| |
على هامش زيارة رئيس
النظام السوداني لبلادنا
العار
بقلم: ميمون أمسبريذ
حل ببلادنا الرئيس السوداني عمر حسن البشير،
في طريق عودته من نيويورك، حيث حضر أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما كنت لأحفل بهذا الخبر الذي أوردته القناة التلفزيونية الأولى في نشرة الثامنة
مساء ليوم 21/09/2006 لولا أن ضيف المغرب هذا ليس ككل الضيوف.
إن الضيف المحتفى به يوجد على رأس نظام مسؤول عن أفظع أزمة إنسانية يعرفها العالم
في الوقت الحاضر ـ الحكم للأمين العام للأمم المتحدة ـ. يتعلق الأمر بحملة تطهير
عرقي يتوخى بها النظام العروبي في الخرطوم إفراغ إقليم دارفور من سكانه الأفارقة
الأصليين وتوطين قبائل عربية مكانهم، في برنامج قديم جديد لتعريب غربي السودان.
والنظام السوداني في مسعاه هذا لا تنقصه الوسائل؛ فمن قصف القرى والمداشر بالطائرات
إلى تسليح المليشيات العربية وإطلاقها في أثر السكان العزل لتعيث في الأرض فسادا
وتقتيلا واغتصابا... هكذا، وفي ظرف ثلاث سنوات، تحصي المنظمات الحقوقية ما يربو عن
أربعمائة ألف قتيل، وما ينيف عن مليوني مهجر، دون ذكر الآلاف من المعطوبين
والمشوهين والمدمرين نفسيا جراء سن الاغتصاب سلاحا حربيا على مجتمع مسلم محافظ.
لقد كان العرب أول من اتخذ من تجارة العبيد نشاطا اقتصاديا عاديا في التاريخ، أي
نشاطا تجاريا قائما بذاته، منفصلا عن الأنشطة الحربية وما يترتب عنها من اتخاذ
الأسرى. وكان إقليم دارفور تحديدا بمثابة خزان لهذه المادة الأولية الجديدة التي
استحدثها العرب، إلى جانب الملح والعاج وغيرها من المواد الأفريقية التي كنت مطلوبة
في الشرق العربي خلال العسر الوسيط.
لكن تجارة العبيد لم تستنفذ ساكنة دارفور، فبقيت منها بقية ظلت متمسكة، عبر القرون،
بأرضها ولغتها وثقافتها، صابرة على الضيم، مسالمة إزاء عنصر دخيل يؤمن بتفوقه
العرقي. ويبدو أن النظام العروبي في السودان لم يعد يروقه حتى هذا الحد الأدنى من
الوجود الإفريقي، فانتقل إلى السرعة العليا واختار الحل النهائي – إبادة السكان
الأصليين وتوطين العرب مكانهم. لقد راعه أن تلد دارفور جيلا من المتنورين، يستوعون
هويتهم ومصالحهم السياسية والاقتصادية، وينبرون للدفاع عنها. إن غير العرب ممن
يعيشون تحت ألأنظمة العربية يخيرون بين نوعين من الانقراض – الانقراض الرمزي
الهويتي أو الانقراض المادي الجسدي. لا شك أن القارئ يستحضر، وهو يقرأ هذه السطور،
محنة الأكراد على يد نظام البعث العربي الاشتراكي البائد في العراق.
أقف عند هذا الحد من عرض المأساة الإنسانية لأهل دارفور الشهيدة؛ وعلى من له ما
يكفي من صلابة النفس ما يقوى به على تحمل تفاصيل الجريمة الاطلاع على مواقع
المنظمات الإنسانية على الأنترتيت وتقارير الأمم المتحدة وأمهات الصحف العالمية...
أكتفي بذلك لأعود إلى الخبر الذي بدأت به هذه الورقة – خبر زيارة رئيس النظام
السوداني لبلادنا.
الخبر جاء مرفقا بصورة عمر حسن البشير وأمامه حشد من الميكرفونات لمختلف القنوات
الإذاعية والتلفزيونية المغربية. بدا الرجل وكأنه يقرأ تصريحا. قال إنه شرح لدول
العالم الوضع في دارفور، وأن الجميع اقتنع بوجهة نظر الحكومة السودانية في تعاطيها
مع المشكلة. واستمع الصحفيون المغاربة في خشوع وكأن على رؤوسهم الطير؛ فلا سؤال ولا
استفسار، ولا جدال ولا اعتراض، وإنما تأمين وتسليم وإقرار.
هكذا يتضح مرة أخرى أن الإعلام المغربي تحكمه نزعة عرقية، هي التي تملي عليه أسلوبه
في التعامل مع الأحداث والصراعات. فإذا كانت الضحية، أو من يعد كذلك في نظره، عربية
فإنها تكتسب حق الإقامة في الإذاعة والتلفزيون والصفحات الأولى للجرائد؛ وتصور وجها
وقفا وجنبا؛ وتعرض في كل نشرات الأخبار، وربما خارجها... وأما إن كانت الضحية غير
عربية والجلاد غير عربي كذلك، فإن الإخبار عنها يساق مساق المتفرقات؛ وأما إن كانت
الضحية غير عربية وكان الجلاد عربيا، فان الصمت المتواطئ أو الصياغة المبهمة
المغرضة هما اللذان يتكفلان بالموضوع.
ذلك هو حال الإعلام؛ فماذا عن المنظمات الحقوقية والجمعيات الإنسانية المغربية؟ إن
موقفها للأسف لا يختلف، ما دام نفس المفهوم العرقي لحقوق الإنسان هو الذي يحكم
تحركاتها. فعلى الضحية أن تكون عربية إن هي أرادت أن تدافع عنها هذه المنظمات. أما
إن كان الجلاد عربيا فان قاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" تقتضي من المنظمات
الحقوقية المغربية أن تصرف النظر،أو حتى أن تدين الضحية، بأن تجد لها ضلعا في
المؤامرة الكونية الأبدية التي تحاك ضد الأمة. هكذا مر
المسؤول عن مجازر دارفور ببلادنا مرور
الكرام. أخ كريم ابن أخ كريم.
لكن، والدبلوماسية المغربية، وهي التي يفترض فيها أن تكون ملمة باتجاهات الرأي
العام العالمي وحساسيته إزاء موضوع حقوق الإنسان، ألم يكن حريا بها، وهي التي بح
صوتها في حملات عالمية لشرح أسلوب معالجة الحكومة المغربية لماضي الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان، أن تجعل هذا الضيف الثقيل يبحث له عن مطار آخر يتزود فيه
بالوقود، غير مطار دولة تقول زعما إنها تريد تصفية ملف حقوق الإنسان؟ وإذا تركنا
المبادئ جانبا، ونظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر براغماتية صرفة، ألا يحق لنا أن
نتساءل ما هو العائد الدبلوماسي لهذه الزيارة على بلادنا؟ دعم سوداني لقضية وحدتنا
الترابية؟ لا كان هذا الدعم من نظام دموي منبوذ لدى الأمم المتحضرة. إن ترابنا أقدس
من أن نلتمس السند في الدفاع عنه عند مثل هدا النظام.
لكننا ننسى. إن المغرب والسودان دولتان عربيتان شقيقتان. والشقيق لا يتنكر للشقيق.
ولتذهب المبادئ والحقوق والدبلوماسية إلى الجحيم.
يحضرني الآن صوت بنعيسى يقرأ بيان تضامن الأشقاء العرب مع الحكومة السودانية في
مؤتمر عقد في السودان لهذا الغرض. وأتذكر الآن أن هذا المؤتمر عهد إلى عمر حسن
البشير برئاسة القمة العربية المقبلة.
فمتى سينسحب المغرب من الجامعة العربية؟
(ميمون أمسبريذ)
|