| |
حرف "تيفيناغ"
وجذوره التاريخية
بقلم: الطاهر باكري
"تيفيناغ" هي مجموعة من الرسوم ابتكرها
الأمازيغ القدماء للتعبير والتواصل، ضمنوها مجموعة من الصوائت والصوامت لإعطاء
اللفظ السليم للكلمة، وبذلك فهي تعكس وبكيفية تواطئية دقيقة جل الأصوات الأمازيغية.
وتؤكد مجموعة من الدراسات والأبحاث اللسانية والأركيولوجية والتاريخية أن اللغة
الأمازيغية من أقدم اللغات التي عرفها التاريخ، حيث تؤكد العلامات الطوبونيمية أنها
ذات تاريخ بعيد وطويل ومغرق في القدم يفوق 50 قرنا.
يعتبر الباحثون في مجال تطوير الكتابة أن بروز ظاهرة الرسوم والنقوش سواء على
الصخور، أو على المواد الأخرى كالفخار والعاج والعظام والمعادن إرهاصات لظهور
الكتابة لدى الشعوب السابقة في هذا المجال. وقياسا على ذلك نجد الأمازيغ القدماء
نحتوا ورسموا نقوشا ورسوما صخرية، كوسيلة للتعبير عن أفكارهم وكأدوات يقصدون بها
تقديم نوع من أنواع الكتابة يتعاملون بها، ولما كانت الكتابة عند أي شعب من الشعوب
عبارة عن مادة منطوقة باللسان مسموعة بالأذن، فمن الطبيعي أن الأمازيغ القدماء كانت
لهم نفس الغاية من وراء بعض الرسوم والنقوش الصخرية التي سجلوا فيها أفكارهم
واعتبروها ضربا من ضروب الكتابة رغم ما فيها من تعقيد، حيث يعزى هذا التعقيد إلى
مراحل تطور الأبجديات، حيث تعرف الكتابة في بداية ظهورها بالكتابة التصويرية التي
تتطور إلى الكتابة الرمزية، ثم إلى الكتابة المقطعية، وبعد ذلك إلى الكتابة الصوتية،
وأخيرا إلى الكتابة الأبجدية
يساير انتشار الكتابة الأمازيغية التوزيع الجغرافي لمواقع النقوش الصخرية في بلاد
الأمازيغ، ففي المغرب تتوزع انطلاقا من "فكيك" "شرقا" إلى "أوسرد" بالصحراء
المغربية جنوبا مرورا بمواقع الأطلس الكبير ومنطقة درعة والأطلس الصغير ومنطقة
الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأكبر تجمع لهذه الكتابات الأمازيغية يوجد بموقع
تيزولين وفم الشنا بمنطقة "درعة". ويرى الباحثون أن أقدم الكتابات بالمغرب هي كتاب
"غريب ن ئيكيس" التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على أقل تقدير.
وقد تمكنت الباحثة والأركيولوجية الجزائرية "مليكة حشيد" من العثور على لوحات كتب
عليها بالتيفيناغ ومن بينها لوحة حاملة لحروف تيفيناغ مرافقة لعربات حصان، وهذا
النوع من العربات ظهر في العصر ما بين ألف سنة قبل الميلاد أو خمسمائة سنة قبل
الميلاد، وهو ما جعل البعض يرجح أن تكون تيفيناغ هي أقدم الكتابات الصوتية التي
عرفها الإنسان.
هناك من يسمي الحروف الأمازيغية أي "تيفيناغ" "بالتيفيناق" حيث كان يعتقد إلى وقت
قريب أنها كتابة فينيقية ظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بفضل "ماسينيسا" ولكن
مصطلح "تيفيناغ" يعني بالأمازيغية "اختراعنا" أو "ابتكارنا".
وقد بذل العديد من الباحثين والمؤرخين والأركيولوجيين وعلماء اللسانيات جهودا عديدة
في محاولة فهم وكشف أسرار هذه الكتابة التي ظهرت على شكل صوامت معدودة، ومن الأرجح
أن استعمالها كان يقتصر في بداية الأمر على الكهنة ورجال الدين، فتطورت عبر العصور
حتى وصلتنا في صيغتها الحالية الحديثة، وهذا النمط من الكتابة لم يعرف نظام الحركات
التي هي عبارة عن حروف تقوم مقام الحركات كالفتح والضم والكسر إلا بعد مرور زمن
طويل على اكتشافها.
وعموما فإذا كان "حرف تيفيناغ" قليل الاستعمال بسبب تقادم العهد به وتهميش الحضارات
المتعاقبة له، علاوة على إبادة الغزاة الأجانب (الرومان والبيزانطيين) لمعظم آثاره،
فإنه استطاع بفعل تشبث أصحابه الشرعيين به كرمز هوياتي أن يقاوم من أجل البقاء،
وخصوصا عند أمازيغ الطوارق والجزائر والمغرب.
المراجع:
-"الأمازيغية والسياسية اللغوية والثقافية بالمغرب"، أحمد بوكوس، نشر مركز طارق بن
زياد، ط 1 نونبر 2003.
-"أهمية البحث في الثقافة الأمازيغية"، مقال بجريدة تاويزا، رشيد نجيب سيفاو، عدد
49.
-"من أجل ترسيم أبجدية تيفيناغ لتدريس الأمازيغية"، منشورات الجمعية المغربية للبحث
والتبادل الثقافي سنة 2002 م. - المجلة المغربية للكتاب –مقدمات-، إشراف: أحمد
بوكوس، عدد 27/28 صيف / خريف 2003.
(الطاهر باكري، باحث في الثقافة الأمازيغية)
|