|
أقوال وتعاليق بقلم: إيدير موحا سأنطلق من كلام للسيد وزير الخارجية المغربي، قاله خلال الدورة التاسعة للجنة المغربية السعودية المشتركة بالرباط، اعتبر من خلاله أن "(المغرب) الذي يكرس بشكل متواصل جهوده في اتجاه تحقيق التضامن العربي وخلق أجواء جديدة في الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج، يظل مقتنعا بأن الهدف الأسمى لن يرى النور ما لم تتوحد الرؤيا العربية...". إذا كان المقصود بالمغرب هنا هو الحكومة المغربية، فهذه الأخيرة لم تنبثق عن أغلبية الشعب المغربي، وهي لا تمثله في حقيقته الحضارية والهوياتية. وهذا شيء ملحوظ في سياستها الثقافية والإعلامية والخارجية... لذلك، أعتقد أنه كان حريا بالسيد الوزير، توخيا للدقة والانسجام، أن يستبدل كلمة (المغرب) بكلمة أدق، مثل القومية العربية في المغرب، ليكون كلامه كالتالي: "إن القومية العربية في المغرب التي تكرس بشكل متواصل جهودها في اتجاه تحقيق التضامن العربي، وخلق أجواء جديدة في الفضاء العربي، من المحيط إلى الخليج، تظل مقتنعة بأن الهدف الأسمى (باعتقادي أن الهدف الأسمى هنا هو الوحدة العربية)، لن يرى النور ما لم تتوحد الرؤيا العربية". بهذه التركيبة المقترحة، سيبرز السيد الوزير الجهة المغربية التي يحق له أن يتكلم باسمها في القضايا العربية عموما. فمدلول (لفظ المغرب) كما يمكن استخلاصه من سياق كلام الوزير، هو مدلول عرقي يعتبر المغرب بلدا عربيا ويمارس الإقصاء أو الاحتواء في حق المكون الأصلي للمغرب. فحسب هذا المدلول، المغرب قطر تابع، حضاريا، للمشرق، لا يمكن النظر إليه إلا بنظارتين عربيتين شرقانيتين. فالمفروض في من يتكلم باسم المغرب أن يكون وفيا لحقيقته الحضارية والتاريخية التي تتجاوز أكثر بكثير، الأربعة عشر قرنا الماضية. أما بصدد الشعارات الأنانية في كلام السيد الوزير، مثل وحدة الرؤيا العربية والتضامن العربي.. فيمكن طرح التساؤلات التالية: ـ ما حقيقة التضامن العربي بالمشرق باعتباره الإطار الحقيقي لهذا التضامن ..؟ ـ ما واقع وآفاق توحيد الرؤيا العربية في الدول التي يمكن اعتبارها عربية بشريا وجغرافيا كالسعودية والكويت والأردن ... خصوصا بعد انهيار نظام البعث العراقي، والوجود الأجنبي هناك؟ ـ أليس لانهيار هذا النظام آثاره المستقبلية على جميع الأحزاب والهيئات المتبنية للقومية العربية؟ ـ لا يمكن اعتبار انهيار النظام العراقي ورطة سياسية كبرى، يستحيل على أحزاب البعث المغربية، الخروج منها؟ ـ وماذا بوسع هذه الأحزاب أن تفعل تضامنا مع الزعيم المتخفي، الذي طالما بحت حناجرها فداء له بالروح والدم عبر مسيراتها التضامنية؟ ـ وما مصدر الأفكار الرجعية المسؤولة عن أحداث 16 ماي الأخيرة بمدينة أنفا؟ إن تحقيق وحدة الرؤيا العربية، في سياق هذه التساؤلات، هي بقايا أوهام عربية متعششة، لا زالت تراود عقولا جامدة وعاجزة عن الرؤيا نفسها إلى حد العمى، تأمل عمى حيدر الكليدرا حين يكتب "من يجرؤ على القول بأن بغداد قد سقطت، حري به أن يقر إذن، أن القاهرة ودمشق والرباط والرياض قد سقطت، لأن اليوم الذي ستسقط فيه بغداد لا قدر الله سيكون سقوطا لجميع العواصم العربية"...!!! ؟* هذا هراء كله، هذا عطب فكري صارخ. لذلك أعتبر أن المصير العربي المشترك، قد يشغل بال مثقفين وسياسيين مغاربة، أو هيئات مغربية سياسية ونقابية وثقافية، لكن لا ينبغي أن يكون قضية مغربية، مثلما أن مستقبل المغرب لن يكون قضية عربية، ولم تنتج عن قضاياه مواقف عربية بارزة، مثل قضية جزيرة تورا المغربية مثلا. و لن تحل مشاكله الجامعة العربية. إن فك ارتباط المغرب عن المشرق مطلب أساسي، تفرضه الحاجة إلى التقدم والتصالح مع الذات ومع الماضي البعيد للمغرب. و عملية فك الارتباط هذه، يمكن أن تتم عبر سحب عضوية المغرب من الجامعة العربية بناء على حقيقة أن المغرب ليس بلد عربي كما تم التوهيم بذلك، بل تشكل العربية فيه إحدى مكوناته الثقافية، ويشكل العرب أقلية عددية تنصهر في إطاره الحضاري العام. وعبر إعطاء الأهمية القصوى للغة الأمازيغية الأم، وللثقافة الأمازيغية الأصيلة والمتأصلة عبر تلاقحها مع معظم الثقافات الوافدة: رومانية، بيزنطية، فينيقية، عربية، فرنسية... وتشجيع البحث العلمي حول تاريخ المغرب القديم وإدماج معطياته في المقررات التعليمية والجامعية والمجلات... ليطلع عليها المغاربة جميعا. * ـ جريدة القدس العربي العدد 4441 السبت / الأحد غشت 2003 |
|