Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

ماذا نريد من تعميم تدريس الإنجليزية؟

رواية متاهات فريد لخالد الملاحظ

رواية العودة لميمون أمسبريذ

خرافة اكتساب وإتقان العربية بالسليقة

عائشة الشنّا، امرأة بملايين الرجال

اللغة والهوية بين الودغيري وكاتب ياسين

التضليل السياسي والإعلامي في حرب أوكرانيا

عبثية توظيف مساعدين اجتماعيين في الأمازيغية

عقدة اللسان عند المغاربة

حسن بنعقية والعلاقة اصوفية بالأمازيغية

المعنى الجديد لشعار: إفريقيا للأفارقة

عندما يشكّل التعريب خطرا على مصالح المغرب

الهويات المقتولة

الفرنسية كناشر للعروبة ومناهضة للأمازيغية

مأزق الأمازيغية

لماذا لا يمكن للإسلام السياسي أن ينجح بالمغرب

هل تراجع إسلام المغاربة بإسقاطهم للحزب الإسلامي؟

الأمازيغية في خطاب 20 غشت 2021

من المخاطب بدسترة الأمازيغية؟

هل يكفي قانون 55.19 لتحسين أداء الإدارة؟

الوحدة في التنوع أم التنوع في الوحدة؟

خدعة مفهوم "المشترك"

المخيال العروبي والأمازيغوفوبي

بين تامازيغت وتامغرابيت

ومتى التطبيع الكامل مع الأمازيغية؟

في تعلّة أن الأمازيغية غير نافعة

ماذا ستستفيد الأمازيغية من تطبيع المغرب مع إسرائيل؟

الوظيفة التعريبية لفلسطين بالمغرب

أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار

انتصار التطبيع على "التضبيع"

حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بذات المرجعية؟

دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي

عندما كنت رجعيا وفخورا برجعيتي

كيف يصنع الجهل المقدس التطرف الإسلامي

مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل

حول الأخوة المزعومة بين الأمازيغ والعرب

هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟

رواية ضفائر في النافذة وبصمة همنجواي

السياسة الصغرى لإحباط تعريب الأمازيغية بعد التخلي عن مخزنتها

التراجع حتى عن الترسيم الرمزي للأمازيغية

هل يفيد الحجر الصحي في تخيف الحجر على الأمازيغية؟

من أكسيل إلى الزفزافي

عندما يتحول الأمازيغ إلى برابرة يعادون أمازيغيتهم

في تعلة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية

الدكتور الكنبوري وعقدة الأمازيغية

خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب

وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وشوارعه بالدهلوس؟

هل يتجه المغرب إلى شرعنة الرقابة الشاملة؟

"كورونا" يعيد طرح طبيعة العلاقة بين العلم والدين عند المسلمين

"حراك الريف" بين العنف الأمني والقضائي والحقوقي

البعد الهوياتي في التنمية

لماذا يخاف المغاربة من أمازيغيتهم؟

لماذا تحقَّقت تكهنات ماركس حول ديكتاتورية البروليتاريا؟

غياب الدولة عند الأمازيغ وأثره على اللغة والهوية

الخذلان الأبدي لليسار المغربي

الحاجة إلى أمثال رشيد أيلال

لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي

هل كان الأمازيغ من السباقين إلى إلغاء عقوبة الإعدام وممارسة العلمانية؟

التعريب كخدعة للحفاظ على الامتيازات الطبقية

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرس عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

 

ماذا نريد من تعميم تدريس الإنجليزية؟

 

بقلم: محمد بودهان

 

(11 ـ 08 ـ 2023)

استُقبلت المذكرة الوزارية رقم 23-030 في شأن تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي، الصادرة في 23 ماي 2023، بإشادة واسعة وترحيب ثرّ من طرف المهتمين بقضية التعليم ولغة التدريس. كيف لا وهي تبشّر بالانتقال، ليس فقط إلى لغة العلم والمعرفة، بل من لغات محلية (العربية والفرنسية) إلى لغة العالَم كله. فبعد أزيد من أربعين سنة (منذ سبعينيات القرن الماضي مع وزير خاص بالتعريب هو الاستقلالي عز الدين العراقي) من التعريب الشامل الذي اعتُمدت فيه العربية كلغة للتدريس بعد أن كانت هذه اللغة هي الفرنسية منذ الاستقلال، سيصادق البرلمان، في نهاية يوليوز 2019، على القانون الإطار رقم 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي تقضي مادّتاه الثانية والواحدة والثلاثون باللجوء إلى "التناوب اللغوي" لتبرير وتمرير قرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، بدل العربية التي تقرّرت كلغة لتدريس هذه المواد منذ أكثر من أربعين سنة، كما أشرت. واليوم تصدر هذه المذكّرة التي تقرّر تعميم تدريس الإنجليزية بالتعليم الإعدادي.

من المعلوم أن أساس التنمية والتقدّم اليوم، هو المعرفة (اقتصاد المعرفة)، وأن أداة هذه المعرفة هي اللغة المناسبة لاكتسابها وتوظيفها وإنتاجها. وإذا كان المغرب لا زال يتخبّط بخصوص مسألة اللغة، فمعنى ذلك أنه لم يهتد بعدُ ـ أو لم يرد أن يهتدي إلى ذلك لأسباب إيديولوجية وسياسية ـ إلى أداة اكتساب وتوظيف وإنتاج المعرفة التي هي شرط النهوض وبناء التنمية وتحقيق التقدم والازدهار.

ولهذا فإن قرار تعميم تدريس الإنجليزية لاقى إشادة وترحيبا، كما كتبت، من خلفية أن هذه اللغة الإنجليزية هي الأداة المثلى اليوم لاكتساب المعرفة le savoir وتوظيفها وإنتاجها. لكن المستخلص من مضمون هذه المذكّرة هو أنها لا ترمي إلى استعمال هذه اللغة لهذه الغاية، أي اكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها، بل ترمي فقط إلى تعميم تدريسها بالتعليم الإعدادي، على غرار تدريسها المعمّم بالتعليم الثانوي منذ الاستقلال. فالإنجليزية ليست إذن مقرّرة لتكون أداة لاكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها، بل فقط لأنها من «اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر»، كما جاء في نفس المذكّرة، مكرّرة للفقرة الخامسة من الفصل الخامس من الدستور، التي نقلها محررو المذكّرة لتسويغ إصدارها؛ واعتبارا  لوضعها «في المجتمع ولأدوارها الوظيفية وكذا للآفاق المستقبلية التي تفتحها للناشئة في مجالات المعرفة والعلم والتكنولوجيا والتواصل والانفتاح الثقافي والحضاري وغيرها»، كما تقول المذكّرة في حيثياتها. كل هذا، في الحقيقة، جميل ومرغوب فيه، لكنه لن يجعل من الإنجليزية لغة لاكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها، حتى لو كانت المذكّرة قد نصّت على ما تتيحه الإنجليزية من أسباب «الانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة»، وما تفتحه من آفاق «في مجالات المعرفة والعلم والتكنولوجيا». لماذا لن تكون الإنجليزية، استنادا إلى مضمون المذكّرة، أداة لاكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها؟

لأن هذه الإنجليزية كانت دائما، ومنذ استقلال المغرب، تُدرّس في التعليم الثانوي، بل كانت مادة كتابية وشفوية في امتحان الباكالوريا، مما يدلّ على المستوى الجيد الذي كانت تُدرّس به، فضلا عن ظروف التعليم الجيدة في تلك الفترة، مقارنة مع تردّي هذه الظروف كما هي عليه اليوم. ومع ذلك فلم ترقَ إلى مستوى لغة اكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها. لماذا؟

لأنها لم يسبق أن كانت لغة لتلقين المعرفة وتدريسها، بل فقط لغة تُدرّس. ولهذا لم يكن لها، رغم وجود شعب لها بالجامعات تخصّ اللغة والأدب الإنجليزيين، حضور يُذكر في المجتمع ولا في الإعلام ولا في الثقافة ولا في الإدارة... ويبدو أن هذا ما سيكون عليه، وفي أحسن الأحوال، دور الإنجليزية بعد تعميم تدريسها بالتعليم الإعدادي، أو حتى بكل أسلاك التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، أي لن يكون لها أي دور في اكتساب المعرفة وتوظيفها وإنتاجها. فحتى تضطلع بهذا الدور، ينبغي أن تكون إذن لغة للتدريس وليس فقط لغة تُدرّس. وهذا يقتضي أن تحلّ محل الفرنسية التي تدرّس بها اليوم المواد العلمية في الإعدادي والثانوي تطبيقا لمقتضيات القانون الإطار رقم 51.17، الصادر في يوليوز 2019. ولمَ لا أن تكون لغة تدريس حتى للمواد الأدبية، مثل الاجتماعيات والفلسفة...، كما كانت الفرنسية قبل سبعينيات القرن الماضي؟ وكما ينبغي ـ حتى تكون لغة اكتساب وتوظيف وإنتاج المعرفة ـ أن تحلّ محلّ الفرنسية كلغة للتدريس، ينبغي أن تحلّ محلها أيضا كلغة تستعملها الإدارات والمؤسسات العمومية والشركات والأبناك ومكاتب الخبرة والموثّقين، والقصر والوزارات التي تشتغل بالفرنسية، كالداخلية والمالية وإدارة الدفاع الوطني... وهذا يتطلّب افتتاح شعب جامعية باللغة الإنجليزية، ليس في التخصصات العلمية فقط، كالرياضيات والفيزياء والطب والصيدلة والهندسة...، بل في القانون والاقتصاد والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع...، لتزوّد الإداراتِ والمكاتبَ الوطنية والشركات والوزارات وقطاع التعليم بالأطر الكفأة في مجال الاشتغال الوظيفي باللغة الإنجليزية. وهكذا ستكتسب هذه اللغة، بعد مدة قد تُقدّر بعقدين إلى ثلاثة، حضورا في المجتمع وفي الإعلام وفي الثقافة، وفي كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...

 فما لم تكن الإنجليزية إذن لغة للتدريس، ولغة أجنبية أولى، لتنتقل تدريجيا إلى وضع اللغة الرسمية عمليا وليس دستوريا، كما هو وضع الفرنسية اليوم بالمغرب، فإنها ستكون، عبر الاكتفاء بتدريسها فقط كلغة أجنبية ثانية، مجرّد لغة كمالية وزائدة، وليست ضرورية ولا أساسية. في هذه الحالة سيكون تدريس الإنجليزية من أجل تدريسها، وليس من أجل ما تتيحه من تأهيل المواطن المغربي لامتلاك المعرفة والتمكّن من توظيفها والقدرة على إنتاجها. وهكذا يتحول ما هو مجرد وسيلة (تدريس) إلى غاية، ليتوقّف تدريس الإنجليزية عند تدريسها. هذا التعامل مع الوسيلة كغاية أمر شائع في الكثير من مشاريع وقرارات وقوانين الدولة، كما في الانتخابات التي نُجريها من أجل إجرائها وليس من أجل الديموقراطية التي تبقى غائبة. وهذا ما فعلناه بالأمازيغية التي تم ترسيمها من أجل ترسيمها كشكلية دستورية، وليس من أجل أن تكون لغة الدولة ومؤسساتها. ونفس الشيء فيما يخص تدريسها، الذي انطلق رسميا في 2003، ولكن لا أثر له في الواقع الملموس، لأن تدريس الأمازيغية تقرّر من أجل تدريسها وليس من أجل أن يتقنها المغاربة، كلغة كتابية وشفوية موحّدة، قصد استعمالها، الكتابي والشفوي، في إدارات الدولة ومؤسساتها. وهذا ما يفسّر فشل ـ أو في الحقيقة إفشال ـ هذا التدريس الذي، بعد عشرين سنة، لا زال كأنه عمليا لم ينطلق بعدُ.

ويبدو أن المفاهيم والتعابير، الفضفاضة، والإنشائية ذات الطبيعة الوعظية، التي قد تعني كل شيء ولا تعني شيئا على الإطلاق، والتي استعملتها المذكّرة المبشّرة بالإنجليزية، مثل: "الانفتاح"، "التعدية اللغوية"، " النموذج الجديد للمدرسة المغربية ذات الجودة"...، مؤشّر على أن هذا التدريس للإنجليزية قد لا يعدو أن يكون تدريسا من أجل التدريس وليس من أجل غاية أخرى. واستعمال مثل هذه المفاهيم والتعابير، بطبيعتها الفضفاضة، الإنشائية والوعظية، كما قلت، تتكرّر في الكثير من القرارات والقوانين المغربية، كما في مشروع مرسوم رقم 2.21.448 (2021) الخاص بالهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المدرسي والتعليم العالي، مما يسهل معه الخلط، المقصود أو غير المقصود، بين الغاية والوسيلة. وهو ما يجعل التمييز بين تطبيق مضامين هذه القرارات والقوانين وعدم تطبيقها أمرا صعبا نظرا لتداخل الاثنين.

رغم كل هذا سنبقى إيجابيين، ونأمل أن تلعب اللغة الإنجليزية هذا الدور الجديد مستقبلا، لتحلّ محل الفرنسية في كل أدوارها ووظائفها التعليمية والإدارية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والقانونية والسياسية... وهو ما سيكون، في حالة تحقّقه، بمثابة ثورة تحريرية حقيقية. لكن نجاح هذه الثورة يتوقّف على توفّر إرادة سياسية تجعل من تنمية المواطن المغربي وتأهيله بالمعرفة النافعة والمنتجة، هو الهدف الأسمى لسياسة الدولة، وليس حماية لغة ما لحمولتها الدينية، مثل العربية، ولا الحفاظ على لغة أخرى لأصرة "الأمومة" التي تربطها بالدولة المغربية، مثل الفرنسية التي تُعدّ بمثابة اللغة الأم بالنسبة إلى الدولة المغربية لما بعد 1912. عندما أقول إن نجاح هذه الثورة التحريرية يحتاج إلى إرادة سياسية، فذلك لأنه ليس من السهل التخلّي عن اللغة الأم، التي هي الفرنسية بالنسبة إلى الدولة المغربية الجديدة التي أنشأها "ليوطي" الفرنسي في 1912، ولا التخلّص من "الجهل المقدّس" المتراكم حول اللغة العربية. هذا الانتقال إلى الإنجليزية سيكون إذن ثورة تحريرية حقيقية، كما قلت، لأنه سيحرّر المغاربة من الاحتجاز الذي تعرّضوا له منذ 1912، والذي جعل منهم رهائن باسم العربية والفرنسية، فمنعهم من حرية ارتياد آفاق العلم والمعرفة والتنمية... 

في الأحوال العادية التي تمتلك فيها الدولة سيادتها اللغوية، تستعمل لغتها الوطنية والهوياتية (لغة الأرض والتاريخ) كلغة مدرسية أولى، ثم لغة أجنبية أولى هي في الغالب الإنجليزية، كما في العديد من الدول الأسيوية والأوروبية والأمريكية الجنوبية. في حالة المغرب، لغة الأرض والهوية هي الأمازيغية ـ وكذلك الدارجة ـ التي كان يجب أن تكون هي اللغة المدرسية الأولى لو تمّ تأهيلها وتنميتها لهذه الغاية. لكن فرنسا، ثم بعدها دولة الاستقلال التي خلفتها، حارباها وأقصياها ومنعاها من أي تأهيل وتنمية. النتيجة هي أن جميع اللغات المدرسية بالمغرب هي لغات أجنبية، بما فيها طبعا العربية التي هي لغة أجنبية حتى لدى تلاميذ المملكة العربية السعودية. فما دام أن هذه اللغات المدرسية هي أجنبية وليست لغات وطنية ولا هوياتية، فقد كانت مصلحة البلاد تقتضي اختيار الأفضل والأنجع من هذه اللغات الأجنبية، وهي الإنجليزية، كلغة مدرسية أولى، كما فعلت دول إفريقية ذات إرث فرانكفوني مثل المغرب.

ورغم ضياع أزيد من نصف قرن تحت وصاية العربية والفرنسية، إلا أن قرار تعميم تدريس الإنجليزية هو دائما قرار حكيم وصائب. لكن ـ كما سبق أن أوضحت ـ شريطة استعمالها مستقبلا كبديل عن الفرنسية في كل الوظائف الإدارية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والقانونية والسياسية...، التي كانت تقوم بها هذه الأخيرة. وهو ما لا يبدو أن المذكّرة، المشار إليها، ترمي إليه، كما سبق أن كتبت. فقد حدّدت هذه المذكّرة ساعتين في الأسبوع لتدريس الإنجليزية في مستويات التعليم الإعدادي. وبغض النظر أن ساعتين هما حصة غير كافية، إلا أن السؤال هو: من أين سيُؤتى بهاتين الساعتين؟ هل ستضاف إلى مجموع الحصص الأسبوعية، مما سيرهق التلميذ ويشقّ عليه؟ أم ستُقتطع من مواد أخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي هذه المواد؟ إذا كنا نريد أن نجعل من الإنجليزية لغة مدرسية أولى تحلّ محل الفرنسية، في جميع أدوارها ووظائفها، فالمنطقي هو أن تُقتطع هاتان الساعتان من حصص الفرنسية، وحتى من حصص العربية، مع البدء التدريجي في التدريس بالإنجليزية للمواد العلمية التي كانت تُدرّس بالفرنسية. ذلك أنه لا يمكن أن ننتظر من الإنجليزية أن تكون اللغة المدرسية الأولى دون المساس بالمكانة المدرسية للفرنسية، وحتى للعربية. بل لا بد من تقليص حصصهما الزمنية لفائدة هذه الإنجليزية، في أفق الاكتفاء بتدريس الفرنسية كلغة في المرحلة الثانوية فقط كما كان التعامل مع الإنجليزية سابقا. بل سيكون من المفيد توجيه الموارد المخصصة للغات الأجنبية الأخرى، مثل الفرنسية، لتقوية تدريس الإنجليزية كلغة وظيفية، إذ أن إتقانها قد يُغني عن إتقان لغات أجنبية أخرى، بالنظر إلى أنها تمثّل اليوم، على مستوى لغات العالم، الدولار الذي لا زال عملة عالمية، من يملكه فكأنما يملك كل العملات المحلية الأخرى، لأنه يمكّن صاحبه من شراء كل ما يمكن شراؤه بتلك العملات في بلدان تداولها، ولكن لا تستطيع أن تشتري بتلك العملات بضاعة في بلدان أخرى. نفس الشي إذن بالنسبة إلى الإنجليزية: من يتقنها فكأنما يتقن كل لغات العالم لأنه يستطيع التواصل بها في كافة البلدان، كما يستطيع ـ وهذه هي الغاية المطلوبة من تدريس الإنجليزية ـ أن يطّلع على أخر الدراسات العلمية في مجال البيولوجيا الجزئية، أو فزياء الكم، أو علم الفلك، أو المعلوميات...

وتنص المذكّرة على مراعاة «تهيئة المتعلمين من أجل تمكينهم من إتقان اللغات الأجنبية في سن مبكرة». وهل هناك من سنّ مبكّرة لتعلّم الإنجليزية أفضل من سن التمدرس حين يلتحق التلميذ للمرة الأولى بالمدرسة؟ ولهذا فإن تدريس الإنجليزية والتدريس بها منذ التعليم الابتدائي، هو الطريق البيداغوجي الأمثل لتسهيل تعلّم الإنجليزية قصد استعمالها الوظيفي لامتلاك المعرفة وممارستها وإنتاجها. وهذا يتطلّب إعادة ترتيب الأولويات ما بين الفرنسية والإنجليزية. وهو ما يتوقف، كما سبق أن بيّنت، على توفر إرادة سياسية لدى الدولة للتخلّص من لغتها الأم التي هي الفرنسية.

إلى هنا تحدّثت عن الجانب التربوي المحض لتدريس الإنجليزية في علاقته بامتلاك المعرفة وتوظيفها وإنتاجها. وهذا لا يعني إغفالا للجانب "اللوجستيكي"، وخصوصا ما يتصل بالموارد البشرية التي يتوقّف نجاح هذا المشروع على توفّرها بقدر وعددٍ كافييْن، ولا سيما ما يتعلّق بالأستاذات والأساتذة. لكن إذا كانت هناك إرادة سياسية لتحلّ الإنجليزية مكان الفرنسية، في كل أدوارها ووظائفها التعليمية والإدارية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والقانونية والسياسية...، فإن عنصر الأساتذة ليس بالمثبّط. لماذا؟ لأن نجاح هذا المشروع قد لا تظهر ثماره إلا بعد مدة زمنية لا تقل عن عشرين سنة، وهي مدة قد تكون كافية لتكوين وإعداد المدرّسين بالقدر المطلوب.  

أعرف أن هناك اعتراضا جاهزا يقول بأن التدريس بالإنجليزية ليس خاتما سحريا سيجعل الدولة التي تعتمده تُشبه الولايات المتحدة في تقدمها العلمي والتكنولوجي، وازدهارها الاقتصادي، وقوتها العسكرية، وهي التي تستعمل الإنجليزية كلغة للتدريس. هذا اعتراض صحيح لو كان الهدف من استبدال الفرنسية بالإنجليزية هو أن يكون المغرب مثل الولايات المتحدة. ليس هذا ما ننتظره من الإنجليزية في المغرب. ننتظر منها فقط أن توفّر للتلاميذ شروط اكتساب المعرفة وحسن توظيفها والقدرة على إنتاجها. وفي هذه الحالة لا ننتظر أن يكون المغرب كالولايات المتحدة، بل أن يكون فقط كدولة "رواندا" الإفريقية. لماذا "رواندا"؟ لأن حالتها مشابهة لحالة المغرب في علاقتهما بالفرنسية. فلغة التدريس بهذه الدولة كانت هي الفرنسية قبل 2010. بعدها ستتبنّى الإنجليزية كلغة للتدريس. وهو ما لم يجعل منها ولايات متحدة إفريقية. لكنه وفّر لها شروط اكتساب وتوظيف وإنتاج المعرفة، وهي الشروط التي تسمح لها بتحقيق مستوى من التنمية والتقدّم مستقبلا، كما تدلّ على ذلك مؤشرات عديدة منذ انتقالها إلى الإنجليزية، لكنه ليس من الضروري أن يكون هو مستوى الولايات المتحدة. ولا يهمّ أن هذه الدولة قد تبدو، في الوقت الحالي، ولأسباب تاريخية معروفة، أقل تطوّرا من المغرب، وإنما الذي يهمّ هو الوتيرة التي تتطوّر بها منذ اعتمادها الإنجليزية لغة للتدريس، والتي هي أسرع من تلك التي يتطوّر بها المغرب.

من جهة أخرى، اعتماد المغرب للغة الإنجليزية كبديل للفرنسية، غدا أمرا مطلوبا ومستعجلا بعد أن انحسر الأداءُ المعرفي والعلمي والاستعمالُ التواصلي للفرنسية ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين، لتصبح، مع بداية القرن الواحد والعشرين، لغة متجاوزة نتيجة لتراجع عطائها وإنتاجها. وبالتالي إذا كان التدريس بالعربية قد شكّل عائقا أمام جودة التكوين المدرسي، وهو ما اضطر معه المسؤولون إلى العودة إلى الفرنسية ابتداء من القانون الإطار رقم 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فإن هذا العائق تشكّله اليوم اللغة الفرنسية نفسها. ولهذا إذا كان التلميذ الحاصل على الباكالوريا يضطرّ، قبل العودة إلى الفرنسية كلغة لتدريس العلوم، إلى تكوين نفسه من جديد في الفرنسية حتى يتابع دراسته الجامعية في الشعب العلمية، فنفس الشيء سيتكرّر مع الحاصل على الإجازة العلمية بالفرنسية، لأنه سيضطر إلى تكوين نفسه في الإنجليزية إذا كان يريد استكمال دراسته العليا لما بعد الإجازة، ويتطلّع أن يكون باحثا في مجال تخصّصه.

وقد تستفيد حتى الأمازيغية بشكل غير مباشر من حضور وانتشار واستعمال اللغة الإنجليزية بالمغرب، كبديل عن الفرنسية. لماذا؟ لأن العدوّ التاريخي الأكبر للأمازيغية والأمازيغيين هو فرنسا. فهي التي قامت بالتعريب السياسي للدولة، والذي كان خطوة وشرطا للتحويل الجنسي (تغيير الجنس الأمازيغي للمغاربة إلى جنس عربي) الهوياتي واللغوي الذي قامت به دولة الاستقلال. فغياب هيمنة اللغة الفرنسية سيكون غيابا لأحد مصادر العداء والإقصاء للأمازيغية.

 



 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting