Amezwaru

(Page d'accueil)

 

مقالات  

 

أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار

انتصار التطبيع على "التضبيع"

حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بذات المرجعية؟

دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي

عندما كنت رجعيا وفخورا برجعيتي

كيف يصنع الجهل المقدس التطرف الإسلامي

مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل

حول الأخوة المزعومة بين الأمازيغ والعرب

هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟

رواية ضفائر في النافذة وبصمة همنجواي

السياسة الصغرى لإحباط تعريب الأمازيغية بعد التخلي عن مخزنتها

التراجع حتى عن الترسيم الرمزي للأمازيغية

هل يفيد الحجر الصحي في تخيف الحجر على الأمازيغية؟

من أكسيل إلى الزفزافي

عندما يتحول الأمازيغ إلى برابرة يعادون أمازيغيتهم

في تعلة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية

الدكتور الكنبوري وعقدة الأمازيغية

خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب

وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وشوارعه بالدهلوس؟

هل يتجه المغرب إلى شرعنة الرقابة الشاملة؟

"كورونا" يعيد طرح طبيعة العلاقة بين العلم والدين عند المسلمين

"حراك الريف" بين العنف الأمني والقضائي والحقوقي

البعد الهوياتي في التنمية

لماذا يخاف المغاربة من أمازيغيتهم؟

لماذا تحقَّقت تكهنات ماركس حول ديكتاتورية البروليتاريا؟

غياب الدولة عند الأمازيغ وأثره على اللغة والهوية

الخذلان الأبدي لليسار المغربي

الحاجة إلى أمثال رشيد أيلال

لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي

هل كان الأمازيغ من السباقين إلى إلغاء عقوبة الإعدام وممارسة العلمانية؟

التعريب كخدعة للحفاظ على الامتيازات الطبقية

قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية

من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة

اللغة العربية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

الأمازيغية في كتاب "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"

آفة الفرانكوفونيين في كتاب: من أجل ثورة ثقافية بالمغرب

لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟

الدارجة بين الجهل المقدس ودعاوى الأكاديميين

إذا كانت العربية لغة القرآن فلماذا تفرضون استعمالها خارج القرآن؟

لم التدريس بالعربية؟

مدافع شرس عن العربية يعترف أنها لغة جامدة

ما دلالة رفض البغرير المعروف وقبول السؤدد المجهول؟

الأمازيغ، أحرار أم مغلوبون وتابعون؟

الأمازيغية والعنصرية العادية

لماذا لم تنجح تجربة العدالة الانتقالية في المغرب؟

هل يستقيم استقلال القضاء مع غياب فصل حقيقيي بين السلط؟

أحكام ظالمة مبنية على تهم استعمارية

لماذا لا أكتب بالأمازيغية ويكتب السيد حميش بالعربية؟

الأمازيغية والاستعمار أم العروبة والاستعمار؟

بدل مخزنة الأمازيغية ينبغي تمزيغ المخزن

محمد مونيب ونهاية أسطورة الظهير البربري

إذا لم يكن المالطيون عربا، فلماذا سيكون المغاربة عربا؟

فيروس التعريب

عندما يكون استقلال القضاء خطرا على العدالة

حراك الريف وتصحيح مفهوم الوطنية

مفهوم الهوية الجماعية وتطبيقاته على حالة المغرب

المشعل والمصباح

لماذا سبقتنا الجزائر إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؟

قاموس الدارجة أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها

بين إنكار أحاديث البخاري وإنكار وجود المسيح

شعب الدولة أم دولة الشعب؟

خطأ الاستهانة بفاجعة طحن محسن فكري وتداعياته

الاستثناء المغربي الحقيقي

بين قمع الكاطالانيين وقمع الريفيين

حراك الريف وميلاد "الهومو ـ زفزاف" المغربي

عندما يُستعمل القضاء للقضاء على العدالة

خرافة "المحاكمة العادلة" لمعتقلي حراك الريف

خرافة وحقيقة "أن التحقيق سيذهب بعيدا"

الأمازيغية والمثقفون المغاربة

هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سعار المخزن؟

من يحكم المغرب؟

ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب

المخزن يعود عاريا بعد أن مزق حراك الريف أقنعته

لماذا أرفع الراية الأمازيغية وراية الريف ولا أرفع الراية المغربية؟

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الأمازيغية والإسلام

كتاب إمازيغن وحتمية التحرر

تظاهرة الناظور وغباء السلطة الذي لا حدود له

نبوءة مولييراس بخصوص تعريب المغرب في القرن العشرين

اغتيال محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة

مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟

قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر

أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة

من أجل علمانية إسلامية

أربعينية إزم: الرسالة والدلالة

المايسترو أو النجم إذا سطع وارتفع

معاشات الوزراء والبرلمانيين

زلزال خطْب الجمعة بمسجد حمزة بسلا

اقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

مطالب الشعب المغربي لـ1934 وميلاد الوعي الوطني الزائف

أي تصور وأية مقاربة لتدريس أمازيغية موحدة ومشتركة؟

هل مساندة المغرب للقبايل اعتراف ضمني أنه بلد أمازيغي؟

الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون

ميمون أمسبريذ، ذلك الكاتب الأمازيغي المجهول

التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية

متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟

يوطوبيا التعريبيين في المغرب

لماذا لا يجوز تصنيف الأمازيغيين ضمن الشعوب الأصلية؟

نعم لاستفتاء شعبي حول العربية والأمازيغية

الأستاذ حميش والبوصلة التي لا تتحرك إلا في اتجاه المشرق

عبد الله حمودي والفهم العامي للهوية

ولماذا تتركون برنامج الله وتطبقون برنامج إبليس؟

مأزق المتحولين الجنسيين في المغرب

لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟

في دحض خرافة الوظيفة التوحيدية للعربية

الداعشية اللغوية

في دحض خرافة "اختيار" الأمازيغيين الطوعي للعربية

في دحض خرافة "الانصهار" بين العرب والأمازيغ

المتحولون الجنسيون في المغرب

المطالب الأمازيغية بين ردّ الفعل وغياب الفعل

من أجل إستراتيجية جديدة لاسترداد الهوية الأمازيغية للدولة المغربية

في الإقصاء السياسي للأمازيغية

L'Afrique absente du Maroc africain

جاهلية القرن الواحد والعشرين

توفيق بوعشرين يستعيذ باللطيف ضد الأمازيغية من جديد

الأمازيغية والعربية في إحصاء 2014

دولة النوم

النزعة الأمازيغوفوبية: نشأتها وتطورها

نعم "للمقاربة الإسلامية"، لكن بدون مضامين وأهداف تعريبية

الأمازيغية المنبوذة في كتاب "الأمير المنبوذ"

معاناة الإسلام من العروبة العرقية

خطْب الجمعة مرة أخرى

لماذا لا يريد التعريبيون الخير للمغرب؟

الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد

من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟

"التضبيع" في تجريم "التطبيع"

هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟

بين ديودوني الفرنسي والمقرئ أبوزيد المغربي

عبقرية اللغة الأمازيغية وسر صمودها

المقرئ الإدريسي أبوزيد أو الأمازيغوفوبيا بلا حدود

الرسام الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد

فرنسا تواصل سياسة التعريب

الدارجة ولاتاريخانية الأستاذ العروي

لمَ الخوف من الدارجة المغربية؟

متى يعترف المغرب بالفرنسية كلغة رسمية؟

حزب العدالة والتنمية، هبة من السماء للنظام المخزني

رفقا باللغة العربية أيها التعريبيون

المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب

خطْب الجمعة

وما هو الحل لإصلاح التعليم بالمغرب؟

لماذا وصف مصري مساند للإخوان المغاربة باللقطاء؟

لماذا سكت رجال الدين عن مسألة العفو عن مغتصب الأطفال؟

"النسب الشرف" أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت

طارق بن زياد، الأسطورة المقدسة

قداسة الشيخ الكتاني

العقل في تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب

ما تفتقر إليه العربية هو استعمالها في الحياة

المغرب من أغنى بلدان العالم

الأسباب الحقيقية لضعف مستوى اللغة العربية عند التلاميذ

اللغة العربية أو المعشوقة التي لا يرغب عشاقها في الزواج منها

لأي شيء ينفع إقرار اللغة الأمازيغية بويندوز 8؟

التعريب والهوية بالمغرب

"الفانطاسمات" اللسنية حول الأمازيغية بالمغرب

عادة التهرب من المسؤولية بإلقاء اللوم على الجميع

الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل

الأساطير المؤسسة للعروبة العرقية بالمغرب

كلمة الختام

وزير العدل والحريات يجهل مفهوم المعتقل السياسي

الأمازيغية في عمق الصراع الإيقوني

منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟

مدينة إفران: من السياحة الطبيعية إلى السياحة الثقافية

الأمير والتاريخ المحاصر

جريدة تاويزا في حاجة إلى تاويزا

الممثل الناطق بالأمازيغية واّلإنتاج التلفزي

أيت وراين: أبطال سلكوا درب الحرية

 

 

 

 

أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار

 

بقلم: محمد بودهان

 

(23 ـ 12 ـ 2020)

الكثير مما يعرفه عن الزعيم المحجوبي أحرضان، الذي وافته المنية يوم 15 نونبر 2020، مثقفون وسياسيون مغاربة، وخصوصا من "التقدميين" و"اليساريين"، يستقونه مما أشاعه عنه خصومه الإيديولوجيون. فهو عند هؤلاء دائما مخزني و"رجعي" و"إقطاعي" و"قبلي" و"عرقي"... ولا نحتاج إلى كثير من التفكر والتحليل لتبيان أن هذه "التهم" تصبّ كلها في "تهمة" واحدة جامعة، وهي أنه أمازيغي. أما أنا، فلأنني سبق أن كتبت أنني كنت "رجعيا" وفخورا بـ"رجعيتي" (انظر الموضوع على رابط "هسبريس")، فإنني لا أجد حرجا في أن أُتهم بـ "الرجعية" لأنني أمتدح أحرضان "الرجعي"، حسب قاموس غرمائه الأمازيغوفوبيين. فذلك لن يزيدني إلا فخرا لأنه يزيدني "رجعية". أعترف أنني كنت دائما مُعجبا بأحرضان وأنظر إليه كشخصية كاريزمية، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي عندما كانت تهمة "المخزني" و"الرجعي" أشدّ من تهمة الخيانة، وقبل أن أعرفه شخصيا إذ لم ألتق به لأول مرة إلا في صيف 1997.

لقد عايش التطوّرات السياسة للمغرب المعاصر لأزيد من ثمانين سنة (ازداد في 1921)، حيث انخرط فيها منذ أربعينيات القرن الماضي مشاركا وفاعلا. مما أهّله أن يكون "أرشيفا" حقيقيا للمغرب الحقيقي، وهو "الأرشيف" الذي جمعه في كتابه "مذكّرات" Mémoires الصادر في جزئين سنة 2013. لكن ما يشكّل عبقرية أحرضان هو أنه، بجانب كونه سياسيا، فهو رسّام موهوب، وشاعر مفوّه، وكاتب مبدع، وأمازيغي أصيل تعاطى السياسة، ومارس الفن والإبداع والكتابة للدفاع عن الأمازيغية.

بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيله، كتبت هذه المقالة حول هذه الشخصية الأمازيغية الفذة، المتعددة الأبعاد المواهب.

أول سياسي أمازيغي:

يمكن القول، دون خشية من الوقوع في الخطأ، إن الراحل المحجوبي أحرضان هو أول سياسي أمازيغي في تاريخ المغرب المعاصر. وليس لأنه أنشأ، كأمازيغي، حزبا سياسيا وتقلّد مناصب حكومية فهو لذلك سياسي أمازيغي. ففضلا عن كون جميع قادة الأحزاب المغربية وجميع المسؤولين السياسيين هم أمازيغيون بحكم أن المغرب بلد أمازيغي إفريقي، فإن غالبية هؤلاء القادة والسياسيين هم ناطقون بالأمازيغية، مثل أول رئيس لأول حكومة مغربية بعد الاستقلال المرحوم مبارك البكاي (1907 ـ 1961)، والرئيس الحالي للحكومة الحالية (نحن في دجنبر 2020) السيد سعد الدين العثماني. إلا أن ذلك لا يجعل من هؤلاء سياسيين أمازيغيين مثل أحرضان. فما الذي يميّزه عن كل السياسيين الآخرين الناطقين مثله بالأمازيغية؟

ما يميّزه هو أنه أول سياسي مغربي مارس السياسة أمازيغيا ومارس الأمازيغية سياسيا. ويظهر ذلك في أنه كان، وهو يمارس السياسة، يناضل في نفس الوقت من أجل الأمازيغية التي كان يُشهرها كعنوان بارز على انتمائه الأمازيغي إلى مغرب أمازيغي، لا يفرّق بين الدفاع عنها والدفاع عن الحرية والكرامة، وذلك في وقت كانت فيه الأمازيغية "طابو" محرّما يتبرّأ ويتهرّب منها الجميع، بمن فيهم الناطقون بالأمازيغية، وخصوصا إذا أُسندت إليهم مسؤوليات سياسية رسمية، وذلك بفعل طغيان إيديولوجية القومية العربية وما نتج عنها من سياسة تعريبية عمياء وشاملة، أصبح معها الوعي الهوياتي الزائف وطنية وتقدما وتحضّرا، والتشبث بالأمازيغية كوعي سليم خيانة ورجعية وتخلّفا. في هذه الظروف الحالكة، التي عانت منها الأمازيغية في العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال، كان أحرضان لا يتردّد في الجهر، ليس بأنه أمازيغي فحسب، بل الجهر بأن المغرب أمازيغي مثل كل شمال إفريقيا، مصارعا بذلك، كنبي سابق عن زمانه، الزيفَ والاستلابَ والمسخ الهوياتي، ومتحدّيا "الثوابت" و"البديهيات" التي صنعتها "الحركة الوطنية" لتصنع منها للمغرب هوية منتحَلة ومزوّرة.  

وطنية نابعة من الأرض الأمازيغية:

فعكس "الوطنيين" الذين كانوا يستمدّون وطنيتهم من "هناك"، من المشرق العربي، مرجعا وانتماء وقدوة ومفاهيم، مثل المنتمين إلى "الحركة الوطنية"، كان أحرضان وطنيا مغربيا أصيلا، يستمد وطنيته من "هنا"، أي من الأمازيغية وأرضها "تمازيرت". فوطنيته هي ما يُسمّى بالفرنسية "ماترييوتيسم" patriotisme، الذي يحيل على مفهوم patrie، الذي يشرح المعجم الفرنسي مدلوله الأول بأنه «موطن الأجداد، أرض الميلاد». أما وطنية "الحركة الوطنية" فهي ما يُسمّى بالفرنسية "ناصيوناليسم" nationalisme، المصاغ من مفهوم "الأمة" Nation، التي يعرّفها المعجم الفرنسي بأنها «جماعة بشرية يربط بين أعضائها أصل حقيقي أو مفترض أنه مشترك...». هذا الفرق بين النوعين من الوطنية هو الذي يفسّر أن وطنية أحرضان تعني حب الأرض الأمازيغية والدفاع عنها والاستعداد للتضحية من أجلها، في حين أن وطنية "الوطنيين" تعني حبهم لأمة متخيّلة يفترضون وجود "مقرّها" خارج أرض المغرب الأمازيغية، مع استعداداهم للدفاع عنها والتضحية من أجلها توهّما منهم أنهم ينتمون إليها. لقد مارسوا الوطنية باحتقار الذات، حسب تعبير الدكتور مصطفى القادري. أما أحرضان فمارسها انطلاقا من الذات ومن أجل هذه الذات نفسها. إنها وطنية فِطرية تنبع من الأرض ومن أجل الأرض.

ولهذا ليس بغريب أنه امتنع، وهو قائد معيّن من طرف إدارة الحماية، وضمن قلة قليلة من القواد، عن توقيع عريضة عزل المرحوم محمد الخامس في 1953، التي وافق عليها جل القواد والباشوات والأعيان. فلم يكن الدافع وراء هذا الموقف هو الحصول على مكاسب أو مناصب يمنحها له محمد الخامس الذي كان بلا سلطة ولا مستقبل واضح. بل إن التوقيع على عزل محمد الخامس هو ما كان يضمن مثل هذه المكاسب والمناصب، التي كانت تتحكّم فيها إدارة الحماية وليس الملك محمد الخامس. ولهذا كان أول ما خسره أحرضان، بمعارضته العلنية لقرار عزل محمد الخامس، هو عزله من منصبه كقائد على منطقة "أولماس". ولا يمكن تفسير موقف أحرضان بالمفاهيم المشرقية للقول إنه كان "وطنيا". إذا كان لا بد من القول إن موقفه نابع من "الوطنية"، فلا علاقة لذلك بالمفهوم المشرقي للوطنية الذي نقلته "الحركة الوطنية" إلى المغرب من المشرق. وطنية أحرضان تتجلّى في التصرّف، كما فعل، طبقا للفطرة التي شكّلها الانتماء إلى الأرض الأمازيغية، ولما ينبغي أن يكون، ولما تمليه قيم النبل الكرامة، بغض النظر عن أية حسابات للربح والخسارة. هكذا كان أحرضان صادقا مع نفسه، وفيا لما يؤمن به، مخلصا لأفكاره ومبادئه، صريحا يجهر بالحق والحقيقة مهما كان ذلك مكلِّفا، يمارس الوطنية كفِطرة فيه استمدها من أرضه الأمازيغية.

لماذا هذا الصدق والوفاء والإخلاص والصراحة والوطنية الفِطرية عند أحرضان؟ لأنه كان شغوفا بالحرية ويتصرّف بالتالي كإنسان حر، يتخذ قراراته كتعبير عن حريته وليس مراعاة لما قد ينجم عن تلك القرارات من مكافأة أو مصلحة. هذا الشغف بالحرية هو الذي جعله يصرخ في وجه المهدي بن بركة ذات يوم من سنة 1958: «لم نحصل على الاستقلال لنخسر الحرية» (Aherdan, Mémoires, Editions du Regard, Paris 2013, tome 1, page 200). من هنا نفهم نضاله من أجل قانون للحريات العامة إلى أن صدر في نونبر 1958، مع ما تضمّنه من ترخيص بالتعددية الحزبية الذي مكّن من الاعتراف بحزب الحركة الشعبية الذي كان أحرضان قد أسسه، رفقة آخرين، في 1957 لكنه ظل ممنوعا، والذي كان الهدف منه هو أن يكون امتدادا سياسيا للكفاح المسلّح لجيش التحرير الذي كان أحرضان أحد مؤسسيه.

هكذا تشكّل الوطنية والحرية عند أحرضان شبه مترادفيْن يساوي أحدهما الآخر لأنهما يتدفّقان من نفس النبع الذي هو الأمازيغية. ولهذا كان دفاعه عن الأمازيغية مظهرا لوطنيته الحقة ولتعلّقه اللامحدود بالحرية. كما كانت وطنيته ودفاعه عن الحرية دفاعا عن الأمازيغية التي هي أصل الوطنية والحرية عند أحرضان. 

استعمال المخزن للدفاع عن الأمازيغية وليس العكس:

لقد استغل أحرضان قربه من المخزن، ليس من أجل المكاسب والمصالح الشخصية، كما سيفعل الذين ولغوا بشَره قل نظيره من إناء المخزن إثر إعلانهم الولاء له وانخراطهم في خدمته ابتداء من حكومة "التناوب" في مارس 1998، بعد أن كانوا من أشد المعارضين لهذا المخزن وللموالين له مثل أحرضان، وإنما من أجل الدفاع عن الأمازيغية. وهكذا استعمل موقعه المخزني كعضو في لجنة مناقشة مشروع دستور 1962 لرفض وإلغاء التعابير التي كان يُفهم منها أن المغرب بلد عربي، مثل تلك الفقرة الأولى من الديباجة التي دافع عنها علال الفاسي عضو اللجنة، والتي كانت تقول «المملكة المغربية دولة عربية ذات سيادة كاملة، لغتها الوطنية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير». وهو ما رفضه وعارضه أحرضان بشدة بحجة أن المغرب ليس عربيا، وطالب باستبدال الفقرة كما يلي: «المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب الكبير» (Aherdan, Mémoires, Editions du Regard, Paris 2013, tome 2, page 52). وهو ما نجح في فرضه على اللجنة بعد موافقة الراحل الملك الحسن الثاني، وتضمّنه بالتالي دستور 1962، وتبعته في ذلك الدساتير الأخرى التي جاءت بعده قبل دستور 1992 الذي سيتبنّى عبارة: "جزء من المغرب العربي الكبير" التي لن تُلغى إلا مع دستور 2011. ونلاحظ أن أحرضان كان يدرك جيدا الفرق الكبير ـ وهو ما يجهله الكثير من المثقفين وحتى اللسانيين ـ بين لغة رسمية ولغة وطنية، إذ أن الأولى قد تكون أجنبية، كما هو حال العربية بالمغرب أو الفرنسية بالسنيغال، أما الثانية فلا يمكن أن تكون إلا محلية أصلية، وهو ما يعني أن اعتبار العربية هي اللغة الوطنية للمغرب ينفي أن تكون هناك لغة وطنية أخرى مثل الأمازيغية، وهو ما يفسّر رفضه لتلك العبارة. كما أنه عارض كذلك مقترح علال الفاسي عندما طالب بجعل الطابع الرسمي للغة العربية موضوعا غير قابل لأي تعديل أو مراجعة دستوريين، على غرار النظام الملكي للحكم بالمغرب (Ibid, page 53). وهو ما لم يتقرّر في دستور 1962 ولا في أي دستور من تلك التي جاءت بعده.

فأحرضان، إذا كان مخزنيا فإنه عرف كيف يستغل قربه من المخزن لخدمة الأمازيغية. فنعم المخزني إذا كان يفيد الأمازيغية. وهذا عكس الكثير من الأمازيغيين الذين يشغلون مواقع مخزنية مهمة، لكنهم يوظّفون الأمازيغية لخدمة العروبة المخزنية والسياسة التعريبية المدمّرة لكل ما هو أمازيغي.

أحرضان والحزب:

ونفس الشي سيفعله أحرضان مع الحزب، الذي اعتاد خصومه الأمازيغوفوبيون القول إن هذا الحزب لم يفعل شيئا للأمازيغية، للتأسيس على ذلك أن أحرضان كان يستعمل الأمازيغية كمجرد واجهة فقط. وحتى إذا كان صحيحا، بسبب إكراهات سياسية ومؤسساتية وقانونية، أن حزب "الحركة الشعبية" لم يكن يختلف كثيرا عن الأحزاب الأخرى بخصوص "إنجازاته" في ما يتعلق بالأمازيغية، فإن ارتباطه بأحرضان جعل منه حزبا محسوبا على الأمازيغية مهما كانت طبيعة علاقته بها. ورغم أن هذه العلاقة لم تكن بالمستوى المنتظر من حزب محسوب على الأمازيغية، إلا أنه رغم ذلك قرّرت السلطات، في 1986، "اختطاف" الحزب من أحرضان بعد مؤتمر استثنائي مدبّر للإطاحة بالزعيم الأمازيغي عقابا له على مواقفه وتصريحاته، المتعلقة بالأمازيغية، والتي كان يتضايق منها أصحاب القرار. هذا الانقلاب المدبّر على أحرضان لإبعاده عن "الحركة الشعبية" دليل أن هذا الحزب كان يقوم، بفضل أحرضان، بدوره الأمازيغي الذي كان يُزعج السلطات، رغم أنه يُصنّف كحزب موالٍ للمخزن. ثم إذا سلّمنا أن الحزب لم يفعل شيئا للأمازيغية، فلا يمكن لوم أحرضان على ذلك إلا إذا ثبت أنه لم يبذل المجهود المطلوب لجعل الأمازيغية من أولويات الحزب.

هذا المجهود كان حاضرا دائما. فقد شارك أحرضان، كما سبقت الإشارة، في دراسة مشروع دستور 1962 باسم حزب الحركة الشعبية، وهو ما سمح له باستعمال صفته الحزبية للمطالبة بإلغاء التعابير التي تنصّ على أن المغرب دولة عربية. بل يمكن القول، من خلال أمثلة كثيرة، إنه جعل الحزب أداة لخدمة الأمازيغية من خلال توظيف إمكانات الحزب ومقراته وموارده لإصدار مجلات وجرائد أمازيغية كانت رائدة في مجال الدراسات الأمازيغية والإعلام الأمازيغي، مثل مجلة "أمازيغ" و"تيفيناغ"، ثم أسبوعية "تيدمي" و"أكراو"... وهو ما أزعج الأمازيغوفوبيين من الطبقة الحاكمة، والذين تدخلوا سنة 1981 لمنع مجلة "أمازيغ" واعتقال مديرها أزين نجل أحرضان، والحكم بسنة سجنا نافذا على الراحل علي صدقي أزايكو بتهمة المس بالأمن الداخلي للدولة بسبب موضوع فكري يناقش مسألة اللغة والثقافة بالمغرب.

أحرضان والحركة الأمازيغية:

ولا ننسى أن جزءا من نشطاء الحركة الأمازيغية الناشئة كانوا يعارضون حزب أحرضان، سواء حزب "الحركة الشعبية" أو حزب "الحركة الوطنية الشعبية" الذي أسسه سنة 1991 بعد إبعاده قسرا عن الحزب الأول، متّهمين تنظيمه السياسي بأنه تنظيم مخزني ورجعي وإقطاعي، مردّدين، في نوع من السذاجة السياسية، نفس التهم التي كان يوجّهها لأحرضان خصومه القوميون العروبيون، المعادون لكل ما هو أمازيغي. وهي تهم كان القصد منها، لدى هؤلاء القوميين الأمازيغوفوبيين، ليس تبخيس الحزب كحزب، بل تبخيسه لعلاقته بالأمازيغية. مما يعني أن موضوع تلك التهم وذلك التبخيس ليس هو الحزب بصفته تنظيما سياسيا، بل هو الأمازيغية والأمازيغيون.  

تبنّي مجموعة ـ ولو قليلة ـ من نشطاء الحركة الأمازيغية، لغياب وعي سياسي استراتيجي ناضج وهادف، لنفس موقف القوميين الأمازيغوفوبيين من أحرضان، جعلهم يخلقون ويطبّقون مبدأ جديدا، هو: عدو صديقي هو دائما صديقي، بدل: عدو صديقي هو عدوي كذلك. فكانوا بذلك يخدمون موقف خصوم الأمازيغية دون أن يطلبوا منهم هذه الخدمة. مثل هذه المواقف، التي لا يجيد بعض المحسوبين على الحركة الأمازيغية التمييز فيها بين الخصم والصديق، على مستوى الأهداف الاستراتيجية وليس على مستوى المواقع التكتيكية، هي التي جعلت هذه الحركة تبقى، ولمدة طويلة، بلا تأثير سياسي ولا امتداد اجتماعي يناسبان حجم خطابها المطلبي وعدالة قضيتها، لأنها كانت بلا صوت سياسي "رسمي" ومعترَف به يُسمع مطالبها ويدافع عنها. وبعد أن ضيّع هؤلاء المحسوبون على هذه الحركة وقتا ثمينا في رفض حزب أحرضان، بدعوى أنه حزب مخزني ورجعي وإقطاعي، كما سبقت الإشارة، ها هي مجموعة جديدة من نشطاء هذه الحركة (جبهة العمل السياسي) ينضمون ـ ويدعون إلى الانضمام ـ إلى حزب "التجمع الوطني للأحرار"، متغاضين عن كونه حزبا مخزنيا ورجعيا وإقطاعيا، بلغة خصوم أحرضان القوميين الأمازيغوفوبيين، وبدون أي ماضٍ يُحسب لهذا الحزب في سجلّ دفاعه عن القضية الأمازيغية مثل حزب أحرضان.

 لقد أدّى غياب الوعي السياسي الاستراتيجي، الناضج والهادف، عند جزء من مناضلي الحركة الأمازيغية، إلى غياب الوعي بأهمية حزب أحرضان كسند سياسي قوي للمطالب الأمازيغية، مما أفضى إلى إحجام عديد من نشطاء هذه الحركة عن دعم هذا الحزب قصد استعماله كصوت سياسي "رسمي" مشروع للأمازيغية، وهو ما كان سيكون له تأثيره الإيجابي على القرارات السياسية ذات العلاقة بالأمازيغية (وهل هناك قرار سياسي بالمغرب لا علاقة له بالأمازيغية؟!).

أحرضان والقبيلة:

مما أعتبره من الأفكار العبقرية لأحرضان، مع إدراكي أن الذين ينطلقون مما هو عامّي وظاهر لا يتفقون معي على ذلك إطلاقا، هو وعيه بأهمية القبيلة في المجتمع المغربي، حتى إنه كان يقول إن من لا قبيلة له فهو لا يملك شيئا. وهذا ما استعمله خصومه الأمازيغوفوبيون لمحاربة الأمازيغية عبر محاربتهم لأحرضان وحزبه، بدعوى أنه ذو توجه قبلي يعطي الأولوية للقبيلة على الأمة والوطن. قد يبدو هذا الادعاء صحيحا، لكن انطلاقا مما هو عامّي وظاهر فقط، كما قلت. فما كان يرمي أحرضان إلى الحفاظ عليه من خلال الحفاظ على القبيلة هو الأمازيغية. وذلك ليس لأن الأمازيغية لا يمكن أن تعيش إلا بوجود تنظيمات قبلية، بل لأنه كان يعرف، بحسّه السياسي الثاقب وفهمه العميق لواقع المغرب وإدراكه لمرامي القوميين الأمازيغوفوبيين، أن الهدف من الدعوة إلى تجاوز القبيلة باسم الوطن هو دعوة إلى تجاوز القبيلة الأمازيغية من أجل هيمنة القبيلة العربية، وليس من أجل الوطن المفترى عليه. وهذا ما حصل بالفعل: فبعد أن خدعونا بتأكيدهم أن القبيلة هي ضد وحدة الوطن لارتباطها بعهد "السيبة" والتخلف والتجزئة والتفرقة، وضحّينا بهذه القبيلة في سبيل الوطن الذي وعدُونا به كبديل عن القبيلة، وجدنا فجأة أنفسنا في وطن عربي، ومغرب عربي، هو عبارة عن قبيلة عربية. النتيجة أن محاربة القبيلة باسم الوطن كان بدافع محاربة القبيلة الأمازيغية من أجل التمكين للقبيلة العربية. وهذا ما أدركه مبكّرا أحرضان. فعندما كان يدافع عن القبيلة، فليس من أجل القبيلة كقبيلة، كما يزعم خصومه العروبيون، بل من أجل الأمازيغية لأنه كان يعرف أن الهدف من الدعوة إلى التخلّص من القبيلة ليس من أجل الوطن، وإنما من أجل القبيلة العربية التي أصبحت تسيطر على هذا الوطن باسم انتمائها القبلي. ولهذا لا يتورّع العديد من مهاجمي أحرضان بسبب دفاعه عن القبيلة، من حملهم لبطاقات الانتساب إلى ما يظنونه قبيلتهم القرشية. فما يرفضونه لكونه أمازيغيا، يمارسونه شرط أن يكون عربيا. فالقبيلة الأمازيغية مرفوضة، لكن القبيلة العربية مقبولة، بل مطلوبة حتى إن المغرب كله أصبح قبيلة عربية، وهو ما تؤكده عبارة "المغرب العربي".

أحرضان بصفته مؤسسة سياسية وثقافية:

هذا هو أحرضان، شخصية غنية بتعدّد أبعادها ومواهبها، جمعت بين السياسة والفن والأدب، وهو ما وظّفه لخدمة الأمازيغية والتعريف بها والدفاع عنها، كما سبق أن أشرت. ولهذا فهو، بالنظر إلى حضوره القوي والفاعل في المشهد السياسي للمغرب طيلة ثمانين سنة؛ وتعدّد مواهبه وغزارة إبداعاته الفنية والأدبية؛ ودفاعه المستميت عن الأمازيغية التي أصبح رمزا لها حتى خارج حدود المغرب في الجزائر وليبيا وعند طوارق مالي؛ وشغفه بالحرية الذي كان يشكّل طبيعته الثانية؛ ووطنيته النابعة من الفطرة والانتماء إلى الأرض الأمازيغية، ومن قيم النبل والكرامة، كما سبق أن شرحت...، (فهو) ليس مجرد شخص ذي وجود فيزيقي طبيعي، بل مؤسسة institution حقيقية قائمة بذاتها، سياسية وثقافية، تتمتّع بشخصية معنوية مستقلة عن الشخص الطبيعي الذي تمثّله. وهو ما يجعلها تستمر في الحياة بعد الموت الطبيعي لصاحبها. وهذا هو خلود أحرضان، الذي يستمدّه، ليس فقط من خلود مواقفه السياسية وإنتاجاته الفنية والفكرية والأدبية...، ككل العظماء الأفذاذ، وإنما من وضعه كمؤسسة تستمرّ في الاشتغال والعطاء وهو غير موجود فيزيقيا. وهذا ما يجعل أحرضان خالدا لا يموت، لأن المؤسسة لا تموت بالشكل الذي يموت به الأشخاص الطبيعيون.

 

 

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting