الأمازيغية في مؤتمري الاتحاد
الاشتراكي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان
بقلم: حساين عبود
(الرباط)
تزامن
انعقاد المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع مؤتمر
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وهما فاعلان يختلفان من حيث مجال
الاشتغال والأهداف التي يروم تحقيقها كل واحد منهما. فالأول تنظيم
سياسي يفترض فيه أن يتوفر على قناعات مشتركة بين مناضليه ومنخرطيه،
للعمل على التعريف بها وإدخالها لحيز التنفيذ في هذه المرحلة التي
يتولى فيها هذا الحزب السلطة الحكومية. والثانية جمعية حقوقية يفترض أن
يكون لها تصور شمولي لحقوق الإنسان، غير انتقائي ولا يحتكم إلى أي وازع
سياسوي أو قوماني.
الاهتمام بمؤتمريهما ليس نوعا من الفضول بقدر ما هو وقفة لاستقصاء
تصوراتهما لمسائل الهوية والثقافة واللغة بالمغرب: هل حافظا على وثوقية
شعاراتهما المحنطة التي جعلت منهما حصونا محصنة للقومية العروبية رغم
ما انتهت إليه من وهن وتضعضع في مجالها الجغرافي المشروع؟
حظي
هذا المؤتمر بمتابعة إعلامية واسعة، وحينها كانت أغلب المنابر
الإعلامية تتضمن أخبارا وقصاصات وتحاليل وقراءات عن الصخب والاحتجاجات
المواكبة لسيرورة التحضير ولإعداد للمؤتمر، سيما عملية إحصاء المناضلين
وانتخاب المؤتمرين وما شابها من خروقات تنم عن غياب الديموقراطية
الداخلية، إضافة إلى التجاذب الساخن المتجسد في التشظي والانشطار إلى
تيارات قد يتعذر التساكن والتعايش في ما بينها مستقبلا داخل البيت
الحزبي، قبيل وأثناء المؤتمر. والملاحظ أنه بمجرد انتهاء الأشغال تعمدت
يوميتا الاتحاد الاشتراكي و"الأحداث المغربية" ممارسة نوع من التعتيم
والمتابعة الباردة أملا في جعله نسيا منسيا.
جاء
المؤتمر بعد إثنتي عشرة سنة عن المؤتمر الخامس، وفي متغيرات انتقل فيها
من موقع الاقتيات والتعيش على خطاب المعارضة إلى قيادة التجربة
الحكومية منذ ثلاث سنوات خلت، وأصبحت رموزه تكرس مسلكيات كانوا
يجعلونها موضوعا للتنديد والإدانة (بعض وسائل الإعلام المرئية سلطت
كاميراتها على وقائع المؤتمر وظهرت سياسة رسمية بجانب بوابة القاعدة،
مما يفيد استغلال سيارت المصلحة لفائدة الحزب). كما رسخ المؤتمر
انحرافات عن الثوابت من خلال اندفاعه نحو الموروث الديني لاستعماله
وتوظيفه سياسيا. فجعل من المرجعية الإسلامية »نبراسا ينير طريقنا طالما
اجتنبت مكونات مجتمعنا التعامل الاستعمالي معها وصانت قدسيتها وسموها
فوق كل الحسابات السياسية«. وكذلك مرجعية ملائمة للاشتراكية
الديموقراطية. فكيف يُفهم هذا الخلط الهجين؟ هل هي رغبة الحزب في اتخاذ
منحى أصولي ومزاحمة الحركات الأصولية على الاشتغال حول الحقل الديني،
خصوصا وأن أحد أقطابه اقترح التحالف مع جماعة العدل والإحسان في
الانتخابات المقبلة.
هذه
إذن هي أهم قسمات وإشارات "الولادة الجديدة" للحزب بتعبير الكاتب الأول
عبد الرحمان اليوسفي. فما ذا عن موقفه من الأمازيغية؟
1
ـ الأمازيغية في المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي للوات الشعبية:
علاقة
بموضوع الأمازيغية، يكون من باب مجانبة الصواب مسايرة الأستاذ محمد
الشامي فيما ذهب إليه في مقالة له بجريدة "المستقل" من اعتبار المؤتمر
محطة نوعية تبلورت فيها مفاهيم جديدة لصالح هذه القضية. لأن هذا القول
يندرج في إطار الدعاية والتبجيل الذي يقوم به اتحادي حضر في الغالب
أشغال المؤتمر. فالأمر الواضح هو أن لا جديد ولا تحول في موقف الاتحاد
الاشتراكي من الأمازيغية. وهذا ما يستخلص من المؤشرات التالية:
ـ
التقرير السياسي الموجه إلى المكاتب الإقليمية والفروع المحلية قصد
المناقشة والدراسة، لم يكن يتضمن موقفا صريحا للحزب من هذه القضية، مما
أثار مؤاخذات واحتجاجات.
ـ رغم
تراجع النفحة العروبية في لغة البيان العام، إلا أنه يمكن القول أنها
حضرت بكيفية ملتبسة من خلال المرجعية الإسلامية، لأنه في فهم الحزب
هناك تلازم بين ثلاثي الإسلام والعروبة والعربية، ولا يتصور أن يؤمن
بوجود ملايين من المغاربة المسلمين غير العرب لهم كامل
الحق في
الاعتزاز بلغتهم وأصولهم الإثنية والهوياتية.
ـ جاء
المؤتمر في سياق القطيعة والجفاء بين التيارات، مما يجعل القضية
الأمازيغية قابلة للاستثمار لاستمالة فعاليات كثيرا ما عبرت عن الموقف
غير المشرف للحزب منها، وعلاوة على ذلك، فإن الاستحقاقات الانتخابية لا
يفصلنا عنها إلا مدة وجيزة، والحكوميون لعم رغبة في الاستمرار في
مواقعهم. ولذلك فإن التنصيص في البيان الختامي على "تبني المؤتمر توجه
تبني تدريس اللغة الأمازيغية" لا يتجاوز الأغراض البلاغية لحفاظ في
النص على سجعه وقافيته وموسيقاه. فالحزب اليوم يتولى تدبير الشأن العام
منذ ثلاث سنوات، وهو المطالَب بتدريس الأمازيغية لا غيره. كما أن تدريس
اللغة لا يمثل إلا مطلبا وحيدا ضمن مطالب عدة للحركة الثقافية
الأمازيغية.
ـ دعوة
الحسين آيت أحمد، الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية لحضور الجلسة
الافتتاحية دون تمكينه من إلقاء ولو كلمة وجيزة، خروجا عن لباقة
وأساليب الضيافة والحوار. وإذا كان انسداد آفاق العلاقات المغربية
الجزائرية يصلح لتأويل هذا التصرف، فإن كون حزب آيت أحمد محسوبا على
الأمازيغية وإمكان إثارتها لا يمن استبعاده.
2
ـ الأمازيغية في مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: لا ننسى أن
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عروبية النزعة، ولها منظور قومي
وانتقائي لحقوق الإنسان وتتعمد التقليل من قيمة وشأن الحقوق اللغوية
والثقافية تجنبا لإثارة القضية الأمازيغية. فقبل المؤتمر بقليل أقدم
رئيسها على سلوك عنصري تجاه هذه القضية في محفل دولي بالدار البيضاء،
كما أن الشعار المعتمد للمؤتمر: »عدم الإفلات من العقاب في الجرائم
السياسية والاقتصادية شرط للديموقراطية والتنمية« يكشف بوضوح عن رغبة
أكيدة في إقصاء الحقوق اللغوية والثقافية ودعوة صريحة إلى شرعنة
الخروقات والجرائم المقترفة للمساس بهذا النوع من الحقوق، وهو ما يترجم
غياب منظور شمولي لشتى أنواع الحقوق وإعطائها نفس المنزلة. لم يمنع هذا
السجالَ حولها كقضية أساسية داخل أشغال المؤتمر، وحاولت أطراف، ما تزال
تكيف مشاعرها وحماستها مع شعارت طالها الكساد، تحسب على حزب الطليعة
الاشتراكي والنهج الديموقراطي، إحدى حساسيات التيار الجديد، العمل على
تعويمه لتطويق أية إمكانية لطرحها باعتبارها مسألة سياسية، مما أثار
حفيظة بعض النشطاء في الحقل الثقافي الأمازيغي الذين انسحبوا من أشغال
المؤتمر احتجاجا على جعل سؤال الأمازيغية مؤجلا.
نستنتج
في الأخير انه لا فعاليات المجتمع المدني ولا هيئات المجتمع السياسي
قادرة على صناعة تحول في التعاطي الإيجابي مع الأمازيغية.