دروس الغصب الأمازيغي بالجزائر
بقلم: محمد بودهان
لقد
اختتمنا افتتاحية العدد السابق بما يلي: »لقد كنا دائما نضحي حتى الموت
من أجل الأرض في مواجهة شتى أنواع الغزو والاستعمار. ويبدو أن
الأمازيغية لن تستعيد مكانتها إلا إذا ضحينا من أجلها بنفس الأسلوب
الجهادي التضحوي الذي كنا نضحي به من أجل استرداد الأرض«. وهاهم
الأمازيغيون بالجزائر يستشهدون ويموتون بالمئات في سبيل الأمازيغية ومن
أجلها. إنها مرحلة جديدة وأسلوب جديد من النضال من أجل رد الاعتبار
للأمازيغية والاعتراف الرسمي بها. وربما هذه هي الوسيلة الوحيدة
والأخيرة والحاسمة والناجعة للدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية
والهوياتية والتاريخية الأمازيغية، بعد أن تبين أن الحكام مستمرون في
سياستهم الإقصائية تجاه الأمازيغية، مستخفين بصبر الأمازيغيين
ومستهزئين باستعمالهم للوسائل السلمية في المطالبة بحقوقهم.
لكن
انفجار الغضب الأمازيغي، الذي اجتاح عدة مناطق بالجزائر، على امتداد
أزيد من أسبوعين، كان درسا بليغا للحكام المستصغرين لشأن القضية
الأمازيغية، معتبرينها اهتماما خاصا "بالصغار"، و"هواية" نخبوية لبعض
المثقفين "المتفرنسين". لقد أثبتت أحداث "القبائل" خطأ حساباتهم وبرهنت
لهم أن الأمازيغية ذات عمق اجتماعي تستطيع في أية لحظة أن تهز أركان
الدولة وتزعزع الأنظمة الحاكمة. لقد اعتقدت السلطة بأنه يكفي إطلاق
الرصاص وقتل واحد أو إثنين ـ كما اعتادت أن تفعل ذلك ـ ليتفرق
المتظاهرون الأمازيغيون طلبا للنجاة. لكن مات منهم واحد،
إثنان..
عشرة، عشرون.. مائة... ومر يوم، ويومان.. أسبوع، وأسبوعان، والانتفاضة
الأمازيغية لا تزداد إلا قوة وتأججا وانتشارا إلى مناطق أخرى،
والأمازيغيون لم يزدادوا إلا صمودا وتكاثرا وتحديا للرصاص والموت. هنا
ارتبكت السلطة واعترفت بخطأ حساباتها، فذعرت وخافت وتراجعت... خافت على
نفسها ومصداقيتها وهيبتها لما رأت أن الغضب الأمازيغي الذي كانت وراءه
مطالب لغوية وهوياتية، امتد إلى مناطق أخرى وانضم إليه كل الساخطين على
النظام والسلطة في كل الجهات الأخرى غير الأمازيغوفونية.
إذا
كان الغضب الأمازيغي قد انفجر بالجزائر بتلك القوة والحدة والدوي الذي
كان أن يطيح بالنظام الحاكم بعد أن عصف بالإتلاف الحكومي، وهذا رغم
التعامل الرسمي المتقدم هناك مع الأمازيغية (تدريسها، إنشاء المحافظة
السامية للأمازيغية، الاعتراف الدستوري بالهوية الأمازيغية، إذاعة
أمازيغية، نشرات إخبارية تلفزية مطولة ومحترمة...) مقارنة مع المغرب،
ورغم كذلك أن الأمازيغيين بالجزائر أقل عددا منهم بالمغرب، فكيف سيكون
حجم انفجار الغضب الأمازيغي وحجم نتائجه بمغرب كله أمازيغي وحيث لا
تزال حتى الأسماء الأمازيغية ممنوعة؟ سؤال يجب
أن
يطرحه ويجيب عنه أصحاب الحل والعقد الرافضون للاعتراف الرسمي
بالأمازيغية، يطرحون هذا السؤال إذا كانوا قد استخلصوا طبعا العبر
والدروس من انفجار الغضب الأمازيغي بالجزائر.
منذ
1994 انتقل تعامل السلطة مع الأمازيغية من القمع المباشر (القمع
العسكري لانتفاضة الريف وتافيلالت في 58 ـ 59، محاكمة علي أزيكو ومنع
المنشورات الأمازيغية في 1982، اعتقال مناضلي تيليلي في 1994...) إلى
القمع اللطيف المتمثل في حقن الجسم الأمازيغي بمزيد من "التلقيحات"
ليتحمل مزيدا من الإقصاء ويصبر على مزيد من الرفض للمطالب الأمازيغية،
ويتعود على الانتظار والتسويف والتأجيل. بدأت سلسلة التلقيحات بخطاب 20
غشت 1994، ثم نشرة "اللهجات" المتلفزة، تلتها عبارة "إنعاش الأمازيغية"
التي وردت في التصريح الحكومي في أبريل 98،
جاء
بعدها ما دعي "بالميثاق الوطني للتربية والتكوين" بحقنة قوية وذكية
تسمى "الاستئناس".
وهذا
ما جعل حكومات العشر سنين الأخيرة مطمئنة ومرتاحة ولا يبدو أن
الأمازيغية تقلقها أبدا بسبب ثقتها في مفعول "التلقيحات"، ولثقتها
الساذجة كذلك في "سذاجة" الأمازيغيين لاعتقادها أن هؤلاء يتفاعلون
بإيجاب مع هذا التلقيحات. ومما يزيد في تغليطها حول حقيقة الأمازيغية
ويمنعها من اتخاذ أي تدبير جدي تجاه المطالب الأمازيغية هي التقارير
التي تصلها عن الحركة الثقافية الأمازيغية، والتي تقول بأن هذه الأخيرة
بدون أي تأثير اجتماعي وبلا قاعدة شعبية، وأن جمعياتها متفرقة ومختلفة
وغير متحدة في أهدافها ولا في طريقة نضالها.
هذا
الاطمئنان والارتياح الذي تشعر به السلطة بالمغرب تجاه الأمازيغية هو
في الحقيقة فخ تنصبه لنفسها وقد تقع فيه في أية لحظة، ذلك أنها بثقتها
الساذجة في مفعول التلقيحات المضادة للأمازيغية تفوت على نفسها فرص
التصالح مع الأمازيغية وتزيد من تراكم الغضب الأمازيغي
الذي
سينفجر يوما كبركان ظل يعتمل لمدة طويلة في صمت تحت الأرض.
إن
الغضب الأمازيغي، إذا انفجر بالمغرب، فلن يكون مقصورا على بعض المناطق
كما هو الأمر بالجزائر، بل سيكون غضبا عاما وشاملا ووطنيا، لأن
الأمازيغية موجودة وحاضرة في كل مناطق المغرب. ولأن الغضب الأمازيغي
بالمغرب سيكون نتيجة عقود من تراكم الإحباطات وكظم للغيظ، فإنه سيكون
انفجارا على شكل بيگ بانگ
Big Bang
كبير وضخم لن يكون ذا
مضمون لغوي وهوياتي فقط، بل سيفجر معه كل المكبوتات السياسية
والاجتماعية والتاريخية، وكل الملفات المسكوت، عنها مثل تآمر النخب
المعلومة مع الاستعمار ضد الأمازيغية، الأراضي الأمازيغية التي سميت
"بالمسترجعة" دون أن تًرجع لأصحابها الأمازيغيين...
إن
الغضب الأمازيغي بالمغرب سيعني أن الأمازيغيين لم يعودا يملكون شيئا
يخافون على فقدانه وخسارته بعد أن فقدوا لغتهم وهويتهم وأراضيهم. وقد
علمتنا نظرية "اللعب" في السياسة أن أسوأ حالة يكون فيه الفاعل
السياسي، ليس عندما يكون إزاء خصم يملك قوة أكثر أو سلاحا أخطر، بل
عندما يكون أمام خصم ليس له ما يخسره، لأن في هذه الحالة، كيفما كانت
نتائج الصراع، سيكون هذا الأخير هو الرابح والأول هو الخاسر بالضرورة.
فهل
استوعبت الحكومة المغربية درس الغضب الأمازيغي بالجزائر لتفادي الغضب
الأمازيغي بالمغرب؟