Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

التضليل السياسي والإعلامي في حرب أوكرانيا

عبثية توظيف مساعدين اجتماعيين في الأمازيغية

عقدة اللسان عند المغاربة

حسن بنعقية والعلاقة اصوفية بالأمازيغية

المعنى الجديد لشعار: إفريقيا للأفارقة

عندما يشكّل التعريب خطرا على مصالح المغرب

الهويات المقتولة

الفرنسية كناشر للعروبة ومناهضة للأمازيغية

مأزق الأمازيغية

لماذا لا يمكن للإسلام السياسي أن ينجح بالمغرب

هل تراجع إسلام المغاربة بإسقاطهم للحزب الإسلامي؟

الأمازيغية في خطاب 20 غشت 2021

من المخاطب بدسترة الأمازيغية؟

هل يكفي قانون 55.19 لتحسين أداء الإدارة؟

الوحدة في التنوع أم التنوع في الوحدة؟

خدعة مفهوم "المشترك"

المخيال العروبي والأمازيغوفوبي

بين تامازيغت وتامغرابيت

ومتى التطبيع الكامل مع الأمازيغية؟

في تعلّة أن الأمازيغية غير نافعة

ماذا ستستفيد الأمازيغية من تطبيع المغرب مع إسرائيل؟

الوظيفة التعريبية لفلسطين بالمغرب

أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار

انتصار التطبيع على "التضبيع"

حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بذات المرجعية؟

دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي

عندما كنت رجعيا وفخورا برجعيتي

كيف يصنع الجهل المقدس التطرف الإسلامي

مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل

حول الأخوة المزعومة بين الأمازيغ والعرب

هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟

رواية ضفائر في النافذة وبصمة همنجواي

السياسة الصغرى لإحباط تعريب الأمازيغية بعد التخلي عن مخزنتها

التراجع حتى عن الترسيم الرمزي للأمازيغية

هل يفيد الحجر الصحي في تخيف الحجر على الأمازيغية؟

من أكسيل إلى الزفزافي

عندما يتحول الأمازيغ إلى برابرة يعادون أمازيغيتهم

في تعلة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية

الدكتور الكنبوري وعقدة الأمازيغية

خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب

وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وشوارعه بالدهلوس؟

هل يتجه المغرب إلى شرعنة الرقابة الشاملة؟

"كورونا" يعيد طرح طبيعة العلاقة بين العلم والدين عند المسلمين

"حراك الريف" بين العنف الأمني والقضائي والحقوقي

البعد الهوياتي في التنمية

لماذا يخاف المغاربة من أمازيغيتهم؟

لماذا تحقَّقت تكهنات ماركس حول ديكتاتورية البروليتاريا؟

غياب الدولة عند الأمازيغ وأثره على اللغة والهوية

الخذلان الأبدي لليسار المغربي

الحاجة إلى أمثال رشيد أيلال

لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي

هل كان الأمازيغ من السباقين إلى إلغاء عقوبة الإعدام وممارسة العلمانية؟

التعريب كخدعة للحفاظ على الامتيازات الطبقية

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرس عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

 

التضليل السياسي

 

 والإعلامي في حرب أوكرانيا

 

بقلم: محمد بودهان

 

(18 ـ 04 ـ 2022)

بين خداع الحواس وخداع المشاعر والرغبات:

تبدو لنا الشمس قرصا صغيرا ومتنقّلا من الشرق نحو الغرب، ونشعر بالأرض مسطّحة وساكنة تحت أقدامنا. لكن الحقيقة أن الشمس ضخمة وكبيرة جدا، وقارة لا تتحرك ولا تنتقل من الشرق إلى الغرب، وأن الأرض كروية ومتحركة وليست ساكنة. لم يكتشف الإنسان هذه الحقيقة إلا بعد آلاف السنين من الاعتقاد الخاطئ البعيد عن الحقيقة والصواب. إذا كان هذا صحيحا بالنسبة للظواهر الطبيعية، حيث يسهل أن تخدعنا الحواس لتُخفي علينا حقيقة هذه الظواهر، فإن ذلك أصحّ أكثر بالنسبة للظواهر الإنسانية حيث ينضاف إلى خداع الحواسّ خداعُ المشاعر والعواطف والرغبات، التي يمكن التأثير عليها والتلاعب بها بكل سهولة.

وتدخل الصور والأخبار و"الحقائق" التي تروج حول الحرب الروسية الأوكرانية ضمن هذا الصنف من الظواهر التي يسهل التلاعب بها لارتباطها بالمشاعر والرغبات، كما قلت. فرغم أن القول بإن الولايات المتحدّة هي التي تقف وراء النزاع المسلّح بين روسيا وأكرانيا، الذي انطلق منذ 24 فبراير، يبدو عبارة عن توضيح لشيء واضح لا يحتاج إلى تحليل ولا استدلال، إلا أن الإعلام الغربي، الذي توجّهه الولايات المتحدة، يجعلنا لا نرى من هذا النزاع إلا ما تريد أمريكا أن نراه: قصف وقتل ودمار وغزو وتهجير... وعندما نحمّل المسؤولية عن تلك الأفعال لروسيا، لأن ذلك ما يظهر لنا بشكل واضح ومباشر على القنوات الإخبارية...، فإننا نقع في ما يقع فيه من يرى الشمس صغيرة ومتحركة، لأن ذلك ما تنقله له عينه بشكل واضح ومباشر. هذا لا يعني أن ما نراه من قصف وقتل وتدمير لم يقع، وأن روسيا لم تقم بذلك، وإنما يعني أننا نقف عند السبب القريب والمباشر، ونتغاضى عن السبب الأصلي، الأول والحقيقي.

هيمنة السردية الأمريكية:

الإعلام الغربي، الذي توجّهه أمريكا، كما قلت، يبرز لنا روسيا كمعتدية ورئيسها "بوتين" كديكتاتور ومريض ومجرم حرب. ولانتشار هذه الشيطنة لروسيا وقادتها بفعل الهيمنة الإعلامية لأمريكا وحلفائها، أصبحت تشكّل السردية الوحيدة المعتمدة لفهم الحرب على أكرانيا، يردّدها حتى مختصون في العلاقات الدولية كنوع من التحليل العامّي السهل، كما شاهدنا ذلك على عدة قنوات غربية يتحدّث فيها أكاديميون عن هذه الحرب. ففي كل تحليلاتهم لا يخرجون عن السردية الأمريكية كمرجع لتفسيرهم لما يجري بين روسيا وأكرانيا. أما المفكرون الذين لا يتبنّون هذه السردية الأمريكية، مثل الأمريكيين "جون ميرشايمر" John Mearsheimer أو "وولت ستيفن" Stephen Walt أو "تشومسكي" Noam Chomsky...، والفرنسييْن "لوك فيري" Luc Ferry أو هوبير فدرين" Hubert Védrine...، فلن تراهم ضيوفا على القنوات الغربية ليقدّموا وجهات نظرهم حول أسباب وأصول حرب أوكرانيا. فإقصاءهم يرمي إلى إقصاء الحقيقة التي تفضح زيف السردية الأمريكية بخصوص حرب أوكرانيا.

صحيح أن روسيا هي التي شنّت حربا على أوكرانيا. هنا تقف السردية الأمريكية التي يردّدها الإعلام الغربي التابع لأمريكا والمعادي لروسيا. وبذلك فإن هذه السردية تتعمّد أن تفعل مثل ذلك الذي يرى الشمس، وبكل وضوح وجلاء، صغيرة ومتحرّكة مع أن الحقيقة هي غير ما يراه، كما سبق أن أشرت. فالسؤال ليس هو: من شن الحرب على أوكرانيا؟ ليكون الجواب: إنها روسيا، وإنما هو: لماذا شنّت روسيا هذه الحرب على أوكرانيا؟ إذا تركنا السردية الأمريكية جانبا وبحثنا عن الأسباب الحقيقية لهذه الحرب، فسنكتشفها ونعرفها.

محاصرة روسيا وتطويقها:

فمنذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي في 1991، وأمريكا تعمل، جهرا وخفاء، لمواصلة إضعاف روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، استكمالا لمشروع تفكيك ـ وحتى القضاء على ـ ما تبقى من هذا الاتحاد. ولهذا إذا كانت منظمة حلف الشمال الأطلسي (Otan)، التي أنشئت في 1949 كحلف عسكري لمواجهة المخاطر الأمنية التي يمثّلها الاتحاد السوفياتي، لم تُحلّ عقب اختفاء هذه المخاطر مع اختفاء الاتحاد السوفياتي في1991، فذلك لأن الاحتفاظ عليها هو من أجل مواجهة روسيا الاتحادية رغم كل التحولات الجيوسياسية التي حدثت منذ نهاية الاتحاد السوفياتي في 1991، حيث لم يعد هناك مثل ذلك التهديد الذي كان يمثّله احتمالا الاتحادُ السوفياتي. ولم تكتف دول هذه المنظمة، بتوجيه من الولايات المتحدة، بضم دول كانت تابعة لمعسكر الاتحاد السوفياتي وعضوة في حلف وارسو إلى حضن هذه المنظمة، مثل: ألبانيا، بلغاريا، بولندا، هنجاريا، رومانيا...، بل ضمّت أيضا بلدانا كانت جزءا من سيادة الاتحاد السوفياتي قبل أن تستقل عنه بدءا من 1990، مثل: إيستونيا Estonie، ليتونيا Lettonie، ليتوانيا، Lituanie. وهو ما يجعل روسيا شبه محاصرة ومطوّقة من طرف الحلف العسكري للشمال الأطلسي، مع ما يشكّل ذلك من تهديد حقيقي لأمنها القومي. إلا أن الولايات المتحدة لم تكتف بذلك، بل ظلت تعمل باستمرار وإصرار من أجل ضمّ أوكرانيا إلى حلفها للشمال الأطلسي. وهو ما سيجعل روسيا مباشرة في مرمى الصواريخ التي سينصبها حلف الأطلسي بأوكرانيا كما تسمح بذلك عضويتها بهذا الحلف إن حصلت، مما سيسهّل على الولايات المتحدة القيام بأعمال التصنّت والمراقبة والتجسس الإلكتروني على روسيا لقرب المسافة، بحكم أن توسّع حلف الشمال الأطلسي إلى دول كانت عضوة في الاتحاد السوفياتي السابق هو توسّع للنفوذ العسكري للولايات المتحدة، التي تقود الحلف وتتحكّم فيه، ليمتدّ إلى حدود روسيا. وهو ما يشكّل خطرا مؤكدا على الأمن القومي لروسيا ومصالحها الاستراتيجية العليا.

عندما يُستعمل الحق للإضرار بحقوق الغير:

ودون انتظار انضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف، تقوم الولايات المتحدة باستعداء هذه الدولة ضد جارتها وشقيقتها روسيا، مع تسليحها وتدريب جيشها وإقامة مختبرات لصنع وتجريب أسلحة بيولوجية فتّاكة وخطيرة تحت غطاء التعاون الثنائي بين الدولتين. وإذا كانت أوكرانيا دولة مستقلة وذات سيادة من حقها أن تنضم إلى أية منظمة أو حلف، إلا أن قواعد حسن الجوار، في العلاقات الدولية، لا تجيز استعمال هذا الحق من طرف دولة للإضرار بالدولة الجارة التي تشترك معها في الحدود، وخصوصا عندما يكون ذلك بإيعاز وتشجيع من دولة معادية للدولة الجارة، كما هو حال أوكرانيا التي تحرّضها الولايات المتحدة لاستعمال ذلك الحق للنيل من روسيا. فاستعمال هذا الحق بنية الإضرار بدولة الجوار يشبه حالة ذلك الجار الذي يملك قطعة أرضية محاذية لمنزل جاره، فيوعز إليه خصم ذلك الجار بحفر بئر عميقة بالجهة الملاصقة لمنزل ذلك الجار بدعوى الاستفادة من الماء العذب التي سيحصل عليها من ذلك البئر كما تثبت ذلك التحليلات التي أجريت على التربة. لكن حفر مثل هذه البئر بشكل محاذٍ لأساس المنزل قد يسبب أضرارا لهذا الأساس، وهو ما قد ينتج عنه انهيار المنزل. وهنا لا يمكن لصاحب البئر أن يتذرّع بحرية التصرّف في ملكه بموجب حق الملكية التي يضمنها القانون، لأن هذا الحق يضر بحق آخر يحميه القانون كذلك، وهو عدم إلحاق أضرار ببناء الجار.

النتيجة أن كل دولة توجد في وضع روسيا إزاء دولة جارة تتصرف تجاهها كما تفعل أوكرانيا، سترفض تصرّفها وتتدخل لمنعه وإيقافه إذا كانت قادرة على ذلك، مثلما يرفض كل شخص تصرُّف جاره الذي يقرر حفر بئر لاصقة بأساس منزله فيتدخّل لمنع ذلك وإيقافه. وهذا ما فعلته الولايات المتحدة نفسها في 1962، عندما قامت روسيا ببناء قواعد لصواريخ نووية بكوبا القريبة من الولايات المتحدة، ردا على نصب هذه الأخيرة لصواريخ نووية بتركيا المجاورة للاتحاد السوفياتي. فاعتبرت ذلك تهديدا لأمنها وتوعّدت بحرب نووية إن لم يسحب الاتحاد السوفياتي صواريخه من كوبا. فكان الحل التوفيقي أن يسحب هذا الأخير صواريخه من كوبا مقابل أن تسحب الولايات المتحدة صواريخها من تركيا وإيطاليا. فلماذا ترفض اليوم الولايات المتحدة لروسيا ما مارسته هي نفسها البارحة؟

من تفكيك الاتحاد السوفياتي إلى التخطيط لتفكيك روسيا:

وكل ملاحظ متتبع لما تغدقه الولايات المتحدة على أوكرانيا من مال ودعم وسلاح، وتوفره لها من خبراء وتجهيزات عسكرية وتدريب وتكوين لجيشها، وما تقوم به من تأجيج للصراع العرقي والإثني واللسني بينها وبين روسيا...، يخلص إلى أنها لا تفعل ذلك حبا لأوكرانيا ولشعبها، وإنما بهدف استعمالها للإضرار بروسيا ومحاصرتها وإضعافها. ولهذا فالحرب القائمة بينها وبين روسيا هي حرب بين هذه الأخيرة وبين الولايات المتحدة، كما يعرف ذلك القاصي والداني. وهذا ما يؤكّد أن تفكيك الاتحاد السوفياتي بدءا من 1990، بتشجيع القوميات التي كانت تشكّل هذا الاتحاد على الانفصال عنه لتصبح دولا مستقلة وذات سيادة كاملة، كان يمثّل فقط المرحلة الأولى لمخطّط التفكيك الذي ساهم فيه، بشكل أو آخر، الغربُ بقيادة الولايات المتحدة. أما المرحة الثانية فتتمثل في استعمال هذه القوميات/الدول نفسها لتفكيك روسيا حتى لا يكون هناك منافس آخر للولايات المتحدة على مستوى القدرات العسكرية يستطيع تحدّيها ومواجهتها. وفي إطار هذا الاستعمال للقوميات، التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي السابق، لمحاصرة روسيا وعزلها وإضعافها، وحتى تفكيكها، تكون أوكرانيا هي الأنسب لتحقيق هذا الهدف الذي تخطّط له الولايات المتحدة.

وهذا ما وعته روسيا جيدا. ولهذا فإن ما قامت به من تدخّل حربي وعسكري ضد أوكرانيا، هو، بمعايير المصالح الاستراتيجية والأمنية العليا، مسألة بقاء أو فناء. فحتى إذا كانت غير متأكدة أنها ستربح الحرب وتنتصر، إلا إنها لو لم تفعل فإنها كانت ستخسر وتنهزم يقينا وأكيدا عندما تصبح أوكرانيا عضوة في حلف أمريكا للشمال الأطلسي. فالخطأ، دائما بمعايير المصالح الاستراتيجية والأمنية العليا، الذي ارتكبته روسيا ليس هو إعلانها الحرب على أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022، وإنما هو عدم إعلانها قبل هذا التاريخ. فعندما لا يكون تجنّب الحرب ممكنا، فإن كل تأخير في إعلانها يكون مفيدا للطرف الآخر، الذي هو أوكرانيا في حالتنا هذه، ومن ورائها طبعا الولايات المتحدة.

أين تتجه وأين ستتوقّف هذه الحرب؟

هل يمكن التكهّن بمآل هذه الحرب بين روسيا والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، عبر استعمالها لأوكرانيا؟ الأكيد أن روسيا، بالنظر إلى الرهانات الاستراتيجية والأمنية العليا، لن توقف هذه الحرب ـ لأنها مسالة بقاء أو فناء كما كتبت ـ قبل تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها، وأقلها إلحاق منطقة "دونباس" donbass، بجانب شبه جزيرة القرم، كمناطق تابعة للسيادة الروسية، وجعل أوكرانيا دولة منزوعة السلاح. لكن الطرف الآخر، الأمريكي المتخفّي وراء أوكرانيا، لن يقبل هذه الشروط. وحتى إذا سيطرت روسيا على "دومباس" و"القرم"، فإن دول حلف الشمال الأطلسي ستواصل، بقيادة الولايات المتحدة، تزويد أوكرانيا بالسلاح، وحتى بالجيوش تحت غطاء المرتزقة، لمواصلة الحرب والمقاومة لاسترجاع المناطق التي استولت عليها روسيا. واستمرار الحرب هو أحد أهداف الولايات المتحدة لما فيه من تكاليف بالنسبة للجانب الروسي قد يساهم في إضعافها اقتصاديا ثم عسكريا. وقد يتطور دعم هذه الدول لأكرانيا إلى تدخلها العسكري المباشر للقتال بجانب أوكرانيا. وهو ما قد تلجأ معه روسيا إلى استعمال السلاح النووي كحل وحيد للدفاع عن نفسها. مما ستضطر معه تلك الدول إلى استعمال، هي بدورها، نفس الأسلحة. هكذا تهدّد الولايات المتحدة، بتدخلها في مناطق نفوذ ليست تابعة لها لتغيير موازين القوى لصالحها، الأمنَ والاستقرار في العالم.

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting