أسطورة الظهير البربري في ذكراها 71
بقلم: إبراهيم وزيد (تزنيت)
بعد
مرور أكثر من سبعة عقود على صدور ظهير 30 ماي 1930، لا زال هذا الأخير
وشما خالدا لدى النخبة المغربية التي عملت على ترسيخه باعتباره خطيئة
أبدية ارتكبها الأمازيغ. ولن تقبل تكفيرهم منها إلا بالتعريب الشامل
والانسلاخ عن الذات نهائيا. إذن ما مضمون هذا هو الظهير التاريخي؟
لماذا أصدرته فرنسا؟ ومتى كان ذلك؟
في يوم
16 مايو 1930، أصدرت سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب أشهر ظهير في
تاريخ بلادنا. يتعلق الأمر "بالظهير المنظم للمحاكم العرفية" كما كان
يسمى رسميا آنذاك. وكان يتكون من ثمانية فصول وديباجة. وجاء هذا الظهير
لرد الاعتبار لأعراف القبائل الأمازيغية في القضاء،
الذي
كان ينقسم إلى أربعة أنظمة على غرار التعليم، كما يلي:
1
ـ المحاكم العرفية.
2
ـ محاكم الأعيان
3
ـ المحاكم العبرية
4
ـ المحاكم العصرية
والظهير "البربري"، كما سماه محمد بن الحسن الوزاني، والذي تحول مع
الأسف إلى الاسم الرسمي الشائع، لا يقوم على اختصاص عرقي، كما يروج
البعض، بل يعتمد على اختصاص ترابي مجالي، كما يؤكد عبد الكريم غلاب في
كتاب "تاريخ الحركة الوطنية". لكن الذين في قلوبهم مرض من رجال هذه
الحركة قاموا بنشر صورة مغلوطة عن هذا الظهير المتعلق بالتنظيم
القضائي، بدعوى أنه يهدد الوحدة الوطنية ويسعى إلى تمسيح الأمازيغيين،
وغيرها من الأكاذيب والافتراءات. لذلك انطلقت موجة الاحتجاج بقراءة
اللطيف في المساجد، خاصة في سلا والرباط من طرف الفقيه عبد الله
الجيراري الذي أنجز الصيغة المعروفة: »اللهم نسألك اللطف في ما جرت به
المقادير، لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر«.
وطبيعي
أن تكون مدينة مثل سلا سباقة إلى إثارة هذه الضجة لأنها تعتبر أكبر
معقل للطائفة الأندلسية في المغرب، والتي تسعى دوما إلى تسميم العلاقة
بين الأمازيغ والحكم المركزي في أكثر من مناسبة، لأن "البربر" في نظر
النخبة الأندلسية يميلون دائما إلى الفوضى والسيبة...
بعيدا
عن الروح الوطنية "العالية" لدى الأندلسيين، والتي تتجلى في الاحتفالية
التي احتل بها المستعمر الفرنسي مدينة سلا دون أي شكل من المقاومة
والمجابهة ولا هم يحزنون. كل ما حدث هو بعض الناس الذين قالوا: "اللهم
هذا منكر" بلسانهم حسب أقوال أبو بكر القادري في
مذكراته، وهو شاهد من أهلها.
إذن
هذه مجمل حقيقة ظهير 16 ماي 1930، عكس ما يروج في التاريخ الرسمي وما
ينشر في إعلام "الحركة الوطنية" التي تتشدق بالكفاح والتضحية، من أجل
استقلال المغرب...
لقد آن
الأوان لإعادة النظر في تاريخنا المزور والمفترى عليه للكشف عن كل
الحقائق للأجيال القادمة لتكون على بينة من حقيقة ما جرى.
إن
إسهام الأمازيغ في تحرير الوطن لا يوازيه أي عمل نضالي "للحركة
الوطنية"، سواء في المقاومة المسلحة، التي خاضها المقاومون الأمازيغ
تحت شعار "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ـ تلك الكتب التي كان يتأبطها
"الوطنيون" في طريقهم إلى باريس، عاصمة الاستعمار ـ أو في ملحمة جيش
التحرير، الذي رفض "الزعيم" عبد الرحيم بوعبيد مساعدته في الصحراء
بالجنوب المغربي، كما قال البصري في مذكرانه سنة 1998.
إن
تاريخ قادة "الحركة الوطنية" لا يشرف أبدا أحزابها التي تدعي اليوم "الوطنيةوالديموقراطية"،
وموقفها من الحقوق الأمازيغية خير دليل. ومن يطلع على سيرة هؤلاء
الزعماء، سيلاحظ بدقة تجليات التآمر المركب والمتعدد الأوجه للذين
تحالفوا حتى مع محاولة أفقير سنة 1972،
والتي
دفع الأمازيغ ثمنها غاليا حيث تم عزل كبار ضباط الجيش من الأمازيغ
وتسريع وتيرة التعريب باستقدام أساتذة من مصر وسوريا والعراق، قاموا
بزرع أفكار قومية بعثية في بلد له خصوصياته اللغوية والثقافية،
بالإضافة إلى حل جمعية "قدماء طلبة كوليج أزرو" باعتبارها أقدم جمعية
أمازيغية بالمغرب، تأسست منذ 1929.
ورغم
ذلك تستمر الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية في اتهام نشطاء الحركة
الأمازيغية بالسعي لتمزيق الوحدة الوطنية وإحياء "الظهير البربري"
والموالاة للإمبرياليين والصهاينة الذين "اتصل بهم الزعيم المهدي بن
بركة بعد تأسيس حزب القوات الشعبية من أجل الحصول على الدعم المالي
والعسكري (السلاح) في أفق تأسيس جمهورية أو ملكية دستورية بالمغرب،
مقابل استئناف هجرة اليهود إلى إسرائيل، لكن هذه الأخيرة فضلت تعزيز
علاقاتها بالقصر ورفضت دعم المعارضة.."
(Demain Magazine n° 2).
لقد
برهن الأمازيغ على الدوام على إيمان قوي بوطنيتهم. وقد أبلى المقاومون
البلاء الحسن في الدفاع عن الوطن ضد جميع أنواع الاحتلال، قديما
وحديثا. ومن المفارقات المضحكة أن ينعت أحفادهم اليوم ب"أبناء ليوطي"
وغيرها من الأوصاف القدحية، التي تكشف في الواقع عن نفسية
وحقيقة
أصحابها.