|
|
في الحاجة إلى رد الاعتبار للهوية الأمازيغية للمغرب بقلم: محمد أيت بود
الفعل الثقافي هو الفعل الجماعي الذي لاينفصل عن الإنسان، لأنه إنتاج إنساني بامتياز، ولأنه كذلك فإن ما يجعل الشعوب مختلفة حقيقة هو هذا الفعل الثقافي بالذات، وعندما نقول الفعل الثقافي فإننا نقصد كل القيم الرمزية التي يؤمن بها المجتمع ويقدسها ويسعى إلى جعلها بمثابة الخصوصية التي تميزه عن الآخرين، هذه القيم الرمزية التي يصنعها المجتمع سواء من تلقاء نفسه أو يقتبسها من الآخرين في إطار التلاقح الثقافي أو تفرض عليه بواسطة السلطة الثقافية التي تستعمل لأجل هذه الغاية كل الأدوات الأيديولوجية من مدرسة وإعلام ودين، هي التي تجسد مضمون الخصوصية الثقافية عند هذا المجتمع أو ذاك. وبالنسبة للمغرب فالفعل الثقافي هو فعلان ثقافيان، الأول فعل شعبي يسير بنفس تلقائي، وهو فعل موروث يحاول المثقفون في الوقت الراهن بعثه من غياهب الإهمال والنسيان والتهميش، والثاني مؤسسي مؤدلج يحاول إقحام خصوصية ليست أصيلة بالنسبة للشعب المغربي الذي يتميز بانتمائه إلى الهوية والثقافة والخصوصية الأمازيغية. ونظرا لكون الفعل الثقافي المؤسسي يستفيد من دعم الفئة الحاكمة لأنه يحمي مصالحها، فقد استطاع، لما يتوفر عليه من ترسانة أيديولوجية، وعوامل تعرية ثقافية وسياسية، ليس فقط منذ الاستقلال كما يعتقد البعض، ولو أن هذه الفترة تعد مهمة بالنسبة لمؤثرات الفعل الثقافي المؤسسي على الفعل الثقافي الشعبي، أن يؤسس لرؤية جديدة للهوية بالمغرب ترتكز على جعل الأيديولوجية العروبية هي المهيمن الطاغي على المخيال الجمعي للفعل الثقافي بشكل صار يمتد ليشمل مناطق الفعل الثقافي غير المؤسسي أو الشعبي، هذه الحصيلة الثقيلة لاثني عشر قرنا من الأدلجة جعلت الإنسان المغربي ينسلخ وبدون أن يشعر عن هويته الثقافية واللغوية، ويتبنى هوية جديدة أصبحت هي المعيار الأساسي لقياس درجة الانتماء إلى المغرب، هذه الهوية هي الهوية العربية للمغرب. وبدون الرجوع لا إلى التاريخ ولا إلى باقي العلوم الإنسانية الأخرى، يكفي القول إن النخبة المغربية والطبقة الحاكمة، وبتعبير آخر المغرب الرسمي الذي يعترف الآن بالتعددية الثقافية واللغوية بعد عقود من النضال الأمازيغي، فقط من أجل تكريس مفهوم جديد على الفكر المغربي المعاصر المشبع بالإيديولوية العروبية المشرقية، الرافضة للتنوع والتعدد سابقا والذي تقبله الآن، أعتقد صار يعترف بهذه التعددية وهو على يقين أن السلطة الثقافية التي استعمل معاولها لاثني عشر قرنا، قد عملت عملها في الناس، بحيث لا يعني الاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي إعادة الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغية بالشكل الذي يجعل الإنسان المغربي يعتقد أنه إنسان أمازيغي لديه خصوصية ثقافية تختلف عن الخصوصية المشرقية، بل بشكل يكرس مفهوم الطائفية الثقافية الذي يوسم بالتعدد والاختلاف. فالأمازيغة بالنسبة لغير الناطقين باللغة الأمازيغية هي تراث مغربي يعد أمرا محمودا الانفتاح عليه، لكن من أية نافذة؟ أعتقد من نافدة الشعور بانتمائهم للهوية العربية، في مقابل المغاربة الناطقين بالامازيغية الذي يعتقد القليل منهم فقط أنهم ينتمون إلى الهوية الأمازيغية، في حين لا يكف العديد منهم عن الاعتقاد بأنهم ينتمون إلى الهوية العربية.الآن بعد أن قطعنا شوطا مهما في تعريب الشجر والحجر، بشكل جعل الأمازيغي الذي كان الى الأمس القريب لا يزال يتكلم لغته الأمازيغية، قد هجرها وصار يستعمل بدلها الدارجة المغربية، لا بأس من الاعتراف بفضيلة التعدد الثقافي واللغوي للمغرب، فعن أي تعدد ثقافي ولغوي نتحدث؟ إذا كان التعدد الثقافي واللغوي يقصد به ما تبقى في الثقافة الأمازيغية من أهازيج، بعد أن انحسر دور اللغة الأمازيغية داخل الحقل في البادية أو داخل البيت في المدينة، فإن هذا التعدد هو أصلا غير موجود، لأن المهمين على الفكر والوجدان الجماعي هو الأيديولوجية العروبية، التي تنظر إلى ماعداها من الخصوصيات، وأقصد هنا الخصوصية الأمازيغية، بعين الاحتقار والازدراء، في حين لم يعد هناك أي دور يذكر للغة الأمازيغية، هذه اللغة التي نكن لها جميعا الاحترام والتقدير لأنها استطاعت أن تصمد منذ عصور الوندال والبيزنطيين إلى الفينيقيين والرومان إلى العرب والبرتغال والإسبان والفرنسيين، صرنا نخشى عليها من الاندثار، بفعل عوامل الطمس والإقصاء والتهميش الممنهج التي يستخدمها ضدها الفعل الثقافي الرسمي والمؤسسي أو عوامل السلطة الثقافية التي يحتكرها هذا الفعل الثقافي الرسمي، وهذه الأخيرة لا تعير أدنى اهتمام لهذه اللغة، بالرغم من التمويهات التي تحاول أن تشعرنا بها على أنها فعلا تهتم بها، وهنا وجب لي أن أقر أن الفعل الثقافي، يصاحبه فعل آخر هو الفعل السياسي، ففي ظل هذا الأخيرليس هنالك اعتبار إلا للمصالح الذاتية، وعندما تحضر المصالح يغيب الإنصاف بالضرورة، ويطلق العنان للأسلحة الايديولجية، التي تعمل بدون توقف من أجل اكتساح أكبر قدر ممكن من المواقع والمساحات الفارغة، وفي إطار التكتيك لا باس من إفراغ بعض المواقع، استعدادا لاحتلال مواقع استراتجية أكثر أهمية. أعتقد أن إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية يبدأ مع إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية في المدرسة والجامعة أولا وقبل كل شئ، وذلك بواسطة تقنين إجبارية تدريسها، حتى تنشأ لدينا الأجيال القادرة على حمل أسئلة الفكر والعلم والثقافة بواسطة وضمن هذه اللغة إلى أبعد مدى، ثم في الإعلام، والإدارة والمصنع والحقل والشارع والحافلة والتاكسي، وفي خطب الجمعة والعيدين، ودروس الإرشاد الديني...الخ، وفي كل المرافق العامة والمؤسسات العمومية والمراكز الاجتماعية، وأريد هنا أن أفتح قوسا من أجل استحضار بعض الوقائع التي كنت شاهدا عليها، قصد الاستشهاد على الطريقة التي صار ينظر بها إلى اللغة الأمازيغية سواء من طرف المغربي الناطق بالامازيغية أو الناطق بالدارجة المغربية، وذلك من منظور مؤثرات الخلفية الأيديولوجية التي عملت عملها في البشر، وهنا تحضر لي واقعة الحافلة التي يتكون ركابها في مجملهم من الناطقين بالامازيغية القادمين من إحدى مدن الجنوب المغربي، بحيث، وبالرغم من كونهم أمازيغ ويشاهدون داخل الحافلة فيلما أمازيغيا أو أغنية أمازيغية مصورة، إلا أن التخاطب بينهم سواء داخل الحافلة أو خارجها يتم بالدارجة المغربية، فما الذي سيتبقى لهؤلاء الامازيغ إذا ذهبت لغتهم؟ ولماذا الإصرار على عدم التحدث بلغتهم؟ الإجابة بسيطة جدا، إنها ترتبط بعوامل الفعل الثقافي الرسمي الذي استخدم السلطة الثقافية التي يتوفر عليها بشكل جيد لم تترك للناس فرصة لتأمل ذواتهم وطرح الأسئلة بشأن هويتهم الثقافية، بل قامت بتدجينهم، وجعلهم يشعرون بنوع من مركب النقص الاجتماعي عندما يتحدثون بلغتهم الأصلية، والعملية هنا مرتبطة بتزييف الوعي الجماعي للناس الذين يحاولون جاهدين من أجل إخفاء أصلهم، والأمثلة في هذا الباب كثيرة جدا، بحيث لم يعد الأمازيغي يفتخر بأصله ولغته الأمازيغية، حتى عندما يتخاطب داخل محيط ثقافي ولغوي أمازيغي، لهذا فإني أعتقد أنه لن يجدي نفعا التخاطب باللغة الأمازيغية سواء على أمواج الإذاعة أو التلفزيون، ما دام الفعل الثقافي الرسمي لا يزال مستمرا في تنميط وتزييف الوعي الثقافي واللغوي للناس، بجعلهم يعتقدون أنهم ينتمون الى الهوية العربية، كما أن الأمر لن تتغير ما لم يتم على الأقل حماية اللغة الأمازيغية دستوريا بالتنصيص على جعلها لغة وطنية ورسمية في الدستور المغربي. وعندما أشدد على هذه المسألة فلأني لمست تناقضا واضحا بين الخطاب الرسمي والواقع المعاش الذي صرنا نلاحظ فيه شبه غياب تام للغة الأمازيغية، وهنا وجب التنبيه إلى كوني لا أدافع عن اللغة الأمازيغية من منظور شوفيني متعصب، بل لأنني لمست أنها صارت تهمش شيئا فشيئا، وصار المتكلمون بها في تناقص واضح يوما بعد يوم، ففي الوقت الذي يبشر فيه البعض بانفتاح الدولة والمجتمع على الأمازيغية، وتصالحهما مع ذاتهما، خاصة مع انطلاق القناة الأمازيغية، يفاجأ الجميع بعزم المجلس الأعلى للتعليم حرمان الأمازيغية من حقها في ولوج المدارس العمومية وإقصائها وحصرها في المجال اللهجي للمناطق الناطقة بالامازيغية، مما يجعل التساؤلات التالية مشروعة :هل فعلا تم القطع مع كل الممارسات الرامية إلى تهميش اللغة الأمازيغية، بل والرامية إلى قتل وإقبار الهوية الأمازيغية؟ أم أنه بالرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه الخطاب الرسمي، خاصة موقف المؤسسة الملكية من الأمازيغية، مقارنة بالأحزاب السياسية، لا تزال ضمنه جيوب مقاومة تستميت من أجل عدم إحراز للغة الأمازيغية لأي تقدم لا في الإعلام ولا في التعليم ولا في الحياة العامة؟ وهل تستطيع اللغة الأمازيغية أن تصمد أمام لوبيات التعريب المطلق والشامل الرسمية، ما لم تتوفر لها الحماية الدستورية والقانونية والمؤسساتية اللازمة؟ وهل للدولة خطاب موحدا تجاه الأمازيغية أم أن لها خطابا مزدوجا؟ إن إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية للمغرب لن يتم إلا بالاعتراف الرسمي للدولة بهذه الهوية، وذلك يبدأ بطبيعة الحال مع إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية وإنصافها في التعليم والإعلام والحياة العامة، وتوفير الحماية الدستورية والقانونية لها، الشيء الذي لا شك سوف يؤثر على المجتمعين السياسي والمدني وكل المؤسسات الشعبية والمجتمعية، لتحذو حذوها في الاعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب، أي إبرام الدولة لعقد اجتماعي جديد مع المجتمع يكرس تصالحهما مع هويتهما الأصلية، آنذاك فقط يمكن الحديث عن رغبة الدولة في إعادة تأسيس مجتمع جديد أكثر انفتاحا وتسامحا يؤمن بفضيلة التعدد والاختلاف الثقافي، مجتمع المواطنة والديمقراطية، الذي سيوفر إمكانية تعايش المكونات الثقافية المشكلة للنسيج الثقافي المغربي في وطن واحد يتيح للجميع التمتع بنفس الحقوق والواجبات، لكن في ظل الهوية الأمازيغية.
|
|