Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقي بين السلط؟

 

بقلم: محمد بودهان

 

(13 ـ 07 ـ 2018)

يخطئ الذين يعتقدون ويقولون، وحتى من المثقفين والسياسيين وليس فقط من العامّة، إن القاضي لا يصدر حكمه في الملفات الجنائية ذات الصبغة السياسية، مثل محاكمة معتقلي حراك الريف، وقبلهم معتقلي سنوات الجمر والرصاص، إلا إذا تلقّى تعليمات من فوق. لماذا هم مخطئون؟ لأنهم، أولا، يظلمون هؤلاء القضاة، ولأنهم، ثانيا، يكشفون عن جهلهم التام بآليات وأساليب اشتغال النظام المخزني في المغرب، والذي نقصد به السلطة الحقيقية، أو الدولة العميقة، كما يسميها البعض. فهذه السلطة لا تحتاج إلى توجيه تعليمات فوقية إلى القاضي لاستصدار الحكم الذي تريده، والتي، بالنظر إلى ما قد تتركه من آثار مادية (تصال هاتفي، مراسلة...)، قد تورّطه في مخالفة القانون وخرقه لمبدأ استقلال وحياد القاضي. لماذا لا تحتاج إذن السلطة المخزنية إلى مثل هذا التدخّل في عمل القضاء لتوجيهيه حسب مصلحتها، في مثل هذه الملفات الجنائية ذات الدوافع السياسية؟ لأن التعليمات، المفترض، كما هو شائع لدى جزء من العامّة وبعض المثقفين والسياسيين، كما سبقت الإشارة، أن القاضي يتلقّاها من الجهات المتحكّمة، والتي تريد أن يحكم حسب رغبتها، هي تعليمات تأتي من تحت وليس من فوق، وهي تعليمات كتابية، تُحرّر في وثيقة رسمية، مؤرخة ومسجّلة، وتحمل رقما تسلسليا، والاطلاع عليها متاح لكل من له علاقة بالدعوى العمومية، مثل المتهم ودفاعه.

هذه الوثيقة هي محضر البحث التمهيدي الذي يضمّ الأفعال التي يُنسب ارتكابها إلى المتهم في القضايا ذات الطايع السياسي على الخصوص، كما في حالة معتقلي حراك الريف وسنوات الجمر والرصاص. ولا يبقى للقاضي الزجري إلا تكييف هذه الأفعال حسب فصول القانون الجنائي. وعندما يبارك قاضي النيابة العامة هذه المحاضر، ويزكّيها قاضي التحقيق، ويتبنّاها قاضي الحكم، مع ما يؤسَّس عليها من محاكمات ويصدر استنادا إليها من أحكام، يكون هؤلاء القضاة قد نفّذوا "تعليمات" السلطة دون أن تكون قد طلبت منهم ذلك، ولا سعت إلى توجيه عملهم أو التأثير عليه. والأهم أن هؤلاء القضاة يكونون قد التزموا بالقانون، كل القانون، ولا شيء غير القانون. ولهذا سوف لن تجد في تعاملهم مع الملف المعني ما يخلّ باستقلال القضاء، أو يكشف عن خضوعهم لضغوط جهات تريد التأثير على طريقة معالجتهم للملف المعروض على المحكمة الجنائية. وبالتالي فلا يمكن لومهم أو مؤاخذتهم بسبب الحكم الذي صدر، ما دام أنهم حاكموا وحكموا طبقا للقانون وللمساطر القضائية المقرّرة. فالحكم إذن هو مطابق للقانون حتى لو كان مبنيا على محاضر ملفّقة ومفبركة. لماذا؟ لأن من حق القاصي، وهو ما يدخل في سلطاته التي يخوّلها له القانون، أن يقبل ـ وأن يرفض كذلك ـ المحاضر، وحتى عندما تكون التهم جنائية وليست جنحية، ويؤسس عليها الأحكام. كما أنه من حق المتهم، عبر دفاعه، أن يثير خروقات وعيوب تلك المحاضر التي يحاكم استنادا إليها، ويطلب من المحكمة التصريح ببطلانها. ومن حق القاضي كذلك، وهو ما يدخل أيضا في سلطاته التي يمنحها له القانون، أن يرفض تلك الدفوعات والطلبات، وبالتعليل الذي يراه مناسبا.

هكذا يكون الحكم مطابقا للقانون، ويكون القاضي قد أصدره بكل استقلال وحياد، لأنه طبّق القانون وليس شيئا آخر. ومطابقة الحكم للقانون هو ما جعل البعض يقولون، وبحسن نية، إن عقوبة عشرين سنة على معتقلي حراك الريف هي عقوبة مخفّفة. وهذا صحيح إذا عرفنا أن عقوبة جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة هي الإعدام (الفصل 203 من ق.ج). فالاستدلال الذي أوصل هؤلاء إلى القول بأن العقوبة مخفّفة هو التالي: حراكيّو الريف ارتكبوا جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة، عقوبة هذه الجناية هي الإعدام، حوكموا بعشرين سنة فقط، النتيجة أن هذه العقوبة مخفّفة. إنها نتيجة منطقية تنسجم مع المقدمات التي تؤدّي إليها، مثل النتيجة المنطقية لهذا الاستدلال الآخر: كل إنسان خالد، إيدير إنسان، النتيجة أن إيدير خالد لن يلحقه موت ولا فناء. هي نتيجة منطقية لأنها مطابقة للمقدمات التي تؤدّي إليها رغم أن الواقع يكذّبها. فالخلل إذن ليس في النتيجة بل في المقدمة الأولى التي تقرّر أن الإنسان خالد، وهي مقدّمة غير مطابقة للواقع. ونفس الشيء في القول إن الحكم بعشرين سنة هو عقوبة مخفّفة. فالخلل ليس في هذا الاستنتاج المنطقي، وإنما في المقدمة الكبرى التي تؤدي إليه، وهي أن هؤلاء المعتقلين ارتكبوا جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة. وكما أن الخطأ في الاستدلال الثاني ليس في الاستنتاج وإنما في المقدمة غير المطابقة للواقع، وهي أن كل إنسان خالد، فكذلك الخطأ في الاستدلال الأول ليس في الاستنتاج المنطقي أن العقوبة مخفّفة، وإنما في المقدمة غير المطابقة للواقع، وهي أن المعتقلين ارتكبوا جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة. ومصدر هذه المقدمة ومرجعها هما محاضر البحث التمهيدي، التي تعامل معها القاضي طبقا للقانون، الذي يجيز له اعتمادها أو استبعادها.

في النهاية نجد أنفسنا أمام أحكام ظالمة أصدرها قاضٍ لم يفعل شيئا أكثر من تطبيقه للقانون. فهو لم يتلقّ أية تعليمات فوقية تأمره بأن يصدر تلك الأحكام، لأن التعليمات، إذا جاز أن نتكلم عن تعليمات، فهي تلك المدوّنة في محاضر الشرطة القضائية، كما سبقت الإشارة. فالحكم ظالم لأنه غير مطابق للحقيقة، وهي أن المدان ارتكب حقيقة تلك الأفعال المنسوبة إليه. ولكنه في نفس الوقت هو حكم مطابق للقانون. وهذا هو مأزق استقلال القضاء ومأزق المحاكمة العادلة، عندما لا تكون هناك ديموقراطية حقيقية ولا عدالة حقيقية، نتيجة غياب فصل حقيقي بين السلط. فتصدر أحكام ظالمة على متهمين أبرياء دون أن يكون القاضي قد خضع لأي ضغط صريح يؤثر على استقلاه وحياده، ولا أن تكون المحاكمة قد خرقت القواعد القانونية الشكلية، أو أخلّت بالإجراءات المسطرية والقضائية. وهنا تنجح الدولة، غير الديموقراطية، في استعمال القضاء كسلاح  للبطش والانتقام ممن ترى فيهم خصومها، متسترة وراء استقلال هذا القضاء، ممارِسة بذلك أسوأ أنواع الاستبداد الذي حذّر منه "مونتسكيو" عندما كتب: «ليس هناك استبداد أسوأ من ذلك الذي يُمارس باسم القانون وتحت غطاء العدالة». وهذا ما حدث في محاكمات المعتقلين السياسيين في سنوات الجمر والرصاص، ويتكرر مع محاكمات المعتقلين السياسيين لحراك الريف.

فالمشكل هنا، في ما يتعلق بالمحاكمات السياسية للريفيين، وهو نفس المشكل الذي كان وراء الظلم الذي عانى منه ضحايا المحاكمات السياسية في سنوات الجمر والرصاص، ليس في القانون والمساطر القضائية، وإنما المشكل في "المقدّمات" التي تسطّرها محاضر البحث التمهيدي، والتي هي، عندما لا تكون هناك عدالة حقيقية واستقلال حقيقي للقضاء، بمثابة حكم مسبّق على المتهم، وهو الحكم الذي يأتي النطق بالحكم القضائي لتثبيته وتأييده. ففي هذه الملفات السياسية، ذات الغطاء الجنائي، تُنجر محاضر البحث التمهيدي بتوجيهات سياسية وأمنية، تحت مراقبة شرفية ـ لا غير ـ للقضاء. ولقد رأينا كيف أن أحزاب الأغلبية كانت هي أول من وجّه تهمة الانفصال السياسية إلى نشطاء حراك الريف يوم 14 ماي 2017، عندما اجتمعت بطلب من وزير الداخلية ـ وليس بطلب من القضاء ـ، الذي يمثّل السياسة الأمنية ـ وليس القضائية ـ للدولة، وأدانتهم بهذه التهمة في بلاغها المعلوم طبقا لأمر وزير الداخلية وليس طبقا لأمر قضائي، وذلك قبل حتى اعتقالهم الذي لم ينطلق إلا ابتداء من 26 ماي 2017. وهذه التهمة السياسية، من طرف أمناء عامين لأحزاب سياسية أعضاء في جهاز سياسي هو الحكومة، وليسوا قضاة تابعين للسلطة القضائية، هي التي ستختلق لها محاضر البحث التمهيدي "المقدّمات" والوقائع التي تدخل في تشكيل أركانها وعناصرها. وبناء على هذه التهمة نفسها، ستُصدر محكمة الدار البيضاء أحكامها على معتقلي حراك الريف، بعد تكييفها إلى جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة، حتى تنسجم مع فصول القانون الجنائي، كما سبقت الإشارة. فهذه الأحكام كانت مقررة إذن منذ صياغة صكّ الاتهام بالانفصال يوم 14 ماي 2017 بأمر، ليس من السلطة القضائية، وإنما من وزير الأمن، الذي هو وزير الداخلية، كما ذكرت. أما الأحكام التي ستنطق بها محكمة الدار البيضاء في الساعة الأخيرة (الحادية عشرة ليلا) من يوم 26 يونيو 2018، في حق المعتقلين الريفيين، فلم تكن إلا تأييدا قضائيا للحكم السياسي الذي سبق أن أدانهم يوم 14 ماي 2017، كما سبق توضيح ذلك. النتيجة أن الأحكام سياسية، والمحاكمة سياسية، ودوافعها سياسية، والمحكومون معتقلون سياسيون. أما القضاء فينحصر دوره، في هذه المحاكمات السياسية، في صبغ ما هو سياسي باللون الجنائي، وذلك بتطبيق فصول القانون الجنائي، مستعملا لذلك الأصباغ التي توفّرها له محاضر الشرطة القضائية، علما أن هذه المحاضر ـ دائما في ما يتعلق بالملفات ذات الدافع والطابع السياسييْن ـ هي الرابط بين الشق الجنائي الفرعي، الذي يُكلّف به القضاء، والشق السياسي الأصلي، الذي تشرف عليه الأجهزة الأمنية.

هكذا تتحكم هذه الأجهزة الأمنية للمخزن، من خلال محاضر البحث التمهيدي، في المحاكمة ذات الطبيعة السياسية، وتوجّهها نحو التهمة التي تبتغي إلصاقها بالمعتقل السياسي، والعقوبة التي تريد الحكم بها عليه، ودون أن يتلقّى القضاة أية توجيهات صريحة تأمرهم أن يحكموا بهذه العقوبة ومن أجل هذه التهمة. وفي الأخير يربح المخزن بانتقامه ممن يعتبرهم خصومه، وبحفاظه على ما يعتبره "هيبة" الدولة، أي قدرتها على التخويف والردع؛ ويربح كذلك القضاء بحفاظه على هيبته واستقلاله، لأن القضاة لم يخضعوا لأي ضغط أو تأثير، وإنما طبقوا القانون فقط. أما الخاسر فهو العدل والديموقراطية والحقيقة...

وهنا تثار طبيعة العلاقة بين الجهاز الأمني والجهاز القضائي في دولة ذات نزعة أمنية لا تخفى على أحد، مثل المغرب. فموظفو الشرطة القضائية، المكلّفون بإجراء البحث التمهيدي، ورغم أنهم يعملون تحت سلطة الوكيل العام ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف (الفصل 17 من قانون المسطرة الجنائية)، إلا أن السؤال يُطرح حول من يتحكّم في الآخر. وقد سبق للأستاذ عبد العزيز النويضي أن أوضح أن القاضي يقع في الأسفل ثم فوقه تكون النيابة العامة وفي أعلى الهرم هناك الشرطة وهي شرطة سياسية (موقع لكم2 بتاريخ 26 ماي 2018). وهذا يعني أن الجهاز الأمني هو الأقوى والمتحكّم، وليس الجهاز القضائي كما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الجهازين، حسب ما ينص عليه القانون.

ولهذا لا يجدي الاعتراض أن محاضر البحث التمهيدي في الجنايات لا تُلزم القاضي باعتبارها مجرد معلومات، كما يقول القانون (الفصل 291 من م.ج)، قد يستأنس بها أو يستبعدها نهائيا، لأن المشكل ليس في غياب النصوص القانونية الضامنة للمحاكمة العادلة، وإنما في غياب تطبيقها وإعمالها. فكما أن الانتخابات ليست هي الديموقراطية، وإلا لكان المغرب مثل الدانيمارك في الديموقراطية لأن الانتخابات مثلما تجري في مملكة الدانيمارك تجري كذلك في مملكة المغرب، فكذلك القوانين والنصوص التشريعية التي تضمن العدل ليست هي العدل. وكما أن ما يجعل الانتخابات تساهم في الديموقراطية هي طريقة استعمالها وتوظيفها من أجل تحقيق الديموقراطية، فكذلك فإن ما يجعل النصوص القانونية تساهم في إشاعة العدل، هي طريقة استعمالها وتوظيفها من أجل تحقيق هذا العدل.

النتيجة أن الكلام عن استقلال القضاء، عندما تكون جميع السلط مجتمعة ومتمركزة في جهة واحدة، هو كالكلام عن مربّع ذي ثلاث زوايا، أو مثلّث بأربعة أضلاع. طبعا هذا شيء غير ممكن، منطقيا وواقعيا.

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting