Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرش عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

 

بقلم: محمد بودهان

 

(10 ـ 08 ـ 2019)

رغم أننا، في الحقيقة، تعبنا ومللنا من كثرة مناقشاتنا المتكررة لموضوع القانون التنظيمي لتفعيل ترسيم الأمازيغية لما يزيد عن ثماني سنوات، وذلك منذ يوليوز 2011 ، تاريخ الإقرار الاستفتائي للدستور الجديد الذي جاء فيه: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، قبل أن تتسارع وتيرة هذه المناقشات، لنفس الموضوع، منذ أن أفرجت حكومة بنكيران في يونيو 2016، وعلى بعد أيام معدودة من نهاية ولايتها، على مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلا أن هذه المناقشة ـ رغم كل ذلك ـ ستتواصل بلا شك، وحتى بعد المصادقة النهائية على هذا القانون، ما دام أنه لم ينصف الأمازيغية ليجعل منها هي أيضا لغة رسمية، حقا وعمليا، وليس فقط مبدئيا ورمزيا. 

ونشير إلى أن مشروع هذا القانون التنظيمي، ورغم المصادقة عليه بصفة نهائية ـ مع تعديل يخص التنصيص على استعمال تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، وتعديلين طفيفين اقتصرا على تغيير كلمتين بأخريين ـ من طرف البرلمان بمستوياته الثلاثة (من طرف الغرفة الأولى لمجلس النواب بتاريخ 10 يونيو 2019، ثم من طرف الغرفة الثانية لمجلس المستشارين بتاريخ 23 يوليوز 2019، وأخيرا من طرف الغرفة الأولى مرة أخرى في قراءة ثانية للمشروع يوم 26 يوليوز 2019)، إلا أنه لا زال لم يُعرض بعدُ على المحكمة الدستورية كمرحلة أخيرة، إعمالا للفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور. ولهذا سنتعامل مع هذا النص بوضعه القانوني الحالي، أي كمشروع قانون تنظيمي، ولو أننا مقتنعون أنه سوف لن يعرف تعديلات جوهرية لصالح الأمازيغية، حتى على فرض أن المحكمة الدستورية ستعيده إلى البرلمان بسبب مخالفته لمقتضيات الدستور.  

ونذكّر أن هذه المناقشة ليست، وبالرغم أن الموضوع هو نفسه والعنوان هو تقريبا نفسه أيضا، تكرارا لمناقشة سابقة لمشروع القانون التنظيمي، نُشرت في شتنبر 2016، أي مباشرة بعد صدور هذا المشروع (انظر موضوع "مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية" ضمن كتاب "في الأمازيغية والنزعة الأمازيغوفوبية"). بل هي مناقشة تنصبّ على جوانب جديدة من هذا المشروع، أسئلةً وقضايا، أجوبةً وتحليلا كذلك.

فصل دستوري مخالف للدستور!

إذا كان مشروع هذا القانون التنظيمي مجحفا، كما سنرى، في حق الأمازيغية، ويَحُول، ما لم تدخل عليه تعديلات جوهرية، دون تفعيل ترسيمها الحقيقي، فذلك راجع أصلا إلى الأصل الذي ينطلق منه هذا المشروع، وهو الفصل الخامس من الدستور الذي يتضمّن أن الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية للدولة. فالإجحاف في حق الأمازيغية يبدأ من هذا الفصل، الذي كان، في صيغته الأولى القانونية، منصفا لها قبل أن يُحرّف، في صيغته الثانية غير القانونية، بالشكل الذي حوّله من الإنصاف إلى الإجحاف. كيف ذلك؟

الفقرتان الأولى والثانية للنص الأصلي القانوني للفصل الخامس، الذي وضعته اللجنة القانونية المعيّنة لإعداد مشرع دستور 2011، كانتا مصاغتين على الشكل التالي:

1 ـ «العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان للدولة.

2 ـ «لكي تتمكن الأمازيغية من القيام مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية، يحدد فانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة، وكذا كيفيات إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العمومية ذات الأولوية».

إلا أن جهات من خارج اللجنة، لا تكنّ ودّا للأمازيغية، وذات وزن سياسي لا يستهان به، عبّرت عن رفضها لترسيم الأمازيغية في الوثيقة الدستورية، وطالبت بإلغاء النص الذي يقرّ ذلك الترسيم. لكن لما أفهمها وأبلغها المستشار الملكي، الذي كان مكلّفا بتتبع عملية إعداد مشروع الدستور الجديد، أن الملك يلحّ على الترسيم الدستوري للأمازيغية، لم تجد تلك الجهات أمامها من وسيلة لإلغاء هذا الترسيم إلا إعادة صياغة الفصل الخامس بالشكل الذي يفيد أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة، ولكنه يشير في نفس الوقت إلى اعتبار الأمازيغية لغة رسمية. وهكذا تدخّلت، ودون أن تملك الصفة للقيام بذلك، فحوّرت الفقرة الأولى الأصلية، التي تساوي بين العربية والأمازيغية بشكل كامل وواضح لا لبس فيه ولا تأويل، إلى ثلاث فقرات هي التي يتضمنها الدستور الحالي، والتي تقول:

«تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. 

وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.

تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء».

وأين المشكل في هذا التدخل والتحوير؟

المشكل، أولا، أن هذا التدخل غير قانوني، لأن هؤلاء المتدخلين لتغيير فصل أو أكثر من فصول مشروع الدستور، ليسوا أعضاء معيّنين قانونا في اللجنة المشكّلة قانونا، والتي وحدها كانت لها الصفة لإعداد وكتابة مواد مشروع الدستور. فتدخلهم غير قانوني، مما يجعل نتائجه ـ التحوير والتعديل ـ غير قانونية. ولهذا فإن هذا الفصل الخامس، هو، من هذه الناحية التي تخص المسطرة القانونية لإعداد وكتابة مشروع الدستور، هو مخالف للدستور نفسه.   

والمشكل الثاني هو أن هؤلاء، المنتحلين لصفة أعضاء في لجنة إعداد مشروع الدستور، حرّفوا الفقرة الأولى الأصلية والقانونية من الفصل الخامس لهذا المشروع، وأعادوا صياغتها بشكل قصدوا به الإيحاء أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة. ليس لأنهم أفردوا لها فقرة أولى خاصة بها وحدها، واستعملوا فعل "تظلّ" للدلالة على الدوام والاستمرار، وإنما لأنهم استعملوا عمدا عبارة "اللغة العربية" بالتعريف، وليس بالنكرة التي تفيد أنه توجد بجانب العربية لغة أو لغات أخرى رسمية.

لكن الفقرة الثالثة، الخاصة بالأمازيغية، ستبدّد كل هذه الاعتبارات وتحسم في أمر رسمية الأمازيغية عندما تقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة». وإذا كان محرّفو ومحوّرو هذا الفصل الخامس، بدافع الإجحاف في حق الأمازيغية كما سبقت الإشارة، قد استعملوا أداة "أيضا"، التي تحيل على العربية، لإبراز أن ترسيم الأمازيغية ثانوي وتابع للترسيم الأصلي للعربية، وذلك بغية نفي المساواة الدستورية بين اللغتين على مستوى ترسيمهما، إلا أن هذه "التبعية"، المستخلصة من أداة "أيضا"، هي ما يؤكد هذه المساواة بين اللغتين بصفتهما رسميتين. كيف وأين تتجلّى هذه المساواة، التي بذل محرّفو هذا الفصل الخامس مجهودا كبيرا لنفيها؟

تتجلّى، بكل بساطة، في استعمال أداة "أيضا"، التي تحيل على العربية، وتعني أن ما يسري على هذه الأخيرة كلغة رسمية سيسري كذلك على الأمازيغية بصفتها لغة رسمية. نعم هناك حقا تبعية، إذ ترسيم الأمازيغية تابع ـ ومستمدّ من ـ لترسيم العربية. لكن هذه التبعية هي التي تجعل الأمازيغية متساوية مع العربية بالنظر، كما تتضمّن ذلك أداة "أيضا"، إلى أنها ستقوم، بصفتها لغة رسمية، بنفس الوظائف التي تقوم بها العربية كلغة رسمية.

لماذا هذا الاستطراد بخصوص هذا التلاعب الذي طال الفصل الخامس الأصلي من مشروع الدستور؟

لأن واضعي مشروع القانون التنظيمي حرروه في ضوء الفقرة الأولى (تظل العربية اللغة الرسمية للدولة) دون الأخذ بعين الاعتبار للفقرة الثالثة (تعد أيضا الأمازيغية لغة رسمية للدولة). ولهذا صاغوا مشروعهم، كما سنوضّح ذلك في ما يأتي، بشكل يتماشى مع ما أراده محوّرو الفصل الخامس من صياغتهم (لا نشك أن الذين تدخلوا خارج القانون لتحريف الفصل الخامس يشتركون مع محرري مشروع القانون التنظيمي في نفس الانتماء الإيديولوجي، وربما حتى الحزبي. هذا ما لم يكونوا هم نفس الأشخاص) لفقرته الأولى، التي قصدوا بها الإيحاء أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة. ولهذا فإن هذا المشروع خال من أي تفعيل حقيقي لترسيم حقيقي للأمازيغية، كما سنبيّن ذلك. وهو ما يجعله مخالفا للدستور ومعطّلا لمقتضى الفقرة الثالثة، التي تنصّ بشكل واضح أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة مثلها مثل العربية، كما تدل على ذلك أداة "أيضا"، كما سبق بيان ذلك. 

هذه التوضيحات كانت إذن ضرورية لفهم تناقضات والتباسات وثغرات وأمازيغوفوبية ولا دستورية مشروع القانون التنظيمي الذي سنناقشه في ما يأتي.

قانون من أجل تفعيل الطابع غير الرسمي للأمازيغية:

لو كنت من الذين يعشقون نظرية المؤامرة ويعشقون توظيفها، لسارعت، وبدون تردّد، إلى تفسير ما فعله أعضاء في الحكومة ونواب في البرلمان المغربي يوم 21 ماي 2019 عندما رفضوا، داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، أن تدرج كتابة تيفيناغ الأمازيغية على الأوراق المالية والقطع النقدية، على أنه مؤامرة مدبّرة ومحبوكة من أجل تمرير مشروع القانون التنظيمي بكل عيوبه ونواقصه وخطورته على الأمازيغية وحتى على وحدة الهوية الوطنية، كما سأبيّن في ما بعد، ودون اعتراض عليه لمجرد إقراره حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، وهو ما كان موضوع خلاف تسبّب في تأخير المواقفة على المشروع. لماذا استحضار نظرية المؤامرة؟

لأن هذا المشروع، بالنظر إلى مضمونه وأهدافه، لا يرمي إلى تفعيل ترسيم الأمازيغية، بل يرمي إلى إعدام هذا الترسيم،  وذلك بتحديد، ليس مراحل تفعيل طابعها الرسمي، كما تقول الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، بل مراحل تفعيل طابعها غير الرسمي بهدف إبقائها، عمليا، على الحالة التي كانت عليها قبل دستور 2011، عندما كانت لغة غير رسمية دستوريا. وهو ما يعني أن هذا القانون يعطّل، كما قلت، أحد أحكام الدستور ويوقف العمل به. بل هو، من هذه الناحية، لا يخالف فقط أحد مقتضيات الدستور، بل يلغيها كأنها غير موجودة.

ولهذا فحتى عندما نبذل ـ كما فعلت أنا شخصيا ـ مجهودا مقصودا لنكون إيجابيين في قراءتنا لهذا الشروع، ونبحث عما هو إيجابي فيه حتى لا نتهم بأننا عدميون، إلا أننا لا نجد أمامنا في النهاية إلا العدم والإعدام بخصوص الترسيم الفعلي والحقيقي للأمازيغية، إذ تكشف لنا ديباجة المشروع (ما يسمّيه بالمذكّرة التقديمية) ومواده أن الغاية منه هو إعدام ترسيم الأمازيغية الذي جاء به دستور 2011، والاستعاضة عن ذلك بترسيم طابعها غير الرسمي، حتى لا تكون لغة رسمية كما أكدت على ذلك الفقرة الثالثة من الفصل الخامس المشار إليها.

مفهوم اللغة الرسمية:

وحتى لا يقال إن كلامنا هذا مجرد انطباعات مزاجية وأحكام ذاتية، وحتى نؤكد أن هذا القانون هو من أجل إعدام ترسيم الأمازيغية، وتفعيل طابعها غير الرسمي ـ وليس الرسمي ـ، فإن المنهجية العلمية، بخصوص هذه الحالة، تقتضي منا تعريف أولا مفهوم اللغة الرسمية، ثم قراءة نص المشروع لنرى هل ما يمنحه للأمازيغية يدخل حقا ضمن مفهوم اللغة الرسمية. فما هي اللغة الرسمية؟    

اللغة الرسمية تعني، في خاصيتها الأساسية، اللغة الموحَّدة للدولة ("الموحّدة" لا علاقة لها باللغة الواحدة، وإنما تخص وحدة نفس اللغة، وهو ما لا يمنع وجود أكثر من لغة رسمية واحدة شريطة أن تكون كل منها موحّدة)، أي اللغة التي تشتغل بها، وبشكل موحّد، مؤسسات هذه الدولة. وما معنى أن تشتغل مؤسسات الدولة بهذه اللغة أو تلك؟ معناه أن الموظّفين والمسؤولين العموميين، الممثلين للدولة ولمؤسساتها، يستعملون هذه اللغة في قراءة وتحرير وإنتاج الوثائق الرسمية، وفي خطاباتهم وتصريحاتهم الشفوية ذات الصبغة العمومية، أي التي يتحدثون فيها باسم الدولة ومؤسساتها. وهو ما يعني أن هؤلاء الموظّفين والمسؤولين يتقنون قراءة وكتابة هذه اللغة، التي يقرأون ويحررون بها الوثائق الرسمية.

وهذا ما قصدته الفقرة الثالثة من الفصل الخامس عندما تقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، أي أنها لغة مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية وخطابات مسؤوليها المتحدثين باسم هذه الدولة. وهناك عنصر ثانٍ آخر تؤكد عليه هذه الفقرة، وهو الإحالة على العربية باستعمال أداة "أيضا"، حسب ما سبق شرحه. وهو ما يسمح لنا بأن نستخلص من هذه الفقرة الثالثة أن هاك شرطين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية: استعمالها لغة للدولة ومؤسساتها ووثائقها الرسمية، واستعمالها، ثانيا، بنفس الوظائف الرسمية التي تستعمل بها العربية بصفتها لغة رسمية للدولة. 

أين استعمال أيضا الأمازيغية كلغة رسمية للدولة؟ 

وبالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي، وقراءة ديباجته ومواده الخمس والثلاثين، بحثا عما يفيد أن الأمازيغية ستكون يوما ما، هي أيضا، لغة مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية، وأنها ستستعمل لهذا الغرض كما تستعمل العربية، إعمالا لمدلول الأداة "أيضا"، فلا نعثر على شيء من ذلك إطلاقا. وسأبيّن ذلك بالمثالين التاليين:

 ـ فبخصوص إدماج الأمازيغية في ما سماه المشروع مجال التقاضي، الذي خصّه بمادة واحدة هي الثلاثون، هل هناك ما يفيد، ولو بعد مدة طويلة من الإعداد والتأهيل، أن الأحكام والقرارات القضائية، والمذكرات الترافعية، وسجلات كتابة الضبط، ومحاضر الشرطية القضائية...، ستُكتب يوما بالأمازيغية أيضا، تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور، كما تُكتب اليوم بالعربية؟

ـ ونفس الأسئلة تُطرح بخصوص استعمال الأمازيغية في إدارات الدولة ومرافقها (المواد 21 إلى 26): هل هناك ما يفيد، ولو بعد مدة طويلة من الإعداد والتأهيل، أن المواطنين سيكونون قادرين على تقديم طلباتهم وشكاياتهم إلى الإدارة محررة بالأمازيغية أيضا كما يفعلون اليوم بالعربية، وستجيب عنها هذه الإدارة بنفس اللغة الأمازيغية؟ هل ستبعث إليهم باستدعاءات بالأمازيغية قصد الحضور إلى مكاتبها لأمر يهمهم...؟

هكذا ـ لو أن مواد المشروع تفيد الإجابة عن هذه الأسئلة بنعم ـ ستُستعمل الأمازيغية كلغة رسمية أيضا، كما تُستعمل العربية بهذه الصفة وهذه الوظيفة، في مجال القضاء وفي الإدارات العمومية ـ في حالة الشكايات والطلبات كما أشرت ـ، حتى تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة، كما يقضي بذلك الدستور. لكن مثل هذا الاستعمال الكتابي الرسمي الحقيقي للأمازيغية، المطابق لمضمون الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور، مستبعد ومغيّب تماما من مشروع القانون التنظيمي. وهو ما يؤكد ما قلنا بأن هذا القانون صيغ بالشكل الذي يفّعل الطابع غير الرسمي للأمازيغية، ويعطّل تفعيل طابعها الرسمي، وبالتالي يعطّل حكما دستوريا.

قناعة مسبقة أن الأمازيغية لن تكون هي أيضا لغة رسمية:

مواد المشروع تؤكد إذن أن الذين حرروه، وكذلك الذين أقرّوه وصادقوا عليه في البرلمان، هم مقتنعون مسبقا أن الأمازيغية لا يمكن ـ ولا ينبغي ـ أن تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة. وها هو الدليل على ذلك:

فهؤلاء، عندما كتبوا وقبلوا المادة 30 التي تقول: «تكفل الدولة للمتقاضين الناطقين بالأمازيغية، بناء على طلبهم، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية في إجراءات التحقيق أو للترافع [...] تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين. يحق للمتقاضين، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية...»، فهم مقتنعون مسبقا أن الأمازيغية لن تكون ولن تُستعمل هي أيضا لغة رسمية للدولة. ذلك لأن اللغة الرسمية لا تتوقف على تقديم طلب لاستعمالها تبعا لرغبة ومصلحة هذا المواطن أو ذاك، ولا تتطلّب ترجمانا ليفهمها موظفو الدولة. بل هي لغة اختارتها الدولة وفرضت استعمالها على الجميع، بما في ذلك من لا يحبها ولا يرغب في استعمالها، وهي تفترض، بالتعريف، أن موظفي الدولة يفهمونها ويستعملونها، ولا يحتاجون بالتالي إلى من يترجمها لهم حتى يفهموا ما يقول من يستعملها. فقمة العبث هو اللجوء إلى الترجمة حتى يفهم الموظف لغة تعتبر رسمية، في الوقت الذي تعرّف فيه اللغة الرسمية بأنها اللغة التي يستعملها ويشتغل بها موظفو الدولة. كل هذا يعني ويكشف بالواضح أن الذين كتبوا هذا المشروع ينطلقون من قناعة راسخة ومسبقة لديهم، وهي أن الأمازيغية ليست هي أيضا لغة رسمية، خلافا لما تنص عليه الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور. بل الأدهى من ذلك أن اللجوء إلى الترجمة بالنسبة إلى الأمازيغية، لا ينفي فقط عن هذه اللغة الطابع الرسمي، بل يجعل منها لغة أجنبية، يُعطي القانون لمستعملها الأجنبي الحق في أن يستعين بمترجم حتى يتواصل مع الموظف الذي يستعمل اللغة الرسمية لبلده.

لماذا "التقاضي" وليس "القضاء"؟

وارتباطا بهذا المجال الخاص بالقضاء، نلاحظ أن المشروع استعمل لفظ "التقاضي"، متجنّبا عن قصد استعمال لفظ "القضاء". لماذا؟ لأن هناك فرقا كبيرا بين لغة التقاضي ولغة القضاء. فلغة التقاضي تهمّ إجراءات مرتبطة بالمتقاضي، وتخصّه هو وحده شخصيا، كأن يُسمح له باستعمال لغته الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع أو لتقديم شهادة أمام المحكمة (الفقرة 1 من المادة 30)، وبسماع النطق بالحكم بها (الفقرة 3 من نفس المادة)، وبالاستفادة من خدمات الترجمة (الفقرة 2 من نفس المادة). فلغة التقاضي هي لغة الشخص المتقاضي، وتدخل في ذلك حتى اللغة الأجنبية للمتقاضي الأجنبي، ولا يتعدّى إذن ـ وهذا هو الفرق الأهم ـ مجالُ استعمالها التواصلَ الشفوي.

أما لغة القضاء فلا علاقة لها بلغة المتقاضين كأشخاص طبيعيين، بل هي لغة النظام القضائي كله، وهي بالضرورة لغة رسمية للدولة باعتبار القضاء مظهرا لسيادة هذه الدولة. كما أنها ـ وهذا هو بيت القصيد ـ تخص الاستعمال الكتابي أولا وأساسا، مثل لغة تحرير الأحكام والمقررات القضائية، والمذكرات الترافعية، وسجلات كتابة الضبط، ومحاضر الشرطة القضائية... وهذا ما يفسّر أن المشروع استعمل كلمة "التقاضي"، انسجاما مع الغاية من هذا المشروع التي هي تفعيل الطابع غير الرسمي للأمازيغية، كما سبقت الإشارة، وهو ما يتماشى مع جواز الاستعمال الشفوي لهذه اللغة من طرف المتقاضين كأشخاص. لكنه تفادي، وبشكل محسوب ومقصود، استعمال كلمة "القضاء"، الذي لا يمكن أن تكون لغته إلا رسمية، وتستعمل في المجال الكتابي لجهاز القضاء برمته.

وليس صدفة أن المشروع خصّ 6 مجالات معنية باستعمال الأمازيغية (مجالات التعليم، التشريع والعمل البرلماني، الإعلام والاتصال، الإبداع الثقافي والفني، الإدارات والمرافق العمومية، الفضاءات العمومية) بأكثر من مادتين اثنتين، إلا مجال التقاضي ـ كما سماه ـ فقد أفرد له مادة واحدة، كما وضعه في المرتبة السابعة كآخر مجال تناوله المشروع. لماذا إفراد مادة واحدة لقطاع هام قد يحتاج إلى كثير من التدابير والمراحل المتدرجة بخصوص إدماج الأمازيغية لاستعمالها في هذا القطاع بصفتها لغة رسمية؟ لأن استعمال الأمازيغية كلغة رسمية في مجال القضاء، مع ما يعنيه ذلك من استعمال كتابي لها، هو شيء خارج "المفكّر فيه" عند محرري المشروع. ولهذا اختصروا كيفية إدماجها في مجال التقاضي في مادة واحدة، لأن الأمر لا يتعلق باستعمال الأمازيغية كلغة رسمية في مجال القضاء، وهو ما يتطلب تفاصيل كثيرة تحتاج إلى كثير من المواد، وإنما يخصّ فقط استعمالها الشفوي ـ وبشروط ـ من طرف الشخص المتقاضي.

بأي من اللغتين الرسميتين ستُحرّر الأحكام القضائية؟

ولا يمكن تبرير هذا الرفض للاستعمال الرسمي الكتابي للأمازيغية في القضاء ـ وليس التقاضي ـ بمشكل اختيار أي من اللغتين الرسميتين لتحرير الأحكام. فمثل هذا التبرير لا يبرّر في الحقيقة عدم إمكان استعمال الأمازيغية كلغة كتابية رسمية، وإنما يبرّر به الذي يثيره موقفَه هو، الرافض لاستعمال الأمازيغية بهذه الصفة، أي كلغة كتابية رسمية، فيختلق لتسويغ ذلك الرفض ألف سبب وسبب. ولهذا فهذ المشكل ـ بأية لغة رسمية ستحرر الأحكام القضائية؟ ـ ليس مشكلا إلا لأننا ننظر إلى الأمازيغية، نتيجة لتهميشها وتحقيرها وإقصائها، كلغة غير قادرة على أن تضطلع بنفس الأدوار والوظائف الرسمية الكتابية التي تقوم بها أية لغة لها صفة اللغة الرسمية، كالعربية والفرنسية والفارسية والتركية والبرتغالية... أما عندما تكون الأمازيغية مستعملة هي أيضا كلغة رسمية للدولة مثلها مثل العربية، بعد الوقت الضروري والكافي لتأهيلها المدرسي لذلك، فلن يطرح مثل هذا السؤال. وحتى إذا طرح تكون الحلول والأجوبة متوفرة وجاهزة، مثل خيار "التناوب اللغوي" باستعمال العربية تارة والأمازيغية تارة أخرى، أو تعيين، وبالتساوي، قضاة يشتغلون بالأمازيغية وآخرين يشتغلون بالعربية، أو تكليف محاكم بكتابة أحكامها بالعربية وأخرى بالأمازيغية، أو تخصيص أقسام (مدني، عقاري، قضايا الأسرة، حوادث السير، جنح، جنايات...)، بكل محكمة، تستعمل في أعمالها الكتابية العربية وأخرى الأمازيغية...

وحتى إذا كان هذا المشكل سيُطرح حقا، فسيكون ذلك بشكل مؤقت وعابر، مرتبط فقط بمرحلة البداية والتأسيس للاستعمال الكتابي الرسمي للأمازيغية في مؤسسات الدولة. أما بعد مدة من ممارسة هذا الاستعمال، والتطبيع معه بفضل التدريس الإجباري والموحّد للأمازيغية، وتوفر وانتشار الإنتاج الكتابي بها، فإن استعمالها الكتابي الرسمي في القضاء سيبدو شيئا عاديا وطبيعيا لن يثير كل المشاكل والأسئلة التي نطرحها اليوم، والتي لا معنى ولا مبرر لها إلا لأن الأمازيغية ليست بعدُ لغة مدرسية وكتابية، ولا تستعمل بعدُ، نتيجة لذلك، لغة كتابية رسمية للدولة. فكيفية التعامل مع  ـ وب ـ لغتين رسميتين اثنتين، وأي منهما ستحرّر بها الأحكام القضائية ومختلف الوثائق الرسمية، ليست مشكلة إلا لأن الأمازيغية لا تُستعمل بعدُ لغة كتابية رسمية لتحرير مثل هذه الوثائق الرسمية، ولأننا ـ نتيجة ذلك ـ نتصوّر أننا نستعمل لغة رسمية واحدة فقط، وهو تصوّر غير صحيح إذا استحضرنا الفرنسية ووظيفتها الرسمية بالمغرب. ولذلك فهذا المشكل لا يُطرح بالنسبة لهذه الفرنسية التي لا زالت هي اللغة الرسمية الحقيقية الأولى في المغرب، ودون حاجة إلى ترسيم دستوري. لماذا لا يُطرح؟ لأننا ألِفنا استعمال العربية والفرنسية لكتابة الوثائق الرسمية منذ 1912، ولم نألف بعدُ استعمال العربية والامازيغية لكتابة نفس الوثائق. فلماذا سيكون هناك مشكل مع الاستعمال الكتابي الرسمي للأمازيغية إلى جانب العربية، إذا لم يوجد مثل هذا المشكل مع الاستعمال الرسمي للفرنسية بجانب العربية، ودون أن تكون هذه الفرنسية لغة دستورية ولا وطنية، عكس الأمازيغية؟  

النتيجة أن الأمازيغية لن تكون أبدا، حسب هذا المشروع، هي أيضا لغة رسمية للقضاء، ولو بعد عشرات السنين. وهو ما يعني إعدام ترسيمها المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل الخامس. 

 ولهذا فإن رفض النشطاء الأمازيغيين لخمسة عشرة سنة، التي حدّدها المشروع كأقصى مدة للتفعيل النهائي لرسمية الأمازيغية، لا معنى ولا موضوع له، مادام أنه، في حالة تبنّي هذا المشروع بمضمونه الحالي، لن تكون الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية، بالمعنى الذي سبق شرحه، سواء استغرقت مدة تفعيل هذا الترسيم سنة أو خمسة عشرة سنة أو خمسة عشر قرنا.

عندما يكون "ترسيم" الأمازيغية بمثابة قتل رحيم لها:

ولأن مشروع القانون التنظيمي لا يرمي إلى تفعيل الطابع الرسمي الكتابي للأمازيغية، وإنما إلى إعدام ترسيمها، كما سبق أن أوضحنا، فهو لذلك ليس موجّها، في ما يخص الفئة التي تقرر ترسيم الاستعمال الشفوي لصالحها، إلى جميع المغاربة اعتبارا أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، وإنما فقط إلى الناطقين باللغة الأمازيغية. وهكذا، فاستعمالها كلغة رسمية في التقاضي ـ وليس في القضاء ـ يخصّ فقط الناطقين بها حيث يحق لهم، شريطة أن يطلبوا ذلك، استعمال لغتهم الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع أو لتقديم شهادة أمام المحكمة (الفقرة 1 من المادة 30)، وسماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية (الفقرة 3 من المادة 30). وتقول الفقرة السادسة من المادة الثانية: «تنمية وتعزيز قدرات الموارد البشرية العاملة بالإدارات العمومية وبمختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص في مجال التواصل باللغة الأمازيغية مع المرتفقين المتحدثين بها». كما تنص المادة 25 على تأهيل الموظفين المعنيين «بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها».

واضح أن المشروع لا يرمي إلى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية «لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية»، كما جاء في الدستور. ذلك أن اللغة الرسمية تعني كل المواطنين، بما فيهم من لا يتحدّثها ولا يتواصل بها، وليست مقصورة على مجموعة دون أخرى.

وإذا كان هذا الاختيار دليلا آخر على أن المشروع يحصر "ترسيم" الأمازيغية في جانبها التواصلي الشفوي فقط، ولا يمس استعمالها الكتابي، مما يعني تفعيل طابعها غير الرسمي وإعدام ترسيمها الحقيقي الذي يشترط أولا وأساسا الاستعمال الكتابي، كما سبق أن شرحنا، فإنه ينتج عن ذلك أن هذا "الترسيم"، الشفوي، متوقف على وجود من يستعمل الأمازيغية من المواطنين عند ولوجه إلى المحاكم والإدارات العمومية. وعندما نعرف أن إكراهات عديدة، سياسية واجتماعية ودينية وإيديولوجية وإدارية ومهنية وتعليمية ولغوية...، تدفع العديد من الناطقين بالأمازيغية كلغتهم الفطرية (لغة الأمم) إلى استعمال الدارجة لقضاء أغراضهم بالمحاكم والإدارات العمومية، وذلك حتى في المناطق المعرفة أنها "مناطق أمازيغية"، فبالأحرى بمدن مثل الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش ووجدة وحتى طنجة...، (عندما نعرف ذلك) سنعرف أن الكثير من الإدارات والمحاكم قد تستغني عن تفعيل هذا الطابع الرسمي التواصلي للأمازيغية، بعلة أنه لم يعد أحد من المرتفقين والمتقاضين يتكلم الأمازيغية عند حضوره إلى الإدارات والمحاكم. يضاف إلى ذلك أن هذا التفعيل، المشروط بتحدّث المواطنين باللغة الأمازيغية، قد لا يكون مطلوبا ولا ضروريا في المناطق المعروفة على أنها مناطق عربوفونية.

 كل هذا يتنافى طبعا مع مفهوم اللغة الرسمية، التي هي، بالتعريف، لغة تفرضها الدولة على الجميع، بمن فيهم من لا يتحدثونها ولا يعرفونها. وخير دليل على ذلك اللغة العربية التي فرضتها فرنسا ثم دولة الاستقلال كلغة رسمية، دون أن توجد أسرة واحدة في المغرب تستعمل العربية في تواصلها الشفوي اليومي. كما أنها هي لغة رسمية حتى بالنسبة للأميين الذي لا يعرفون قراءتها وكتابتها.   

وإذا عرفنا أن عدد المتحدثين بالأمازيغية يتناقص ويتراجع بشكل متواصل ومطّرد بسبب الإكراهات التي أشرنا إليها، السياسية والاجتماعية والدينية والإيديولوجية والإدارية والمهنية والتعليمية واللغوية...، إذ لم يعد استعمالها الشفوي قادرا على إعادة إنتاجها بشكل يحافظ على بقائها ويضمن انتقالها عبر الأجيال، (إذا عرفنا ذلك) فسيكون هذا "الترسيم"، المشروط بوجود متحدّثين بالأمازيغية، هو نوع من القتل الرحيم Euthanasie لهذه اللغة، كإجراء "إنساني" و"إحساني" يهيّئها لاستقبال الموت بلا أسى ولا ألم، بعد أن تختفي من التواصل الشفوي للأسباب التي ذكرت. ولهذا فإن تدريسها الإجباري والموحّد لجميع المغاربة، وما ينتج عن ذلك من استعمالها الكتابي الرسمي في مؤسسات الدولة، هو وحده الكفيل بالمحافظة عليها وحمايتها من الموت الذي يتهددها.  

مشروع قانون طائفي وعرقي:

إلا أن الخطير في هذا الترسيم للاستعمال الشفوي للأمازيغية، هو أنه مشروط، كما سبق أن بيّنا، بوجود فئة خاصة من المغاربة، وهم فئة الأمازيغيين الذين لا زالوا يتحدثون بلغتهم الأمازيغية. إنه إذن "ترسيم" فئوي ينطلق من نظرة ضيقة وطائفية، ذات أبعاد عرقية وحتى عنصرية، الشيء الذي يتناقض على طول الخط مع ما تدّعيه المذكّرة التقديمية للمشروع من اعتبار الأمازيغية «آلية لدعم قيم التماسك والتضامن الوطني»، في الوقت الذي اختار فيه هذا المشروع استعمال رسميتها بشكل فئوي وطائفي، ينذر بتفكيك التماسك والتضامن الاجتماعي، ويهدد بتصدّع وحدة الهوية الوطنية المتلاحمة، لأن هذا القانون يخصّ المغاربة الناطقين بالأمازيغية بتمييز طائفي يحيل ضمنيا على "عرق معيّن"، كما قال عن الأمازيغيين أحد المنتمين إلى نفس المرجعية الأمازيغوفوبية التي يغرف منها هذا المشروع (انظر موضوع: "المقرئ الإدريسي أبوزيد  أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود" ضمن كتاب "في الأمازيغية والنزعة الأمازيغوفوبية").

فعندما يلاحظ  المواطن المغربي أن هناك خدمات خاصة بالمتحدثين بالأمازيغية داخل المحاكم والإدارات العمومية، ولا تخصّ غيرهم من المواطنين ولا تعنيهم في شيء، ماذا سيفهم وماذا سيستنتج؟ سيفهم وسيستنتج أن هناك طائفة من المواطنين، من "عرق معيّن"، تستعمل لغتها الخاصة بها، وتختلف عن طائفة ثانية أخرى، من "عرق" آخر، تتحدث لغة أخرى. هكذا سيساهم هذا القانون، في حالة تطبيقه دون أي تعديل لهذه المقتضيات الطائفية والعرقية، إلى ترسيم الطائفية والعرقية، بدل ترسيم الأمازيغية.

ولهذا فهذا المشروع هو ضد الدستور الذي يؤكد في التصدير على «صيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية (المملكة)، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية». فأين هو التلاحم والانصهار بين مقومات الهوية الوطنية ومكوّناتها، إذا كانت مؤسسات الدولة، كما يقضي بذلك مشروع القانون التنظيمي، تُفرد للأمازيغيين تعاملا خاصا بهم يميّزهم عن غيرهم من المواطنين؟ أليس هذا التعامل عزلا وفصلا لهم عن باقي المغاربة، وشرخا، بالتالي، لتلاحم مقومات الهوية الوطنية الموحّدة؟ ثم كيف تكون الأمازيغية «رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء»، كما ينص الدستور، في الوقت الذي يجعل منها هذا المشروع رصيدا خاصا بطائفة خاصة، تمييزا لها  كـ"عرق معيّن"؟

مع أن الداعي إلى إقرار ترسيم الأمازيغية، هو أن تكون لغة لجميع المغاربة، كما يستلزم ذلك مفهوم اللغة الرسمية للدولة حسب ما سبق أن شرحناه، وذلك حتى يكون هذا الترسيم عاملا لصيانة تلاحم مقومات الهوية الوطنية، كما جاء في تصدير الدستور، و«آلية لدعم قيم التماسك والتضامن الوطني»، كما تقول المذكّرة التقديمية للمشروع. وأن تكون الأمازيغية لغة رسمية للدولة، وبالتالي لغة لجميع المغاربة، فذلك ما لا يتحقق إلا بتدريسها الإجباري والموحّد لجميع المغاربة، حتى يشعروا أن هذه اللغة هي أيضا لغتهم مثل العربية، وأن الخدمات التي تقدّمها الإدارات والمحاكم بالأمازيغية هي لفائدة جميع المغاربة، مثل الخدمات التي تقدّمها بالعربية، وليست مقصورة على طائفة خاصة أو "عرق معيّن"، كما أراد المشروع، حسب ما أوضحنا ذلك. هكذا، أي بتدريسها الإجباري الموحّد لجميع المغاربة، واستعمالها الرسمي لفائدة جميع المغاربة بدون استثناء، تكون الأمازيغية عامل وحدة وتماسك، وفاعلا في صيانة وحدة الهوية الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي والوطني.

هذا المشروع هو إذن ضد الدستور، وضد الأمازيغية، وضد وحدة الهوية الوطنية.

وهنا يجدر الانتباه إلى أن الاستعمار، إذا كان قد حاول استغلال ما كان يعتبره اختلافا بين العرب والأمازيغ لضرب وحدة الهوية الوطنية للمغاربة، فإن مشروع القانون التنظيمي يخلق هو نفسه هذا الاختلاف عندما يفرّق، بالطريقة التي تبنّاها لتفعيل ما اعتبره ترسيما للأمازيغية بالإدارات والمحاكم، بين الناطقين بالأمازيغية كمعنيين وحدهم بهذه اللغة، وبين غير الناطقين بها المتحدثين بالدارجة، الذين لا يشملهم تفعيل هذا الترسيم للأمازيغية. بل يمكن القول إن "الحركة الوطنية"، إذا كانت قد اختلقت أسطورة "الظهير البربري" بادعاء أنه يرمي إلى زرع الفرقة والفصل العنصري بين العرب والأمازيغ، فإن أصحاب المشروع يزرعون، رسميا وقانونيا، هذه الفرقة وهذا الفصل، عندما جعلوا "ترسيم" الأمازيغية بالمحاكم والإدارات العمومية، مقصورا على طائفة خاصة و"عرق معيّن"، مفترق ومنفصل عن الطائفة الأخرى من المغاربة، المشكلين "لعرق آخر"، لا يعنيه ترسيم الأمازيغية من قريب ولا من بعيد.  

 إنه مشروع يستحثنا على قراءة "اللطيف"، طلبا لوقفه وإلغائه، وعياذا من التفرقة والعرقية اللتين يؤدّي إليهما تطبيقه. 

الغائب الأكبر:

هذه الطائفية والعرقية اللتان يتضمنهما مشروع القانون التنظيمي، هما نتيجة منطقية لحصر ترسيم الأمازيغية، داخل المحاكم والإدارات العمومية، في الاستعمال الشفوي لهذه اللغة من طرف فئة المتحدثين بها دون غيرهم من المغاربة. في حين أن المشروع كان سيتجنّب هذا التوجه الطائفي والعرقي لو التزم بالتعريف الحقيقي والسليم للغة الرسمية للدولة، والذي يشترط ـ حتى تكون لغة ما لغة رسمية للدولة ـ أن تكون، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، لغة الاستعمال الكتابي الموحد لجميع مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية، وأن تكون لغة جميع مواطني هذه الدولة وليس فقط طائفة منهم.

هذه اللغة الرسمية، عندما تكون لغة مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية، فذلك يعني أن موظفي هذه الدولة ومسؤوليها العموميين الممثلين لها، يشتغلون بهذه اللغة، أي بها يحررون ويقرأون الوثائق الرسمية. وهو ما يعني كذلك أن هؤلاء ـ الموظّفين والمسؤولين العموميين ـ سبق لهم أن درسوا هذه اللغة لمدة كافية وضرورية لأن تجعلهم متمكّنين من استعمالها الكتابي الموحَّد، ومؤهّلين لقراءة وكتابة مختلف الوثائق الرسمية بهذه اللغة، وفي جميع مناطق وجهات الوطن حيث يمكن تعيينهم للعمل هناك. كل هذا يبيّن أن الشرطين الأولين اللذيْن يجعلان من لغة ما لغة رسمية، هو استعمالها الكتابي والموحّد (الكتابة والتوحيد). وهو ما يتطلب تدريسها لتعليم هذا الاستعمال الكتابي الموحّد، كما هو شأن كل لغات العالم التي تُستعمل كلغات كتابية ورسمية.

هذا التدريس للأمازيغية كلغة كتابية وموحّدة، حتى تقوم بوظيفتها مستقبلا كلغة رسمية للدولة بالمعنى الذي شرحنا، هو الغائب الأول والأكبر في مشروع القانون التنظيمي. وغيابه شيء منطقي ومفهوم، لأن هذا القانون يفهم ويحصر ترسيم الأمازيغية في ما سماه التواصل، بمدلوله الذي يعني الاستعمال الشفوي لا غير (المذكرة التقديمية للمشروع، التي تقول: «ويهدف هذا القانون التنظيمي إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمية للدولة») ـ والذي يهم، كما سبق شرح ذلك، فئة المتحدثين بالأمازيغية فقط ولا يشمل غيرهم ـ، ولا يدخل في ذلك إذن استعمالها الكتابي كلغة لمؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية. وهذا ما يبيّن، بشكل جلي، أن الغاية من المشروع هي، كما سبقت الإشارة، ترسيم الطابع غير الرسمي للأمازيغية بصفتها لغة تواصل شفوي لفئة محدودة من المواطنين، وهو ما يعني إعدام ترسيمها الحقيقي، الذي يتوقف على الاستعمال الكتابي.

يضاف إلى ذلك أن الفقرة الثانية من المادة الأولى توضّح أن الأمازيغية المعنية في هذا القانون هي «مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة». وهو ما ينسجم تماما مع تفعيل الطابع غير الرسمي للأمازيغية حتى تبقى لغة لهجية تختلف من منطقة إلى أخرى، وهو ما لا يمكن أن ترقى معه إلى وضع لغة رسمية من شروطها أن تكون موحدة ومعيارية. ولنلاحظ التكامل بين تفعيل الطابع التواصلي، أي الشفوي، للأمازيغية والتعامل معها كتعبيرات لسانية متداولة بمختلف مناطق المغرب. فكلتا الحالتين ـ التواصل الشفوي والتعبيرات اللهجية ـ تنفيان الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي يشترط الكتابة، التي يتوقف تعلمها وإتقانها على تدريس الأمازيغية، الذي من شروطه التوحيد والمعيرة التي لا تتحقق إلا بالمدرسة.

كل هذا يبيّن ويعني في النهاية أن اللغة الرسمية الوحيدة، حسب هذا القانون، تبقى هي العربية. وهو ما يؤكد ما قلناه من أن أصحاب المشروع حرروه استنادا فقط إلى الفقرة الأولى من الفصل الخامس، مهملين الفقرة الثالثة منه، الخاصة بترسيم الأمازيغية. ولهذا تعاملوا مع هذه الأخيرة على أنها لن تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة، وهو ما يخالف، بل يلغي ويعطّل، الفقرة الثالثة من الدستور، كما سبقت الإشارة. فكل ما يمنحه هذا المشروع للأمازيغية، كمظهر كتابي رسمي لها، هو استعمالها الخارجي الديكوري والرمزي من خلال تثبيت حروفها على النقود والأوراق المالية ومجموعة من البطائق والشواهد، وهو ما لا علاقة له، رغم أهميته الرمزية، بتحرير مختلف الوثائق الرسمية للدولة بالأمازيغية، بما فيها الأحكام القضائية، كما سبق أن ناقشنا ذلك.

وهذا الغياب لتدريس إجباري وموحد الأمازيغية، يجعل ما تنص عليه المادة 23 من إصدار السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية لوثائق وشواهد بالأمازيغية لمن يطلبها ضحكا على الذقون. لماذا؟ أولا، من هو هذا المواطن الذي سيطلب وثيقة إدارية محررة بالأمازيغية وهو لم يدرس اللغة الأمازيغية ولا يعرف قراءتها ولا كتابتها؟ ثم ـ وهذا هو بيت القصيد ـ من هو هذا الموظف الذي سيحرر شواهد باللغة الأمازيغية إن لم يكن متمكنا من الاستعمال الكتابي للغة الأمازيغية، وهو ما يفترض أن هذا الموظّف قد درس الأمازيغية كلغة كتابية، مدرسية وموحّدة، لمدة كافية لأن تجعله قادرا على تحرير وثائق إدارية رسمية بها.

فالتدريس الإجباري والموحّد والجدّي للأمازيغية كلغة كتابية، هو ما سيمكّنها، مع الوقت، أن تحقق دورة Cycle إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابية، تنتقل من جيل إلى جيل بفضل المدرسة والكتابة، وهو ما لن تعود معه مهددة بالموت بسبب اقتصار استعمالها على الكلام الشفوي الذي يتناقص جيلا بعد جيل، مهددا بزوالها وانقراضها عندما لن يكون هناك من يتكلّمها، كما سبق أن شرحنا ذلك. وإعادة إنتاج الأمازيغية لنفسها كلغة كتابية، سيؤدّي إلى انتشار استعمالها الكتابي، مع ما يعنيه ذلك من توفر المنشورات والوثائق الإدارية والرسمية المحررة بالأمازيغية. وهذا ما سيساهم في خلق طلب اجتماعي على الأمازيغية يجعل المواطنين يطلبون المنشورات والوثائق المكتوبة بها، لأنها تصبح ذات قيمة "نفعية" مثلها مثل المنشورات والوثائق المكتوبة بالعربية أو الفرنسية. فخلق هذا الطلب الاجتماعي على الأمازيغية شرط لانتشار استعمالها وتوظيفها الكتابي، ويساهم بالتالي في تحقيق دورة إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابية، كما قلت. ولا يمكن أن يكون هناك طلب اجتماعي على الأمازيغية إلا بإرادة سياسية تعمل، بصدق وجدية، على أن تكون الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية للدولة.

وليس هناك من تدخّل سياسي إرادي لخلق طلب اجتماعي على الأمازيغية، مثل التنصيص على شرط إتقان الاستعمال الكتابي لهذه اللغة لشغل المناصب العمومية (الوظيفة العمومية)، بعد مدة معقولة من انطلاق عملية التدريس الإجباري لها، والتي يمكن تقديرها بخمس عشرة سنة أو أكثر، حتى يخصّ هذا الشرط فقط المتخرجين الجدد الذين يكونون متمكّنين من الاستعمال الكتابي للأمازيغية بعد أن يكونوا قد درسوها لأكثر من خمس عشرة سنة. وهذا الشرط يدخل في تعريف اللغة الرسمية، إذ لا يُعقل أن موظفا يمثّل الدولة في الإدارات العمومية التي يشتغل بها، وهو يجهل لغة هذه الدولة، فضلا على أنه (الشرط) يحفّز ويشجّع على تعلمها وإتقانها، لربطها بالمهام العمومية.

وأين «كيفيات إدماجها في مجال التعليم»؟

ولأن المشروع يركّز على التواصل والاستعمال الشفوي اللهجي والطائفي، ولا يهمه الاستعمال الكتابي المدرسي والموحّد للأمازيغية، فهذا ما يفسّر أنه لم يوضّح ولم يفصّل «كيفيات إدماجها في مجال التعليم»، التي هي من مهام القانون التنظيمي كما جاء في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور. إذا كان قد أشار إلى تدريسها بالتعليم الأساسي (الفقرة 2 من المادة 4) ثم بمستويات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي (الفقرة 3 من المادة 4)، إلا أنه اكتفى، بخصوص كيفيات إدماجها في مجال التعليم، والتي يطلب الدستور من القانون التنظيمي تحديدها، بذكر مبدأ "التدرّج" (الفقرات 1، 2 و3 من المادة 4)، مع أن "التدرّج" شيء بديهي في كل عملية تعليمية تعلّمية ولا يحتاج إلى التذكير به. فالتدرّج والانتقال من سنة إلى أخرى (أولى، ثانية، ثالثة...)، ومن مستوى إلى آخر (ابتدائي، إعدادي، تأهيلي، جامعي...)، ومن كفايات ومفاهيم ومعارف بسيطة إلى أخرى أكثر تعقيدا، هما من صميم التعليم المدرسي، الذي لا يمكن أن يوجد بدونهما.

ويسند المشروع مهمة هذا الإدماج، وبشكل عام وعائم، ودون تحديد ولا إلزام، إلى وزارة التربية الوطنية، والمجلس الوطني للغات والثقافة، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، كما تقول الفقرة 1 من المادة 4 من المشروع: «تسهر السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص».

مع أن المطلوب دستوريا من القانون التنظيمي، إذا كان لا بد من تكليف هذه المؤسسات الثلاث بمهمة إدماج الأمازيغية في التعليم، هو أن يحدد لها بدقة، وبشكل آمر وملزم، ما يجب أن تفعله بخصوص هذا الإدماج. أما إسناد مسؤولية هذا الإدماج لهذه المؤسسات، ودون تحديد ما يجب عليها القيام به لهذا الغرض، ودون إلزامها بذلك، فهو تهرّب من الموضوع، وتعويم للمسؤوليات حتى لا تُسأل أية جهة عن مسؤوليتها في إفشال إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، لأن القانون التنظيمي لم يحدد لها مهامها واختصاصاتها التي ستُسأل عنها في حالة إخلالها بهذه المهام وهذه الاختصاصات. وهكذا ستواصل وزارة التربية الوطنية إفشالها لتدريس الأمازيغية، وتعاملها المستخفّ بها وبتدريسها، كما فعلت منذ 2003. وإذا سئلت عن هذا الإفشال وهذا الاستخفاف، ستجيب بأنها طبّقت التدابير التي رأتها كفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية في التعليم، عملا بما ينص عليه القانون التنظيمي. وستكون الوزارة محقة في جوابها وردها. ونفس الشيء ستدفع به المؤسستان الأخريان. لكن لو أن القانون التنظيمي حدّد، بدقة وتفصيل، على شكل "دفتر للتحملات"، مضمون هذه التدابير التي يُطلب من هذه المؤسسات الثلاث اتخاذها لإدماج الأمازيغية في التعليم، لما ترك لها فرصة تطبيق تدابير مزاجية يمليها الهوى الإيديولوجي والأحكام المسبقة حول الأمازيغية. ولكانت مساءلتها عن أي تأخير أو إفشال لإدماج الأمازيغية في التعليم ذات معنى، لأنها ستُسأل احتكاما إلى ما أنجز من "دفتر التحملات"، الذي كلفها القانون التنظيمي بإنجازه وتنفيذه.

قانون على شكل توصيات لا تلزم أحدا:

ثم هل تتوفر في هذا المشروع شروط النص القانوني؟ فإذا كان من خصائص القاعدة القانونية الإلزامية، فإن الطريقة التي صيغ بها هذا المشروع، لا تجعله يرقى إلى مستوى قانون ملزم، لأنه لا يستعمل المصطلحات والعبارات التي تفيد هذا الإلزام، كما أنه ـ وهذا نتيجة طبيعية ومنطقية لغياب عنصر الإلزام ـ لا يرتّب أي جزاء عن الإخلال بهذا الإلزام. وهكذا تتكرر ألفاظ وعبارات من قبيل: "تشجع الدولة" (المادة 20)، "تحرص الدولة" (المادة 17 والفقرة 4 من المادة 30)، "تحرص إدارات الدولة" (المادة 25)، "تسهر الدولة" (المادة 12)، "كما تعمل الدولة على الرفع من حصة البرامج" (فقرة 3 من 12)... وهي ألفاظ وتعابير قد تفيد الاختيار والإمكان، والفعل أو عدم الفعل، ولا تتضمن إلزاما ولا وجوبا، وهو ما يتنافى مع شروط ومواصفات القواعد القانونية.

 فمثلا عندما تقول المادة 20: «تشجّع الدولة على إدماج الثقافة الأمازيغية والتعابير الفنية الأمازيغية في مناهج التكوين الثقافي والفني بمؤسسات التكوين التي تعني بالشأن الثقافي والفني، سواء منها العمومية أو الخاصة»، أو تقول المادة 17: «تحرص الدولة على إعداد وتكوين وتأهيل الموارد البشرية العاملة في قطاع الإعلام باللغة الأمازيغية»، أو تقول الفقرة الثالثة من المادة 12: «كما تعمل الدولة على الرفع من حصة البرامج والإنتاجات والفقرات باللغة الأمازيغية في القنوات التلفزية والإذاعية العامة أو الموضوعاتية في القطاعين العام والخاص»، يُطرح السؤال حول المعايير المحددة لهذا "التشجيع" وهذا "الحرص" وهذا "العمل"، ومضمون كل ذلك ومستواه. والنتيجة أنه لا يمكن أن نقيس مدى هذا "التشجيع" و"الحرص" و"العمل"، ولا أن نتحقق مما أُنجز من ذلك حتى نعرف هل التزمت الدولة بهذا "التشجيع" و"الحرص" و"العمل" أم لا. ذلك أن هذه الألفاظ ليست مفاهيم قانونية، بمدلول موضوعي محدّد، بل هي ذات حمولة أخلاقية، إرادية وذاتية، وتستعمل في اللغة العادية ولا علاقة له باللغة القانونية التي تتوخى الدقة والوضوح. كان من الممكن قبول هذه الألفاظ لو أن النص ربط استعمالها بمضمون ملموس وقابل للإنجاز والقياس من خلال تحديد التدابير والإجراءات التي يتحقق بها هذا "التشجيع" و"الحرص" و"العمل"، كالتنصيص، مثلا، بخصوص برامج القنوات التلفزية، على النسبة المئوية للرفع من حصة هذه البرامج، مثل 30% أو 50% أو 70%.

ولنلاحظ أن المشروع كله يتشكّل فقط من 35 مادة. مما يجعل منه نصا غير كافٍ لمعالجة التفعيل الرسمي للأمازيغية في كل جوانبه وقضاياه التي تشمل العديد من المجالات والقطاعات، مع كل ما يتطلبه ذلك من تدابير وإجراءات وتفاصيل. فخمس وثلاثون مادة قد تناسب مجالا معينا لوحده، مثل التعليم أو القضاء أو الإعلام أو الإدارة... ويبدو أن هذا الاختصار مفهوم ومقصود وينسجم مع ما قلت بأنه الغاية من هذا القانون، ألا وهي تفعيل الطابع غير الرسمي للأمازيغية، وإعدام طابعها الرسمي، حتى لا تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة،  الشيء الذي لا يتطلب تدابير كثيرة وتفاصيل دقيقة، كما في حالة تفعيل طابعها الرسمي الحقيقي.

غياب الإرادة السياسية:

في الحقيقة، هذه الرغبة في إعدام ترسيم الأمازيغية، وإعداد مشروع قانون تنظيمي لتنفيذ هذا الإعدام، يترجم غياب إرادة سياسية، جدية وحقيقية، للارتقاء بالأمازيغية إلى مستوى لغة رسمية، وخصوصا أن اختيار لغة ما لاستعمالها الرسمي هو اختيار سياسي، لأن اللغة الرسمية هي لغة الدولة، أي لغة السيادة والسلطة السياسية.

ويظهر هذا الغياب للإرادة السياسية في التماطل والممانعة والمراوغة والمراوحة، وممارسة نوع من "السيزيفية" في التعامل الرسمي مع ملف الأمازيغية، وذلك منذ الاعتراف الرسمي الأول بها بصدور ظهير أجدير، المنشئ للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 17 أكتوبر 2001، والذي أقرّ في الحقيقة للأمازيغية بالكثير من الحقوق التي كانت تطالب بها الحركة الأمازيغية منذ عقود. لكن اللافت، وهو ما يؤكد ما أشرت إليه من تماطل وممانعة ومراوغة ومراوحة و"سيزيفية"، ليس فقط أن ما قرّره هذا الظهير لصالح الأمازيغية لم يُطبق كله، بل إن دستور يوليوز 2011، الذي نص، وبعد مرور 10 سنوات على ظهير أجدير، على أن الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية، يكرّر ما سبق أن جاء في نفس الظهير الصادر في أكتوبر 2001.  

فبمقارنة الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، التي تقول: « يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية»، بالفصل الثاني من ظهير أجدير، الذي ينص «على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي»، سنلاحظ أن مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية هي تكرار لمطلب سبق أن نص عليه ظهير أجدير. الفرق الوحيد هو في استعمال عبارتين مختلفتين لكنهما مترادفتان تؤديان نفس المعنى حيث يستعمل الظهير عبارة "إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية"، أما نص الدستور فيستعمل عبارة "إدماجها في مجال التعليم".

فلو طُبق ظهير أجدير بكل مقتضياته لما احتجنا اليوم إلى قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إذ كان يكفي إقرار ترسيمها لتكون جاهزة للاستعمال الرسمي فورا ومباشرة. لكن هذا الظهير لم يطبق في الجانب الأهم فيه، الذي هو مناط الاستعمال الرسمي للأمازيغية، والذي هو تدريسها الإجباري والموحّد. هذا التدريس الذي توقف واختفى نهائيا، رغم أن "ليركام" (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)  قام بعمل جبار في ما يتعلق بمعيرة اللغة الأمازيغية وإعداد المناهج والبرامج والكتب المدرسية والحوامل البيداغوجية والمعاجم اللغوية.

  هذه العودة بعد 18 سنة إلى مطلب إدماج الأمازيغية من جديد في التعليم، وهو المطلب الذي كان من المفترض أن يكون قد تحقق بالكامل، تعبّر عن تعامل "سيزيفي" (نسبة إلى "سيزيف" في الأسطورة اليونانية، الذي حكمت عليه الآلهة بأن يحمل صخرة إلى قمة الجبل. فكان كلما أوصلها تدحرجت ليعود إلى حملها من جديد. فأصبحت "السيزيفية" تعني التكرار والعودة كل مرة إلى نقطة البداية) مع القضية الأمازيغية، إذ كلما اعترف لها مبدئيا ببعض الحقوق، تكون هناك عودة إلى نقطة الصفر والاعتراف من جديد بهذه المطالب بعد أن لا يكون شيء قد تحقق منها. وهو ما يترجم، كما قلت، وبشكل صارخ وبارز، غياب إرادة سياسية جدية وحقيقية، لتصالح جدي وحقيقي مع الأمازيغية.

من شأن سيادي إلى شأن عادي:

كل هذا يبيّن أن ما ينقص الأمازيغية ليس هو الترسيم ولا الدسترة ولا القانون التنظيمي، وإنما وجود إرادة سياسية حقيقية للاعتراف بها عمليا وحقيقة، وليس فقط مبدئيا ورمزيا. ولهذا فإن هذا التردّد في التفعيل العملي والحقيقي لرسمية الأمازيغية كان شيئا متوقّعا، منذ أن نقل دستور 2011 ملف الأمازيغية من الاختصاص الملكي باعتبارها شأنا سياديا إلى اختصاص حكومي وبرلماني كشأن عادي. وهنا يجدر التذكير أن كل المكاسب التي حققتها الأمازيغية قبل دستور 2011،  كانت وراءها الإرادة السياسية الملكية استنادا إلى الفصل 19 من الدستور السابق، والذي على أساسه أصدر الملك ظهير أجدير المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. بل لا يجب أن ننسى كذلك أن ترسيمها في دستور 2011 كان بأمر من الملك كما جاء ذلك في خطاب 9 مارس 2011، والذي أعلن فيه عن قرار تغيير الدستور، حيث أوضح في هذا الخطاب أن الدستور الجديد يجب أن ينص على «التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة». هذا التعامل الملكي السيادي مع الأمازيغية جعلها تحظى برعاية خاصة كنوع من التمييز الإيجابي، والذي يستوجبه وضعها كلغة عانت لعقود من الإقصاء والشيطنة والتحقير. فما تقرّره الإرادة الملكية لصالح الأمازيغية، بناء على الفصل 42 من الدستور الحالي، كما كان الشأن بالنسبة للفصل 19 من الدستور السابق، تناله فورا بغض النظر عن مواقف الأحزاب والفاعلين السياسيين الآخرين.

وهنا قد نتساءل: لماذا لم تُطبّق كل مقتضيات ظهير أجدير تنفيذا لقرارات ملكية؟ الجواب هو أن غياب الإرادة السياسية للدولة، والتي كان حضورها وراء إصدار ظهير أجدير وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هو الذي يفسّر التماطل في تفعيل مضامين ظهير أجدير. وقد تراجعت هذه الإرادة السياسية إلى درجة أن ملف الأمازيغية لم يعد، من ناحية الشكلية القانونية، شأنا سياديا يختص به الملك، وذلك منذ ترسيمها في دستور 2011، كما أشرت. لقد جعل منها هذا الدستور شأنا وطنيا "عاديا" يناقشه أعضاء الحكومة ونواب الأمة، ليهيئوا لها قانونا تنظيميا تطبيقا للفصل الخامس من الدستور. وهو ما يعني أنها انتقلت من حقل سيادي خاص بالملك إلى حقل الصراع السياسي الخاص بالحكومة البرلمان.

تراجع في النهوض بالأمازيغية بعد دسترتها!

وهذا الانتقال يعبّر في الحقيقة عن تراجع في مسار النهوض بالأمازيغية، ولا يمثّل تقدّما في رد الاعتبار لها، كما قد يبدو ذلك للوهلة الأولى. لماذا؟ لأن الفصل الخامس من الدستور ربط ترسيمها بقانون تنظيمي. وهو ما جعل ترسيمها الدستوري هذا، بدل أن يكون بمثابة الضوء الأخضر الذي يسمح لها بأن تدخل، وبدون أي عائق أو مانع، إلى المؤسسات الرسمية للدولة وتلج جميع المجالات، التعليمية والقضائية والإدارية، بصفتها لغة رسمية للدولة، يتحوّل، لاشتراطه قانونا تنظيميا لتفعيله، هو نفسه إلى عائق ومانع لهذا الترسيم. ولهذا عرف مسار النهوض بالأمازيغية، منذ ترسيمها الدستوري في 2011، توقفا وجمودا، بل تراجعا جليا، كما يظهر ذلك في:

ـ إنزال الأمازيغية من مكانتها الملكية المتميزة كشأن سيادي من اختصاص الملك، إلى شأن عادي تشرّع فيه الحكومة والبرلمان.

ـ التماطل، وبشكل سافر ومستفزّ، لأكثر من ثماني سنوات في إصدار القانون التنظيمي والمصادقة عليه،

ـ إعداد وتمرير قانون تنظيمي فارغ من أي تفعيل حقيقي لترسيم حقيقي للأمازيغية،

ـ إلغاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة مستقلة تتمتع بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي (المادة الأولى من ظهير أجدير). وهو ما يشكّل، ليس تراجعا فقط عن أهم المكتسبات السابقة، بل نكوصا وردة في طريقة التعاطي مع ملف الأمازيغية. فإذا كان المعهد هو رمز الاعتراف بالأمازيغية والتعامل معها بما تستحقه من تمييز إيجابي، فإن إلغاءه يعني، رمزيا، إلغاء هذا الاعتراف والتراجع عن هذا التعامل.

وهنا يقع مشروع القانون التنظيمي في تناقض يرقى إلى مستوى الكذب، عندما يقول في ديباجته (المذكرة التقديمية) بأنه سيعمل على "ترصيد المكتسبات" المحققة في مجال النهوض بالأمازيغية. إذا كان أهم هذه المكتسبات هو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما هو معلوم، فإن إلغاءه بضمّه إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، يعني التراجع عن أهم هذه المكتسبات والتعامل معها باعتبارها غير موجودة، وليس ترصيدها، أي الإبقاء عليها مع إغنائها والزيادة فيها، كما تدّعي المذكرة التقديمية للمشروع.

قانون انتقامي وبربري:

هكذا تفقد الأمازيغية بعد دسترها ـ ويا للمفارقة! ـ أهم مكتسباتها السابقة المتمثّلة في أنها كانت شأنا سياديا تحظى معه برعاية ملكية خاصة، وكان لها ـ نتيجة لذلك ـ معهد خاص هو الذي يُعدّ برامج ومشاريع تنميتها والنهوض بها. فقدانها لهذه "الامتيازات"، وخصوصا للرعاية الملكية باعتبارها شأنا سياديا، هو ما يفسّر اتجاه مشروع القانون التنظيمي إلى حرمانها من الترسيم والاكتفاء بتفعيل طابعها غير الرسمي بالتركيز على الجانب التواصلي، أي جانب الاستعمال الشفوي، حتى لا تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة، وهو ما يخالف الفقرة الثالثة من الفصل الخامس.

وهنا لا يمكن تفسير ربط ترسيم الأمازيغية بقانون تنظيمي إلا بالرغبة في التحكّم فيها، لتكون تحت رحمة الهوى الإيديولوجي والأمازيغوفوبي للذين يقررون في شأنها من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين. ولهذا تحكّمت في كتابة مشروع هذا القانون التنظيمي، كما نخلص إلى ذلك من اطلاعنا على مضمونه، خلفية إيديولوجية أمازيغوفوبية أكثر منها قانونية. وتظهر هذه الخلفية، كما تكشف عن ذلك مواد هذا القانون وطريقة صياغتها، في وجود ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك ـ قناعة مسبّقة، لدى محرري هذه الوثيقة، بأن الأمازيغية لا يمكن ولا ينبغي أن تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة، وفي إصرارهم، نتيجة لهذه القناعة، على أن لا تكون بالتالي لغة رسمية بالمعنى المتعارف عليه لمفهوم اللغة الرسمية. وهذا ما حدا بهم إلى أن يعطوا لهذا المفهوم معنى خاصا يقصره على التواصل الشفوي، والاستعمال الديكوري، الخارجي والرمزي، لحروف تيفيناغ، ويُبعده عن معناه الحقيقي المعروف والمتعارف عليه، كما قلت.

وهو ما يفسّر أنهم أعدّوا هذا المشروع، الرامي إلى إعدام الترسيم الحقيقي للأمازيغية، على شكل انتقام عنصري من هذ الأمازيغية، التي كانت قبل دسترتها في منجاة منهم وممتنعة عنهم، بفضل وضعها كشأن سيادي من اختصاص الملك. ولهذا استغلوا فرصة القانون التنظيمي ليصفّوا حساباتهم الانتقامية والعنصرية معها، لأنها تجرأت على أن تكون هي أيضا لغة رسمية تنافس، كضرة غير مرغوب فيها ـ حسب فهمهم لترسيمها ـ، سيدتها العربية التي يجب أن تبقى ـ في نظرهم ـ هي اللغة الرسمية الوحيدة. وتظهر الرغبة في الانتقام من دعوة بعض البرلمانيين إلى "البداية من البداية" في مناقشة موضوع الأمازيغية، وإعادة النظر في كل شيء ذي علاقة بهذا الموضوع. وهو ما جعلهم يطالبون، وبكل وقاحة، بالعودة إلى مناقشة حرف الكتابة، الشيء الذي كان وراء إلحاح مجموعة من البرلمانيين، الغيورين على الأمازيغية، على التنصيص على حرف تيفنياغ لكتابة الأمازيغية في القانون التنظيمي لوضع حد لمثل هذا العبث والسفه.

مواد هذا المشروع تُبرز أن واضعيه تعاملوا مع الأمازيغية على أنهم برابرة حقيقيون، بالمعني الأصلي اليوناني والروماني لكلمة "بربري"، التي تعني الأجنبي عن الفضاء الثقافي اليوناني ثم الروماني. محررو هذا المشروع هم أيضا برابرة بالنسبة للأمازيغية، لأنهم يعتبرون أنفسهم، نتيجة تحوّلهم الجنسي الهوياتي، أجانب عنها ولا ينتمون إلى فضائها الثقافي واللغوي، بمن فيهم من لا زال ناطقا بها كبعض الوزراء والبرلمانيين. فهذا القانون هو بربري، ليس لأنه موجّه إلى الأمازيغ، أي البربر، كما كانت تسمّيهم الكتابات التاريخية العربية، وإنما لأنه من وضع البرابرة الحقيقيين، بالمعنى الذي شرحت.

وهنا يحق التساؤل: كيف يُعقل أن يشرّع للأمازيغية من هو بربري، أي أجنبي عنها ورافض لها. فمثل هذا التشريع "البربري" هو الذي يشكّل جوهر السياسية البربرية الجديدة، التي تتعامل مع الأمازيغية كشيء أجنبي، في حين أن إنصاف الأمازيغية يحتاج إلى سياسة أمازيغية، أي السياسة التي يقرّرها الأمازيغيون لأمازيغيتهم. 

التخوف من إقصاء الأمازيغية "ديموقراطيا":

وضع ملف الأمازيغية بين أيدي مسؤولين حكوميين وبرلمانيين "برابرة"، لتكون تحت رحمتهم وهواهم الأمازيغوفوبي "البربري"، قد يؤدّي إلى مواصلة إقصائها، لكن بطريقة "ديموقراطية". فإذا كانت قد عاشت الإقصاء في السابق بسبب غياب الديموقراطية، فالخوف، كل الخوف، أن يستمر إقصاؤها، ليس لغياب الديموقراطية، بل بطريقة "ديموقراطية"، وذلك عندما تتخذ قرارات ليست في صالحها من طرف حكومة الأغلبية المنتخبة "ديموقراطيا"، ونتيجة للتصويت "الديموقراطي" للبرلمانيين على تلك القرارات. وهذا ما رأيناه مع هذا المشروع للقانون التنظيمي، الذي سيمرّ من كل المراحل والشكليات التي يفرضها الدستور والقانون، لكن كل ذلك من أجل إعدام الترسيم الحقيقي للأمازيغية في النهاية.

 ولهذا فإن الأمازيغية، نظرا لما عانته من إقصاء لأزيد من نصف قرن، تحتاج إلى تمييز إيجابي يتطلّب التدخل المباشر للدولة، ممثَّلة في الملك، لفرض القرارات الخاصة بالأمازيغية، مستعملة وسائلها القانونية والإدارية والمؤسساتية. وهذا ما كان يوفره الفصل 19 من الدستور السابق والفصل 42 من الدستور الحالي، بالنسبة للسلطات الدستورية للملك.

مسؤولية الحركة الأمازيغية:

لا يجب إلقاء كل اللوم على أعضاء الحكومة والبرلمان "البرابرة"، بالمعنى الذي سبق شرحه، الذين أعدّوا ومرّروا مشروع قانون تنظيمي مجحف في حق الأمازيغية، يمنعها من أن تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة. فالحركة الأمازيغية، بسبب تقصيرها وتقاعسها، مسؤولة أيضا عن هذه النتيجة. ويتجلّى تقصير وتقاعس نشطاء الأمازيغية في عزوفهم عن المشاركة في لعبة الديموقراطية الانتخابية الممارَسة بالمغرب، والتي يحكمون عليها ـ وهم محقون في ذلك ـ بأنها ديموقراطية صورية وريعية، ولا علاقة لها بالديموقراطية الحقة. لكن الذي يهم هو أن هذه الديموقراطية، الصورية والريعية، تعطي نتائج خطيرة بالنسبة للأمازيغية عندما تعدّ وتمرر، وباسم هذه الديموقراطية الصورية والريعية، الحكومةُ والبرلمانُ، الصوريان والريعيان، تشريعاتٍ في غير صالح الأمازيغية. فلو أن النشطاء الأمازيغيين شاركوا في هذه "الديموقراطية"، التي يعتبرونها مجرد مسرحية، لكان لهم أعضاء في البرلمان، وحتى في الحكومة، قد يؤثرون على القرارات المتخذة بخصوص الأمازيغية، لتكون في صالحها وليس ضدها.

هذا الانسحاب لشباب وطلبة ومناضلي الحركة الأمازيغية من هذه الديموقراطية الانتخابية، وعدم المشاركة فيها، هو الذي يسمح للحكومة والبرلمان من أن يتشكّلا من أغلبية لا تكنّ ودّا للأمازيغية، ليصبح معها حال الأمازيغية كحال الأيتام في مأدبة غير الكرام. وقد رأينا كيف أن مجموعة، ليست بكبيرة العدد، من البرلمانيين المدافعين عن الأمازيغية نجحوا في فرض التنصيص على حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية ضمن مشروع القانون التنظيمي. وهو ما يعني لو أن أغلبية البرلمانيين هم مثل هؤلاء المدافعين عن الأمازيغية، وهو ما كان يمكن أن يتحقّق لو كان نشطاء الأمازيغية يشاركون بكثافة في الانتخابات، ولو فقط بالتصويت ضد من يرونه مناوئا للأمازيغية، لكان مشروع القانون قد صيغ أو عُدّل بالشكل الذي يجعل الأمازيغية حقا هي أيضا لغة رسمية للدولة.  

إن طبيعة النظام المخزني المغربي يفرض عليك أن تشارك فيه إذا أردت أن تستفيد من خدماته. وهو ما يعني أن على المدافعين عن الأمازيغية، حتى تستفيد هذه الأخيرة من هذا النظام في ما يخص القوانين والقرارات التي تعنيها، أن يشاركوا في هذا النظام ويسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية ويترشحوا ويصوّتوا، ليس من أجل دعم الديموقراطية المفترى عليها، بل من أجل دعم الأمازيغية وخدمتها.

 

  

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting