| |
الأمازيغوفوبيا في وسائل الإعلام المغربية: برنامج «قناة أطلس» نموذجا
بقلم: ميمون أمسبريذ (بلجيكا)
يجب أن أعتر أني أتصف، في علاقتي بالإعلام
المغربي، بغير قليل من المازوشية. فقد درجت مذ كنت صبيا على الاستماع إليه ومشاهدته
يوميا أينما حللت وارتحلت؛ وذلك على ضحالته وقلة مهنيته وانعدام الموضوعية فيه،
فضلا عن صبغته الدعائية الظاهرة؛ دون الحديث عن احتقاره لهذه الملايين من المستمعين
والمشاهدين المغاربة الناطقين بالأمازيغية، والذين أنتمي إليهم. وليس ذلك مني عن
نقص في مصادر الأخبار أو ندرة في ينابيع المعرفة؛ وإنما تمسكا بحبل الأمل في أن أرى
إعلام بلادي يتطور ويتقدم ليصير إعلاما وطنيا حقا؛ أي إعلاما يعبر شكلا ومحتوى عن
الحقيقة المغربية. لكن الصبر على هذا الإيذاء اليومي الذي احترفه هذا الإعلام
لمسامعنا صار، وقد طال الأمد ولم يتحقق من ذلك شيء، أقرب إلى مرض المازوشية منه إلى
فضيلة الصبر.
لقد كنت، زمن كانت الصحة تتحمل، إمعانا مني في المازوشية، أستعين بالملح، أضع شيئا
منه في فمي دفعا للغثيان وأنا أشاهد برامج التلفزيون أو أستمع إلى كثير مما تبثه
الإذاعة. كنت أفعل ذلك أسوة بنسائنا القرويات إذا أقبلن على السفر في الحافلة، حتى
لا «لا تغلبهن الطوموبيل» على حد تعبيريهن. والآن، وقد اعتلّت الصحة وارتفع ضغط
الدم وأوصى الأطباء بتجنب الملح، أجدني أعزل في مواجهة وسائل إعلامنا، لا شيء
أستعين به على الضجر والنقمة والغثيان. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هكذا وجدتني هذا الأسبوع أشاهد برنامج «قناة أطلس» الذي تبثه الأولى ويعنى، زعما،
بشؤون الجالية المغربية بالخارج. كان موضوع الحلقة حفل إفطار أقامه بعض مغاربة
روتردام الهولندية، ودعوا إليه أعضاء من الحكومة والسلطة المحلية وأعيان المدينة،
سعيا من المنظمين على ما يبدو إلى رتق الفتق وتطييب خاطر الهولنديين، بعد ما كان من
اغتيال «بوييري» لفان غوغ، وتورط «أقوضاض» وغيره من المغاربة وذوي الأصول المغربية
المقيمين في هولندا في أعمال إرهابية على الصعيد الأوروبي.
كانت كاميرا «قناة أطلس» حاضرة إذن، وكان ميكروفون حميدوش الزياني يجوس خلال
المدعوين. سأمر على الدعاية المجانية التي جادت بها قناة أطلس على نجم وسائل
الإعلام الغربية وكذا ثلة من مستلبي الجيلين الثاني والثالث من أبناء الرعيل الأول
من المهاجرين؛ عنيت طارق رمضان؛ إذ نقلت قناة أطلس فقرات طويلة من خطبة حفيد حسن
البنا والوريث الشرعي له ولسيد قطب والجماعة. سأقف فقط عند اللغة المستعملة في هذا
البرنامج. أفعل ذلك رغم أني سبق أن تطرقت لهذا الموضوع في مقال لي نشر بهذه الجريدة؛
حيث استغربت أن ترصد القناة الأولى برنامجين بالعربية للتوجه إلى جالية معظمها
أمازيغي، وهما برنامجا «بلادي» و»قناة أطلس». أعود إليه لأن لا شيء تغير في دار
لقمان، ولأن الحالة التي سأتذرع بها إلى تناوله من جديد هي مثال واضح، فاقع لونه،
للإصرار العبثي للمسؤولين المغاربة على التمسك بايدولوجيا العروبة ضدا على معطيات
الواقع والعقل.
تقول الإحصائيات الهولندية إن تسعين في المائة من الجالية المغربية المقيمة بهولندا
تتكون من أمازيغيين ـ أقول والعشرة الباقية هم أمازيغيون تعربت ألسنتهم ـ. ورغم هذا
المعطى الإحصائي الذي لا يحتاج إلى شرح أو تعليق فقد آثر حميدوش، الأمازيغي هو
الآخر، أن يستجوب الشابات والشباب الريفيين- الهولنديين بلغة حضرموت. إن المرء
ليشفق على هؤلاء الفتية، يحملون ما لا طاقة لهم به، ويسامون العذاب، إذ يحملون على
التعبير عن آرائهم ومواقفهم في لغة لا هي لغتهم ولا هم يتقنونها؛ وذلك لا لشيء إلا
لأنه تقرر في غيابهم أنهم عرب، وأن عليهم من ثمة أن يتصرفوا على هذا الأساس. لقد
برهن المستجوبون عن كثير من حسن الإرادة في الإجابة بالعربية عن أسئلة حميدوش؛ لكن
الإرادة الحسنة وحدها مع الأسف لا تكفي. فتحول هؤلاء الفتية الجادون النجباء إلى
هزليين مضحكين رغما عنهم؛ وذلك لغلبة اللكنة الريفية على ألسنتهم، وخلطهم بين
الأمازيغية والعربية الدارجة، وتعريبهم غير المقصود للكلمات الأمازيغية، وتمزيغهم
لتراكيب الجملة العربية... مما يحدث آثارا هزلية لا يقصد إليها المتكلم. ولكن هذا
كله لم يشفع لهم عند حميدوش، الذي لم يجُد بغير ثوان معدودات من الرخصة للأمازيغية،
حين سمح لإحدى المستجوبات بالنطق ببضع كلمات من لغتها الأصلية.
هكذا نجد الإرهاب اللغوي الذي يمارس على الأمازيغيين المغاربة في بلدهم الأصلي
يتعقب أبناءهم في بلدان الشتات.
يتعلل المسؤولون المغاربة بكل العلل لكي لا يفتحوا باب الإعلام السمعي البصري
للأمازيغية؛ فتجدهم مرة يشتكون من تعدد اللهجات الأمازيغية ـ وإن كان نفس هذا
التعدد لا يزعجهم في شيء وهم يشحنون قنواتنا التلفزيونية على مدار الساعة بأفلام
ومسلسلات وأغان بكل اللهجات العربية، من مصرية وسورية ولبنانية وأردنية وخليجية...
بل إنهم حينئذ يجدون في هذا التعدد تنوعا وغنى. هكذا يتحول ما هو عيب في
الأمازيغية، في نظرهم، إلى فضيلة عندما يتعلق الأمر بالعربية. وتجدهم مرة أخرى
يتذرعون بانعدام الجودة في الأعمال الناطقة بالأمازيغية. فيكفي أن يكون العمل ناطقا
بالعربية أو إحدى لهجاتها لكي يكون عملا جيدا يستحق أن يبث؛ ويكفي أن يكون العمل
ناطقا بالأمازيغية لكي يعد عملا رديئا يجب إقصاؤه. ثم ما دخل أحكام القيمة الجمالية
في أعمال غير فنية من قبيل البرنامج الذي نحن بصدده هاهنا؟ إنما هي تعلات...
أفلم يكن الحق والعدل والمساواة والمنطق جميعا يقضون بتخصيص برنامج «قناة أطلس»
للتواصل بلغتهم مع المهاجرين المغاربة الناطقين بالأمازيغية، إذ يوجد برنامج آخر
مخصص للناطقين بالعربية هو برنامج «بلادي»؟ أم أنه لا يقرض غير الأغنياء؟
فمم يخاف هؤلاء؟ وألم يحن الوقت ليخضعوا أنفسهم لتحليل نفسي يخلصهم من رهاباتهم
ويحررهم من عقدهم إزاء الأمازيغيين والأمازيغية؟ أي حجة أخرى يريدون أن يقدمها
الأمازيغيون عن انتمائهم لهذا البلد؟ أفلا يكفي أنهم هم أهله منذ أن كانوا وكان؟
وأنهم هم من عمروه وسموه وافتدوه بدمائهم وأرواحهم قديما وحديثا؟ وأنهم، وإن بعدت
الشقة واشتط المزار، يظل مهوى أفئدتهم ومناط آمالهم وآخر محطة لأسفارهم؟
تذييل أول:
من المضحكات المبكيات أن تسمع حميدوش يتمرن على استعمال العبارة المسكوكة «ابقوا
معنا»، التي بتداولها مذيعو قناة الجزيرة القطرية نقلا عن الإعلام الأنغلوساكسوني
(stay with us)
تـذييل ثان:
رغم العائق اللغوي الذي كان يعرقل فصاحتهم، فقد استطاع الشباب الريفي، متوسلين
بوسائل التعبير غير اللفظية عندما كانت الألفاظ تعوزهم، أن يعبروا عن سخطهم مما
يتعرضون له من حملة منظمة على يد بعض أئمة المساجد، الذين يستغلون مواقعهم ليفرضوا
عليهم حروب الآخرين؛ مع ما يترتب عن ذلك من إضرار بمكانتهم في المجتمع الذي ينتمون
إليه. هكذا يعبر الشباب الأمازيغي بطريقته عن رفضه للربط الإيديولوجي بين الدين
واللغة والعرق؛ ويطالب بوضوح ألا تستغل مشاعره الدينية من قبل المغرضين ليسخر
أبناؤه حطبا سهلا لنيران حروبهم.
|