Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

انتصار التطبيع على "التضبيع"

حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بذات المرجعية؟

دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي

عندما كنت رجعيا وفخورا برجعيتي

كيف يصنع الجهل المقدس التطرف الإسلامي

مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل

حول الأخوة المزعومة بين الأمازيغ والعرب

هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟

رواية ضفائر في النافذة وبصمة همنجواي

السياسة الصغرى لإحباط تعريب الأمازيغية بعد التخلي عن مخزنتها

التراجع حتى عن الترسيم الرمزي للأمازيغية

هل يفيد الحجر الصحي في تخيف الحجر على الأمازيغية؟

من أكسيل إلى الزفزافي

عندما يتحول الأمازيغ إلى برابرة يعادون أمازيغيتهم

في تعلة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية

الدكتور الكنبوري وعقدة الأمازيغية

خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب

وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وشوارعه بالدهلوس؟

هل يتجه المغرب إلى شرعنة الرقابة الشاملة؟

"كورونا" يعيد طرح طبيعة العلاقة بين العلم والدين عند المسلمين

"حراك الريف" بين العنف الأمني والقضائي والحقوقي

البعد الهوياتي في التنمية

لماذا يخاف المغاربة من أمازيغيتهم؟

لماذا تحقَّقت تكهنات ماركس حول ديكتاتورية البروليتاريا؟

غياب الدولة عند الأمازيغ وأثره على اللغة والهوية

الخذلان الأبدي لليسار المغربي

الحاجة إلى أمثال رشيد أيلال

لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي

هل كان الأمازيغ من السباقين إلى إلغاء عقوبة الإعدام وممارسة العلمانية؟

التعريب كخدعة للحفاظ على الامتيازات الطبقية

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرس عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

انتصار التطبيع على "التضبيع"

 

بقلم: محمد بودهان

 

 (14 ـ 12 ـ 2020)

أعترف أن بلاغ الديوان الملكي ليوم 10 دسمبر 2020، الذي أُعلن فيه، بجانب اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، عن اعتزام المملكة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فاجأني لأنني لم أكن أنتظره رغم كل الظروف المواتية لمثل هذا التطبيع، بعد قرار عدد من الدول العربية الحقيقية ـ دول الخليج ـ تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل. لماذا لم أكن أنتظر هذا القرار المغربي؟

لأن الحكْم الحقيقي بالمغرب، أي القصر، أصبح، بفعل الوظيفة "التضبيعية" لقضية فلسطين، ضحية ابتزاز يمارَس عليه باسمها حتى أضحى شبه رهينة لهذا الابتزاز بحيث لم يكن بإمكانه وضع حدّ له دون خسائر سياسية، وخصوصا أن ممارسي هذا الابتزاز، المستقوي بثقافة "التضبيع"، يهدّدون بأنهم قادرون على تحريك الشارع وحشد الجماهير في مسيرات مليونية ضد كل قرار "يخون" القضية الفلسطينية، ويقصدون بذلك التطبيع مع إسرائيل.

ما معنى "التضبيع" الذي ذكرته، والذي سيتكررّ ذكره طيلة هذه المناقشة؟ "التضبيع" لفظ مصاغ من كلمة "الضبع"، الحيوان المعروف. وفي الاعتقاد الشعبي أن الشخص "المضبّع" هو المنقاد، الخاضع، التابع والمطيع، الأبله الساذج، الفاقد لحرية الإرادة والقرار نتيجة تناوله مخ الضبع. ويقصد به في الغالب الزوج الذي تدسّ له زوجته مادة من مخ الضبع في الطعام فيصبح، بعد أكله، دمية في يدها لا يعصي لها أمرا ولا يرفض لها طلبا. في المغرب، منذ الاستقلال والطبقة السياسية ـ ومعها النخبة المثقفة ـ "تغذي" المغاربة، عبر المدرسة والإعلام ومؤسسات الدولة...، بمخاخ "ضباع" المشرق العربي حتى أصبحوا منقادين ومطيعين وتابعين ومصدّقين لكل ما تشتمّ منه رائحة العروبة العرقية، كـ"النسب الشريف"، و"القضية الفلسطينية"، و"الانتماء العربي"، و"المغرب العربي"، فاقدين القدرة على الاستقلال الهوياتي والإيديولوجي والمذهبي، تماما كالزوج المسحور و"المضبّع" (انظر موضوع: «"التضبيع" في تجريم التطبيع» ضمن كتاب: "قضايا مغربية"). ويمكن ترجمة "التضبيع" إلى الفرنسية بكلمة Abêtissement، المصاغة هي أيضا من كلمة "bête"، التي تعني "الحيوان" وفي نفس الوقت تعني الغباء والبلاهة عند استعمالها كصفة. فكما أن "التضبيع" يجعل من ضحيته شبه "ضبع" لا يفكّر ولا يقدّر كما يفعل الإنسان العاقل السوي، فكذلك  Abêtissement تعني في المعجم الفرنسي تحويل من هو موضوع لهذا "الأبتسمون" غبيا وأبله مثل الحيوان. فـ"التضبيع" هو إذن نوع من "التوكال" (تعبير شعبي يعني طعاما تُدسّ فيه مواد ذات مفعول سحري تؤثّر على إرادة من "يأكلها") وممارسة سحرية ترمي إلى خداع الضحية وسلب إرادته ليكون طوع ما يريده الساحر أو "المضبِّع". وهذا ما حصل لجزء من الشعب المغربي الذي أصبح يصدّق أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية أو أهم منها، وأن كل مطبِّع مع إسرائيل هو خائن وعميل وصهيوني وخارج "الإجماع الوطني". وهذا ما كان الحكْم pouvoir يضرب له ألف حساب ويمنعه من "المغامرة" بالتطبيع العلني مع إسرائيل، مكتفيا بنوع من التطبيع الخفي والسري. وهكذا كان ضحية لابتزاز خبيث (انظر موضوع: "لا لممارسة الابتزاز على المؤسسة الملكية باسم فلسطين" ضمن كتاب: "في الهوية الأمازيغية للمغرب") يمارسه عليه العروبيون من إسلاميين وقوميين: فإما أن يقاطع إسرائيل ويعلن عداءه لها أو يُتّهم بالخيانة والعِمالة للصهيونية، مع ما قد ينتج عن ذلك من تفعيل هؤلاء المبتزّين لآليات "التضبيع" للتجييش والتهييج ضد كل محاولة للتطبيع. وهذا ما جعل النظام المغربي يُحجم عن التطبيع مع الدولة العبرية ولو على حساب مصالح دولته المغربية.

ولهذا إذا كان ما قام به المغرب، من خلال القرار الملكي، يُعدّ فتحا تاريخيا هاما على هذا المستوى الذي يخصّ إقامة علاقات ديبلوماسية وتجارية طبيعية وعلنية مع إسرائيل، مع مكسب اعتراف الولايات المتحدة بمغربية أقاليمه الصحراوية، فإنه، على مستوى آخر، يتجاوز الفتح ليشكّل ثورة تاريخية حقيقية تتمثل في كسر حلقة الابتزاز الذي كان يمنع المغرب من اتخاذ قراراته بكل سيادة واستقلال، مع ما كان يسبّبه ذلك المنع من أضرار على مصالحه الوطنية. وكما في الابتزاز الجنائي، كلما استجاب الضحية لمطلب المبتزّين إلا وطالبوه مرة أخرى بمطالب جديدة، فكذلك ظل المبتزّون، المستقوون بثقافة "التضبيع"، يطالبون الدولة المغربية، بعد أن تستجيب لمبتغاهم، بمطالب أخرى جديدة، حتى أنها أصبحت، إذعانا لمطالب المبتزّين المستقوين بـ"التضبيع"، عربية أكثر من العرب الحقيقيين، وفلسطينية أكثر من الفلسطينيين الحقيقيين، ومقدّسة للغة العربية أكثر من أصحابها الأصليين، ومُقصية للغتها الأمازيغيته بشكل لا مثيل له في التاريخ، ومُنكرة لانتمائها الأمازيغي ومنتحٍلة لانتماء عربي، متنازلة بذلك عن كرامتها الهوياتية، ممارسة لتحوّل جنسي، قومي وهوياتي، مخالف لطبيعة الأشياء، ومتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية... وكما أن الحل الوحيد، الناجع والفعّال، لوضع حد لمسلسل الابتزاز الجنائي هو كسر إحدى حلقاته حتى يتوقّف عن التجدّد والاستمرار، فكذلك فعَل المغرب بإقدامه على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، محقّقا بذلك انتصارا ساحقا على ثقافة "التضبيع" وما يصاحبها من ابتزاز، ومدمّرا للعجلة التي يسير ويتحرّك بها هذا الابتزاز المعتمد على مخدّر "التضبيع".

هذا التدمير لعجلة الابتزاز، الذي ظل المغرب أسيرا له منذ عقود، مضحيا بهويته الأمازيغية وبمصالحه لإرضاء رغبات المبتزّين الذين كانوا يهددونه باستعمال سلاح "التضبيع" الذي سيطروا به على عقول ووجدان العديد من المغاربة، هو تحرير للمغرب من هذا الأسر الذي كان يحدّ من قراراته السيادية عندما كان يفرض عليه ذلك الابتزاز تكييف تلك القرارات مع رغبات ممارسي هذا الابتزاز. وهو ما جعله يتصرّف، كما أشرت، كدولة عربية قومية رضوخا لابتزاز القوميين المغاربة، ويعمل على نشر الوهابية استجابة لابتزاز الإسلاميين، ويمارس سياسة التعريب الأمازيغوفوبية تلبية لابتزاز التعريبيين المعادين لأمازيغيتهم. لكن هذا التدمير للعجلة التي يتحرّك بها هذا الابتزاز الذي كان يحاصر المغرب ويحدّ من سيادته، غير كافٍ لوحده، إذ لا بدّ من العمل على تدمير الوقود الذي كان يدير العجلة التي يتحرّك بها ذلك الابتزاز. هذا الوقود هو ثقافة "التضبيع" التي أُتخِم بها المغاربة عن طريق المدرسة والإعلام والنقابات والأحزاب وخطب الجمعة ودروس الوعظ الديني... وهكذا يكون تحرّر المغرب من الابتزاز باسم قضايا عربية أجنبية، بداية لتحرير المغاربة من ثقافة "التضبيع" التي كان يستعملها "المضبِّعون" و"المضبَّعون" كأداة لممارسة الابتزاز على الدولة، كما رأينا. ولإحراق الوقود المستعمل لإنتاج ثقافة "التضبيع" يكفي الرجوع إلى ما هو محلي ومغربي أصيل، أي أمازيغي إفريقي، الشيء الذي يمكّن المغاربة أن يكونوا ما هم عليه، مطابقين لانتمائهم الأمازيغي الإفريقي. وهو ما يحرّرهم من "التضبيع" ويمنحهم الاستقلال الهوياتي الذي يسمح لهم بخدمة أنفسهم وقضاياهم الوطنية، مع ما يعنيه ذلك من استعادتهم لكرامتهم التي أفقدها لهم "التضبيع" عندما جعل منهم متسوّلين لهويات شعوب أخرى أجنبية لا تعترف إطلاقا بانتسابهم إليها. فالتطبيع مع إسرائيل هو مقدّمة لتطبيع المغاربة مع ذواتهم، أي مع هويتهم الأمازيغية الجماعية.

ولهذا كانت جلّ مكوّنات الحركة الأمازيغية تدعو إلى إقامة علاقات عادية وطبيعية مع إسرائيل. وهو ما كان يُستغل كفرصة ذهبية من قبل التعريبيين، الإسلاميين والقوميين، لشيطنتها واتهامها بالتصهين والعِمالة والولاء لإسرائيل، حتى أن طلبة من القاعديين، أي الذين أقعدهم "التضبيع" وجعلهم عاجزين عن التقدّم إلى الأمام، رسموا، بمدخل جامعة مكناس قصد دوْسه بأقدامهم، العلم الأمازيغي بجانب العلم الإسرائيلي مع وضع علامة "يساوي" تربط بينهما، إشارة إلى أن أحدهما يساوي الآخر. واليوم، ماذا سيفعل ويقول "المضبِّعون" "المضبَّعون" عندما يرون العلم المغربي منتصبا يرفرف بجانب العلم الإسرائيلي؟ هل سيُحرقون العلم الوطني كما اعتادوا أن يفعلوا بالعم الإسرائيلي؟ هل سيقولون بأن الحركة الأمازيغية اخترقت الدولة المغربية؟ أو أن المغرب دولة متصهينة على غرار الحركة الأمازيغية؟ أو أن المسؤولين المغاربة خونة وعملاء، مردّدين ما كان يقوله أسيادهم من المسؤولين الفلسطينيين في مؤتمرات البوليساريو بالجزائر؟ أم أنهم سيدعون إلى سنّ قانون يجرّم التطبيع كما حاول ذلك مجموعة من البرلمانيين "المضبَّعين" في 2013، معرّضين أنفسهم، في ذلك الوقت، لإحراج ما بعده إحراج، جاعلين منها أضحوكة يتندّر بها المتتبّعون لهزليات البرلمان المغربي، ومقدّمين الدليل على أن ثقافة "التضبيع" لا تنتج إلا الهزائم السياسية والانكسارات النفسية؟

لقد تحمّل المغرب لمدة طويلة غدر الفلسطينيين كما تفعل الضحية المازوشية التي تستلذّ ما يُلحقه بها جلادها من ألم وعذاب وإهانة. وحتى المرحوم الحسن الثاني، الذي غضب يوما غضبا شديدا دفعه إلى توجيه خطاب عاجل إلى الشعب المغربي، دعاه فيه إلى قطع كل علاقاته مع الفلسطينيين عقب كلمة لممثل منظمة فتح الفلسطينية، حضر أحد مؤتمرات البوليسارو بالجزائر في ثمانينيات القرن الماضي، قال فيها بأن الشعب الصحراوي يعاني من الاحتلال مثل الشعب الفلسطيني، (حتى هو) سيتراجع عن قراره ويستأنف دعمه للفلسطينيين الذين يقابلون ما يسديه إليهم المغرب من جميل بالغدر والنكران. ومناسبة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مع ما تطلّبه ذلك من كسر لحلقة الابتزاز وإحراق "التضبيع" الذي يستعمله هذا الابتزاز كوقود يشتعل ويشتغل به، هي فرصة للتحرّر النهائي من الابتزاز الممَارس باسم فلسطين. ويتحقّق ذلك عندما يصبح الخائن الحقيقي ليس هو من يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، كما علّمتنا ثقافة "التضبيع"، بل هو كل من يخوّن هذا التطبيع باسم ما يُدعى بقضية فلسطين، مردّدا نفس تهم التخوين التي يستعملها ضد المغرب خصوم وحدته الترابية، وهو ما يجرّمه الفصل 195 من القانون الجنائي المغربي باعتبار مخوّن التطبيع مجنّدا لحساب سلطة أجنبية، حسب ما ينص عليه نفس الفصل، عندما يكون بوقا يردّد ما تكاله تلك السلطة الأجنبية من تهم التخوين والعمالة للدولة المغربية. كما يجب تفعيل الفصول التي تعاقب على الإخلال بالاحترام الواجب لشخص الملك، مثل الفصل 179، بالنظر إلى أن التطبيع الذي يعتبرونه خيانة هو قرار ملكي سامٍ.

فما نحن في حاجة ماسة إليه اليوم، نحن المغاربة، ليس تحرير فلسطين، بل تحرير أنفسنا منها بعد أن أصبحت تحتلنا أكثر مما تحتلها إسرائيل، وتسيطر على عقولنا ووجداننا التي بنت بها مستوطنات أكبر وأدوم من التي تبنيها إسرائيل، مع تجهيزها بكل البنى التحتية اللازمة للاستقرار الدائم، لكن دون مجارٍ للصرف الصحي، وذلك حتى تتراكم قاذوراتها "التضبيعية" وتترسب بعقولنا ووجداننا بشكل دائم وفعّال (انظر موضوع: "تحرير فلسطين أم التحرّر من فلسطين؟" ضمن كتاب: "في الهوية الأمازيغية للمغرب"). وتطبيقا لمشروع القضاء على فكر "التضبيع" وما ينتج عنه من ابتزاز، ينبغي الكفّ عن القول بأن القضية الفلسطينية تستحق المناصرة والتضامن، ليس لأسباب عرقية أو قومية أو دينية كما يفعل القوميون والإسلاميون، وإنما لأنها قضية إنسانية كما يكرّر نشطاء الحركة الأمازيغية، دون أن يعوا أنهم بذلك إنما يغازلون ثقافة "التضبيع" والابتزاز حتى لا يُغضبوا أصحابها المتشبّعين بها. فلو كان العامل الإنساني وراء التضامن مع القضية الفلسطينية، فلماذا هي وحدها تستحق هذا التضامن دون العشرات من القضايا الإنسانية والعادلة مثل شعوب الروهنجيا، الأكراد، دارفور، الشيشان...؟

من جهة أخرى فإن التحرّر من الابتزاز الذي كان يمارس باسم فلسطين هو تحرير لفلسطين نفسها التي كانت، منذ قيام إسرائيل، قضية يستعملها العرب، القوميون والإسلاميون، لخدمة إيديولوجيتهم ومشاريعهم السياسية. وهو ما أضاع على الفلسطينيين الكثير من الحلول المنصفة التي كانت متاحة لهم منذ 1948. لكن هؤلاء القوميين والإسلاميين كانوا يشجعونهم على رفض تلك الحلول والاستمرار في "المقاومة" و"الممانعة" و"الصمود" حتى "النصر" الكامل. فسواء اعتبرنا هذه القضية الفلسطينية عادلة أو إنسانية أو غير ذلك، فلها أهلها الذين هم الفلسطينيون. فلو لم يتدخل العرب في ملف هذه القضية، ربما لوُجد لها حل منذ زمان كما تدل على ذلك الكثير من القرائن، وعلى رأسها إعلان الدول التي كانت تعتبر هذه القضية قضيتها الوطنية العداءَ لإسرائيل، وهو ما جعل هذه الأخيرة تعتبر أن حربها على الفلسطينيين هي حرب مشروعة ضد أعدائها العرب الذين يحاربون إسرائيل عبر استعمالهم لقضية فلسطين.   

وعندما أقول علينا أن نتحرّر من فلسطين، بغاية التحرّر من الابتزاز الممارس باسمها، فلا يعني ذلك إطلاقا عداء للعرب الحقيقيين. فهؤلاء نحترمهم ونقدّرهم ونعتز بصداقتهم وعلاقات التعاون بيننا وبينهم، وهو ما برهنوا عليه ببدء دول عربية حقيقية بفتح قنصليات لها بأقاليمنا الجنوبية. وإنما مشكلتنا مع العرب المزوّرين، عرب ثقافة "التضبيع"، عرب انتحال الصفة، الذين اختاروا، تحت مفعول مخدّر "التضبيع"، أن يكونوا برابرة أجانب عن أمازيغيتهم، حسب المعنى اليوناني الأصلي للفظ "بربري"، يعيشون الاستلاب والزيف والتحوّل الجنسي، القومي والهوياتي. والعرب الحقيقيون هم أول من يرفض هؤلاء البرابرة المتحوّلين ولا يعترف بعروبتهم المنتحَلة والزائفة.

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting