|
موحا أبحري يغادرنا إلى الأبد: الأمازيغيون و"حْمار جّامعْ" بقلم: محمد بودهان إن كبار الكتاب والمفكرين هم أولئك الذين يملكون موهبة التعبير عن مذهب بكامله قد يستغرق عرضه مجلدا ضخما، وعن نظرية قد يتطلب شرحها كتابا كبيرا، وعن فكرة لا يمكن توضيحها وتقريبها من الأذهان إلا عبر عشرات الصفحات، في كلام قليل مختصر، واضح ومفهوم، على شكل مثال تشخيصي، أو تشبيه توضيحي. ألم يشخص ويلخص أفلاطون فلسفته كلها، بنظرياتها وتجريداتها وغناها الكبير، في قصة خيالية قصيرة سماها “أسطورة الكهف” Mythe de la caverne؟ إلى هؤلاء الكتاب والمفكرين الذين يملكون مثل هذه الموهبة ينتمي الكاتب الأمازيغي، الروائي والصحفي، محمد بحري. لقد عوّدنا في كتاباته الروائية ـ القصة القصيرة ـ على تلخيص قضايا كبيرة ـ مثل القضية الأمازيغية ـ في قصة قصيرة، وبأسلوب ساخر يحول مرارة الوقائع والحقائق إلى أحداث مضحكة ومسلية. ومما لا شك فيه أن محمدا بحري، لو كان عضوا في "اتحاد كتاب العرب، فرع المغرب"، ويكتب في القضايا التي يهتم بها الاتحاد، وبنفس الأسلوب والطريقة، لكان موضوع تكريمات كثيرة، وفي بلدان عربية متعددة، ولنال جوائز كثيرة، ولترجمت كتبه إلى كثير من اللغات على نفقة "البترول"، ولأغدق عليه من هذا "البترول" من حيث لا يحتسب، ولأصبح معروفا ومألوفا عند كل المواطنين لكثرة ما يشاهد على شاشة التلفزيون. لكن محمدا بحري يكتب عن موضوع الأمازيغية، وباللغة الفرنسية "الاستعمارية". وقد بلغت هذه الموهبة ـ موهبة تشخيص القضايا المجردة بأمثلة حسية وجيزة ـ لدى الكاتب محمد بحري قمتها في قصته ـ "حْمار جّامعْ" L'âne de la mosquée ـ المنشورة بجريدة “أكَراو”، العدد 41 ليوم 17 غشت 1999. فقد كُتب الكثير عن الأمازيغية والأمازيغيين، وعن وضعية الأمازيغية والأمازيغيين في تاريخ المغرب، وعن الحقوق والمطالب الأمازيغية في الوقت الراهن… إلخ. لكن، وبكل صراحة واعتراف، أن قصة "حْمار جّامعْ" L'âne de la mosquée، التي كتبها محمد بحري في صفحتين، تعبر عن حقيقة وضعية الأمازيغية والأمازيغيين، وبطريقة مشخصة ومحسوسة ومفهومة وواضحة ومختصرة، أفضل من كل ما كتب حول هذا الموضوع. تقول القصة، على لسان المعلم، إحدى شخصياتها، إن إحدى القبائل قررت تشييد مسجد كبير وعظيم جدا فوق أعلى المرتفعات المتواجدة بالمنطقة. ولم يكن هناك من وسيلة لنقل مواد البناء إلى قمة الجبل إلا حمار يملكه أحد السكان. لقد استغرق بناء المسجد أزيد من سنة ونصف، ولم تتوقف الأشغال إلا يوم مرض الحمار. ولما تم الانتهاء من بناء المسجد وأنجزت كل الأشغال الداخلية، أصبح "المؤمنون" يؤمونه لأداء الصلاة. ذات يوم، كان الحمار الذي بفضله وتعبه وتضحياته بني المسجد ـ بل هو الذي بنى في الحقيقة المسجد ـ يرعى بمكان غير بعيد من المسجد بعد أن التأمت جروحه واستعاد قوته وعافيته، فشعر بعطش شديد يحرق فمه، فتقدم بكل تلقائية نحو باب المسجد في اتجاه المكان الذي كان يرتوي منه عندما كان يوصل لوازم البناء إلى المسجد. وبمجرد ما حاول تخطي عتبة الباب حتى اضطربت صفوف المصلين المتراصة وتخلوا عن إتمام الصلاة وهرعوا جميعهم نحو الحمار صائحين »رّا، رّا، رّا…«، كل واحد منهم يريد “ربح” أكبر عدد من الحسنات بسبقه إلى طرد الحمار المسكين ومنعه من الدخول من داخل ساحة المسجد. ثم يختم الراوي حكايته: »تصوروا أن حمار المسجد هذا هم نحن الأمازيغيين. سكان المدن جاؤوا بفرنسا وأعانوها على محاربتنا. لقد قاومنا وضحينا من أجل الإسلام والوطن. والآن، التاريخ الرسمي يقصينا ويحول خونة البارحة إلى “وطنيين” كان لهم فضل الاستقلال!. يشتغل الأمازيغيون عمالا في البناء، حراسا للسيارات والعمارارت، منظفين للحدائق، سائقين للشاحنات، مزارعين، رعاة، بقالين، أصحاب مخابز، جنودا في الحرب، وبهم كانت “المسيرة”.. خلاصة القول أنهم هم الذين يحمون الوطن ويبنونه، ولكن الذين لا يفعلون شيئا ولا يعرفون فعل أي شيء هم الذين يستفيدون«. بدون تعليق إذن. (المصدر: "تاويزا"، عدد 30، أكتوبر 1999) |
|