زيان يتهم أمازيغيي الناظور بغياب
الروح الوطنية
بقلم: محمد بودهان
لا شك
أن القارئ يتذكر ما كتبناه بالعدد 47 من ثاويزا عن محمد زيان ومشروعه
حزبه "الليبيرالي" تحت عنوان: "المفارقات القاتلة للأستاذ محمد زيان"
(انظر
http://www.multimania.com/tawiza/Tawiza47/Almufaraqat.htm).
ومما كتبناه:
إن »الإعلان عن عقد مؤتمر لتأسيس حزب قومي عروبي بمدينة أمازيغية هو
إهانة لسكانها الأمازيغيين واستخفاف بمشاعرهم القومية وانتمائهم
الهوياتي واللغوي. أما عقد هذا المؤتمر بالفعل بهذه المدينة الأمازيغية
فسيكون إهانة مضاعفة لهم وتحديا سافرا لسكانها الأمازيغيين«. وأضفنا
»بأن اختيار الناظور من طرف الأستاذ زيان لتأسيس حزب قومي عروبي هو
سيناريو كثيرا ما تكرر في تاريخ المغرب«. وأعطينا أمثلة من إدريس الأول
وعبد الرحمان الداخل وبوحمارة. وختمنا بما يلي: »لا شك أن نفس الشيء
سيفعله الأستاذ زيان: فبعد أن يؤسس الحزب بالناظور، وبفضل الناظوريين،
سيخصصه لخدمة الرباط وفاس والبيضاء ومراكش وينسى الناظوريبن والريفيين
ورطانتهم "البربرية"، بل سيحارب ـ كما يقضي بذلك توجهه القومي العروبي
ـ أمازيغية الأمازيغفيين الذين احتضنوا حزبه ويهمش منطقتهم ويقصي
هويتهم ولغتهم، على غرار الأحزاب الرباطية البعثية الأخرى«.
ولم
يمض على ما كتبناه أزيد من شهر ونصف حتى أكد محمد زيان صحة كلامنا
وصدقية ما قلناه وكتبناه. لقد صرح لأسبوعية "المستقل" (عدد الخميس 12
أبريل 2001)، جوابا عن سؤال حول سبب اختياره لمدينة الناظور لتأسيس
حزبه "الليبيرالي": »فعلى المناضلين والزعماء أن يأتوا إلى
هذه
المدينة لكي يشاهدوا كيف يعيش سكانها، وحينئذ سيعرفون لماذا توجد قوارب
الموت؟ ولماذا غابت الروح الوطنية لدى سكان هذه المناطق ونفورهم من
السياسة؟«.
كلام
زيان واضح ومفهوم يعفي من أي تأويل. لم يرد زيان أن يكون ديماغوجيا ولا
سياسيا ولا منافقا يمتدح سكان الناظور الأمازيغيين ويذكرهم بوطنيتهم
وأمجادهم البطولية في مقاومة الاستعمار، بل تكلم "على قد قلبو" كأنه
يناجي نفسه فباح بمشاعره الحقيقية تجاه أمازيغيي الناظور والريف.
هكذا
يا زيان، سكان مناطق الريف تغيب عندهم الروح الوطنية! مع انه لولا وجود
هذه الروح الوطنيه عندهم اكثر من اللازم، لما كنت نصف إسباني فقط، بل
لكنت إسبانيا بالتمام والكمال مثل ملايين آخرين من المغاربة... نعم ذلك
ما كان سيحدث لولا مقاومة الريفيين للزحف الصليبي الإسباني على المغرب
ابتداء من 1497، وهي السنة التي احتلت فيها مليلية التي كانت إسبانيا
ستتخذها قاعدة تنطلق منها لغزو المغرب ضمن مشروع ما كانت تسميه ب"حروب
الاسترداد"، أي استرداد المغرب المسيحي كما كان قبل دخول الإسلام
إليه... نعم ذلك ما كان سيحدث لولا وقوف رجال الريف في وجه الإسبان
الأقوياء آنذاك وقطع الطريق عليهم ومحاصرتهم داخل صخرة مليلية أزيد من
أربعة قرون، وهي أطول مقاومة شعبية في التاريخ.
إذا
كان التاريخ الرسمي لا يعترف لسكان المنطقة بهذه المقاومة، فإن زيان
ذهب أبعد من ذلك، فاتهمهم بغياب الروح الوطنية لديهم، وهو ما يساوي
اتهامهم بالخيانة.
هذا هو
جزاء محمد زيان لسكان الناظور! لقد آووه وأطعموه واحتضنوا حزبه بعد أن
أصبح من المغضوب عليهم، أصحاب البصري المحسوبين على المخزن القديم.
فبدل أن ينوه بهم ويشكرهم على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، ها هو
يشتمهم وهو نازل ضيفا عندهم، ويسبهم وهو يأكل من مائدتهم، ويعيرهم
بغياب الروح الوطنية وهو لاجئ لديهم.
أليس
هذا هو سلوك "بوحمارة" بالضبط مع سكان المنطقة الأمازيغيين في بداية
القرن الماضي؟ بل إن أوجه الشبه بين تعامل "بوحمارة" و"زيان" مع
أمازيغيي المنطقة حاضرة وواضحة كأن التاريخ يعيد نفسه:
1
ـ كان "بوحمارة" من رجال المخزن النافذين، ثم أصبح مغضوبا عليه ففقد
سلطته ونفوذه. كذلك كان "زيان" من رجال المخزن النافذين (كان وزيرا في
إحدى حكومات البصري)، ثم أصبح اليوم من المغضوب عليهم باعتباره من رجال
البصري والعهد القديم. فلم يبق له حزب ولا سلطة ولا مخزن.
2
ـ لجأ "بوحمارة" إلى أمازيغيي الريف، خصوصا سكان منطقة الناظور ليشكل
منهم قوة يعود بها إلى فاس لمواجهة خصومه السياسيين. نفس الشيء فعله
محمد زيان الذي توجه إلى سكان الناظور ليؤسس، بفضل دعمهم ومساندتهم
وأموالهم، حزبه العروبي القومي ـ الذي يصر على تسميته بالليبيرالي ـ
الذي سيعود به إلى الرباط قويا ليواجه خصومه السياسيين.
3
ـ بمجرد ما ظهر ل"بوحمارة" أن الأمور تسير طبقا لأهدافه ومخططه حتى
شرع، ودون أي تردد، في التنكيل بأبناء المنطقة الأمازيغيين وتقتيلهم
واغتصاب نسائهم وبيع مناجمهم للأجانب، جزاء لهم عن إيوائهم وإكرامهم
له، وهو الذي لم يكن يملك في البداية سوى حمارة نحيلة يتنقل
بها عبر
المداشر متسولا يطلب الصدقات. نفس النهج سلكه محمد زيان مع امازيغيي
المنطقة: فبعد أن تيقن، من خلال زياراته المتكررة للناظور، أن خطته
تسير وفق الأهداف التي حددها، بدأ يشتم الأمازيغيين على صفحات الجرائد
ويتهمهم بغياب الروح الوطنية لديهم جزاء لهم عن استضافته واحتضان حزبه
الذي بدأ منذ الآن يستعمله ضدهم.
لكن ما
غاب عن السيد محمد زيان هو أن الأمازيغيين الذين آووا بوحمارة وأطعموه
وساندوه، هم الذين سيقضون عليه ويضعون حدا لحركته ويعتقلونه في قفص من
الأسلاك الشائكة، وهو ما عجز عنه المخزن بجيوشه الجرارة. وذلك بعد أن
تأكدوا بأنه مجرد نصاب ودجال محتال خدعهم واستغل
تذمرهم
من ظلم المخزن وتعسف عماله على المنطقة. ولا شك أن نفس الشيء سيتكرر
كذلك مع محمد زيان. فأمازيغيو الناظور، الذين اعتقد زيان أنه نجح في
استعمالهم واستغلال شعورهم المتزايد بالتهميش الذي يطالهم، سيكونون أول
من سينقلب عليه، كما فعلوا مع نظيره بوحماره، عندما يكتشفون حقيقته
وحقيقة أهدافه. ولا شك أن زيان قد أسرع في الكشف عن حقيقة من هو وحقيقة
أهدافه وحقيقة مشاعره تجاه أمازيغيي الناظور عندما صرح على صفحات جريدة
"المستقل" بأن الروح الوطنية غائبة عند الذين آووه وأطعموه. وهذا ما
حصل بالفعل: فمجرد ما اطلع الرأي العام بالريف على تصريح محمد زيان
لجريدة "المستقل"، تمت تعبئة عريضة ضد زيان وقعها كل نواب المنطقة
ونخبة من المثقفين وكل المحامين، الذين يعرفون جيدا زيان لأنهم يمارسون
نفس المهنة، وأرسلت إلى عدد من الجرائد الوطنية. والملاحظ أن أول موقع
على العريضة هو واحد من الذين استضافوا زيان نفسه بمنزله، بعد أن أدرك
أن زيان يجازي مضيفيه بالسب والشتم والإهانة.
وليت
الأمر وقف عند التوقيعات والعرائض الاستنكارية ضد زيان. فهذا عمل يخص
النخبة المثقفة والمتعلمة والتي تحترم النظام والقانون. فالشارع
الناظوري كان ينتظر زيان بالمرصاد يوم 27 أبريل، تاريخ تأسيس حزبه "الليبيرالي"
بالناظور. كان الجميع يتوعد زيان بالاقتصاص، مقسمين أن مؤتمر ويان لن
ينعقد إلا إذا ماتوا، وأنهم مستعدون لدخول السجن دفاعا عن شرف أمازيغيي
الناظور الذي لطخه زيان بافترآته في جريدة "المستقل". كان الجمهور
الريفي يخطط لوضع زيان في قفص من الأسلاك الشائكة كما فعل أجداده
لبوحمارة الذي اقتادوه إلى فاس في قفص من الأسلاك الشائكة. لكن السلطة
ستتدخل لإنقاذ زيان من غضب الشارع الناظوري عنما منعت انعقاد مؤتمره
التأسيسي بسبب ما بلغها من تقارير تفيد أن الشارع الناظوري يخطط لنسف
المؤتمر وإعطاء درس لزيان على ما قاله في حق السكان في جريدة
"المستقل". فاضطرت إلى منع انعقاد المؤتمر حفاظا على الأمن العام وعلى
سلامة زيان.
إذا
كانت مبادئ وأخلاق الحزب الذي سيؤسسه زيان هي نفسها أخلاق ومبادئ زيان
نفسه، الذي يتنكر لجميل من آواه وأطعمه بمجرد ما أكل وشبع، فبئس الحزب
هو هذا الذي سيكون بلا شك حزبا بلا مبادئ ولا قيم ولا أخلاق كما هو شأن
زعيمه الذي رأيناه يشتم مضيفيه وهو يأكل من موائدهم ويدثر من فراشهم.
وإذا
كان أمازيغيو الناظور يفتقرون إلى الروح الوطنية، فلماذا لجأ إليهم
زيان لتأسيس حزبه العروبي القوماني؟ ألم يخشَ أن يتهم حزبه بأنه حزب
يفتقر إلى الروح الوطنية لأنه تأسس على يد وفي دار من قال عنهم زيان
بأن الروح الوطنية غائبة عندهم؟ ما هذا التناقض يا زيان!
لكن
يجب أن نعترف: أليس الأمازيغي الذي يقبل بتأسيس حزب عروبي قومي بعثي
مناهض للأمازيغية، وذي حمولة أجنبية عن المغرب، وفي دار أمازيغية
وبأموال أمازيغية، يفتقر حقا إلى الروح الوطنية المتمثلة في الدفاع عن
الهوية وحمايتها من كل ما يذيبها في هويات مشرقية أجنبية وغير وطنية؟