس أن نترك الغير يكتب تاريخنا ويكتبه وفقا لأهوائه ويتحمل أحفادنا عواقبه كما تحملنا نحن عواقب سلفنا. في الختام لا بد وأن نقف وقفة إجلال ل»حركة على درب 96» التي تؤطر نضالات أهالي اميضر والتي سجلت اسمها بحروف من ذهب، قدمت ضحايا ومعتقلين. سجل يا تاريخ وبحروف من رمل ممزوج بحجر و»بركات» جبل ألبان. سجل دموع ومعاناة المرأة الأمازيغية، رمز التحدي والبسالة، سجل أنامل البراءة والوعي المبكر لأطفال اميضر. لترقد روحك في سلام يا «أسبضان» ، فالأجيال تذكر مشوارك النضالي وتتناقل اسمك الألسن. لتتكسر قيود الاعتقال يا «أوشطبان» ولتحرر حريتك من أغلال العهد الجديد. لكم مني آلاف التحايا أهالي اميضر ودمتم للنضال أوفياء ودمتم شعارا يضرب له المثال في ظل ثورات الحرية والكرامة.
|
|