تعقيبا على الحملة الإعلامية المعادية
لمسؤولي الدولة الذين يوظفون الأمازيغية في تدبير شؤون المواطنين
بقلم: الأستاذ محمد قروع (كلية العلوم،
وجدة)
كباقي
المهتمين بالقضايا المصيرية لبلادنا، وخاصة ما يتعلق منها بالتوجه
الثقافي والسياسي والإعلامي الذي، عوض أن يعكس ويخدم أوجه التعدد
والتنوع المعاش، ولكن المغيب في الحياة اليومية للمواطن والدولة، ما
زال هذا التوجه المؤسساتي يتمادى في الدعم الكلى لثقافة الوصاية
المركزية والموجهة التي تحول جل الساكنة إلى مجرد آليات للتنفيذ بدل
اعتبارهم مواطنين وجب احترامهم في ثقافاتهم ولغاتهم، ثم إشراكهم في
اتخاذ القرار ومراقبة تنفيذه
.
ومن
مخلفات هذا التوجه أن الحزبية المغربية، بشقيها السياسي والنقابي، وجدت
نفسها رهينة إيديولوجيتها القومية في التعاطي للشأن العام والشأن
المحلي وحتى شأنها الداخلي؛ بحيث لجأت إلى أساليب حزبية ديماغوجية
شخصانية كسد لأي تناوب أو تجديد أيديولوجي يقرب هذه الحزبية من
ديمقراطية القرب والحداثة. الشيء الذي يؤكد قوة التسيير المركزي في دحض
أية محاولة لبروز أحزاب تضطلع مباشرة بتدبر جهاتها.
إن
عودة الفكر القومي والمركزي تحت ضل الوطنية نجده في المشهدين الثقافي
والإعلامي اللذين يجسدهما إقصاء جوهر الفكر الإنساني، والثقافة
الأمازيغية وتطبيع عروبة المغرب الأؤورو-إفريقي، بل اكثر من هذا إذكاء
وعي قومي لصد وقمع الأمازيغية في الإدارات وفي التسيير المباشر للشؤون
المحلية والجهوية والوطنية، تمردا على فلسفة المفهوم الجديد للسلطة.
وكمثال على هذا ما تعرض له عامل الناظور من حملة صحفية مشينة لأسباب
عدة. وما يهمني منها تكلمه بالأمازيغية أثناء القيام بمهامه. وأعلق على
هذا كما يلي:
في
الوقت الذي تنمو وتتجسد فيه الحداثة في حياة الأمم عبر توطين القيم
الإنسانية مكان القيم الطائفية والتيولجية والأيديولوجية، يتمادى خليط
من القوى السياسية والثقافية "المغربية" في نهج خطاب أيديولوجي ما زال
يجعل من العربية والعروبة وما أنتجتاهما من قضايا مشرقية معروفة منبع
ومحور ثقافتها وقيمها وعين العقل التي ترى بها الآخر ولو كان ذلك
الآخر الأمازيغية ذاتها.
ففي
الماضي القريب استغل الجيل الأول من هذه القوى مناخ مقاومة الاستعمار
والبحث عن الاستقلال لزرع ثقافة شبه دينية كدعم وحمية لمخطط التعريب
الأيديولوجي الذي ستتم مأسسته فيما بعد بواسطة المدرسة بمختلف فروعها
المدنية والدينية. والهدف من كل هذا هو نقل العربية من
موقع
التعايش مع الأمازيغية إلى موقع الاستحواذ على الفضاء الثقافي واللغوي
مع إلغاء جغرافية المغرب بالشكل الذي يسمح فقط بربط المغرب والمغاربة
بالمشرق؛ بمعنى فرض نوع جديد من الهجرة المقدسة نحو المشرق على مقومات
الذات الأمازيغية، من تاريخ وثقافة ولغة توخيا للاستعراب والولاء
والتبعية في كل شيء حتى في تسمية الأطفال
.
واليوم
يصبو العالم نحو عولمة حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الثقافية
واللغوية وحقوق الطفل، الشيء الذي لن يتأتى إلا بتراجع الأنظمة
الشمولية والوطنية-المركزية لصالح نظام سياسي تعددي يتكون من وحدات
ثقافية وسياسية جهوية تضطلع بالتسيير المباشر للشؤون العامة. وهذا
الوجه الآخر للحداثة أضحى بهدد أيديولوجية القوى المذكورة آنفا؛ لأن
المطلوب اليوم هو خلق منافسة وتنافسية بين الجزئيات المكونة لوحدة
سياسية عامة بعد ما أن بينت نظريات في الديمقراطية وفلسفه الحكم أن أي
نظام قائم على المركزية والتمركز، ولو كان مبنيا على مفهوم
الوحدة
المرتبط أصلا بالوطن والوطنية، فإن غالبا ما يشكل هذا النظام أداة
استغلالية داخلية لدى السلطة السياسية الحاكمة يؤدي بها إلى ركب مقاربة
تفاضلية في العمل التنموي بين مناطق الوطن الواحد. بمعنى أن الثقافة
والسلطة المركزيتين يطغى عليهما التسيير الميكانيكى
والإملائي الذي يطبعه منطق نفوذ السلطة المقررة والتقريرية والربح
ومؤهلات لاستثمار، لا معادلة التوازن الاقتصادي بين الجهات، زيادة على
أن هذا التدبير المركزي ينتج عنه حتما إلزامية أكثر من إشراك وتشارك
الجمهور المستهدف من التنمية في عملية اتخاذ القرارات وتقييم الإنجازات
.
إن هذا
الوضع المركزي الغير المنصف في الاستفادة من خيرات البلد سيتفاقم
بالنسبة لبد ما يعج بثقافات تدعمها لغات مختلفة إذا ما تم تحنيط وتكبيل
التنوع الثقافي لصالح ثقافة واحدة، اقتصادية وسياسية موجهة تقطن رفوف
الإدارات والجامعات وأدمغة النخبة، الشيء الذي سيحول
السواد
الأعظم من العمال والمسيرين المحليين، وكذا الأطر المحلية، إلى مجرد
مستهلكين، في الوقت الذي حصل فيه إجماع على أن الحمولة الثقافية
والتواصلية لمجموعة إنسانية ما هي منبع كل الثورات والتقدم .