|
|
المقاربة التاريخية للاعتقال السياسي الأمازيغي بقلم: أعضوش حميد (سجن سيدي سعيد أمكناس)
يشكل الاعتقال السياسي مرحلة متقدمة في الطرق التي تستعملها الدول في مواجهة الحركات التغييرية التي تحمل تصورا مخالفا عن ذلك الذي تحمله الدولة بنفسها وتعمل من أجل تجذيره في الشعب بشتى الوسائل حتى المحرمة دوليا. حيت إن التصور الأمازيغي هو عين الصواب لأنه يمتح من الواقع المعاش وكذا استيعابه لفلسفة حقوق الإنسان التي تعترف بالآخر بخلاف التصور المخزني الإقصائي المبني على ثنائية العروبة والإسلام السياسي إذ تلجأ إليه عندما تفشل آلية الاحتواء سعيا منها إلى قتل الأصوات الحرة الحاملة والمتشبعة بقيم تيموزغا وقيم النسبية والحداثة والعقلانية... فبالرغم من الآثار السلبية التي يتركها الاعتقال السياسي في ذاكرة التاريخ وعلى مستقبل الوطن والمواطن فقد عمل المخزن المغربي بشن حملة من الاعتقالات وقمع للإنسان الأمازيغي منذ "الاحتقلال" وقبله. إلا أنني سأركز في مقالي هذا على مرحلة ما بعد الاستقلال الشكلي. وذلك من أجل الحفاظ على الشرعية التقليدية في الحكم بعيدا عن فلسفة حقوق الإنسان بالإضافة إلى ابتعادها عن مبدأ العقلانية كأرقى ما وصلت إليه الإنسانية. الجنوب الشرقي عرف الجنوب الشرقي مجموعة من الاعتقالات السياسية عبر التاريخ, حيث يتذكر الجميع ما عرفته هذه المنطقة، وبالضبط منطقة صاغرو المجيدة, التي نهج فيها القائد التاريخي عسو أوبسلام فن حرب العصابات. إذ بالرغم من أن الجيوش الفرنسية نهجت أساليب الإبادة الجماعية والوحشية وذلك بطوق الحصار مما أدى بالمقاومين إلى الصعود إلى قمم جبال صاغرو، لكن المستعمر استعمل أدوات وأسلحة متطورة لقصف المقاومة في المخابئ الجبلية وضرب الحصار على السكان. وحسب البير عياش فبالرغم من انتصار المقاومة فإن من بين البنود التي اتفقت عليها المقاومة هي الاستسلام لسلطة المخزن العروبي حيت كان هذا البند بمثابة شرعية قانونية لشن الاعتقالات في صفوف أبناء هذه المنطقة المقاومة للاستعمار إذ لجا هذا الأخير بتواطؤ مع المخزن بتسليمه السلطة مقابل استمراره في الاستفادة من خبرات هذه البلاد السعيدة التي شاء لها الوقت أن تسير على هذا المنوال المعوج مقابل تزييف الواقع والحقيقة وخلق هوية مزيفة على حساب الهوية الحقيقية التي هي الأمازيغية. تلك هي المكافأة التي يستحقها كل أبناء المناطق التي قاومت المستعمر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كان مصير المقاوم عدي اوبيهي هو القمع , السجن والحكم عليه بالإعدام في قريته كراندو وفرض عقاب جماعي على المنطقة بإقصائها من كل المشاريع التنموية وذلك تمهيدا لاستباحة كرامة الإنسان الحر وذلك لكونهم تزعموا ثورة ضد الحكم وزعماء الحركة اللاوطنية والتي كانت تبحث عن الهيمنة والاستفراد بالحكم ومواجهة كل من ينادي بالتعددية والاختلاف وتلك هي النتيجة التي يعيشها الإنسان الأمازيغي في بداية هذا القرن. إن الاعتقالات السياسية التي شنها المخزن العروبي على كل ما هو أمازيغي ليس وليد اليوم وليس مفاجئا لحجم التهم التي يوجهها للمناضلين, فقد عرفت جمعية تيليلي سنة 94 اعتقالات بالجملة, استهدفت نخبة مثقفة. وفي العهد الجديد عرفت سنة 2007 اعتقالات سياسية بالجملة استهدفت الحركة الثقافية الأمازيغية بكل من موقع اكادير , امتغرن وامكناس وذلك سعيا من المخزن المغربي لكسر شوكة واستئصال الصوت الحر والخطاب العلمي من داخل الساحة الجامعية بعدما بدأ يربي حق الاحتجاج في الشعب ومصالحة الشعب مع ذاته الحقيقية بعيدا عن الخرافة والأسطرة التي استمرت لعقود طويلة. ولقد قام المخزن المغربي على اختلاق تهم بعيدة عن أخلاق الإنسان الأمازيغي لكي يبرر اعتقاله أمام المنتظم الدولي. إذ تصل أحكام هده التهم الملفقة في ملفنا إلى الإعدام حسب القانون الجنائي المغربي , في الوقت الذي كانت فيه إحدى العائلات تستفرد بالسلطة والحكم والمناصب وكذلك استمرار تزييف الهوية باصطناع هوية للقومية العربية. الشمال المغربي فقد عرف الريف مند الخمسينات من القرن الماضي مجموعة من الاعتقالات والاغتيالات على خلفية مطالب اجتماعية أبرزها أحداث 1959 و1984 ورغم اختلاف شروط الانتفاضتين إلا أن القاسم المشترك بينهما هو شدة القمع الذي استخدمت فيه آلبات حربية ثقيلة وما رافقهما من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من ضمنها الاعتقالات العشوائية وتوزيع تهم مجانية ومختلفة بالإضافة إلى محاكمات صورية بلغت الإعدام في حق قيادات المقاومة والزج بعدد آخر في السجون. والتاريخ يعيد نفسه في ظل ما يسمى بالعهد الجديد, فقد شهدت منطقة الحسيمة سنة 2005 اعتقالات تعسفية وأحكاما جائرة في حق مناضلي جمعية تماسينت لمتابعة آثار الزلزال ردا من المخزن على الاحتجاجات التي نظمتها الجمعية إلى جانب السكان الدين دمرت منازلهم إثر زلزال 2004 الذي دمر منازل العديد من السكان. كما لا يمكن أن ننسى اعتقال المناضل الحقوقي شكيب الخياري على خلفية فضحه لفضيحة تورط مسؤولين نافدين في الدولة في الاتجار الدولي بالمخدرات بمنطقة الريف. والغريب في هذا التعامل المخزني هو كون هدا النظام السياسي يوجه تهمة الخيانة والتعامل مع الأجنبي على حساب الوطن. إذ اتهمت قيادة 1959 بتلقيهم لدعم من طرف الدولة الاسبانية والمتمثل في الدعم السياسي والتزويد بالبواخر والأسلحة, بالرغم من أن مطالب هذه الانتفاضة لم تتجاوز سقف المطالب الاجتماعية وهو ما أكده الحسن الثاني بعفو ملكي شمل كل المعتقلين وعلى رأسهم القيادة حيث أقحم أغلبهم في حزب الفديك وفازوا بمقاعد برلمانية بالمنطقة ولم يستفد منهم من العفو سوى سلام أمزيان الذي فر إلى إسبانيا ليبقى حكم الإعدام صادرا في حقه إلى أن وافته المنية بهولندا. الجنوب الغربي ووسط المغرب ومن الواضح أن أشكال المقاربة والتعاطي مع الظاهرة الاحتجاجية بالمغرب هي القمع والاعتقال ومحاصرة الأحياء. والنموذج أيضا بايت باعمران الأمازيغية والتي حملت السلاح في وجه المستعمر الاسباني والفرنسي حيث تواطأ العملاء بتصفية عدد من قيادات المقاومة والزج بعدد آخر في السجون تمهيدا للاستعلاء على السلطة والثروة باسم الحركة الوطنية. وفي نفس السياق الحرب التي شنها المخزن العروبي في عهد الحسن الثاني، فقد تم اعتقال المناضل العبقري علي صدقي ازايكو سنة 1982 إثر نشره لمقال تحث عنوان «من أجل مفهوم حقيقي لهويتنا الوطنية» وصدرت في حقه سنة سجنا نافذا. إلى جانب ذلك فقد تم قمع سكان صفرو سنة 2007 بعدما احتجوا ضد الإقصاء الذي يعانون منه, حيث حوكم المعتقلون في هذه الانتفاضة بأحكام جائرة. كما تم اختطاف 5 نساء بأيت عبدي بعدما انتفضن ضد الحكرة ولم يتم إطلاق سراحهن إلا بعد تعرضن للتعذيب. وفي ضل العهد الجديد فقد تكرر نفس سيناريو بومالن دادس في سيدي افني من قمع واقتحامات للمنازل وتسخير المخزن لأجهزته الأمنية والمخابراتية في اعتقالات كثيرة ومحاكمات صورية وآخرها أحداث تغجيجت حيت تم اعتقال مناضل الحركة الثقافية الأمازيغية بجامعة ابن زهر باكادير عبد الله بوكفو بتهمة الميز العنصري والتحريض على الكراهية والعنف وغيرها من التهم المجانية. وقد صدر في حقه سنة سجنا نافدة وغرامة مالية كما تم اعتقال المناضل الأمازيغي بوبكر اليديب عضو جمعية تامينوت وصدرت في حقه ستة أشهر حبسا نافدة وغرامة مالية بتهمة التجمهر بدون ترخيص وإهانة موظف وغيرها من التهم المجانية. خاتمة: إن المتصفح لمسار تعامل الدولة مع الحركات الاحتجاجية بالمغرب يختلف من منطقة إلى أخرى. فبالنسبة لمنطقتي الريف والصحراء فإن تهمة العمالة للأجنبي هي المشتركة بينهما عكس الجنوب الشرقي حيث يعتمد النظام تهما جاهزة ومفبركة لمنح المشروعية للاعتقال. بهذه المقاربة المتواضعة والتي اعتمدنا فيها على بعض حالات الاعتقالات عبر سيرورة زمنية محددة, والأكيد أن هناك حالات وتجارب أخرى عديدة لكن اقتصرنا على بعض منها, يتبين لنا أن كل مناضل حر غيور على أمازيغيته فهو يتواجد في حالات سراح مؤقت والتهم المجانية تنتظره وقد ترميه إلى ما وراء القضبان. ولنا العزم في الوعي الأمازيغي الجماعي الذي بدا منتشرا اليوم بين الشباب ورجال الغد في رد الاعتبار للقضية الأمازيغية عبر التشبث بقيم تيموزغا من أجل كرامة الإنسان الأمازيغي. (أعضوش حميد، سجن سيدي سعيد، أمكناس، 02\03\2010)
|
|