| |
الرمزية في
الشعر الأمازيغي
بقلم: الأستاذ محمد أرجدال، باحث في
الثقافة الأمازيغية- بويزكارن
الشعر الأمازيغي كلام موزون ترنمت به حناجر
الشعراء والمنشدين الأمازيغ منذ الأزل إلى الآن، ويطلق عليه أكثر من مصطلح لشساعة
أرض تمازغا. لكن الباحثين أجمعوا على مصطلح"تمديازت"كاسم معبر عن هذا الفن الأدبي
الجميل كما قال الأستاذ الشاعر محمد مستاوي في ديوانه "تضانكيوين"، ص 40):
Amdyaz wallit igan ayakt iml yan
Oura ttalghn wanna ddar tiggi tin lmal
Oura rggemn ghada our ittafen tiram
Ar immal iyyid ghada ourissen ayissan
Ayyilli zran dghada lkmnt tasoutin
Ghikad as ssngh wida ssnnin iwawal
ويمكن تقسيم الشعر الأمازيغي إلى مجموعة من الأصناف، منها:
ـ شعر أسايس: وهو أقدم الأصناف الشعرية نظرا لارتباطه بحياة الإنسان على أرضه
تمازغا، ويرتكز هذا الصنف على الارتجالية لما للشاعر من حدس واستبصار وإلهام وقوة
حضور البديهة فيكون بذلك مستعدا كامل الاستعداد لكل طارئ ومفاجأة خلال الاحتفالات
الجماعية بميدان "اسايس"، ولا يتم التهييء القبلي لهذا الصنف الشعري كما لا تحفظ
القصائد لكي تلقى، فهو وليد اللحظة ولما يستدعيه الحوار الشعري بين الشعراء
المتحاورين.
ـ شعر المجموعات الغنائية الحديثة والدواوين وكذا شعر الروايس: فهو صنف لا يستدعي
الارتجال وتتم كتابته وتنقيحه وتختار له تعابير وألفاظ مناسبة وصيغ متطابقة وملائمة.
ـ شعر الصوفية: وهو مثل الصنف السابق منقح ومهيأ، والغاية منه التوعية الدينية ويتم
إلقاؤه ونظمه وسط ذكر العمارة ووسط الزوايا، وتعرف بعض القصائد من هذا الصنف باسم "الجفر"
وهي عبارة عن تنبؤات.
1/ الرمزية في الشعر الأمازيغي: TADOUGAMT GH TAMDYAZT TAMAZIGHT
تعرف الرمزية عند شعراء اسايس بــــ: "انتال ANTAL" وأحيانا أخرى بــ"لمعنى"، أي ما
وراء الكلمات من معانٍ رمزية، وتعرف عند المثقفين الأمازيغ بــ:"تادوكامت TADOUGAMT".
ويعتبر توظيف الرموز في الشعر الأمازيغي من الأدوات الفنية التي هي معيار مدى براعة
الشاعر ومدى قدرته على الاستفادة من اللغة الرمزية، وبقدرة هذه اللغة على استحضار
المرجعية الرمزية المشتركة بين الشاعر والمتلقي. فالشاعر غالبا ما يذكره بوجوب
الإنصات لتذوق المعاني الشعرية. فيقول:
Arard làakl d oumzzough awr nsiyyeb awal
كما أن للمتلقين تقاليد شعرية تمكنهم من معرفة مدى جودة هذا الشعر، وباعتباره
منطلقا فنيا للتحليق في آفاق تسمح بحدس المعاني على أساس أن هذا الشعر رسالة يبذل
المتلقي جهدا في فك رموزها، وفي هذا الصدد قال الأستاذ إبراهيم أبلا في الملتقى
الأول للأدب الأمازيغي المنظم يومي 17 و 18 ماي 1991 بالدار البيضاء: "إن النزول
بالشعر إلى مستوى من الوضوح لا يستسيغه الذوق، فالشعر الأمازيغي يستمد روعته من
اجتذاب المتفرج أو المستمع إلى إعمال الفكر لاكتشاف المقاصد، لذلك فهو يعتمد جدا
على الرموز (....) وقد يكون للبيت الواحد عدة وجوه (...) وإذا خلا الشعر من الرموز
سمعت الناس يقولون: تانضامت تكا أزال". وجرت العادة إذا لم يفهم أحد المستمعين
مضمون الحوار الشعري أن يسأل من بجواره حتى يتمكن من ذلك. وقد أحس الباحث الفرنسي
اندري باسي بعمق رمزية الشعر الأمازيغي فقال: "توجد لدى الأمازيغ أغان وقصائد طويلة
حول مواضيع مختلفة: غزلية، سياسية وحربية، فهمها صعب للغاية نظرا لاحتوائها على
إيحاءات وتلاعب بالألفاظ"( مقال: احواش في تالويت _مجلة هيسبريس 1921). وتبدأ
الرمزية في الشعر الأمازيغي باللازمة المعروفة بــ:"تلالايت" التي هي في الأصل
عبارة أمازيغية قديمة للترنم بعلو الإله، ويستعملها الشاعر لتقوية أوزانه الشعرية،
وتعني هذه العبارة بعد تقطيعها كما فسرها الأستاذ احمد الهاشمي: "أل أل أيل أل أل
بمعنى أعل أعل يا اله، أعل أعل. وكلمة إيل مفرد ألن وتقابلها كلمة تيط والتي تطلق
على الشمس لأنها بمثابة عين في كبد السماء، ولهذه الدلالة معنى مواكب تستعار فيه
العين أو الشمس للدلالة على الإله الراعي الأعلى" (جريدة الأفق عدد 23 ابريل 2006).
2/ نماذج شعرية توظف الرمزية:
سنورد مجموعة من الأمثال الشعرية التي تحضر فيها الرمزية بشكل صريح:
قال الشاعر متحدثا عن الاحتلال الفرنسي لشمال المغرب وتقسيم جنوبه بين فرنسا
وإسبانيا بعد مفاوضات عسيرة بينهما، مشبها ذلك بعرس وخطوبة وحناء:
Alloun inder gh lghrb ifk acttah issous
annigh indalabn d ayt lhnna mmoussan
Ahan ifni tlla giss yat mmou oucakouk
Ahan asli agadir iyyeghir agh llan
Aran mdn ad trzzafn igh illa nnikah
وفي حوار شعري شبه الشاعر من يهجوه بغراب حط على عنقود من البلح نظرا لسواد بشرته
واقترانه بحسناء بيضاء:
Allah akbar iss lah lbaz ,iss lah igidr
Atalayt lligh annigh agaywar illa fllam
ورد عليه الآخر، معتزا بسواد بشرته ومفتخرا باقترانه بهذه الحسناء:
Wa tjja lmout ougaywar mqqar immout
ur ifl man llouz our youmr iss immim
ur ifl man lqobbat fur isrs rric
وغير بعيد عن هذا الجو الرمزي المفعم بالإيحاءات، يطالعنا شاعر يغازل معشوقته،
ناعتا إياها بالغزالة فيقول:
Ayaznkd abou tmggert ma kawa youroun
Amadak yakka babak maskn ismghour
فردت عليه:
Our illi bla lhlib n tramin ngh atay
فيرد عليها قائلا:
Ayaznkd ighd touggit kafllagh illan
ur nzdar anid nks itwurinnun
فردت عليه:
lmuhibt n bzziz urn is awinu righ
ur illi abla igh trdamt atassa tayyad
ومن الأبيات الشعرية المفعومة كذلك بالدلالات الرمزية قول الشاعر:
Lbaz ayg lbaz aggis ittili ulns
Ad ur itjmaà d ugaywar atn kllin
وقال اخر:illa kra gh iwrad nkra amani tlkmt
Ataruct ilawbaz ifri kaghattilit
وقال آخر:
Ufigh ajjig lgrgaà atikiwt
Ula wilurd nskr bnnaqs nnunt
ولعل في هذا النمط من الشعر ما يحمل من الشحنات الرمزية والعبارات الاستعارية، ما
يجعله ينجح في تبليغ رسالة الشعر الأصيلة إلى المتلقي بطريقة يعجز الكلام العادي
والمباشر عن تحقيقها. فبرجوعنا إلى الإرث الشعري الأمازيغي الغني بمثل هذه التعابير
الرمزية، نجد أغلب الشعراء يستعيرون أسماء الحيوانات والنباتات والظواهر الطبيعية
بشكل يذكرنا تماما بطريقة الحكماء الهنديين.
إن الشعر الأمازيغي إذن، وإن كان مولعا بالتحليق في عوالم الخيال عبر آلية الرمز،
فإنه إنما يستمد قوته في التحليق من عناصر الطبيعة أولا.
|