Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

لماذا لا يمكن للإسلام السياسي أن ينجح بالمغرب

هل تراجع إسلام المغاربة بإسقاطهم للحزب الإسلامي؟

الأمازيغية في خطاب 20 غشت 2021

من المخاطب بدسترة الأمازيغية؟

هل يكفي قانون 55.19 لتحسين أداء الإدارة؟

الوحدة في التنوع أم التنوع في الوحدة؟

خدعة مفهوم "المشترك"

المخيال العروبي والأمازيغوفوبي

بين تامازيغت وتامغرابيت

ومتى التطبيع الكامل مع الأمازيغية؟

في تعلّة أن الأمازيغية غير نافعة

ماذا ستستفيد الأمازيغية من تطبيع المغرب مع إسرائيل؟

الوظيفة التعريبية لفلسطين بالمغرب

أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار

انتصار التطبيع على "التضبيع"

حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بذات المرجعية؟

دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي

عندما كنت رجعيا وفخورا برجعيتي

كيف يصنع الجهل المقدس التطرف الإسلامي

مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل

حول الأخوة المزعومة بين الأمازيغ والعرب

هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟

رواية ضفائر في النافذة وبصمة همنجواي

السياسة الصغرى لإحباط تعريب الأمازيغية بعد التخلي عن مخزنتها

التراجع حتى عن الترسيم الرمزي للأمازيغية

هل يفيد الحجر الصحي في تخيف الحجر على الأمازيغية؟

من أكسيل إلى الزفزافي

عندما يتحول الأمازيغ إلى برابرة يعادون أمازيغيتهم

في تعلة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية

الدكتور الكنبوري وعقدة الأمازيغية

خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب

وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وشوارعه بالدهلوس؟

هل يتجه المغرب إلى شرعنة الرقابة الشاملة؟

"كورونا" يعيد طرح طبيعة العلاقة بين العلم والدين عند المسلمين

"حراك الريف" بين العنف الأمني والقضائي والحقوقي

البعد الهوياتي في التنمية

لماذا يخاف المغاربة من أمازيغيتهم؟

لماذا تحقَّقت تكهنات ماركس حول ديكتاتورية البروليتاريا؟

غياب الدولة عند الأمازيغ وأثره على اللغة والهوية

الخذلان الأبدي لليسار المغربي

الحاجة إلى أمثال رشيد أيلال

لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي

هل كان الأمازيغ من السباقين إلى إلغاء عقوبة الإعدام وممارسة العلمانية؟

التعريب كخدعة للحفاظ على الامتيازات الطبقية

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرس عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

 

لماذا لا يمكن للإسلام السياسي أن ينجح بالمغرب؟

 

بقلم: محمد بودهان

 

(27 ـ 09 ـ 2021)

من الخطأ أن نتحدّث عن انتكاسة الإسلام السياسي بالمغرب استنادا إلى الانتكاسة الذريعة التي مُنيَ بها، في انتخابات ثامن شتمبر 2021، الحزبُ المنتمي لإيديولوجية الإسلام السياسي، الذي هو "البيجيدي" (حزب العدالة والتنمية الإسلامي). فحتى يصحّ القول إن الإسلام السياسي عرف انتكاسة بانتكاسة هذا الحزب الذي يمثّل هذا الإسلام، ينبغي أن يكون قد سبق لنفس الحزب أن عرف نجاحا وتقدّما في مشروعه السياسي الإسلامي، المعبّر عن نجاح وتقدّم الإسلام السياسي بالمغرب، ثم جاءت انتخابات ثامن شتمبر 2021 فأرجعت الحزب إلى الخلف، إيذانا بتراجع وانتكاسة الإسلام السياسي الملازم لحزب "البيجيدي". والحال أن هذا الحزب لم يسبق له، وهو يرأس الحكومة لمدة عشر سنوات، أن طبّق مشروعه السياسي الإسلامي الإخواني (نسبة إلى إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين) الذي كان ينادي به ويدافع عنه وهو خارج الحكومة. ولهذا لم نلمس قدر أنملة من التغيير، خلال تولّي "البيجيدي" لسلطة الحكومة لولايتين، المُعلِن عن حكم سياسي إسلامي حقيقي، كفرض الحجاب، ومنع الاختلاط، وحظر صنع واستيراد وبيع الخمور، ووقف القروض البنكية بالفائدة، ومحاربة ما يعتبره الإسلام السياسي من مظاهر الانحلال الخُلُقي مثل حفلات الرقص والغناء، وتعديل القانون الجنائي بالشكل الذي يجعل تطبيق الحدود الشرعية بديلا عن العقوبات الوضعية الحالية...، إلى آخر ذلك من مظاهر الإسلام السياسي كما نجدها، مثلا، في إيران والسعودية وأفغانستان الطالبان... فالسلوك الديني للمغاربة استمر كما كان قبل صعود "البيجيدي"، يمارسون إسلامهم بكل حرية كما لو كانوا في دولة عَلمانية. فأين اختفى الإسلام السياسي المعبّر عن "شرع الله"، الذي كان "البيجيدي" يعِدُ بتطبيقه إذا وصل إلى السلطة الحكومية؟

إسلام سياسي بلا دولة:

حتى نفهم المشكل، موضوع النقاش في هذه المقالة، علينا أن نتذكّر أن الإسلام السياسي هو ـ بما أنه سياسي ـ مشروع دولة. ولهذا نجد أن مختلف الجماعات الإسلامية ذات المشاريع السياسية الإسلامية، تسعى إلى الوصول إلى الدولة ـ وليس فقط الحكومة ـ والاستيلاء عليها لتطبيق مشروعها السياسي الإسلامي، إعمالا لمبدأ "الإسلام هو الحلّ"، كما نجد عند تنظيم القاعدة وداعش والطالبان... قد نقبل أن "البيجيدي" قبِل أن يقود الحكومة، كمرحلة أولى تسهّل له الانتقال إلى مرحلة "الحكْم والتمكين"، أي مرحلة الدولة. لكن لماذا لم ينجح في الوصول إلى الحكْم، أي إلى الدولة؟

للإجابة عن هذا السؤال، يجدر استحضار تجربة الإسلام السياسي بالجزائر ومصر: لماذا تدخّل الجيش بالجزائر، في يناير 1992، وألغى نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها، وباسم الإسلام السياسي، الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا ساحقا، قبل حلّها نهائيا في مارس من نفس السنة، وهو ما كان سببا مباشرا في اندلاع حرب أهلية عنيفة ومدمّرة دامت أزيد من عشر سنوات؟ لأن الفوز التشريعي الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ كان يعني، في إطار النظام السياسي الجزائري، اقترابَها من الفوز في الاستيلاء، ليس على الحكومة فقط، بل على الدولة، والتحكّم في أجهزتها القهْرية من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء...، لاستعمالها في فرض الإسلام السياسي. فلم يكن هناك من حلّ لمنع استيلاء الجبهة، باسم الإسلام السياسي، على الدولة، ولو بطريقة ديموقراطية حيث أهّلتها لذلك الاستيلاء صناديقُ الاقتراع، إلا بخرق هذه الطريقة الديموقراطية باللجوء إلى التدخّل العسكري. وأكثر ما كان يخيف المسؤولين الذين قرّروا إلغاء فوز الجبهة ثم حلّها، ليس هو فقط التطرّف الإسلاموي الذي كان ستحكم به الجبهةُ، بل متابعتهم ومحاكمتهم من طرف الدولة الإسلامية الجديدة بتهمة أنهم لم يكونوا يطبّقون "شرع الله".

ولماذا تدخّل الجيش كذلك بمصر، في 3 يوليوز 2013، للانقلاب على الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي (توفي في 17 يونيو 2019) والإطاحة به كرئيس للدولة؟ لأن فوز مرسي الإخواني في الانتخابات الرئاسية كان يعني فوزا للإسلام السياسي في الاستيلاء، ليس على الحكومة فقط، بل على الدولة، والتحكّم في أجهزتها القهْرية من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء...، لاستعمالها في فرض الإسلام السياسي، كما رأينا في الحالة الجزائرية. فلم يكن هناك من حلّ لمنع استيلاء الإخوان، باسم الإسلام السياسي، على الدولة بمصر، ولو بطريقة ديموقراطية حيث أهّلتهم لهذا الاستيلاء صناديقُ الاقتراع، إلا بخرق هذه الطريقة الديموقراطية باللجوء إلى التدخّل العسكري.

  ولماذا لم يضطر الحكْم بالمغرب إلى خرق القواعد الديموقراطية لحرمان "البيجيدي" من نتائج فوزه في انتخابات 2011 و2016، كما حصل بالجزائر ومصر، للحيلولة دون استيلاء الإسلام السياسي على الدولة؟ لأن "البيجيدي" لا يستطيع، حتى لو حصل على الأغلبية المطلقة في كل الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، أن يستولي على الدولة ليصبح هو المتحكّم، باسم الإسلام السياسي، في أجهزتها القهْرية من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء... لماذا لا يستطيع؟ لأن طبيعة النظام السياسي المغربي، والتي يُقرّها ويرسّخها الدستور المغربي، لا تسمح لأي تيار ـ إسلامي أو غير إسلامي ـ ذي مشروع سياسي للدولة، أن يكون له، بفضل صناديق الاقتراع، الإشراف المباشر على مؤسسات الجيش والمخابرات والشرطة والدرك والقضاء...، والتي هي مؤسسات تشكّل العمود الفقري للدولة.

ولهذا لم تكن هناك حاجة للانقلاب على ديموقراطية صناديق الاقتراع، كما حصل بالجزائر ومصر، لمنع استيلاء الإسلام السياسي على الدولة والتحكّم في مؤسسات الجيش والمخابرات والشرطة والدرك والقضاء... ذلك أن الدولة، متمثّلة على الخصوص في هذه الأجهزة القهْرية، بقيت خارجة عن سلطة "البيجيدي" وتابعة مباشرة للمؤسسة الملكية. ولا شك أن عددا من أتباع إيديولوجية الإسلام السياسي، والذين كانوا ينتظرون من هذا الحزب أن يحوّل الدولة إلى أداة لنشر وفرض الإسلام السياسي، صوّتوا ضد "البيجيدي" في انتخابات ثامن شتمبر 2021 لأنه لم يَفِ بوعوده "الإسلامية" ـ وليس فقط الاقتصادية ـ، إذ لم يستطع أن يُخضع الدولة، أي أجهزتها القهْرية من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء...، لسلطته حتى يستعملها لنشر وفرض إسلامه السياسي.

هكذا أهّلت انتخابات 2011 و2016 "البيجيدي" لأن يكون حاكما لكن بلا حكْم، أي بلا دولة، إذ لم تكن له أية سلطة على هذه الدولة التي بقيت أجهزتها القهْرية من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء...، والتي تشكّل روح الدولة وجوهرها، غير خاضعة ولا تابعة له حتى يمكن له استخدامها لفرض إسلامه السياسي. فبقي إسلامه السياسي بلا فعل ولا تأثير خارج ما هو إيديولوجي ودعوي، لافتقاره إلى دولة تفرض، عبر أجهزتها القهْرية، هذا الإسلام السياسي على الشعب والمجتمع.  

الإسلام السياسي للدولة:

من جهة أخرى، إذا كان الحكْم بالمغرب لم يضطرّ إلى خرق القواعد الديموقراطية لحرمان "البيجيدي" من نتائج فوزه في انتخابات 2011 و2016، كما حصل بالجزائر ومصر، إنقاذا للدولة من الإسلام السياسي كما فعلت الدولتان المذكورتان، فدلك لأن هذا الإسلام السياسي، الذي تدخّل العسكر بهاتين الدولتين لإنقاذ الدولة منه، كما قلت، تمارسه الدولة المغربية كأداة للحكْم، وذلك قبل أن تظهر الحركات والتنظيمات الإسلامية. كيف ذلك؟

فبغضّ النظر عن كون الإسلام يتبوأ مكانة الصدارة في الهوية المغربية (تصدير الدستور)، وأنه هو دين الدولة (الفصل 3 من الدستور)، كما هو الحال كذلك بالجزائر (الفصل 2 من الدستور) ومصر (الفصل 2 من الدستور)، إلا أن لهذا الإسلام بالمغرب حضورا سياسيا أكبر وأقوى مما عليه الأمر بالجزائر ومصر. يتجلّى هذا الحضور السياسي الأكبر والأقوى، أولا، في كون الملك «أميرا للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية (الفقرة 1 من الفصل 41 من الدستور)، وثانيا في الممارسة العُرفية "للبيعة" كطقس يؤكد ويكرّس الولاء للملك. وغني عن البيان أن مفهومي "إمارة المؤمنين" و"البيعة" هما من صميم الإسلام السياسي، إذ ترجع نشأة الأول إلى الخلافة الراشدية لعهد عمر بن الخطاب، ويستمدّ الثاني مشروعيته من القرآن (الآيتان 10 و18 من سورة الفتح)، وترجع نشأته إلى نشأة أول شكل للدولة الإسلامية في التاريخ على يد الرسول (صلعم). ولهذا فإن كل تيارات الإسلام السياسي المتطرّفة تسعى إلى إنشاء دولة إسلامية تقوم على ركن "البيعة" لحاكم بصفته "أميرا للمؤمنين". ولإبراز تجذّر الإسلام السياسي للدولة المغربية، كظاهرة قديمة وأصيلة وليست شيئا طارئا وجديدا، تُرجع الرواية التاريخية الرسمية نشأةَ هذه الدولة إلى حدَث "البيعة" الأسطورية لقبيلة "أوربا" (أوربة) الأمازيغية لإدريس الأول منذ أكثر من اثني عشر قرنا. وهي الرواية التي أصبحت بمثابة "محفوظة" يستظهرها جميع المغاربة، أميين كانوا أو متعلمين. ولا يهمّ مدى صحة هذه الرواية بقدر ما يهمّ ما ترسّخه من تلازم تاريخي بين الدولة المغربية والإسلام السياسي. فالإسلام السياسي، الذي تقاتل الجماعات الإسلامية المتطرّفة من أجل فرضه كنظام للدولة، هو إذن قائم بالمغرب كنظام للدولة، سواء دستوريا من خلال إمارة المؤمنين، أو عُرْفيا وتاريخيا من خلال طقس "البيعة" التي عليها يتأسس نظام دولة الخلافة التي "يجاهد" الإسلام السياسي من أجل إقامتها.

بين الإسلام السياسي للدولة والإسلام السياسي "للبيجيدي":

فالمغرب لم يكن إذن خاليا من الإسلام السياسي حتى يشكّل أرضا بورية لغرس هذا الإسلام السياسي بها لأول مرة. والفرق كبير جدا بين الإسلام السياسي للدولة، القائم على مفهومي "إمارة المؤمنين" و"البيعة"، والإسلام السياسي "للبيجيدي" وغيره من الجماعات الإسلامية. 

1ـ الإسلام السياسي للدولة، وحتى إذا كان أصله مشرقيا حيث يُرجعه التاريخ الأسطوري إلى "بيعة" إدريس الأول كما أشرت، فهو إسلام مغربي أصيل، تمت تبيئته مع البيئة المغربية الأمازيغية والمتطلبات الروحية للأمازيغ، فأصبح بذلك إسلاما أمازيغيا. أما الإسلام السياسي "للبيجيدي" فهو إسلام دخيل وأجنبي، استوردته الجماعات الإسلامية الناشئة منذ سبعينيات القرن الماضي فقط. وإذا كان للدولة دور، هي أيضا، في هذا الاستيراد، فقد فعلت ذلك حتى لا تحتكر هذه الجماعات وحدها هذا الإسلام الأجنبي لاستعماله ضد الدولة، والتأليب عليها بدعوى أنها لا تطبّق الإسلام الحقيقي الذي يمثّله هذا الإسلام الأجنبي، حسب اعتقاد هذه الجماعات المتبنّية لهذا الإسلام السياسي الأجنبي.    

2ـ قلت إن الإسلام السياسي للدولة هو إسلام مغربي أصيل، أي إسلام أمازيغي. ولهذا لا يحرّم البُعدُ السياسي لهذا الإسلام الرقصَ والغناء وكل أشكال التعبير عن الفرح والمرح والسعادة، ولا يفرض حجابا على المرأة، ولا يعتبرها ناقصة عقل ودين، ولا يحظر اختلاط الجنسين، ولا يدعو إلى لباس "إسلامي" خاص، ولا يفضّل "قص الشارب وإعفاء اللحية"... فمثل هذه الأمور هي مسائل شخصية لا يتدخّل فيها الإسلام السياسي للدولة، متروكةٌ للاختيار الحرّ لكل فرد، بما فيها حرية أداء أو عدم أداء العبادات المفروضة، مثل الصلاة والصيام... ولهذا يعيش المغاربة إسلامهم كما لو كانوا في دولة عَلمانية، كما سبق أن قلت. أما الإسلام السياسي "للبيجيدي" فهو يتدخّل، أُسوة بجماعات الإسلام السياسي المشرقية التي منها استقى الحزب الإسلامي إسلامه السياسي، في الشؤون الشخصية للأفراد، فيسعى إلى أن يفرض عليهم كيف يلبسون، وكيف يؤدون التحية، وكيف يحلقون لحاهم، وكيف يعاشرون زوجاتهم (أدب النكاح في الإسلام)، ويمنع اختلاط الجنسين، و"يحجُب" المرأة، ويحرّم الرقص والغناء وكل أشكال التعبير عن الفرح والمرح والبهجة، ويحظر التعامل البنكي بالفائدة... وإذا كان "البيجيدي" لم يطبّق، أثناء فترة ترؤّسه للحكومة، هذه "التعاليم"، التي يأمر بها إسلامه السياسي الأجنبي، فذلك لأنه، كما سبق أن شرحت، لم يكن ذا سلطة على الدولة حتى يستعملها لفرض اختياراته الدينية ذات المصدر الأجنبي.

3ـ الإسلام السياسي للدولة، ورغم أنها تستعمله لدعم الحكم الفردي، وتسويغ الريع والاستبداد، إلا أنه لا يحدّ من الحريات الفردية إلا بقدر ضئيل، مقارنة مع الإسلام السياسي "للبيجيدي" ـ وغيره من الجماعات الإسلامية ـ الذي تشكّل محاربة الحريات الفردية علة ظهوره ووجوده. ولهذا نجد أن المرأة هي عدوة الإسلام السياسي. لماذا المرأة؟ لأنها رمز للحرية: فعندما تشتغل في شركة أو إدارة أو معمل، أو عندما تتجوّل في السوق بلباس ضيفي، أو عندما تدرس بالجامعة، أو عندما تقيم علاقات غرامية، أو عندما تتزيّن، أو عندما تسوق السيارة...، فهي تمارس حريتها. وهذا ما يُغضب تيارات الإسلام السياسي فتلجأ إلى تقييد حرية المرأة استنادا ـ لتبرير ذلك ـ إلى ترسانة من الجهل المقدّس. أما الإسلام السياسي للدولة فهو يمجّد المرأة ويقدّرها ويعاملها كما يعامل الرجل إلا في أحكام قليلة تعتمد في مضمونها على الإسلام الفقهي. 

4ـ الغاية من الإسلام السياسي للدولة هو الحكْم، حيث يُستعمل الدين لتقويته والحفاظ عليه وإعادة إنتاجه. أما الأفراد فلا يتدخّل هذا الإسلام، كما سبق أن قلت، في شؤونهم الشخصية إلا في الحالات التي يهدّدون فيها هذا الحكْم. وهذا عكس الإسلام السياسي "للبيجيدي" ـ وغيره من الجماعات الإسلامية التي تنهل من الوهابية والداعشية ـ حيث إن الغاية عنده من ممارسة الإسلام السياسي هي التحكّم في الأفراد بالسيطرة على عقولهم وأرواحهم، وحتى أجسادهم (نوع اللباس، شكل اللحية...). أما الحكْم فليس إلا وسيلة لتحقيق هذا التحكّم والسيطرة باستخدام أجهزته القهْرية، من جيش ومخابرات وشرطة ودرك وقضاء...، لإحكام قبضة الإسلام السياسي على الأفراد، والتدخّل في اختياراتهم الشخصية. ولهذا إذا كانت جميع تيارات الإسلام السياسي "تجاهد" من أجل إقامة دولة أو الاستيلاء على دولة قائمة، فذلك من أجل استخدامها كوسيلة، من خلال ما توفّره من أجهزة قهْرية، لتحقيق الغاية التي تبقى هي التحكّم في حرية الأفراد وإرادتهم واختياراتهم. 

5 ـ الدين بصفة عامة، عندما يتمّ خلطه بالسياسة، فذلك لاستعماله من طرف السلطة السياسية لمزيد من القهْر، أكثر من ذلك القهْر الذي يلازم عادة كل سلطة سياسية مستقلة عن الدين. والإسلام السياسي للدولة بالمغرب، إذا كانت تستعمله لإضفاء المشروعية الدينية على ممارستها للقهر، فإن هذا القهر غالبا ما يستهدف فقط الأشخاص الذين يشكّلون خطرا على الحكْم، كأن يخططوا للقضاء عليه والإطاحة به، كما سبقت الإشارة. أما القهْر الذي تمارسه الجماعات الإسلامية، وكان سيمارسه "البيجيدي" لو كانت له سلطة على الدولة وأجهزتها القهْرية، فهو يمسّ جميع أفراد المجتمع من خلال العمل، باستخدام هذه الأجهزة، على السيطرة على عقولهم وأرواحهم وإرادتهم وأجسادهم، كما قلت سابقا. إنه مسّ خطير بالحريات والحقوق بشكل لا تصحّ معه المقارنة مع القهر الذي تضطر الدولة إلى ممارسته في حالات خاصة.

إذا لم يكن من الممكن العيش بلا إسلام سياسي بالمغرب، فالمنطق يقضي إذن اختيار الأقل ضررا، وهو الإسلام السياسي للدولة.

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting